إسرائيليون: اتفاقات أوسلو كانت خطأً أكثر منها صحيحة

وكالات- مصدر الإخبارية

يعتقد عدد أكبر من الإسرائيليين أن اتفاقيات أوسلو كانت خطأً أكثر من أولئك الذين يعتقدون أنها كانت الخطوة الصحيحة، وفقًا لاستطلاع رأي إسرائيلي لمؤشر الصوت الصادر عن معهد الديمقراطية الإسرائيلي يوم الاثنين.
وكانت الاتفاقيات، التي تم التوقيع عليها قبل 30 عاما، عبارة عن سلسلة من الاتفاقيات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية تم التوصل إليها في عام 1993 كجزء من عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
وبحسب الاستطلاع، بعد مرور 30 عاما، يعتقد 39% من الإسرائيليين أنه لم يكن من الصحيح التوقيع على الاتفاقيات بينما يعتقد 36% أنه كان كذلك. أما بين السكان العرب فقد جاءت النتيجة معاكسة حيث يعتقد 39% أنها صحيحة و28% يعتقدون أنها غير صحيحة.
فيما يتعلق بالتوجه السياسي، فإن الانقسام أكبر بكثير حيث يعتقد 68% من اليساريين أن اتفاقيات أوسلو كانت جيدة مقارنة بـ 22% فقط من اليمين.
عند سؤالهم عن المسؤول عن فشل الاتفاقات في التوصل إلى السلام، يلقي ما يزيد قليلاً عن نصف اليهود الإسرائيليين اللوم على الفلسطينيين بينما يلقي ما يقرب من ثلث عرب إسرائيل اللوم على اليهود. لكن المزيد من العرب (47%) يلقون باللوم على كلا الجانبين.
الإسرائيليون منقسمون حول موقف نتنياهو وسط السلام السعودي
علاوة على ذلك، فيما يتعلق بموضوع السلام، سُئل المشاركون عما إذا كان اتفاق التطبيع مع السعودية سيؤثر على الموقف السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
عدد الأشخاص الذين اعتقدوا أن الاتفاق سيعزز مكانة نتنياهو السياسية (41%) كان أعلى قليلاً فقط من أولئك الذين اعتقدوا أن مكانته لن تتأثر (39%) وفي الوقت نفسه، اعتقد 5% فقط أنه سيضعف.
وفيما يتعلق بكيفية تأثير الاتفاق على الاحتجاجات ضد الحكومة، اعتقد أكثر من نصفهم أنه لن يفعل ذلك على الإطلاق بينما اعتقد 9% أنه سيعززها و15% اعتقدوا أنه سيضعفها.
احتجاجات الإصلاح القضائي: حماية الديمقراطية الإسرائيلية أم إسقاط الحكومة؟
فيما يتعلق بالاحتجاجات، يعتقد ما يقرب من ثلثي ناخبي الائتلاف أن هدفهم هو إسقاط الحكومة بينما يقول معظم ناخبي المعارضة (44%) أن هدفهم هو “حماية الجوهر الديمقراطي لدولة إسرائيل بروح إعلان الاستقلال”.
إحدى القضايا التي تعرض المتظاهرون لانتقادات شديدة بسببها هي احتجاجهم ضد نتنياهو خلال رحلته إلى الولايات المتحدة حيث ألقى خطابًا في الأمم المتحدة والتقى بالرئيس الأمريكي جو بايدن.
وتظهر مقارنة بين نتائج استطلاعات الرأي في شهري مارس/آذار وسبتمبر/أيلول أن عدد الأشخاص الذين يدعمون مثل هذه الاحتجاجات ارتفع طوال هذا العام بينما بقي عدد المعارضين لها على حاله. أصبح عدد أقل من الناس الآن غير متأكدين من شعورهم تجاه هذا الموضوع.

كل ما حصل عليه الفلسطينيون من أوسلو كان كنتاكي

المصدر: فورين بوليسي

كان ذلك عام 2003. وكانت الضفة الغربية لا تزال تتعرض للقصف، وكانت واجهاتها الخارجية الملساء المصنوعة من الحجر الجيري مملوءة بثقوب الرصاص، وكانت الطرق محطمة تحت وطأة الدبابات الإسرائيلية. وقبل أقل من عام، شنت القوات الإسرائيلية غزوًا واسع النطاق لست مدن في الضفة الغربية، بما في ذلك رام الله. الذريعة: إخراج القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها ياسر عرفات، وتدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية.

أولئك الذين يعيشون هناك كانوا يخضعون لحظر التجول بشكل متقطع لأسابيع في كل مرة. وكانت الدبابات تجوب الشوارع، وأطلقت طائرات الأباتشي النار على وزارات السلطة الفلسطينية ومراكز الشرطة، حتى أن الطائرات المقاتلة من طراز إف 16 كانت تنفذ عمليات اغتيال خارج نطاق القانون.

لقد مر الفلسطينيون بكل ذلك، الجيد، والسيئ، والقبيح. كان الأمر الجيد هو أننا كنا متماسكين معاً، ونساعد بعضنا البعض، ونتقاسم الطعام أثناء حظر التجول، ونطبخ للمبنى بأكمله، ونقترض كل ما نحتاجه من بعضنا البعض. وتراوحت الأمور السيئة والقبيحة بين الدمار واسع النطاق للمنازل والبنية التحتية، إلى الاعتقالات والاحتجازات والقتل على نطاق واسع.

كانت هناك جيوب صغيرة من الحرية. عندما اختفت الدبابات الإسرائيلية، كنا نسير لمسافات طويلة في الحي، ونتجول في الشوارع فقط لنكون في الخارج ونتذكر كيف كان شعورنا بالرياح تداعب وجوهنا. في بعض الأحيان كنا نتسلل إلى منازل الأصدقاء ونبقى حتى يتم رفع حظر التجول. وفي الأيام التي كنا فيها شجعاناً بشكل استثنائي، كنا نغامر بالذهاب إلى أريحا، التي على الرغم من محاصرتها، فقد نجت من مصير جنين والخليل والمدن الأخرى التي هوجمت في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2002.

وكانت المدينة الأولى التي منح الإسرائيليون للفلسطينيين سيطرة مدنية وأمنية كاملة عليها، محولين مدينة صحراوية كانت هادئة ذات يوم – معروفة بطقسها المعتدل في الشتاء – إلى مركز سياحي. في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، كانت أريحا، أقدم مدينة مأهولة في العالم، والتي تتمتع بماض توراتي غني، تعج بالسياح.

في عام 1998، في ذروة هذه السنوات السلمية، أصبح فندق إنتركونتيننتال أريحا وكازينو الواحة المجاور رمزاً للسلام الذي يمكن أن يكون: يتردد عليه الإسرائيليون والأجانب على حد سواء، ويختلطون بالموظفين الفلسطينيين، الذين يُمنعون من لعب القمار، ولكن يسمح لهم بالعمل هناك.

لكنه كان سلاماً لم يتحقق أبداً. في أعقاب الانتفاضة الثانية، وخاصة بعد غزو الضفة الغربية عام 2002، تبخر قطاع السياحة الناشئ في أريحا وتوفي مصدر رئيسي للدخل. في يوم دافئ من شهر يناير عام 2003، قررت أنا وصديقي قضاء عطلة نهاية الأسبوع هناك.

خططنا للمغادرة خلال فترة الست ساعات عندما تم رفع حظر التجول ليتمكن الناس من شراء احتياجاتهم، والعودة بعد يومين عندما تم رفعه مرة أخرى. لقد كان امتيازاً لا يستطيع سوى عدد قليل جداً من الناس تحمله، وكنا نعلم أننا محظوظون لأننا تمكنا من التظاهر بأن الاحتلال لم يكن موجوداً لعدة أيام.

لكن الفندق نفسه كان يعكس الواقع المحزن لفشل ما بعد أوسلو. كانت حمامات السباحة فارغة عملياً. كانت الردهة قاتمة وخالية من الحياة. لكن الكازينو المجاور، الذي أُغلق في عام 2000، كان غريباً حقاً. كنا اثنين من أصل 10 أشخاص آخرين، عرض المدير أن يرينا المكان. كان الأمر أشبه بالدخول إلى كبسولة زمنية محفوظة تماماً.

تم الحفاظ على طاولات البلاك جاك ذات اللون الأخضر بطريقة صحيحة. تم وضع أغطية بيضاء فوق الكراسي الفخمة، وماكينات القمار، وعجلات الروليت لحمايتها من الغبار والوقت، ربما في إشارة إلى الأمل في استخدامها مرة أخرى في وقت ما قريباً. كان الأمر أشبه بالتقاط لقطة شاشة لذروة فترة أوسلو.

لقد تحدثت مؤخرًا مع جمال، وهو شاب فلسطيني كان يعمل هناك خلال تلك الفترة. وقال إنه حصل على مبلغ لا بأس به من المال في ذلك الوقت، وهو ما يكفي لدفع تكاليف شهادته الجامعية. عندما تعقبته في وقت سابق من هذا العام، كان عاطلاً عن العمل، وشهادته مؤطرة، في انتظار أن يتم تعليقها في مكان ما.

واليوم يقول جمال إن أوسلو كانت واجهة. وفي أفضل أوقاته، كان قادرا على القيادة بسيارته ذات اللوحة الفلسطينية مباشرة إلى تل أبيب. لم يكن خائفاً من التحدث باللغة العربية داخل إسرائيل. ولكن هذا كل ما كان عليه الأمر، كما يقول. رحلات الشاطئ والحفلات والحرية التي جاءت على حساب أشياء أخرى كثيرة.
وعندما انفجرت الفقاعة، كان أول من غادر هم الشباب الفلسطيني الذين احتجوا خارج عوفر، السجن والمحكمة والمنشأة العسكرية بالقرب من رام الله، ورشقوا الحجارة. وهناك قوبلوا بالذخيرة الحية. لم يكن هناك رحمة.

وجلبت السنوات التي تلت ذلك تغيرات بدا أنها تشير إلى عصر أكثر هدوءاً واستقراراً. لكن هذه التغييرات لم تسفر إلا عن إخفاء القوى الأساسية التي استمرت في إملاء الحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة: الحكم العسكري الإسرائيلي.

في أعقاب وفاة ياسر عرفات وانتخاب محمود عباس في عام 2005، كان هناك اهتمام دولي كبير بتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية وقدرة قواتها الأمنية على فرض القانون والنظام – ولكن أيضا، في نهاية المطاف، على سحق المعارضة. خلال عهد رئيس الوزراء سلام فياض (2007-2013)، بدأنا نحن الفلسطينيون نرى ببطء طرقاتنا يتم إعادة رصفها من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وانتشرت المقاهي الفاخرة في كل زاوية وبدأ الناس في الحصول على قروض لشراء المنازل والسيارات وحتى أجهزة آيفون.

الحياة، كما عرفناها، تغيرت أمام أعيننا. أصبح شارع الطيرة، حيث كنت أعيش مع عائلتي، مركزاً للمطاعم والمقاهي المزدحمة. وفي أماكن أخرى، كانت هناك منافذ كنتاكي جديدة وشقق جديدة تماماً. وسدّت السيارات الفاخرة الطرق المزدحمة، وكثير منها ينتمي إلى مسؤولي السلطة الفلسطينية وفلسطينيي الطبقة المتوسطة العليا الذين استفادوا من الوضع الراهن.

إن “السلام الاقتصادي” الذي لا يزال يدافع عنه الزعماء الإسرائيليون والفلسطينيون بصوت عالٍ، كان موجوداً في الواقع منذ بضع سنوات. كان الأمر مثل أوسلو 2.0. ورغم أن عهد فياض كان يتسم بتدفق غير مستدام لرأس المال الأجنبي، وكان أغلبه تحت ستار المساعدات، إلا أنه لم يقم إلا بتزيين الحقيقة القبيحة المتمثلة في الاحتلال.

وبينما كان من الصحيح في ذلك الوقت أنه كان بإمكانك القيادة من رام الله إلى نابلس وبالكاد ترى جندياً إسرائيلياً، فقد تم سحق غزة عدة مرات، مما أسفر عن مقتل مئات الأطفال الأبرياء. واستمر بناء المستوطنات بلا هوادة. وأخيرا، انهار كل شيء مرة أخرى. وبحلول عام 2013، وصل العداء بين فياض وعباس إلى نقطة الانهيار، فاستقال فياض.

وحالة فياض مفيدة. هذا هو الرجل الذي كان محبوباً للغرب. لقد جاء من صندوق النقد الدولي، ونفذ إصلاح قطاع الأمن، وتخلص من الجماعات المسلحة، وسجن أعضاء حماس بشكل جماعي، ونفذ الإصلاح الاقتصادي، وأدخل الأدوات المالية التي طورتها الولايات المتحدة إلى سوق الإسكان في الضفة الغربية.

بمعنى آخر، لقد فعل كل ما أراده الأمريكيون، وكل ما أراده الإسرائيليون، وكل ما أراده دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، لم يكن ذلك كافياً. بالنسبة للفلسطينيين العاديين، كانت هذه خطوة أخرى اتخذوها لاسترضاء إسرائيل والمجتمع الدولي، لكنها لم تقربهم من المساواة في الحقوق، ناهيك عن دولة خاصة بهم.

على مر السنين، تلاشت الانتفاضة، لكنها تحولت إلى مظاهر مختلفة: “انتفاضة السكاكين”، و”انتفاضة الدهس بالسيارات”، و”انتفاضة الذئب المنفرد”. وتكهن المراقبون وأقسم البعض أن هذه ستكون الانتفاضة الثالثة التي تسيطر على الضفة الغربية، لكن ذلك لم يحدث قط.

ومع ذلك، تزايدت الهجمات على الإسرائيليين وبدأ الفلسطينيون في استخدام طرق جديدة للانتقام. كان عام 2014 ذروة الهجمات المرتجلة وغير المنسقة التي نفذها في الغالب شبان لا ينتمون إلى أحزاب تقليدية. بدأوا باستخدام سكاكين المطبخ أو صدموا سياراتهم على الأرصفة. لم تكن السلطات الإسرائيلية تعرف ماذا تفعل من هذه الهجمات المنفردة، لذا واصلت القيام بما تجيده: العقاب الجماعي للفلسطينيين.

وقد تم هدم معظم، إن لم يكن كل، المنازل التي كان يعيش فيها المهاجمون والمهاجمون المشتبه بهم، وتطايرت منازل عائلاتهم إلى أجزاء متناثرة في كثير من الأحيان في جوف الليل. وهذا ما حدث لعائلة عبد الرحمن الشلودي من سلوان. في 22 أكتوبر 2014، قاد سيارته إلى محطة للقطار الخفيف في القدس، مما أسفر عن مقتل شخصين، أحدهما طفل. وبعد أقل من شهر، دمرت شقة عائلته. لقد كان ميتاً بالفعل، قُتل في موقع الدهس، لكن عائلته عوقبت.

أتذكر والدته إيناس، التي كانت تجلس على أريكة قديمة ومهترئة في المبنى المكون من أربعة طوابق الذي كانت شقتهم فيه. وقد أدى الهدم إلى تشريد سبعة أفراد من عائلة شلودي المباشرة – والديه، وصبيان وثلاث فتيات، بلا مأوى. في تلك المرحلة، كانوا يقيمون مع العائلة الممتدة في المبنى حتى اكتشفوا ما يجب عليهم فعله بعد ذلك. لن أنسى أبداً وجهها المهيب أو ما قالته لي: “العنف يولد العنف”.

لقد مرت 30 عاماً منذ توقيع اتفاقية أوسلو، وقد يقول البعض، لقد تغير الكثير، ولكن بطريقة ما، لم يتغير شيء. وحتى في ذروة سنوات السلام، استمرت المستوطنات بلا هوادة، وانتشرت في جميع أنحاء الضفة الغربية. في هذه الأيام، يعيش نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية – وتشهد أسطحهم المبلطة باللون الأحمر اللامع على أنهم ليسوا في مكانهم. إنهم يعيشون على قمم التلال وعينهم على الفلسطينيين الذين سُرقت أراضيهم لإفساح المجال لمنازل المستوطنين، وبركهم، ومروجهم المشذبة.

لقد شجعتهم الدولة الإسرائيلية وعنفهم لا يعرف حدودا. وتحملت بعض القرى والبلدات وطأة هذا العنف الذي أقرته الدولة أكثر من غيرها. وفي شهر شباط/فبراير الماضي، اجتاح مئات المستوطنين الإسرائيليين منطقة حوارة، بالقرب من نابلس، مما أسفر عن مقتل رجل فلسطيني واحد على الأقل وإصابة مئات آخرين. وأحرقوا السيارات وأحرقوا المنازل. وكان العنف وحشياً إلى حد أن القائد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية وصفه بأنه “مذبحة”.

وعلى الرغم من الدمار، لا يزال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش يدعو إلى “محو حوارة”، وهي تعليقات وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية بأنها بغيضة. لكن العشرات من مقاطع الفيديو التي ظهرت من مشاهد هجمات مماثلة أظهرت جنوداً إسرائيليين يقفون مكتوفي الأيدي، غير راغبين في حماية السكان بينما يقوم المستوطنون بإضرام النار في المنازل والشركات الفلسطينية ومنعوا خدمات الطوارئ من الاستجابة.

وأصبحت الهجمات والمضايقات التي يقوم بها المستوطنون تحدث الآن بشكل منتظم، مع الإفلات من العقاب إلى حد كبير. وبعد مرور ثلاثين عاماً، يأتي الغضب والإدانة الدوليان ويذهبان. والأسوأ من ذلك كله، من وجهة نظر الفلسطينيين، أنهم لا يتمتعون بتمثيل سياسي شرعي. ولا يزال محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وفتح. رئيس كل شيء، كما يقول جمال. وهو كذلك منذ انتخابه عام 2005.

على مدى العقدين الماضيين، تم تقديم الكثير من الوعود المتعلقة بالانتخابات ولم يتم الوفاء بها. الآمال تبدأ عالية، ثم تتبدد بتصريح عباس في اللحظة الأخيرة، مثل قطار الملاهي الذي يسبب القيء ويعيدك أخيراً إلى المربع الأول. توقع إدوارد سعيد في عام 1993 أن تصبح منظمة التحرير الفلسطينية “المنفذ لإسرائيل” وهذا ما حدث بفضل الاتفاقية الأمنية بين الطرفين التي وصفها عباس ذات مرة بأنها “مقدسة”.

ومن غير المستغرب أن تتعرض شرعية السلطة الفلسطينية لتحديات متزايدة، وخاصة من قبل الشباب الفلسطينيين الذين يرون أنها طبقة إضافية لقمعهم – علاوة على الاحتلال الإسرائيلي الذي ترتبط به السلطة الفلسطينية بشكل لا يرحم.
لقد أصبحت البطالة والفقر واليأس هي القاعدة هنا في الضفة الغربية؛ لقد كانت أوسلو سراباً تلاشى بنفس السرعة التي جف بها حبر الاتفاقية.

واليوم، لم يعد فندق إنتركونتيننتال في أريحا، الذي كان ذات يوم رمزاً للحياة المشتركة مع الإسرائيليين، موجوداً. تم تخفيض تصنيفه من فندق خمس نجوم وأعيد تسميته إلى Oasis، ربما تكريمًا للكازينو المجاور البائد.

ولا يزال الفلسطينيون يتوافدون عليها خلال أيام الصيف الحارة وأيام الشتاء الدافئة، لكنهم هم المتميزون. وفي مخيم عقبة جبر للاجئين القريب، تطل التلال الرملية الكثيفة والشجيرات على الكتل المترامية الأطراف المنخفضة الارتفاع والمساكن المبنية من الطوب اللبن. وهنا لا يزال الفلسطينيون يعيشون في ظروف صعبة. وفي الأشهر الأخيرة، أصبحت عقبة جبر هدفاً دائماً للغارات العسكرية الإسرائيلية القاتلة، التي جلبت الموت والدمار إلى أريحا.

وفي هذا العام وحده، شهد الفلسطينيون في الضفة الغربية ثلاث غارات إسرائيلية واسعة النطاق على الأقل. والعديد منهم لم يكونوا قد ولدوا بعد عندما تم التوقيع على اتفاقيات أوسلو، ومع ذلك فإنهم يشعرون الآن بغضب فشلها.

حقبة أوسلو وتجديد شباب الطبقة السياسية الفلسطينية المهيمنة

أقلام – مصدر الإخبارية

كتب ماجد كيالي/ مرة ثانية أنحو في مناقشة اتفاق أوسلو، الذي نشأ بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية (1993)، من خارج النص (وهو ما فعلته في مقالتي السابقة هنا، 16/9)، رغم أنّ نص الاتفاق مليء بالثغرات والاجحافات بحق الفلسطينيين، وضمن ذلك مثلاً عدم النص على وقف الاستيطان، أو تعيين الحدود، أو تحديد ماهية الحل النهائي، وهي الأمور التي ما زال الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة يكابد لفرض حقوقه المشروعة فيها حتى اليوم، على مستوى ما يُسمّى حل الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، أي بمعزل عن قضيتي اللاجئين والقدس.

الواقع، انّ إسرائيل باتت، بعد ذلك الاتفاق، تصارع الفلسطينيين على كل شبر في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، بعد أن انتزعت من القيادة الفلسطينية الاعتراف الشرعي بها في أراضي الـ 48، إذ باتت أراضي الضفة والقدس كأنّها أراض متنازع عليها بين طرفين، أو بين شعبين، علماً إنّ نص الاتفاق لم يعرّف الوجود الإسرائيلي في الضفة كاحتلال. هكذا، باتت المستوطنات تنتشر في مجمل أراضي الضفة الغربية، وفوقها الجدار الفاصل، والطرق الالتفافية، بحيث باتت كل التجمّعات الفلسطينية (المدن والقرى والمخيمات) منفصلة عن بعضها بعضاً، كما بات المجال الحيوي لكل تجمّع أضيق بكثير من قبل، إذ بات خلف جدران، وتحدّ منه، أو تقطعه، طرق التفافية ومستوطنات، وحواجز عسكرية أحياناً.

لكن ما هو تفسير ذلك، أو ما هو المقابل الفلسطيني لتلك التنازلات؟ في الحقيقة، ففي تلك الفترة، كانت القيادة الفلسطينية وجدت نفسها في وضع صعب ومعقّد، فهي، أولّا، تقيم، ومنذ عشرة أعوام، في المنفى (في تونس)، إثر انتهاء الظاهرة المسلّحة في لبنان بعد الغزو الإسرائيلي له (1982). ثانياً، كانت قيادة المنظمة في مكانة ما مركونة على “الرفّ”، مع تراجع دورها الكفاحي والتمثيلي، ومع انحسار الاحتضان العربي لها. ثالثاً، تلا العاملين السابقين تنظيم الولايات المتحدة الأميركية (وروسيا والاتحاد الأوروبي) مؤتمر مدريد للسلام (1991)، والتوجّه نحو تمثيل الفلسطينيين فيه بوفد يتشكّل من فلسطينيي الداخل (ضمن الوفد الأردني)، على خلفية الدور الذي لعبته تلك الشخصيات في الانتفاضة الشعبية الفلسطينية آنذاك (1987ـ 1993)، الأمر الذي أثار مخاوف القيادة الفلسطينية على مكانتها، كقيادة للفلسطينيين.

هكذا، فإنّ مجمل كل تلك الظروف دفعت القيادة الفلسطينية إلى فتح قناة تفاوضية سرّية مع إسرائيل، لم يكن يعلم بها سوى بعض القياديين في حركة “فتح” (لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة)، وكان ثمن ذلك فادحاً جداً، إذ مقابل تعويم المكانة القيادية والتمثيلية لمنظمة التحرير، بصرف الوفد الفلسطيني المفاوض (من الأرض المحتلة)، تمّ القبول فقط بمجرد اتفاق جزئي وهامشي ومجحف، لا يتناول أي قضية فلسطينية جدّية، أو مؤثرة، باستثناء إقامة سلطة تحت الاحتلال، وتمكين الطبقة السياسية الفلسطينية من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، فبهذا المعنى كان اتفاق أوسلو بمثابة إنقاذ للقيادة الفلسطينية، وللطبقة السياسية الفلسطينية بمجملها، ولكل منتسبي منظمة التحرير والفصائل المنضوية في إطارها.

كان يمكن للقيادة الفلسطينية أن تأخذ خياراً آخر لا يقطع مع التسوية، ولا يورّط المنظمة فيها، بتمكين الوفد الفلسطيني من الداخل من فرض نفسه، كوفد مستقل، وكموفد من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وتحصيل ما يمكنه تحصيله، من دون توريط منظمة التحرير بالتنازل عن تمثيلها لكل الشعب الفلسطيني، وللقضية الفلسطينية من كل جوانبها، وطبعاً فهي لم تفعل ذلك، بل إنّ القيادة الفلسطينية لم ترض بالفصل حتى بين قيادة المنظمة وقيادة السلطة، إذ تمّ تجميع القيادتين في شخص واحد، سواء في عهد ياسر عرفات، أم في عهد خليفته محمود عباس، رغم انه كان انتقد ياسر عرفات، في حينه، لجمعه قيادة الكيانين في شخصه.

لكن عدا ذلك، أي عدا تلك الخيارات الخاطئة، كما تبيّن حتى بالتجربة، فإنّ القيادة الفلسطينية لم يكن لديها ما تفعله في حال لم تفتح قناة أوسلو السرّية، ولم تمارس السلطة في الضفة الغربية، على نحو ما شهدنا منذ ثلاثين عاماً، بل إنّ كل شيء يؤكّد أنّ الهاجس الأساسي الذي حكم كل سياسات تلك القيادة إنما تمحور حول إقامة سلطة، في كيان سياسي، مهما كان شأنه وهو ما حصل في أوسلو، وما بعده، وبالطريقة التي شهدناها، والتي أضرّت بصدقية قضية الشعب الفلسطيني وصدقية كفاحه.

لنتخيّل الأمر، فنحن إزاء قيادة فلسطينية في المنفى، في مكان بعيد عن أرضها، وعن شعبها، وهذه القيادة باتت تجد أنّ مكانتها التمثيلية والسياسية والكفاحية باتت تخبو شيئاً فشيئاً، وهي لم تعد مؤثرة في الواقع الفلسطيني، الأمر الذي يُستنتج منه أنّ عملية أوسلو، بمفاعيلها الأميركية والإسرائيلية، هي التي انتشلت هذه القيادة من مأزقها، وهي التي أوكلتها السلطة، في الضفة والقطاع، وهي التي مكّنتها من الاستمرار، وحتى بالدعم المالي، من الدول المانحة، وهي حقيقة موضوعية يفترض إدراكها بدل التغطية عليها، لأسباب الترفّع والمكابرة.

والحقيقة، فإنّ هذا التحوّل الناجم عن الأزمة الفلسطينية لم يأتِ من فراغ، إذ إنّ تلك الأزمة في الواقع نشبت في الحركة الوطنية الفلسطينية، في منتصف السبعينات، أي في الزمن الذي وصلت فيه الحركة الوطنية الفلسطينية، بإمكاناتها الذاتية، إلى سقفها الأعلى، بفرض الاعتراف الدولي والعربي بمنظمة التحرير، التي تمّ فرضها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، إذ بعدها لم يعد لتلك الحركة أي قدرة على تحقيق مزيد من الإنجازات السياسية، لأنّ المزيد من ذلك يتطلّب تغيّراً في المعطيات العربية والدولية لمصلحة الفلسطينيين، وهو الأمر الذي حدث بالعكس، كما شهدنا، في ما بعد.

مع ذلك، ثمة عاملان لعبا لغير مصلحة الحركة الوطنية الفلسطينية، أو لمصلحة تهميشها وتصدّعها، الأول، خارجي، وهو ناجم عن استدراج تلك الحركة في الحرب الأهلية اللبنانية منذ منتصف السبعينات، وإلى حين إخراجها من لبنان (1982). والثاني، ناجم عن العطالة البنيوية في تلك الحركة، أي افتقادها للحراكات الداخلية، وضمنها مراجعة طريقها وأشكال عملها وخطاباتها، بعد أن ولجت مرحلة جديدة، الأمر الذي قصر عمّا يُسمى البرنامج المرحلي في حينه، والذي أثّر سلباً على وحدة الفلسطينيين، وعلى إجماعاتهم الوطنية آنذاك.

أخيراً، ففي التأريخ للحركة الوطنية الفلسطينية يمكن التحقيق بأشكال متعدّدة، فوفقاً للعامل الجغرافي، ثمة حقبة الكفاح من الخارج، وحقبة إقامة السلطة في الداخل، ووفقاً للشكل الكفاحي المعتمد في كل مرحلة، ثمة حقبة الكفاح المسلح وحقبة المفاوضات وحقبة الانتفاضات، ويمكن ملاحظة ذلك، أيضاً، وفقاً للعنوان السياسي، ما بين حقبة التحرير، وحقبة البرنامج المرحلي، وحقبة أوسلو، وهكذا، فكل مرحلة خياراتها وأشكالها ومشكلاتها، لكن حقبة أوسلو تبدو هي الأغلب والأكثر عمقاً وتأثيراً من مختلف النواحي.

اقرأ أيضاً:بعد ثلاثين عامًا على أوسلو.. إلى أين (2-2)

الموت البطيء والمأساوي لاتفاقيات أوسلو

المصدر: بروجيكت سينديكيت
الكاتب: شلومو بن عامي

تميل عمليات السلام إلى أن تكون مليئة بالشكوك، خاصة عندما تطول الصراعات وتظل نوايا كل جانب واستعداده وقدرته على الامتثال لأي اتفاق غير واضحة. إن التكاليف السياسية الكبيرة المرتبطة بتقديم التنازلات لعدو لدود غالباً ما تقضي على المفاوضات قبل التوصل إلى أي اتفاق.

ويتجلى ذلك في البروتوكولات التي رفعت عنها السرية مؤخراً في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي عام 1993 الذي وافق على اتفاق أوسلو الأول مع منظمة التحرير الفلسطينية. تكشف السجلات أن علامات الفشل النهائي كانت واضحة منذ البداية.

في ذلك الوقت، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين يأمل أن يتمكن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات من وقف صعود حماس والجهاد الإسلامي والمساعدة في قمع الانتفاضة التي كانت مشتعلة في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1987. ولكن عرفات، الذي كان يشعر بالقلق من أن يُنظر إليه على أنه شخص غير عادي بصفته “متعاونًا”، رفض أن يصبح المقاول الفرعي الأمني لإسرائيل. وحذر وزير خارجية رابين، شيمون بيريز، من أن “عمل منظمة التحرير الفلسطينية برمته” يمكن أن “ينهار”، وأن “حماس مثل إيران” يمكن أن تحل محلها. ومن ناحية أخرى، قال رئيس هيئة الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية إيهود باراك في عبارته الشهيرة إن الاتفاق به “ثقوب أكثر من الجبن السويسري”.

ومع ذلك فإن اتفاق عام 1993 كان يمثل تحولاً تاريخياً، إذ يرمز إلى الاعتراف المتبادل بين حركتين وطنيتين كانتا تتقاتلان من أجل السيطرة على نفس قطعة الأرض لأكثر من قرن من الزمان. كما كانت بمثابة اتفاق مؤقت، أدى إلى إنشاء حكم ذاتي فلسطيني في غزة وأجزاء من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. كما قدم خارطة طريق لمعالجة القضايا الأساسية للصراع، بما في ذلك الحدود، ووضع القدس، ومحنة اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من منازلهم خلال حرب عام 1948.

ولكن من المؤسف أنه بعد مرور ثلاثين عاماً على التوقيع عليها، وبعد مرور 29 عاماً على حصول رابين وبيريز وعرفات على جائزة نوبل للسلام، ما زالت عملية أوسلو تُذكَر إلى حد كبير باعتبارها مثالاً رئيسياً للخداع الدبلوماسي. إن استيلاء إسرائيل على الأراضي وتوسيع المستوطنات، والذي أدى إلى زيادة عدد المستوطنين الإسرائيليين من 115 ألف مستوطن في عام 1993 إلى ما يقرب من 700 ألف اليوم، جعل من إنشاء دولة فلسطينية مستقلة أمراً غير ممكن. إن المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط برمتها أصبحت الآن فعلياً دولة واحدة يُحرم فيها الفلسطينيون المعزولون بشكل منهجي من حقوق الإنسان الأساسية.

وقد توسعت القدس، التي كان من المتصور أن تكون أحيائها الشرقية عاصمة فلسطين المستقبلية، تحت السيطرة الإسرائيلية من 10 آلاف فدان في عام 1967 إلى ما يقرب من 32 ألف فدان اليوم. في هذه المدينة المكتظة بالسكان، يعيش اليهود والعرب في ظل أنظمة قانونية منفصلة. ورغم أن الدولة الفلسطينية المستقلة تظل الحل المفضل بين أصحاب المصلحة الدوليين، فإن هذه النتيجة تبدو على نحو متزايد وكأنها حلم بعيد المنال.

من المؤكد أن اتفاقيات أوسلو لم تكن تهدف إلى تحقيق رؤية سياسية بقدر ما كانت نتاجاً لليأس. ولم يقبل رابين الخطوة التي لم يكن من الممكن تصورها من قبل بمصافحة عرفات إلا بعد فشله في التوصل إلى اتفاق سلام مع الحاكم السوري حافظ الأسد. وأدرك أن التكاليف السياسية لإدارة عمليتين للسلام في وقت واحد ستكون غير مقبولة.

ومن جانبه، كان عرفات يائساً مثل نظرائه الإسرائيليين. لقد أخطأ الزعيم الفلسطيني في تقدير العواقب الجيوسياسية المترتبة على نهاية الحرب الباردة. ومن خلال دعم غزو الدكتاتور العراقي صدام حسين للكويت في عام 1990، أدى إلى تنفير أنصار منظمة التحرير الفلسطينية الأثرياء في الخليج، مما أدى إلى إفلاس منظمة التحرير الفلسطينية وعزلتها الدولية. تعكس حسابات عرفات الاستراتيجية الخاطئة الخطأ الفادح الذي ارتكبه الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس الأكبر، الذي وقف إلى جانب ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.

علاوة على ذلك، فإن الانتفاضة الأولى، وهي الانتفاضة الفلسطينية الأكثر كثافة منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، لم تكن هي التي بدأتها المنظمة أو قادتها. وكان عرفات في حاجة ماسة إلى إعادة تأكيد سيطرته على الحركة الوطنية الفلسطينية، وكان مصمماً على ترسيخ وجوده في الأراضي المحتلة بأي ثمن. يفسر هذا الضعف اللحظي سبب رغبة منظمة التحرير الفلسطينية في الاستقرار على قواعد صغيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة دون ضمانات بأن الفلسطينيين يمكنهم ممارسة حقهم في تقرير المصير. ولم تتضمن أوسلو حتى التزاماً إسرائيلياً بوقف توسيع المستوطنات، ناهيك عن تفكيكها.

وعلى هذه الخلفية، تجذرت حلقة مفرغة من الإرهاب الفلسطيني والانتقام الإسرائيلي القاسي خلال سنوات أوسلو. لقد عانى الفلسطينيون من العقاب الجماعي، والتدهور الاقتصادي، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، وهو الاتجاه الذي استمر حتى في عهد رابين. عندما اغتيل رابين في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 على يد متطرف يهودي اعتبره خائناً لأنه “يبيع أرض إسرائيل”، كان رابين ضعيفاً سياسياً بالفعل بسبب سلسلة من التفجيرات الانتحارية المدمرة.

لقد زرعت عملية أوسلو بذور زوالها من خلال الحفاظ على “الغموض البناء” فيما يتعلق بطبيعة التسوية النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكانت الاتفاقات معقدة ومليئة بالثغرات، وعكست اختلال توازن القوى بين المحتلين والواقعين تحت الاحتلال. لقد أثاروا توقعات كان مصيرها الاصطدام بالسرديات الوطنية والاعتبارات السياسية الداخلية المتضاربة.

وبحلول الوقت الذي بدأت فيه المفاوضات بشأن اتفاق السلام النهائي، لم يكن أي اقتراح سلام إسرائيلي ــ حتى المقترحات الشاملة التي قدمها رئيسا الوزراء إيهود باراك وإيهود أولمرت في عامي 2000 و2008 على التوالي ــ قادراً على تلبية توقعات الفلسطينيين غير الواقعية. علاوة على ذلك، من خلال توسيع حدود قدرة إسرائيل على التوصل إلى تسوية، مهدت هذه المقترحات ورفضها اللاحق الطريق لصعود اليمين المتطرف الإسرائيلي المؤيد لسياسة الضم، والذي تجسد في الائتلاف الفاشي البدائي الحالي الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

إن اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، التي طبعت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأربع دول عربية ــ الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان ــ هي شهادة على فشل أوسلو. كانت الحكمة السائدة خلال عهد أوسلو هي أن السلام مع الفلسطينيين سيكون بمثابة نقطة انطلاق للسلام بين إسرائيل والعالم العربي الأوسع. وفي نهاية المطاف، سادت الاعتبارات الجيوسياسية، ويبدو أن إسرائيل والمملكة العربية السعودية تقتربان من التطبيع الدبلوماسي. ومن ناحية أخرى، وبينما يبدو الصراع العربي الإسرائيلي على نحو متزايد وكأنه من مخلفات الماضي، فإن فلسطين تظل محتلة.

ويجب على الولايات المتحدة، باعتبارها المهندس الرئيسي لاتفاقيات إبراهام، الاستفادة من إعادة التنظيم الإقليمي هذه للتخفيف من سوء معاملة الفلسطينيين. إن أي تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية يجب أن يكون مشروطا بإحراز تقدم ملموس على الجبهة الفلسطينية. لكن الاتفاق الذي فشل في حل ائتلاف نتنياهو من المستوطنين المتعصبين المسيحانيين لن يمثل سوى تعديل تجميلي يديره تكتيكي سياسي ماهر.

صعود “الصهيو – صينية” قبل أوسلو

أقلام – مصدر الإخبارية

كتبت رزان شومر.. يحدُث بمناسبة ذكراها السنوية في سبتمبر(أيلول) من كل عام، وقد اكتملت في 13 منه قبل أيام ذكراها الثلاثون، أن يناقش الكتاب والصحافيون، جدوى اتفاقيات أوسلو وتأثيرها على الواقع الفلسطيني من جهة، ودورها في تسهيل اتفاقيات التطبيع من جهة أخرى، وقد قال الشاعر الراحل مريد البرغوثي “زرعتم أوسلو فنبتت في كل العواصم”.

ولو افترضنا أن تطبيع دول كثيرة بعد التسعينيات جاء نتيجة الانفتاح العربي على إسرائيل بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وتسارع التسويات السلمية ومؤتمر مدريد، ثم وصولًا إلى اتفاقية إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل، التي اشتهرت باتفاقية أوسلو، فإن هذا لا ينطبق على الصين، فقد سبق تطبيعها التسويات بين العرب وإسرائيل، وكانت له دينامية ذاتية مختلفة.

ناقشتُ في كتابات سابقة مفهوم “الصهيو – صينية” في إطار استراتيجيات الحركة الصهيونية تاريخيًا وانتقال تحالفاتها (والتحاقها) من قوةٍ عظمى إلى قوّةٍ أخرى حسب تحوّلات بنية النظام الدولي، وشرحت فعالية هذا المفهوم في فهم علاقة إسرائيل مع الصين في الوقت الراهن (انظر دراسة بعنوان “بروز الصهيو – صينية وتحايل إسرائيل على أمريكا”، مجلة “قضايا للدراسات الإسرائيلية”، خريف 2022). وتسعى هذه المقالة إلى إضافة بُعد جديد لمفهوم الصهيو – صينية، يتعلّق بالرغبات والعوامل الذاتية للصين التي دفعتها إلى الانفتاح على إسرائيل. لقد جرى تعريف الصهيو – صينية أنها “انتقال العلاقات الإسرائيلية – الصينية إلى مرحلة متقدّمة، يتّسم فيها الاعتماد المتبادل بين الطرفين بطبيعة عضوية، وتجسّد مرحلة جديدة من استراتيجية الالتحاق بالقوى الكبرى التي اتبعتها الصهيونية، وهذه المرّة مع الصين. برزت “الصهيو – صينية” في هذا السياق نتيجة عوامل ذاتية مصلحية، وليس، كما هو رائج، نتيجة عمليات التسوية العربية مع إسرائيل. ولإثبات هذه الفكرة هناك مؤشّران مهمّان:

العامل التاريخي: ما قبل “كامب ديفيد”

يشير العامل التاريخي إلى ارتباط مسألة العلاقة مع إسرائيل مع سياسة الانفتاح الصينية على الغرب، وإلغاء الطابع الأيديولوجي في سياستها الخارجية، والحاجة الصينية للتحديث العسكري، والتي بدأت في السبعينيات. ولكن بدايات التطبيع الصيني مع إسرائيل سبقت ذلك بكثير، فقد بدأت العلاقات الصينية – الإسرائيلية على المستوى السياسي عام 1953، وظلت تتطوّر تدريجيا إلى لحظة توقيع اتفاق التطبيع عام 1992، أي في عهدي ماو تسي تونغ ودونغ شياو بينغ.

ويجد المتتبع لتاريخ العلاقات أن إسرائيل ورجال الأعمال اليهود الإسرائيليين وممثلين وصهاينة أميركان أيضا “استماتوا” للانفتاح على الصين وإقناعها بتطبيع العلاقات. واتفق كلا البلدين في تلك الفترة على إبقاء اللقاءات سرّية. ومرّت المباحثات في فترةٍ من الشدّ والجذب، حيث جرى تجميد الصينيين التواصل الدبلوماسي السرّي أكثر من مرّة، آخرها في الستينيات، حيث عاد خطاب الصين أن إسرائيل “رأس حربة للقوى الاستعمارية” إلى السطح، فضلا عن انشغال الصين في حربها مع الهند في الخارج والثورة الثقافية في الداخل.

عام 1955 تم التوقيع على أول بروتوكول للتعاون التجاري بين الصين وإسرائيل

جرى أول لقاء سرّي على المستوى الرسمي بين الصين وإسرائيل، في 1953 (خمس سنوات بعد النكبة) في رانغون (ميانمار حاليًا)، وتولى السفير الإسرائيلي هناك، ديفيد هاكهان، المباحثات. وطرحت إسرائيل مقترحا للتبادل التجاري مع الصين. وفي أغسطس/ آب 1954 وافق رئيس الوزراء الصيني على استقبال وفد تجاري إسرائيلي، وجاء ذلك في العام نفسه الذي تصاعدت فيه حدّة الأزمة بين سورية ومصر من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، والاعتداءات المتكرّرة من الأخيرة. وفي 1955، التقى الوفد الإسرائيلي بقيادة هاكهان والمدير العام للدائرة الآسيوية في وزارة الخارجية الإسرائيلية مع مسؤولين في وزارة الخارجية الصينية، نائب الوزير جانغ خان، ومساعد الوزير جيا كنغ. على الرغم من أن ظاهر اللقاء إقامة علاقات تجارية، إلا أن جوهره كان طلب إسرائيل إقامة علاقات دبلوماسية. وهو ما طرحه الجانب الإسرائيلي، وأيضا فتح سفارة صينية في القدس. والملفت هنا أن الحكومة الصينية لم تُبد أي اعتراض على موضوع القدس، وكان ردّها، نصًا، “إقامة العلاقات يجب أن تكون على خطوتين، الأولى:

البدء باتصالات غير رسمية. الثانية، القيام بتبادل الوثائق حول إقامة العلاقات الدبلوماسية. وفيما يتعلق بمستوى التمثيل الدبلوماسي وموعد افتتاح السفارة، فيمكن مناقشتهما فيما بعد”.

وتم التوقيع على أول بروتوكول للتعاون التجاري بين البلدين. وبذلك، تصبح هذه المباحثات التأصيل التاريخي لقبول الصين سرًا إسرائيل “دولة طبيعية” في فترة ذروة الصراع العربي – الإسرائيلي، التي لم تكن فكرة التسوية السلمية آنذاك مطروحة. وفي 1958، وافقت الصين على افتتاح قنصلية إسرائيلية في هونغ كونغ، أي قبل نشأة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، وبعد عامين من العدوان الثلاثي على مصر، ومن ارتكاب إسرائيل مجازر في قلقيلية وكفر قاسم وخان يونس. أي أنه أيضًا، لم يكن هناك تواصل سياسي عربي أو فلسطيني مع الجانب الإسرائيلي لتشجيع الصين على التواصل مع إسرائيل.

الموقف الصيني من إسرائيل خلال السبعينيات اندرج في سياسة الإرضاء والمقايضة مع الولايات المتحدة

إلغاء الطابع الأيديولوجي في السياسة الخارجية الصينية

يؤكّد توسّع العلاقات بين الصين وإسرائيل سرًا فترة السبعينيات ليشمل الجانب العسكري، وفي المجالات، السياحي والزراعي والإعلامي، في الثمانينيات، أن واشنطن كانت العائق الأكبر أمام إقامة علاقات بين الطرفين، ولم تكن تلك السرّية مكترثة بالعرب، ولم تأخذهم بالحسبان. توسّعت العلاقات بشكل كبير وشبه علني وبدعم واشنطن بعد انفتاحها على بكين إثر أول زيارة سرّية لوزير الخارجية الأميركي كيسنجر إليها في سبتمبر/ أيلول 1971، والتي نتج عنها حصول الصين على الاعتراف الدولي والتمثيل الرسمي في الأمم المتحدة.

وفي هذه الزيارة، وبطلب من الحكومة الإسرائيلية، عرض كيسنجر قيمة إسرائيل التقنية، وخصوصا في مجال الأسلحة. وأفاد بأن واشنطن لا تعارض أن تستورد الصين أسلحة من إسرائيل. وفي 1972، تم توقيع إعلان شنغهاي الذي تعترف فيه واشنطن بجمهورية الصين الشعبية بدلًا من تايوان، وإنهاء سياسة الاحتواء الأميركية ضدها. وكان هذا الانفتاح بداية تخلي بكين عن الأيديولوجية في سياستها الخارجية، فلم تعد تمارس “الاشتراكية” في سياساتها الخارجية، وتراجعت عن خطاب الإمبريالية تجاه واشنطن وحلفائها. أثر ذلك على سياسات الصين ورؤيتها للصراع العربي – الإسرائيلي، حيث تخلّت عن خطابها الثوري الداعم لحركات التحرّر في العالم.

وفيما يتعلق بفلسطين، تبنّت موقفا يتمثل في “إذا أرادت إسرائيل أن تُقبل كدولة مسؤولة في العالم، وأن تعيش جنبًا إلى جنب مع الدول العربية، عليها أن تتخلى عن سياسة العدوان والتوسّع”. وفي العام نفسه، رفضت الصين مشروع قرار عربي لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة (قبل سنتين من النقاط العشر لمنظمة التحرير، وثماني سنوات من “كامب ديفيد”). وتوسّعت سياسة الانفتاح عام 1978 مع وصول دينغ شياو بينغ لتشمل الجانب الاقتصادي، عبر التخلي عن “ممارسة الاشتراكية” في الاقتصاد، ففتحت الأسواق الصينية أمام الاستثمارات الغربية، وتم تبنّي الاقتصاد المختلط (الخاص والمملوك للدولة). يقود ذلك إلى استنتاج أن الموقف الصيني من إسرائيل خلال السبعينيات كان قد اندرج في سياسة الإرضاء والمقايضة مع الولايات المتحدة، حيث تنتفح الصين على إسرائيل وتعترف بها عمليا وتعمّق علاقاتها معها، ضمن انفتاحها الأوسع على الغرب، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالصين عوضا عن تايوان، و”تأهيلها دوليا”.

شارك الخبراء العسكريون الإسرائيليون في تحديث القوة العسكرية الصينية عبر زيارات متتالية إلى الصين

حاجة الصين للتحديث العسكري

نتج أيضًا عن زيارة كيسنجر وانفتاح الصين على واشنطن عقد صفقات سلاح عديدة بين الصين وإسرائيل في الأعوام 1979، و1980، و1983، و1984، و1985، و1987، أي قبل “أوسلو” وعملية التسوية السلمية ومباحثات مدريد. ولم يقتصر الأمر على بيع الأسلحة، بل تعدّاه إلى مشاركة الخبراء العسكريين الإسرائيليين في تحديث القوة العسكرية الصينية عبر زيارات متتالية إلى الصين. وبنوا، سرّا أيضًا، خطا دفاعيا صينيا على حدودها الشمالية مع روسيا. وكان يتم استقبال الوفود الإسرائيلية عبر استخدام جوازات سفر مزوّرة، بناءً على رغبة صينية. وفيما يتعلق بالسياحة، سمحت الحكومة الصينية، أواخر الثمانينيات، بفتح مكتب إسرائيلي وللسياحة الإسرائيلية في أراضيها، وبدأت باستقبال خبراء إسرائيليين للتحديث في الزراعة.

وللربط بين الأحداث العربية والسنوات المذكورة سابقًا، بدأت صفقات السلاح السرّية بعد عام من العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1978، والتي هدفت إلى طرد الفلسطينيين من لبنان. ونضيف أيضًا، جاءت في خضم الرفض الفلسطيني لإقامة أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، حيث رفضت منظمة التحرير مشروع الأمير فهد (بن عبد العزيز) عام 1981، وأعلن رئيس الدائرة السياسية في المنظمة، فاروق القدومي، آنذاك، رفض المنظمة أي قرار يعترف بإسرائيل، سواء كان في مؤتمر وزراء الخارجية العرب أو في مؤتمر القمة العربية. وفي 1982، شنّت إسرائيل حربًا على لبنان وحاصرت بيروت للقضاء على المقاومة الفلسطينية. وفي العام نفسه، ارتكبت، بمشاركة حزب الكتائب اللبناني، مجزرة صبرا وشاتيلا.

وفي تلك السنوات أيضًا، كانت إسرائيل توقّع اتفاقيات الأسلحة مع الصين في بكين، وفي بيروت وغيرها تمارس سياسة الاغتيالات ضد الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين والقيادات الثورية وأبرزهم، غسّان كنفاني وكمال عدوان وخليل الوزير وكمال ناصر وزهير محسن وغيرهم.

وبذلك، تنفي هذه الأحداث جميعها أي علاقة تربط بين التقارب الصيني – الإسرائيلي بعمليات التسوية السلمية، سواء العربية أو الفلسطينية. والمفارقة الغربية هنا أنه، على الرغم من كشف الصحافة الروسية والأميركية عن اتفاقيات السلاح في سنوات السبعينيات تحديداً، إلا أن تلك الفترة شهدت نمواً لما كان يسمّى “التيار الماوي” في صفوف اليسار الفلسطيني، ومن رموزه آنذاك منير شفيق، وهو التيار الذي كان مبهوراً بالصين، ويعتقد أن الصين قائدة الثورة العالمية ضد الإمبريالية بما فيها الصين.

جاء التطبيع المصري في خضم عمليات التواصل السرّية بين الصين وإسرائيل وليس لاحقًا

قد يقول بعضهم إن اتفاق كامب ديفيد كان من أسباب تصاعد الصهيو – صينية، ولكن هذا الافتراض غير دقيق، فقد كانت الصين معنيّةً في دعم مواقف مصر لإبعادها عن الاتحاد السوفييتي، وجاء التطبيع المصري في خضم عمليات التواصل السرية بين الصين وإسرائيل وليس لاحقًا. وأخيرًا في هذا السياق، وحسب الصيرورة التاريخية للأحداث، فإن التطبيع الفلسطيني الإسرائيلي كان أحد مطالب الحكومة الصينية في الثمانينيات، أي قبل مباحثات مدريد وأوسلو. حيث طرحت الصين، عام 1989، أوّل مقترح لها لحل الصراع تحت اسم “مقترح النقاط الخمس”، وجاء فيه “ضرورة الاعتراف المتبادل بين فلسطين وإسرائيل”. ومن الممكن تفسير ذلك في أن الصين لم تكن قادرة على الحفاظ أكثر على إبقاء علاقاتها مع إسرائيل سرًا، وخصوصا بعد الخدمات التقنية الهائلة التي حصلت عليها نتيجة اللقاءات السرية في مجالات السلاح والزراعة (أحد أهم مجالات التحديث الأربعة الصينية بجانب التعليم والصناعة).

طبيعة الاعتراف الصيني بإسرائيل

يعود افتراضي أن ظهور “الصهيو – صينية” غير مرتبط بتوقيع الفلسطينيين اتفاق أوسلو إلى حقيقة أخرى، تتعلق بتخطي التطبيع الصيني – الإسرائيلي حدود الاعترافات العربية بالدولة الإسرائيلية. لقد وضعت الصين شروطًا على نفسها لتطبيع علاقتها مع إسرائيل: الانسحاب الإسرائيلي من أراضي عام 1967، إعادة الحقوق للفلسطينيين، والتراجع عن السياسة العدوانية التوسعية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وبالرغم من ذلك، وقّعت الصين اتفاق التطبيع عام 1992، قبل تحقيق أيٍّ من الشروط السابقة، وحتى قبل توقيع اتفاق أوسلو.

سيقول بعضهم إن مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 شكّل دافعًا اضافيًا للتطبيع بين البلدين. ولكن مؤتمر مدريد يتناقض مع الشروط آنفة الذكر، فقد جرى استبعاد الممثل الشرعي للفلسطينيين، منظمة التحرير، أي تم بعيدًا عن صانع القرار الفلسطيني.

وفيما يتعلّق بطبيعة الاعتراف، بدأ بتعدٍّ خطيرٍ على الحقّ الفلسطيني، عبر تبنّي الصين يهودية الدولة الإسرائيلية، بحيث يتناقض هذا الموقف بشكل صارخ مع مواقف الصين التاريخية، أو الحيادية أو الداعمة للحق الفلسطيني أولًا. ولا يتساوى أو يقارن هذا التبنّي مع التطبيع المصري ومخرجات مؤتمر مدريد، هذا في حال افتراضنا أنها تأثرت بها. فلم تطرح أي دولة عربية ولا حتى “أوسلو” مفهوم “الأمة اليهودية” و”الحضارة اليهودية” التي ما زالت الصين تكرّرها في كل خطاب منذ عام 1992 (قبل توقيع اتفاق أوسلو بعام)؛ فخطر هذا التبنّي يكمن في أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وجودي، ودعم الصين يهودية الدولة الإسرائيلية يعني تفضيلا صينيا للوجود “اليهودي” وتأييدا مباشرا لهجرة اليهود إلى فلسطين، في وقتٍ غابت فيه مسألة عودة اللاجئين عن جميع مقترحاتها اللاحقة. ويرفض الفلسطينيون، بجميع اختلافاتهم الفصائلية، مسألة “يهودية الدولة”، بسبب ما تتضمّنه من شطب للحقوق الفلسطينية. لقد ذهبت الصين، في تطبيعها مع إسرائيل، إلى مستوياتٍ أبعد مما جرى تداوله في كامب ديفيد ومؤتمر مدريد وأوسلو. ليس مطلوبًا من الصين أن تكون “ملكًا أكثر من الملك”، ولكن المطلوب منها احترام الحقوق الفلسطينية التي تدّعي هي نفسها أنها داعمة لها.

اقرأ أيضاً:بعد 30 عاماً من أوسلو: بالنسبة للفلسطينيين، لم يعد هناك أي شريك إسرائيلي

بعد 30 عاماً من أوسلو: بالنسبة للفلسطينيين، لم يعد هناك أي شريك إسرائيلي

ترجمة حمزة البحيصي- مصدر الإخبارية

قبل ثلاثين عاماً، اعتقد كثير من الناس أنه تم تحقيق تقدم كبير وأن الدولة الفلسطينية يمكن أن تصبح حقيقة واقعة. ركزت الدبلوماسية الدولية على الرموز والصور المبهجة والمصافحة بين الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء إسحاق رابين في البيت الأبيض. “أوسلو”.

لقد حدد اتفاق أوسلو الأول، وهو الاسم الذي أصبح يعرف بإعلان المبادئ، إطاراً زمنياً مدته خمس سنوات للتوصل إلى اتفاق الوضع النهائي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. في الواقع، نحن الآن نشهد فشل أوسلو ونموذجها بعد مرور ثلاثة عقود. إن تحليل أسباب فشل أوسلو ليس بالمهمة المعقدة. والسؤال هو كيفية المضي قدما خارج هذا الإطار.

قبل ثلاثين عاما، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل الأمة الفلسطينية تمثيلا كاملا. لقد تم إضفاء الشرعية على قرار إعلان الدولة على حدود ما قبل عام 1967 من قبل المجلس الوطني الفلسطيني كجزء من برنامج سياسي لم يجعل معظم الفلسطينيين يشعرون بأنهم ممثلون فحسب، بل جعلهم يشاركون في النضال الوطني من أجل الحرية وتقرير المصير. . عرفات خلق تلك الوحدة حول منظمة التحرير الفلسطينية.

وحتى المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، الذين كانوا منفصلين إلى حد كبير عن السياسة، لعبوا دورهم في النضال الوطني خلال الانتفاضة الأولى.

أوسلو حددت إطارًا زمنيًا مغريًا ومحدودًا، تم استخدامه لتبرير التركيز على بناء المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة في تلك الفترة. إن ما إذا كانت أوسلو قد وُلدت ميتة أم لا هو أمر مثير للنقاش، وما زال البعض يعتقد أنه لو لم يغتال إرهابي إسرائيلي رابين، لكان من الممكن التوصل إلى اتفاق في هذا السياق.

لقد أخبرني الناس في رام الله أكثر من مرة عن رد فعل عرفات عندما قتل الإرهابي رئيس الوزراء الإسرائيلي: انتهى الأمر. ومن الواضح أنه كان على حق.

والشيء الوحيد الذي أبقى إطار أوسلو على قيد الحياة هو استمرار المجتمع الدولي في العمل في حالة إنكار للحقائق على الأرض التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، في حين يستمر في معاملة إسرائيل كدولة فوق القانون.

بالنسبة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، كان إطار أوسلو يمثل صيغة جيدة لإبقاء المجتمع الدولي راضيا مع الحفاظ على الوضع الراهن المتمثل في المشروع الاستيطاني الاستعماري والضم. “إسرائيل الجيدة” التي انبثقت عن أوسلو عززت أيضاً فكرة أن التفوق اليهودي داخل حدود إسرائيل المعترف بها دولياً أمر مقبول، وأن فكرة “تقاسم القيم” بين إسرائيل والقوى الغربية تظل تشكل موقفاً سياسياً يحظى بشعبية كبيرة بين بعض الزعماء الأوروبيين والأميركيين.

لكن هذا النهج، الذي يمكن تعريفه بالتواطؤ وليس بالدبلوماسية، تطور إلى تطرف في المجتمع الإسرائيلي، الذي أدرك أنه يستطيع أن يأخذ كل ما يريد دون أن يعاني من العواقب. عندما تم التوقيع على اتفاقيات أبراهام في عام 2020، اعتقد العديد من الناس أن أوسلو تمثل اختراقًا للسلام الإقليمي، بنفس الطريقة التي دفع بها الأوروبيون لإنشاء مجلس شراكة مع إسرائيل، معتقدين أن هذا من شأنه أن يدعم يائير لابيد في حملته الانتخابية.

ولكن هذا لم يخدعنا، فقد تعلمنا الدرس جيداً: فالنتيجة الوحيدة لاستخدام الجزر مع القوة الاستعمارية الاستيطانية هي المزيد من الاستعمار، وليس التوصل إلى اتفاق. لقد ازدهرت الدبلوماسية الإسرائيلية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، بنفس الطريقة التي تضاعف بها عدد المستوطنين الإسرائيليين ثلاث مرات. لقد توسعت المستوطنات الاستعمارية بشكل كبير، وتمت الموافقة على القوانين العنصرية التي تحظر حقنا في لم شمل الأسرة بسبب ديننا المسيحي والإسلامي.

إن فشل أوسلو يجب أن يجعل الجميع يلقون نظرة أخرى على الأسباب الجذرية للوضع. ويتطلب هذا أيضاً أن يتحمل الجانب الفلسطيني مسؤولياته، وأن يعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح المؤسسة الشرعية والتمثيلية التي ينبغي أن تكون عليها، لـ 14 مليون فلسطيني في جميع أنحاء العالم.

إن “انتفاضة الكرامة” التي اندلعت في أيار/مايو 2021، والتي وحدت شعبنا في شوارع فلسطين التاريخية وفي المنفى، تظهر أن هذا ممكن. ويتعين على القيادة الفلسطينية أن تأخذ في الاعتبار نقاط القوة التي تتمتع بها الأمة الفلسطينية، بما في ذلك بالطبع الدور الذي ينبغي أن يلعبه 1.7 مليون مواطن فلسطيني في إسرائيل في مكافحة العنصرية والتفوق اليهودي في قلب المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي وقوانين الفصل العنصري.

ولا يمكن للعالم أن يستمر في توقع أن يتحرك الفلسطينيون تحت هذه المظلة الفاشلة. لا توجد بدائل لتنفيذ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولا توجد مبررات لاستدامة إفلات إسرائيل من العقاب. وأحد الأسباب الرئيسية هو وجود عنصريين في الحكومة الإسرائيلية اليوم يدعون إلى نكبة ثانية.

اليوم لا يوجد شريك إسرائيلي. إن الآمال بأن المعارضة الإسرائيلية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد تنتج بديلاً يمكن أن يصنع السلام مع فلسطين هي مجرد وهم. وحقيقة أن إدارة بايدن تسرع محاولاتها لمكافأة إسرائيل مرة أخرى ــ تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية ــ تظهر الأسباب الرئيسية وراء فشل أوسلو.

إن الثقة في مثل هذه الكيانات الدولية ليست هي الطريق إلى الأمام. إن المسؤولية والثقة بالشعب الفلسطيني هي السبيل الوحيد للتحرك نحو الحرية والعدالة.

ا

المصدر: هآرتس
الكاتب: سامي أبو شحادة

 

اقرأ أيضاً:ثلاثون عاماً على اتفاقيات أوسلو … اعطاء الهزيمة إسما آخر

استطلاع: ثلثا الفلسطينيون يرون أن اتفاق أوسلو أضر بالمصلحة الفلسطينية

رام الله – مصدر الإخبارية

أظهر استطلاع للرأي العام أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن ثلثي الفلسطينيين يرون أن وضع القضية الفلسطينية أصبح أسوأ مما كان عليه قبل اتفاق أوسلو، ويقول الثلثان إنه “أضر بالمصلحة الفلسطينية.

ويعتقد ثلاثة أرباع بأن “إسرائيل” لا تطبق الاتفاق أساساً، وتؤيد الأغلبية التخلي عنه كما بينّوا أنه كان من الخطأ توقيعه، علماً بأن النصف تقريباً يتوقعون أن يؤدي ذلك إلى انهيار السلطة وعودة الإدارة المدنية الإسرائيلية.

وبين الاستطلاع الذي أجراه المركز بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور في رام الله، للرأي العام بالضفة المحتلة وقطاع غزة، بالفترة ما بين 6-9 سبتمبر (أيلول) 2023 أن الفترة السابقة للاستطلاع شهدت مجموعة مهمةبعد مرور 30 سنة على توقيع اتفاق أوسلو منها:

قيام الجيش الإسرائيلي باجتياح مخيم جنين وقتل 12 فلسطينياً، وزيارة الرئيس محمود عباس للمخيم بعد انسحاب الجيش.

إضافة إلى اجتماع قيادات الفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين في مصر بحضور الرئيس عباس، والتي فشلت بالاتفاق على إصدار بيان مشترك.

وشهدت هذه الفترة أيضاً، ازدياد الأعمال الإرهابية للمستوطنين في الضفة، رافقتها زيادة بالأعمال “المسلحة” التي قام بها فلسطينيون ضد المستوطنين والإسرائيليين.

عدا عن بعض التطورات بين الاحتلال الإسرائيلي وبعض الدول العربية واتفاقات مشتركة بينهما.

وحسب المركز فإن نتائج الاستطلاع غطت كل هذه القضايا بالإضافة لقضايا أخرى مثل الأوضاع العامة في كل من الضفة والقطاع، وعملية السلام والبدائل المتاحة للفلسطينيين في ظل الجمود الراهن في تلك العملية، من خلال مقابلات مباشرة وجهاً لوجه مع عينة عشوائية من الأشخاص البالغين بلغ عددها 1270 شخصاً وذلك في 127 موقعاً سكنياً وكانت نسبة الخطأ +/-3%.

وجاءت النتائج كالتالي:

المصالحة الفلسطينية

وبما يتعلق بالمصالحة اللفلسطينية، بيّنت الآراء بأن أغلب المستطلعة آراؤهم يرون أن لقاء الفصائل في مدينة العلمين المصرية قبل حوالي شهرين كان فاشلاً، وتشير إلى أن نسبة من يضعون مسؤولية الفشل على قيادة حركة فتح أكبر ممن يضعون المسؤولية على حركة حماس، بينما يرى الثلث أن الفشل ملقىً على عاتق أطراف أخرى.

شعبية فتح وحماس

ورغم ذلك، فإنه حسب الاستطلاع لم تتغير شعبية حركة “حماس” مقارنة بوضعها قبل 3 أشهر، بينما تحسنت شعبية حركة “فتح” بدرجة بسيطة بكل من الضفة وغزة، وأوضح أن السبب ربما يعود للمسيرات التي جرت مؤخراً في قطاع غزة وتسببت بعدم تحسن صورة وشعبية حماس، ما ساهم بتحسين شعبية “فتح”.

مكانة عباس

وأشارت نتائج الاستطلاع أن مكانة الرئيس محمود عباس تحسنت نوعاً ما على ضوء تحويل معظم المحافظين للتقاعد، وقالت إن “معظم مؤشرات التحسن مثل ازدياد شعبيته قليلاً لو جرت انتخابات رئاسية بينه وبين إسماعيل هنية من حماس، إنما يعود لارتفاع نسبة المقاطعة لانتخابات رئاسية لا يتنافس فيها إلا هذان المرشحان”.

وفي السياق، أشارت نتائج تتعلق بالعلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية إلى ارتفاع ذي مغزى في تأييد حل الدولتين وصلت فيه النسبة إلى الثلث، إضافة إلى ارتفاع نسبة المؤييدين للجوء إلى المقاومة الشعبية غير المسلحة، وارتفاعاً مماثلاً في نسبة تأييد العودة للمواجهات والانتفاضة المسلحة.

ويعتقد حوالي نصف السكان في الضفة المحتلة أن تشكيل مجموعات مسلحة من سكان البلدات والقرى التي يهاجمها المستوطنون، هو الحل الأكثر نجاعة في محاربة إرهاب المستوطنين.

1. ثلاثون عاماً بعد توقيع اتفاق أوسلو:

أغلبية كبيرة تبلغ 73% تعرف السنة التي تم فيها توقيع اتفاق أوسلو، لكن البقية لا يعرفون أو اختاروا السنة غير الصحيحة.

وتقول نسبة من 49% أن السلطة الفلسطينية لا تقوم اليوم بتطبيق اتفاق أوسلو، فيما 44% يقولون أنها تقوم بتطبيقه دائماً أو معظم الوقت.

أما بالنسبة للحكومة الإسرائيلية الحالية، فإن نسبة من 76% تقول إنها “لا تقوم اليوم بتطبيق اتفاق أوسلو”، و 17% فقط ترى أنها تقوم بتطبيقه كل أو معظم الوقت.

كما يظهر من الشكلين التاليين، فإن سكان قطاع غزة يميلون أكثر بكثير من سكان الضفة للاعتقاد بأن “إسرائيل”، تقوم بتطبيق اتفاق أوسلو بينما لا توجد فروقات بين الضفة والقطاع في تقييم تطبيق الطرف الفلسطيني له.

ويرى 64% أن الوضع اليوم أسوأ قليلاً أو أسوأ بكثير مما كان عليه الحال قبل اتفاق أوسلو، أما 20% يرون أن الوضع اليوم أفضل بكثير أو أفضل قليلاً، وتقول نسبة من 12% أن الوضع اليوم هو كما كان قبل اتفاق أوسلو.

ويشار إلى أنه في الذكرى السنوية 25 لتوقيع اتفاق أوسلو (أي سبتمبر 2018) قالت نسبة من 73% أن الوضع اليوم أسوأ مما كان قبل اتفاق أوسلو، فيما قالت آنذاك نسبة من 13% أن الوضع أفضل مما كان قبل اتفاق أوسلو، كما يظهر من الشكل رقم (3) أدناه فإن سكان قطاع غزة يميلون اليوم، مقارنة
بالوضع قبل 5 سنوات، لرؤية اتفاق أوسلو بشكل أكثر إيجابية مقارنة بسكان الضفة الغربية.

شكل رقم (3): تقييم الوضع قبل وبعد اتفاق أوسلو، في 2018 وفي 2023

تقول أغلبية تبلغ 68% أن اتفاق أوسلو قد أضر بالمصلحة الفلسطينية فيما تقول نسبة من 11% فقط أنه قد خدم المصلحة الفلسطينية وتقول نسبة من 17% أنه لم يخدم ولم يضر المصلحة الفلسطينية. في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لتوقيع اتفاق أوسلو قالت نسبة من 65% أن الاتفاق قد أضر بالمصلحة الفلسطينية وقالت نسبة من 16% أنه قد خدم المصلحة الفلسطينية.

أغلبية من 71% تقول أنه كان من الخطأ قيام منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على اتفاق أوسلو فيما تقول نسبة من 23% أنه كان من الصواب فعل ذلك.
أغلبية من 63% تؤيد قيام السلطة الفلسطينية بالتخلي عن اتفاق أوسلو فيما تقول نسبة من 31% أنها تعارض ذلك. يظهر الشكل رقم (4) أدناه أن معارضة سكان قطاع غزة للتخلي عن اتفاق أوسلو أعلى بكثير من معارضة سكان الضفة الغربية.

شكل رقم (4): هل تؤيد أم تعارض قيام السلطة الفلسطينية بالتخلي عن اتفاق أوسلو؟

تقول نسبة من 46% أن السيناريو المرجح في حال أوقفت السلطة الفلسطينية العمل باتفاق أوسلو هو انهيار السلطة وربما عودة الإدارة المدنية الإسرائيلية، فيما تقول نسبة من 40% أن السيناريو المرجح في حال أوقفت السلطة العمل باتفاق أوسلو هو تراجع إسرائيل عن سياستها الراهنة وربما وقف سياسة الاستيطان والعودة للمفاوضات.

 

2. الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية:

لو جرت انتخابات رئاسية جديدة اليوم وترشح فيها اثنان فقط هما محمود عباس واسماعيل هنية فإن نسبة المشاركة ستبلغ 42% فقط، ومن بين المشاركين يحصل عباس على 37% من الأصوات ويحصل هنية على 58% (مقارنة مع 56% لهنية 33% لعباس قبل ثلاثة أشهر). في قطاع غزه، تبلغ نسبة التصويت لعباس 33% وهنية 64%، أما في الضفة فيحصل عباس على 43% وهنية على 50%.

أما لو كانت المنافسة بين مروان البرغوثي وهنية فإن نسبة المشاركة ترتفع لتصل إلى 59%، ومن بين هؤلاء يحصل البرغوثي على 60% وهنية على 37%. ولو كانت المنافسة بين محمد اشتيه وإسماعيل هنية فإن نسبة المشاركة تهبط إلى 41% فقط، ومن بين هؤلاء يحصل اشتية على 33% وهنية على 62%.
في سؤال مغلق، طلبنا من الجمهور اختيار الشخص الذي يراه مناسباً كخليفة للرئيس عباس.

قالت النسبة الأكبر (34%) أنها تفضل مروان البرغوثي، وقالت نسبة من 17% أنها تفضل إسماعيل هنية، وقالت نسبة من 6% أنها تفضل محمد دحلان، وقالت نسبة من 5% أنها تفضل خالد مشعل، وقالت نسبة بلغت 3%، لكل ممن يلي، أنها تفضل يحيى السنوار، أو محمد اشتيه، أو حسين الشيخ، وقالت نسبة من 30% أنها لا تعرف أو اختارت شخصاً آخر.

نسبة الرضا عن أداء الرئيس عباس تبلغ 22% ونسبة عدم الرضا 76%. نسبة الرضا عن عباس في الضفة الغربية تبلغ 21% وفي قطاع غزة 24%. بلغت نسبة الرضا عن الرئيس عباس قبل ثلاثة أشهر 17% وعدم الرضا 80%. وتقول نسبة من 78% أنها تريد من الرئيس الاستقالة فيما تقول نسبة من 19% أنها تريد من الرئيس البقاء في منصبه. قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 80% أنها تريد استقالة الرئيس. تبلغ نسبة المطالبة باستقالة الرئيس 78% في الضفة الغربية 79% في قطاع غزة.

لو جرت انتخابات برلمانية جديدة اليوم بمشاركة كافة القوى السياسية التي شاركت في انتخابات 2006 فإن 64% يقولون بأنهم سيشاركون فيها، ومن بين هؤلاء المشاركين تحصل حركة فتح على 36%، وقائمة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس على 34%، وتحصل كافة القوائم الأخرى التي شاركت في انتخابات عام 2006 مجتمعة على 9%، وتقول نسبة من 21% أنها لم تقرر بعد لمن ستصوت. قبل ثلاثة أشهر بلغت نسبة التصويت لحماس 34% ولفتح 33%. تبلغ نسبة التصويت لحماس في قطاع غزة 44% (مقارنة مع 44% قبل ثلاثة أشهر) ولفتح 32% (مقارنة مع 28% قبل ثلاثة أشهر).

أما في الضفة الغربية فتبلغ نسبة التصويت لحماس 24% (مقارنة مع 25% قبل ثلاثة أشهر) ولفتح 40% (مقارنة مع 34% قبل ثلاثة أشهر).

تقول نسبة من 27% أن حماس هي الأكثر جدارة بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني اليوم فيما تقول نسبة من 24% أن حركة فتح بقيادة الرئيس عباس هي أكثر جدارة بذلك. وتقول نسبة من 44% ان الاثنتين غير جديرتين بالتمثيل والقيادة. قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 31% إن حماس هي الأكثر جدارة، وقالت نسبة من 21% أن “فتح بقيادة الرئيس عباس” هي الأكثر جدارة، وقالت نسبة من 43% إن الاثنتين غير جديرتين بالتمثيل والقيادة.

3. الأوضاع الداخلية:

نسبة التقييم الإيجابي لأوضاع قطاع غزة تبلغ 10% في هذا الاستطلاع ونسبة التقييم الإيجابي لأوضاع الضفة الغربية تبلغ 21%. مع ذلك، فإن نسبة الإحساس بالأمن والسلامة الشخصية في قطاع غزة تبلغ 69% ونسبة الإحساس بالأمن في الضفة الغربية تبلغ 48% فقط. قبل ثلاثة أشهر بلغت نسبة الإحساس بالأمن في الضفة الغربية 46% وفي قطاع غزة 71%.

نسبة الاعتقاد بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية تبلغ 87%. وتقول نسبة من 72% أنه يوجد فساد في المؤسسات التي تديرها حماس في قطاع غزة. قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 84% بوجود فساد في أجهزة السلطة الفلسطينية وقالت نسبة من 73% بوجود فساد في المؤسسات العامة التي تديرها حماس.

تقول نسبة من 42% من سكان الضفة الغربية أنه يمكن للناس انتقاد السلطة الفلسطينية في الضفة بدون خوف فيما تقول أغلبية من 56% أن ذلك غير ممكن. أما بين سكان قطاع غزة فتقول نسبة من 39% أنه يمكن انتقاد سلطة حماس بدون خوف فيما تقول نسبة من 59% أن ذلك غير ممكن.

تقول أغلبية من 62% أن السلطة الفلسطينية قد أصبحت عبءً على الشعب الفلسطيني وتقول نسبة من 35% فقط أنها إنجاز للشعب الفلسطيني. قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة شبه مطابقة من 63% أن السلطة عبء وقالت نسبة من 33% أنها إنجاز.

53% مؤيدون و38% معارضون لخطوة الرئيس عباس في تحويل 12 محافظاً في الضفة الغربية وقطاع غزة للتقاعد. توافق نسبة من 53% على أن خطوة الرئيس عباس في إحالة المحافظين على التقاعد هي خطوة في الطريق الصحيح لإصلاح السلطة الفلسطينية وضخ دماء جديدة وشابة فيها فيما تقول نسبة من 38% أنها ليست كذلك.

الغالبية العظمى (78%) تعتقد أن زيارة الرئيس عباس لمخيم جنين بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منه لم تساهم في تحسين العلاقة بين المواطنين والقيادة الفلسطينية فيما تقول نسبة من 20% أنها ساهمت في ذلك.

تقول نسبة من 59%أن المسيرات التي جرت في قطاع غزة قبل شهر للمطالبة بتحسين الحياة المعيشية قد جاءت كردة فعل على صعوبات الحياة فيما تقول نسبة من 35% أنها كانت مدفوعة بأجندات سياسية خارجية.

تقول نسبة من 73% (82% في الضفة الغربية و60% في قطاع غزة) أنه يوجد معتقلون سياسيون في سجون السلطة الفلسطينية فيما تقول نسبة من 21% أنه لا يوجد.

أغلبية من 60% من الجمهور (67% في الضفة الغربية و51% في قطاع غزة) قلقون أن تؤدي الصدامات بين أفراد من المجموعات المسلحة وقوى الأمن الفلسطينية إلى حصول اشتباكات وأعمال عنف تهدد الاستقرار في السلطة الفلسطينية.

تقول نسبة من 39% أن قيام ديوان الرئاسة بتقديم شكوى للنيابة العامة ضد مؤسسة أمان بسبب نشرها معلومات حول شبهات فساد تتعلق ببعض المسؤولين في قضية تبييض تمور المستوطنات سيخيف المواطنين والمؤسسات من الإبلاغ على شبهات فساد فيما تقول نسبة من 32% أن ذلك سيشجع المواطنين والمؤسسات على الإبلاغ عن شبهات الفساد، وتقول نسبة من 20% أنه لن يكون لتلك الشكوى أي تأثير على الإبلاغ عن شبهات الفساد.

عند السؤال عن السبب وراء قيام ديوان الرئاسة بتقديم شكوى ضد مؤسسة أمان قالت نسبة من 59% أنه معاقبة المبلغين عن الفساد، وقالت نسبة من 22% أن السبب هو أن المعلومات المنشورة كانت غير صحيحة.

وسأل المركز الجمهور عن المحطة التي شاهدها أكثر من غيرها خلال الأشهر الثلاثة الماضية. تشير النتائج إلى أن نسبة مشاهدة فضائية الجزيرة هي الأعلى حيث تبلغ 28%، تتبعها فضائية الأقصى (11%)، ثم فضائية فلسطين (9%) ثم فلسطين اليوم 8%، ثم معاً (7%)، ثم العربية والميادين (3% لكل منهما).

4. المصالحة وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة :

تقول الغالبية العظمى من الجمهور 78% (81% في الضفة الغربية و72% في قطاع غزة) أن لقاء قادة الفصائل في العلمين في مصر بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان لقاءاً فاشلاً فيما تقول نسبة من 12% أنه كان ناجحاً.

النسبة الأكبر ممن يعتقدون أن اللقاء كان فاشلاً 34% (38% في الضفة الغربية و26% في قطاع غزة) يضعون مسؤولية الفشل على قيادة القوى الأخرى (من غير قيادتي فتح وحماس) فيما تقول نسبة من 29% (40% في قطاع غزة و23% في الضفة الغربية) أن مسؤولية الفشل تقع على قيادة حركة فتح، وتقول نسبة من 18% (25% في قطاع غزة و14% في الضفة الغربية) أن قيادة حماس هي المسؤولة عن الفشل.

الجمهور منقسم إلى قسمين متساويين في موقفه من مقاطعة حركة الجهاد للقاء العلمين حيث تقول نسبة من 44% أنه كان على الحركة المشاركة فيما تقول نسبة من 43% أن المقاطعة كانت مبررة.

24% (38% في قطاع غزة و15% في الضفة الغربية) متفائلون بنجاح المصالحة 73% غير متفائلين، قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 22% أنها متفائلة.

5. العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، وعملية السلام :

نسبة من 32% تؤيد ونسبة من 67% تعارض فكرة حل الدولتين، وقد عُرضت هذه الفكرة على الجمهور بدون إعطاء تفاصيل هذا الحل. قبل ثلاثة أشهر بلغت نسبة التأييد لهذا الحل في سؤال مماثل 28%. يرتبط تأييد حل الدولتين بتوقعات الجمهور لإمكانية هذا الحل ولفرص قيام دولة فلسطينية حيث تعتقد نسبة من 71% أن حل الدولتين لم يعد عملياً بسبب التوسع الاستيطاني، لكن نسبة من 27% تعتقد أنه لا يزال عملياً. كذلك، تقول نسبة من 76% أن فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل خلال السنوات الخمس القادمة ضئيلة أو ضئيلة جداً وتقول نسبة من 23% أن الفرص متوسطة أو عالية. قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 71% أن حل الدولتين لم يعد حلاً عمليا بسبب التوسع الاستيطاني.

عند السؤال عن تأييد ومعارضة الجمهور لخيارات محددة لكسر الجمود، قالت نسبة من 58% أنها تؤيد الانضمام للمزيد من المنظمات الدولية، وقالت نسبة من 53% أنها تؤيد اللجوء لمقاومة شعبية غير مسلحة، وقالت نسبة من 58% أنها تؤيد العودة للمواجهات والانتفاضة المسلحة، وقالت نسبة من 52% أنها تؤيد حل السلطة الفلسطينية، وقالت نسبة من 27% أنها تؤيد التخلي عن حل الدولتين والمطالبة بدولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين.

قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 53% أنها تؤيد العودة للمواجهات والانتفاضة المسلحة، وقالت نسبة من 49% أنها تؤيد حل السلطة، وقالت نسبة من 26% أنها تؤيد التخلي عن حل الدولتين لصالح الدولة الواحدة. كما يُظهر الشكل أدناه، فإن التأييد للعمل المسلح قد ازداد عشر نقاط مئوية منذ تولي الحكومة الإسرائيلية اليمينية الراهنة للحكم وأن تأييد حل السلطة الفلسطينية قد ارتفع خمس درجات مئوية.

مقارنة بين تأييد ومعارضة الجمهور لخيارات محددة لكسر الجمود اليوم وقبل سنة

عند السؤال عن الطريقة الأمثل لإنهاء الاحتلال وقيام دولة مستقلة، انقسم الجمهور إلى ثلاث مجموعات، حيث قالت أغلبية من 53% (51% في قطاع غزة 54% في الضفة الغربية) أنها العمل المسلح، فيما قالت نسبة من 20% أنها المفاوضات، وقالت نسبة من 24% أنها المقاومة الشعبية السلمية. قبل ثلاثة أشهر قالت نسبة من 52% أن العمل المسلح هو الطريقة الأمثل وقالت نسبة من 21% أن المفاوضات هي الطريقة الأمثل.

الغالبية العظمى (82%) تعتقد أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق هدفه في اعتقال أو قتل المقاتلين من كتيبة جنين وغيرها من المجموعات خلال اجتياحه للمخيم قبل أكثر من شهرين.

على ضوء ازدياد العمليات الإرهابية التي يقوم بها المستوطنون ضد البلدات والقرى الفلسطينية سألنا الجمهور عن الوسائل الأكثر نجاعة في محاربة هذا الإرهاب بحيث تكون أيضاً الأكثر قابلية للتطبيق. اختارت النسبة الأكبر (45%، 47% في الضفة الغربية و43% في قطاع غزة) تشكيل مجموعات مسلحة من سكان المناطق المستهدفة لحماية مناطقهم، اختارت نسبة من 29% نشر قوات الشرطة الفلسطينية في المناطق المستهدفة، واختارت نسبة من 13% قيام الجيش الإسرائيلي بمنع إرهاب المستوطنين واختارت نسبة من 9% فقط تشكيل مجموعات غير مسلحة من سكان المناطق المستهدفة لحماية مناطقهم.

يُظهر الشكل أدناه مدى ضعف ثقة الجمهور، وخاصة في الضفة الغربية، في دور الجيش الإسرائيلي في حماية السكان المهددين، وأن ثقة الجمهور بقدرة الشرطة الفلسطينية على توفير هذه الحماية تقل كثيراً عن ثقته بقدرة المجموعات المسلحة على القيام بذلك.

أي من الوسائل التالية بنظرك هي الأكثر نجاعة في محاربة إرهاب للمستوطنين ضد بلدات وقرى فلسطينية، مثل حواره وترمسعيا وأم صفا، وفي نفس الوقت الأكثر قابلية للتطبيق؟

على ضوء المظاهرات المناوئة لحكومة نتنياهو تقول نسبة من 39% أن احتمالات أن تتحول هذه المظاهرات لحرب أهلية داخل إسرائيل منخفضة وقالت نسبة أخرى من 23% أنها غير واردة فيما قالت نسبة من 35% فقط أن هذه الاحتمالات عالية.

6. تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل:

تقول أغلبية من 56% أن توصل السعودية وإسرائيل لاتفاق لتطبيع العلاقات بينهما يشكل تطوراً ضاراً بفرص التوصل لسلام فلسطيني-إسرائيلي (تصل هذه النسبة إلى 69% في الضفة الغربية فيما تهبط إلى 38% في قطاع غزة). في المقابل تقول نسبة من 17% (29% في قطاع غزة و8% في الضفة الغربية) أن هذا التطبيع قد يكون مسانداً لفرص التوصل لسلام فلسطيني-إسرائيلي، فيما تقول نسبة من 24% أنه لا ضار ولا مساند.

عرضنا على الجمهور خمسة من الشروط المتعلقة بالفلسطينيين التي يمكن للسعودية مطالبة إسرائيل بها مقابل التطبيع معها وطلبنا منهم اختيار الشروط التي يفضلونها. قالت أغلبية من 53% (59% في الضفة الغربية و43% في قطاع غزة) أنها ترفض كل هذه الشروط لأنه لا يجوز التطبيع مع إسرائيل قبل حل الصراع العربي-الإسرائيلي. لكن نسبة من 12% اختارت الإفراج عن عدد من الأسرى، واختارت نسبة من 10% اعتراف إسرائيل بحل الدولتين على أساس حدود 1967، واختارت نسبة من 8% نقل أراضي المنطقة (ج) للسيطرة الفلسطينية، واختارت نسبة أخرى من 8% الإفراج عن الأموال التي تحتجزها إسرائيل من عائدات الضرائب، واختارت نسبة من 7% التزام إسرائيل بعدم ضم أي مناطق فلسطينية في الضفة الغربية.

كما يبدو في الشكل رقم (5) أدناه، فإن سكان قطاع غزة يبدون استعداداً أكبر بكثير من استعداد سكان الضفة الغربية للنظر في الشروط الفلسطينية للتطبيع السعودي مع إسرائيل، وأن اهتمام سكان قطاع غزة في هذا السياق يتمحور حول نقل أراض للسلطة الفلسطينية واعتراف إسرائيل بحل الدولتين على أساس حدود عام 1967.

أي من الشروط التالية (المتعلقة بالفلسطينيين) ينبغي للسعودية المطالبة بها لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل؟

سأل المركز الجمهور عن رأيه في قيام السلطة الفلسطينية بإجراء مفاوضات مع السعودية والولايات المتحدة بشأن وضع شروط فلسطينية للتطبيع مع إسرائيل، مثل نقل أراض أو فتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن. قالت الغالبية العظمى (72%) أنها تعارض دخول السلطة في تلك المفاوضات (79% في الضفة الغربية و61% في قطاع غزة) وقالت نسبة من 24% (38% في قطاع غزة و14% في الضفة الغربية) أنها تؤيد ذلك.

7. الغايات العليا للشعب الفلسطيني والمشاكل الأساسية التي تواجهه :

نسبة من 37% تعتقد أن الغاية العليا الأولى للشعب الفلسطيني ينبغي أن تكون تحقيق انسحاب إسرائيلي لحدود عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية. في المقابل فإن 30% يقولون إن الغاية الأولى يجب أن تكون الحصول على حق العودة للاجئين وعودتهم لقراهم وبلداتهم التي خرجوا منها في عام 1948، وتقول نسبة من 18% أنها ينبغي أن تكون بناء فرد صالح ومجتمع متدين يلتزم بتعاليم الإسلام كاملة، وتقول نسبة من 14% أن الغاية الأولى ينبغي ان تكون بناء نظام حكم ديمقراطي يحترم حريات وحقوق الإنسان الفلسطيني.

في سؤال عن المشكلة الأساسية التي تواجه المجتمع الفلسطيني اليوم، قالت النسبة الأكبر، 25% (11% في قطاع غزة و35% في الضفة الغربية) إنها انتشار الفساد؛ وقالت نسبة من 24% (33% في قطاع غزة 18 في الضفة الغربية) إنها تفشي البطالة وانتشار الفقر؛ وقالت نسبة من 18% إنها استمرار الاحتلال والاستيطان؛ وقالت نسبة من 17% (26% في قطاع غزة 10% في الضفة الغربية) إنها الحصار والإغلاق على قطاع غزة؛ وقالت نسبة من 10% إنها الانقسام بين الضفة والقطاع، وقالت نسبة من 4% إنها ضعف القضاء وغياب الحريات والمساءلة والديمقراطية.

وعند السؤال عن المشكلة الأكثر إلحاحاً بالنسبة للفلسطينيين اليوم، قالت النسبة الأكبر (37%) أنها الاحتلال، وقالت نسبة من 22% أنها الفساد، وقالت نسبة من 15% أنها البطالة، وقالت نسبة من 14% أنها الانقسام، وقالت نسبة من 7% أنها العنف الداخلي وقالت نسبة من 1% أنها ضعف البنية التحتية.

اقرأ أيضاً:كيف وصلت منظمة التحرير إلى أوسلو؟

لماذا فشلت عملية أوسلو للسلام؟

كتب آرون ديفيد ميلر-فورين بوليسي:

أثناء جلوسي في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض في 13 سبتمبر/أيلول 1993، لم أستطع أن أصدق ما كنت أراه. تحت سماء لامعة صافية، شبك رئيس وزراء إسرائيلي وزعيم فلسطيني مبتهج يديه في سعيهما لتحقيق السلام، بينما احتضن رئيس أميركي مفعم بالحيوية الثنائي، مبتسماً كوالد فخور.

وكانت المناسبة هي التوقيع على الاتفاقية الأولى لما أصبح يعرف باتفاقيات أوسلو، والتي أنشأت إطاراً مؤقتاً قد يؤدي في حال تنفيذه بنجاح إلى مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وحتى مع كل التحديات التي تنتظرنا، كنت على قناعة بأن عملية السلام العربية الإسرائيلية أصبحت الآن غير قابلة للتراجع.

إفرايم هاليفي، الذي سيصبح في غضون سنوات قليلة رئيساً للموساد، وكالة الاستخبارات الإسرائيلية، كتب لي لاحقًا متشككًا في إيماني بعدم الرجوع، وخائفًا من المواجهة التي قد تتبع ذلك. لقد أثبت تحليل هاليفي أنه شديد البصيرة. واليوم، بعد مرور ثلاثين عاماً على ذلك اليوم التاريخي، ما زال ما تبقى من روح وجزء كبير من جوهر اتفاق أوسلو ملطخاً بالدماء ومدفوناً ومغدوراً بالخيانة عبر المشهد الإسرائيلي الفلسطيني الذي يبدو أنه لا يترك مجالاً كبيراً للأمل ولا يترك مجالاً للأوهام.

تتمركز الحكومة الأكثر يمينية وأصولية في تاريخ إسرائيل في القدس، وهي ملتزمة بضم الضفة الغربية، فضلاً عن توسيع المستوطنات وتمكين إرهاب المستوطنين والعنف ضد الفلسطينيين. فالحركة الوطنية الفلسطينية منقسمة بشدة، وهي تشبه نوعاً ما من سفينة نوح، حيث يوجد اثنان من كل شيء: الدساتير، والحكومات، وأجهزة الأمن، والرعاة، وحتى رؤى فلسطين. ففي غزة، تخطط حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين لشن هجمات إرهابية ضد الإسرائيليين، بينما في رام الله تعجز السلطة الفلسطينية الضعيفة التي فقدت مصداقيتها والتي تهيمن عليها فتح، أو غير راغبة في السيطرة على الإرهاب المنطلق من شمال الضفة الغربية.

ومع ذلك، فإن الدروس المستفادة من أوسلو لا تزال تحمل بعض الأهمية، مهما كان المستقبل الذي يحمله للإسرائيليين والفلسطينيين. بعد أن كنت جالساً بجانب الحلبة خلال تلك السنوات المصيرية، برزت أربع نقاط رئيسية بالنسبة لي شخصياً.

1. لا يمكن أن تكون الفترة المؤقتة نهائية.

على الورق، بدت اتفاقيات أوسلو منطقية ومقنعة. وسيتم نقل الأراضي تدريجيا إلى السلطة الفلسطينية مقابل توليها المسؤوليات الأمنية. وكما سنرى، فإن الرقص المنحرف بين المحتل والمحتل من شأنه أن يحكم على هذا النهج بالفشل. ولكنها ربما كانت لتتمكن من البقاء لو كان الجانبان على استعداد للتوضيح منذ البداية ما هي النتيجة النهائية التي كان من المفترض أن تسفر عنها الفترة الانتقالية، ثم اتخذا بعد ذلك إجراءات متبادلة على الأرض استعداداً لها.

بالنسبة للفلسطينيين، كانت النتيجة النهائية هي إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس. بالنسبة للإسرائيليين، لم يتم تحديد ذلك بعد. وبدافع من السياسة الداخلية والشكوك حول قدرة الفلسطينيين على إقامة دولة وما قد يعنيه ذلك بالنسبة للأمن الإسرائيلي، لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ولا خليفته شيمون بيريز على استعداد للالتزام بأي نتيجة متفق عليها ــ حتى لو كانت رؤية طموحة. يمكنك أن تبحث طويلاً وبشدة عن مصطلح “الدولة الفلسطينية” في وثائق أوسلو، لكنك لن تجده. وسوف يستغرق الأمر ستة أعوام أخرى قبل أن تجد فكرة الدولة طريقها إلى الافتراضات التفاوضية الإسرائيلية. ولم تعلن الولايات المتحدة رسمياً وعلناً عن دعمها لحل الدولتين إلا في عام 2001، عندما ترك الرئيس الأميركي بيل كلينتون منصبه.

ومع عدم وجود هدف نهائي واضح للعمل على تحقيقه، تعثرت العملية. وبحلول عام 1999، لم يكن قد تم الوفاء بموعد نهائي واحد في أوسلو. لقد بدأت المفاوضات بشأن الوضع الدائم ثلاث مرات لكنها لم تسفر عن شيء، ولم يتمكن الإسرائيليون ولا الفلسطينيون من رؤية إلى أين تتجه الأمور. ولكن كلاهما أصبحا يشعران بالضجر والحذر إزاء العملية المؤقتة التي تبدو بلا نهاية والتي تتخللها الهجمات الإرهابية الفلسطينية والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي.

وكانت النتيجة هي الوضع الذي نعيشه الآن: طريق مسدود استراتيجي عالق فيه الجانبان، والفجوات بشأن قضايا مثل الحدود والقدس واسعة، مع عدم وجود رؤية مشتركة ولا إيمان بأن أحداً يستطيع تحقيق ذلك.

2. يجب أن يكون القادة – وليس فقط مفاوضيهم – على استعداد للاستسلام.

يبدو الأمر وكأنه عالم آخر الآن بالنظر إلى حالة العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين اليوم، ولكن في ذلك الوقت، كان المفاوضون من كلا الجانبين يعملون بجد معاً لحل المشاكل وإدارة تلك التي لم يتمكنوا من حلها. ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة للقادة الذين كان عليهم التعامل مع سياسات عملية التفاوض ومواجهة القضايا التي لم يتمكنوا من تفاديها.

في أوائل سنوات أوسلو قبل مقتل رابين في تشرين الثاني/نوفمبر 1995، كان الإسرائيليون والفلسطينيون الذين يقومون بالتفاوض يضحكون ويصرخون ويبكون معاً على خلفية بيئة متقلبة تضمنت اتفاقيات، ومواعيد نهائية ضائعة، وهجمات إرهابية فلسطينية وإسرائيلية، وإحباطات مستمرة. لقد اصبحوا أصدقاء. رأيت مسؤولي الأمن من كلا الجانبين – رجال أقوياء ملطخة أيديهم بالدماء – يتعاملون مع بعضهم البعض باحترام وحتى مودة. في إحدى جلسات التفاوض في فندق لاروم في القدس، استلقى رئيس الأمن المنهك في الضفة الغربية، جبريل الرجوب، في نفس السرير مع القائد المركزي لقوات الدفاع الإسرائيلية شاؤول موفاز، متظاهراً مازحاً بأنه يأخذ قيلولة.

بالنسبة للمفاوضين، لم تكن أوسلو تتعلق بميزة محصلتها صفر، بل كانت تتعلق بالمنفعة المتبادلة. وقد تجسد هذا الرأي على أفضل وجه من خلال المفاوضين الرئيسيين في أوسلو، أوري سافير وأبو علاء (وكلاهما توفيا منذ ذلك الحين)، اللذين أصبحا صديقين سريعين. وفي مقابلتي معهما في عام 2013 في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لأوسلو، كان هذا الشعور بالشراكة في المقدمة وفي المركز. وعلق أبو العلاء، المعروف أيضا باسم أحمد قريع، على الوعد الذي حملته أوسلو: بعد عقود من الصراع المرير، لم يرى كل منهما الآخر إلا من خلال فوهة البندقية، وأدركا أنه من الممكن التغلب على الكراهية والشكوك والإنكار والرفض. لم يكن أي من الرجلين حالماً، لكن كلاً منهما رأى الفرصة التي قدمتها أوسلو لفهم احتياجات الآخر بشكل أفضل وإضفاء الطابع الإنساني على الخصم.

كنت أعتقد في بعض الأحيان أنه لو ترك اتخاذ القرار لأبو علاء وسافير، لكان لدى أوسلو فرصة أفضل للتنفيذ. ولكن في عالم السياسة الإسرائيلية والفلسطينية القاسي، كان لدى القادة قيودهم الشخصية والسياسية التي ينبغي عليهم أن يحسبوا لها حساباً.
بالنسبة لرابين، لم يكن التعامل مع القضية الفلسطينية خياره الأول على الإطلاق. صحيح أن رابين، كوزير للدفاع خلال الانتفاضة الأولى، بدأ يدرك أن الصراع ليس له حل عسكري، وبحلول ربيع عام 1993، كان قد توصل إلى نتيجة مفادها أنه لا أحد – لا الأردن، ولا سكان الضفة الغربية، ولا سكان غزة – يمكن أن تحل محل منظمة التحرير الفلسطينية كمحاور. لكن السلام مع سوريا كان المفضل لديه بسبب طابعه الاستراتيجي وتجنبه القضايا الساخنة مثل القدس. وبعد ذلك، في أغسطس 1993، مع إحراز القناة الإسرائيلية السورية التي تتوسط فيها الولايات المتحدة تقدماً ولكن مع فرصة ضئيلة لتحقيق اختراق دراماتيكي، نجحت قناة أوسلو السرية – وفجأة، اندفع رابين إلى التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل مباشر.

في اتفاقات أوسلو اتخذ رابين قراراً تاريخياً فيما يتعلق بالفلسطينيين. لكن ترجمة ذلك إلى البيروقراطية الإسرائيلية والمؤسسة الأمنية التي تمسك بمفتاح تحسين حياة الفلسطينيين على الأرض كانت أصعب بكثير. بحلول عام 1993، أصبحت سياسات الاحتلال الإسرائيلي راسخة بعمق في السياسة الإسرائيلية والعلاقات اليومية مع الفلسطينيين.

كما ألزم رابين نفسه بالتزام علني بعدم تفكيك أي مستوطنات خلال الفترة الانتقالية، وعدم القيام بذلك إلا كجزء من مفاوضات الوضع الدائم. وقد ندم لاحقاً على هذا القرار عندما قاوم – في أعقاب قيام مستوطن إسرائيلي بذبح 29 فلسطينياً في الخليل – الضغوط من داخل حكومته لإزالة 400 مستوطن يعيشون هناك والذين يحتاجون إلى وجود عسكري إسرائيلي كبير لحمايتهم. كان رابين خائفًا من رد فعل المعارضة اليمينية وكان قلقًا من أن يستغل ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، الأزمة للضغط من أجل وجود دولي في الضفة الغربية. ومع ذلك، فإن عدم رغبة رابين أو عدم قدرته على الحد من التوسع الاستيطاني، أدى إلى تقليص رغبة الفلسطينيين في تنفيذ التزاماتهم بموجب أوسلو.

أما بالنسبة لعرفات، فلم أكن متأكداً قط من دوافع قبوله لاتفاقيات أوسلو. لقد أجبروه، على الأقل في الوقت الحالي، على الاعتراف بإسرائيل دون تحقيق أي من مطالب الفلسطينيين: لا تقرير المصير، ولا إقامة الدولة، ولا القدس الشرقية عاصمة فلسطينية، ولا حق العودة للاجئين الفلسطينيين. أفضل تخميني هو أن أوسلو، بالنسبة لعرفات، كانت بمثابة إقرار إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لنفسه ولمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارهما السبيل الشرعي الوحيد للتعامل مع الفلسطينيين. لقد تحمل عرفات العملية الانتقالية، لأن العالم كله، في جوهره، اعترف به باعتباره العنوان الحصري لكل الأمور الفلسطينية. لقد كان انتصاراً للأنا الشخصية على المصلحة الوطنية.

أثبتت أوسلو أنها التنازل الأول والأخير الذي كان عرفات مستعداً لتقديمه. وفي مارس/آذار 2002، أثناء مهمة مع المبعوث الخاص لإدارة جورج دبليو بوش، أنتوني زيني، رأينا عرفات في مقره محاطاً بالقوات الإسرائيلية. كانت المداخل محصنة، والنوافذ معتمة، والشموع على الطاولة تضيء غرفة اجتماعات مظلمة، وكان هناك عرفات مع مدفعه الرشاش الأسود على طاولة المؤتمر، يتحدث عن الاستشهاد من أجل قضية فلسطين.

لقد قطع شوطا طويلا، لكنه لم يتمكن أبدا من تحقيق الانتقال من عقلية الزعيم الثوري الملتزم بالكفاح المسلح واستخدام العنف ضد إسرائيل إلى عالم التسوية والدبلوماسية التي كانت مطلوبة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

3. المحتل والواقع تحت الاحتلال ليسا متساويين في المفاوضات.

والخبر السار بشأن أوسلو هو أن الإسرائيليين والفلسطينيين تمكنوا من التوصل إلى اتفاق جوهري ومعقد فيما بينهم بشكل مباشر وجهاً لوجه. تم التوصل إلى الاتفاق لأن الأطراف نفسها كان لديها شعور بالإلحاح والحاجة إلى تضافر مصالحها الخاصة دون ضغوط خارجية.

لكن الفعل المزدوج الإسرائيلي والفلسطيني كان أيضاً خبراً سيئاً بسبب اختلال توازن القوى بين الطرفين: أحدهما المحتل، إسرائيل، والآخر الواقع تحت الاحتلال، الفلسطينيون. ونظراً لهذا الواقع، كان من اللافت للنظر أنه تم إنجاز أي شيء على الإطلاق فيما يتعلق بنقل الأراضي، والتعاون الاقتصادي والأمني، وبناء المؤسسات الفلسطينية.
كان عدم تكافؤ القوة واضحا: باعتبارها قوة محتلة، استخدمت إسرائيل قوة الأقوياء – القدرة على فرض إرادتها على الفلسطينيين. واتخذ ذلك شكل كل شيء، من بناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وهدم المساكن، إلى إغلاق مدن وبلدات الضفة الغربية (منع السفر)، وعمليات القتل المستهدف. وكان بناء المستوطنات فظيعاً بشكل خاص، حيث كان يقيم 115.700 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة في نهاية عام 1993؛ وبحلول منتصف عام 1999، ارتفع هذا العدد إلى 176.973.

ومن ناحية أخرى، استخدم الفلسطينيون قوة الضعفاء: الإرهاب. وباعتبارهم الطرف الأضعف في المفاوضات، فقد لجأ القادة الفلسطينيون إلى تبرير استخدام الإرهاب والعنف والكفاح المسلح ضد إسرائيل كأداة مقبولة للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني المستمر. ورغم أن معظم الهجمات الإرهابية في السنوات الأولى من أوسلو نفذتها حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية خارج سيطرة السلطة الفلسطينية، فإن عرفات – الذي لم يتخل قط عن استخدام العنف كأداة محتملة – يمكنه أو لم يرغب في فعل المزيد لمنع الهجمات الإرهابية أو القبض على الجناة.

ومن وجهة نظر إسرائيل، تم نقل الأراضي إلى الفلسطينيين، ومع ذلك استمر الإرهاب، مما أثار تساؤلات حول موثوقية منظمة التحرير الفلسطينية. ومن وجهة النظر الفلسطينية، وضعت إسرائيل الفلسطينيين تحت المراقبة. وكانت إسرائيل تستولي على الأراضي التي يعتقد الفلسطينيون أنها ملكهم، ولم يتم تقديم أي تدابير لبناء الثقة إلا مقابل الأداء الفلسطيني والسلوك الجيد. وقد أنتجت هذه العقليات حاجزاً أثبت أنه لا يمكن التغلب عليه في غياب طرف ثالث قادر على المساعدة في موازنة عدم تكافؤ القوى والضغط على كل جانب لتنفيذ التزاماته.

4. يجب أن يكون الوسيط حاضراً وذو مصداقية.

في كثير من النواحي، كانت السنوات الأولى لأوسلو بمثابة حلم المفاوض الأميركي. لقد فعل الإسرائيليون والفلسطينيون أخيرا ما كنا نشجعهم على القيام به لسنوات عديدة: الاجتماع معا والعمل على حل مشاكلهم بأنفسهم. وأطلع رابين وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر على الخطوط العريضة لاختراق أوسلو في يوليو/تموز، باستثناء حزمة الاعتراف المتبادل. لكن لا رابين ولا عرفات كانا يريدان مشاركة الأميركيين في جوهر الأمر – كان رابين يريد أن تتدخل الولايات المتحدة فقط للضغط على الفلسطينيين، لكنه كان حذراً من أن الأميركيين قد يتبنون موقفاً مؤيداً للفلسطينيين، وكان عرفات يشعر بالقلق من أن يقفوا إلى جانب الإسرائيليين.

وهكذا، في السنوات الأولى حتى مقتل رابين في أواخر عام 1995، كان دور واشنطن مقتصراً على استضافة مراسم التوقيع، وحشد المانحين، ولعب دور رجل الإطفاء في نقاط حرجة عندما وصلت المفاوضات إلى أزمة – مثل حدوث هجوم إرهابي. وهدد التوسع الاستيطاني أو غيرها من الأعمال الانفرادية العملية. ما لم تفعله الولايات المتحدة، ولم تستطع فعله، بسبب اعتراضات إسرائيل إلى حد كبير، هو إنشاء الشيء الوحيد الذي كان من الممكن أن يمنح عملية أوسلو الاستمرارية: آلية مراقبة لإلزام كل جانب بالالتزامات التي تعهد بها. وإذا لزم الأمر، فرض تكاليف الانتهاك.

كان القيام بذلك بمثابة جسر بعيد جدًا. ويعود ذلك جزئياً إلى العلاقة الخاصة التقليدية التي كانت تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، والتي جعلت التعامل الصارم مع الإسرائيليين، وخاصة فيما يتعلق بالتوسع الاستيطاني، أمراً محظوراً؛ ويعود ذلك جزئياً إلى تصميم إدارة كلينتون على تحسين العلاقات مع إسرائيل بعد السنوات العاصفة للرئيس السابق جورج بوش الأب. وجزئياً لأنه عندما يتعلق الأمر بانتهاكات أوسلو، كان يُنظر إلى الهجمات الإرهابية على أنها أكثر فتكاً من التوسع الاستيطاني، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل.

فمنذ أوسلو فصاعدا، ومع خليفة رابين بيريز المؤيد للسلام، وخاصة مع إيهود باراك في قمة كامب ديفيد، لم يكن كلينتون يرغب في التشويش على رؤساء الوزراء الإسرائيليين. في كثير من الأحيان، كان الأميركيون، وأنا منهم، يقومون بدور محامي إسرائيل. ما كان يعنيه ذلك عملياً هو الميل لصالح إسرائيل من حيث العملية والجوهر والتنسيق المحكم وعدم وجود مفاجآت.

لن أنسى أبدًا: في اليوم الرابع من القمة، رأيت المفاوض الفلسطيني الراحل صائب عريقات على أحد ممرات المشاة. توقف وسأل متى سيتسلم الفلسطينيون مسودة الوثيقة التي كنا نعدها حول القضايا الجوهرية. قلت إن الاستعداد يستغرق وقتًا أطول مما كنا نعتقد. وأجاب صائب مبتسماً: “هارون، لقد أعطيتها للإسرائيليين أولاً، أليس كذلك؟” ابتسمت مرة أخرى وواصلت المشي.

وفي أعقاب مقتل رابين، حاولت الولايات المتحدة القيام بدور أكثر نشاطا. فمنذ عام 1995 إلى عام 2000، تمكن الأميركيون، بالعمل مع عرفات ورئيسي وزراء إسرائيليين ـ بنيامين نتنياهو وباراك ـ لإبقاء العملية حية، والتوسط في ثلاث اتفاقيات مؤقتة، وتعزيز التعاون الأمني الإسرائيلي الفلسطيني، مع عمل وكالة الاستخبارات المركزية بشكل مباشر مع الفلسطينيين. لكن نفس العوامل الهيكلية التي جعلت من أوسلو فرصة بعيدة المنال حتى في الأيام العنيفة من خريف عام 1993 – غياب رؤية سياسية متفق عليها، والرقص المنحرف بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، والإرهاب والمستوطنات – كانت ببساطة عوامل يصعب التغلب عليها.
وما ثبت أنه قمة غير حكيمة وغير مدروسة في يوليو/تموز 2000 في كامب ديفيد، على الرغم من حسن النية، إلا أنها لم تتمكن من تعويض ما فقدناه بالفعل.

في السنوات الثلاثين التي تلت اتفاقيات أوسلو، تبين أن السلام الإسرائيلي الفلسطيني لم يكن حتمياً على الإطلاق. إذا نظرنا إلى الوراء، نجد أن أوسلو مثلت لحظة اجتمع فيها الإسرائيليون والفلسطينيون على أمل تأمين مستقبل أفضل.

ومن المفارقات أن الحديث عن التطبيع الإسرائيلي السعودي المحتمل قد أحيا مفهوماً رئيسياً لعملية أوسلو يركز على ما يسمى بالمنطقة “ج”، التي تشكل 60% من الضفة الغربية والتي تقع فيها معظم المستوطنات الإسرائيلية. هناك تقارير موثوقة عن مقترحات مختلفة قدمتها السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بحجة أن إسرائيل يجب أن توافق على نقل جزء كبير من المنطقة (ج) إلى السيطرة الفلسطينية كجزء من اتفاق بين الرياض لتطبيع العلاقات.

ومن شبه المؤكد أن مثل هذا الاقتراح سيواجه مقاومة من قبل الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو، وليس من الواضح مدى مرونة نتنياهو – الذي يسعى بشدة إلى التوصل إلى اتفاق مع السعوديين. ومع ذلك، سيكون من غير العادي إلى حد كبير أن يتم إحياء البنية الميتة لعملية أوسلو في محاولة لاسترداد الآمال التي تتلاشى بسرعة في تحقيق تقدم على المسار الإسرائيلي الفلسطيني.

ولكن حتى مع هذا الانفتاح المحتمل، لا يوجد حتى الآن طريق واضح لإنهاء الصراع، ولا يوجد مبدأ تنظيمي يمكن لأغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين أن يلتفوا حوله. ومن دون أن نتخلى عن الأمل – ونحن لا نستطيع ذلك – فلا ينبغي لنا أيضاً أن نستسلم للأوهام والافتراضات السطحية حول الحل السحري الذي يمكن أن يوفر مستقبلاً سلمياً لكلا الشعبين. إذا أظهرت أوسلو أي شيء، فهو أنه حتى في ظل القيادة والشراكة، فإن الرحلة طويلة وصعبة ومليئة بالفشل في أغلب الأحيان.

نحن بحاجة إلى قادة يرون أن السلام أمر بالغ الأهمية لشعبهم، ويكونون على استعداد لفهم احتياجات الجانب الآخر والعمل على تلبيتها؛ والوسيط المستعد ليكون مطمئناً وصبوراً وقاسياً مع كلا الجانبين عند الضرورة؛ والتوصل إلى حل نهائي يعترف بأن الحل الدائم والعادل يعتمد على توازن المصالح، وليس عدم تكافؤ القوى.

لا شيء من هذه الأشياء متوفر الآن. ومع ذلك، فقد تتاح للولايات المتحدة ذات يوم فرصة أخرى لمتابعة عملية صنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ويتعين علينا أن نفعل ذلك دون أوهام ودون اعتقاد بأننا قادرون على القيام بذلك بمفردنا أو التخلي عن هذا المسعى إذا واجهنا تحديات خطيرة.
ومع التفكير الصحيح ووجود الإسرائيليين والفلسطينيين الشجعان، والدعم من العالم العربي وخارجه، وقدر لا بأس به من الحظ، في يوم من الأيام قد نصل إلى هدفنا.

اقرأ أيضاً: من تل أبيب إلى غزة، كنا سكارى بالسلام، لكن الحرب لم تنته بعد

بالأسماء.. 22 أسيرًا ما زالوا معتقلين ما قبل توقيع اتفاق أوسلو

رام الله- مصدر الإخبارية

أفاد نادي الأسير الفلسطيني بأن “22 أسيرًا ما زالوا معتقلين منذ ما قبل توقيع اتفاق أوسلو، أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1985.

وقال النادي إن 11 أسيرًا ما قبل اتفاق أوسلو من الذين كانوا معتقلين قبل أوسلو، وأُفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى، أعاد جيش الاحتلال اعتقالهم عام 2014.

ولفت إلى أن سلطات الاحتلال تواصل احتجاز جثامين 11 شهيدا من شهداء الحركة الأسيرة، وهم: أنيس دولة 1980، وعزيز عويسات منذ عام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السايح وثلاثتهم استُشهدوا خلال عام 2019، وسعدي الغرابلي.

بالإضافة إلى كمال أبو وعر خلال عام 2020، والأسير سامي العمور الذي استُشهد عام 2021، والأسير داود الزبيدي الذي استُشهد عام 2022، إضافة إلى الأسير ناصر أبو حميد، الذي استُشهد في كانون الأول 2022، والشهيد خضر عدنان الذي ارتقى في الـ2 من مايو (أيار) 2023.

أما أسماء الأسرى القدامى: محمد الطوس، وإبراهيم أبو مخ، ووليد دقة، وإبراهيم بيادسة، وأحمد أبو جابر، وسمير أبو نعمة، ومحمد داوود، وجمعة آدم، ومحمود أبو خربيش، ورائد السعدي، وإبراهيم اغبارية، ومحمد اغبارية، ويحيى اغبارية، ومحمد جبارين، وضياء الفالوجي، ومحمد فلنة، وناصر أبو سرور، ومحمود أبو سرور، ومحمود عيسى، ومحمد شماسنة، وعبد الجواد شماسنة، وعلاء الدين الكركي.

والأسرى الذي أعيد اعتقالهم عام 2014 هم: نائل البرغوثي، وعلاء البازيان، وسامر المحروم، وناصر عبد ربه، وجمال أبو صالح، ونضال زلوم، ومجدي العجولي، وعبد المنعم طعمة، وعايد خليل، وعدنان مراغة، وطه الشخشير.

و5200 أسير يقبعون في سجون الاحتلال بينهم (36) أسيرة، و(170) طفلًا، و(1264) معتقلًا إداريًا، كما يبلغ عدد الأسرى الذين يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد (559) أسيرًا.

اقرأ/ي أيضًا: مهجة القدس لمصدر: اليوم حاسم لتحديد خوض الأسرى إضرابهم من عدمه

في العام الثلاثين على خطيئة أوسلو

بقلم- مصطفى البرغوثي

بعد مرور ثلاثين عاماً بالتمام والكمال على توقيع اتفاق أوسلو، يحقّ لنا، ليس فقط أن نقيّم تلك التجربة التي تركت آثاراً عميقة على الوضع الفلسطيني، بل وأن نقيّم أيضاً المنطلقات والدوافع الفكرية والرؤى التي قادت إلى نهج أوسلو الذي ما زال مستمرا، مشكلا اليوم نقطة الخلاف الجوهرية في الساحة الفلسطينية. ولعل أحد إشكالات الوضع الفلسطيني أن القوى الممارسة لنهج أوسلو تتجنّب (أو ترفض) الدخول في نقاش فكري أو سياسي جدّي حول صوابية هذا النهج أو سلامته، بل تكتفي بالاختباء خلف ذريعة واحدة، “الواقعية” في التعاطي مع وضع سياسي صعب ومعقّد.

كان اتفاق أوسلو فخّاً كبيراً نُصب ببراعة من الحركة الصهيونية للقيادة الرسمية الفلسطينية، بغرض امتصاص نتائج الانتفاضة الأولى التي غيّرت موازين القوى على الأرض، وأجبرت إسرائيل على الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، لإحداث شرخ عميق في الساحة الفلسطينية، وكسب الوقت لتكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان وبناء منظومة أبارتهايد عنصرية، غرضها تصفية حقوق الشعب الفلسطيني، وانتزاع شرعية فلسطينية وعربية ودولية لمشروع الاستيطان الكولونيالي الصهيوني.

ارتكب الجانب الفلسطيني سبعة أخطاء استراتيجية في مفاوضات واتفاق أوسلو:- أولا، توقيعه من دون اشتراط وقف الاستيطان، كما كان يصرّ الوفد الفلسطيني الرسمي في واشنطن، والذي أديرت مفاوضات أوسلو السرّية من خلف ظهره، ومن دون علمه، ومن دون استشارته. وكان هذا الخطأ بمثابة الخطيئة الكبرى لذلك الاتفاق، والدليل القاطع على ذلك ارتفاع عدد المستوطنين المستعمرين من 121 ألفاً عندما وقع الاتفاق إلى 750 ألفاً اليوم، أصبح لديهم 15 عضواً في الكنيست الإسرائيلي، وأصبحوا يمثلون قوة سياسية فاشية لها دور حاسم في الحكومة الإسرائيلية بقيادة الفاشيين سموتريتش وبن غفير.

ثانيا، انعدام التكافؤ بين الجانبين، حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل وحقها في الوجود مقابل مجرد الاعتراف بالمنظمة ممثلاً للفلسطينيين، بل قَبِل الجانب الفلسطيني بوسم نضاله الوطني ومقاومته المسلحة بالإرهاب، وتعهّد بالتخلي عنها، وقبل الاعتراف بإسرائيل من دون تحديد حدودها، ومن دون أي ضماناتٍ بحقّ العودة للاجئين الفلسطينيين الذين شرّدتهم من ديارهم عبر النكبة والمجازر الوحشية.

ثالثا، كان الاتفاق جزئياً انتقالياً من دون تحديد النتيجة النهائية بإنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة، بل تتضمّن قبولاً بجعل قضايا جوهرية، مثل اللاجئين وحق العودة، والقدس، والحدود، والاستيطان غير الشرعي، ومياه الأراضي المحتلة، قضايا متنازع عليها، وتحوّلت السنوات الست لإنهاء التفاوض إلى 30 عاماً، وبعد أن ضمنت إسرائيل أن أراضي 48 محسومة إسرائيلياً تدرّجت من اعتبار الأراضي المحتلة أراضي متنازعا عليها عند توقيع الاتفاق، إلى أراضٍ يهودية خاصة باليهود، ومن ثم أقرّت قانون الدولة اليهودية، الذي اعتبر حقّ تقرير المصير في أرض فلسطين التاريخية بكاملها، والتي يسمّونها أرض إسرائيل، محصوراً باليهود فقط. وقد تدرجت الحكومات الإسرائيلية من المماطلة بالمفاوضات سنوات طويلة كما وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق شامير، إلى وقفها بالكامل منذ عام 2014، والادّعاء بعدم وجود شريك فلسطيني. وهكذا سلبت إسرائيل بالتوسع الاستيطاني الأرض، وسلبت بالعملية السياسية الشيء الوحيد الذي منحته لقيادة منظمة التحرير في اتفاقات أوسلو، وهو حقها في التفاوض باسم الفلسطينيين.

رابعا، كان من أكبر الأخطاء القبول بتجزئة الأراضي المحتلة إلى تقسيمات “أ، ب، ج”، وأتاح ذلك لإسرائيل عزل 62% من الضفة الغربية، تسمّى مناطق ج، وتخصيصها بالكامل للتوسّع الاستيطاني، وتجزئة ما تبقى إلى 224 من الغيتوهات المعزولة بالحواجز، والمستوطنات والجدار، والطرق العنصرية المحرّمة على الفلسطينيين.

خامسا، القبول بعقيدة ومبدأ التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، ما وضع السلطة والقيادة الرسمية في معضلة تناقض وصدام مع شعبها ومع قوى المقاومة الفلسطينية.

سادسا، أحدث اتفاق أوسلو تجزئة للشعب الفلسطيني، وشرخاً وانقساماً سياسياً عميقاً في الساحة الفلسطينية. أصبح قاعدة لانقسامات عديدة أخرى، مثل الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين حركتي فتح وحماس، ولكن الأخطر كان إحداث شرخ عميق بين مكوّنات الشعب الفلسطيني في الداخل (أراضي 1948) والخارج والأراضي المحتلة.

سابعا، فتح اتفاق أوسلو الباب على مصراعيه للتطبيع العربي والدولي مع كيان الاحتلال والتمييز العنصري.

من الناحية الفكرية، بُني نهج (واتفاق) أوسلو على ثلاثة أوهام: الحل الوسط مع الحركة الصهيونية، وحلّ الدولتين بديلا للهدف الاستراتيجي الفلسطيني الأصلي بإقامة دولة ديمقراطية واحدة على كامل فلسطين التاريخية، والدور الأميركي في تحقيق تلك الحلول. وجميعها أوهام أثبتت ثلاثون عاماً عدم صحتها. وإذا كان الاعتقاد بوهم الحل الوسط مع الحركة الصهيونية له ما يبرّره كاجتهاد عندما وقع اتفاق أوسلو نتيجة الضغوط الدولية والظروف الصعبة التي كانت تعيشها منظمة التحرير الفلسطينية، فإن الاستمرار في التمسّك به والمراهنة على نهج المفاوضات، بعد كل هذه السنوات، وبعد كل ما فعلته الحركة الصهيونية وحكّام إسرائيل حتى بأصحاب اتفاق أوسلو، بما في ذلك اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين والشهيد ياسرعرفات، والادّعاء بعدم وجود شريك فلسطيني، يمثل خطيئة لا تُغتفر، ولا مبرّر لها على الإطلاق.

نفّذت إسرائيل، بمنهجية وعن سبق إصرار، ستّ عمليات بعد توقيع اتفاق أوسلو:- الفصل الكامل بين قطاع غزّة والضفة الغربية. فصل القدس عن الضفة الغربية وباقي الأراضي المحتلة. تعميق الاستيطان وتوسيعه، من دون توقّف بهدف التهام الضفة الغربية وتهويدها وضمّها، وتحويلها من محيط فلسطيني فيه أجسام استيطانية غريبة، إلى محيط استيطاني إسرائيلي تُعزَل في إطاره المدن والقرى الفلسطينية كأجسام غريبة. الحصار والخنق الاقتصادي والتحكّم المطلق بالأرض والمياه والحدود والثروات الطبيعية والمجال الجوي والكهرومغناطيسي. الضغط المتواصل على السلطة الفلسطينية لإجبارها على الانفصام عن حركة التحرر الوطني، واحتواء منظمّة التحرير فيها، واستخدام كل وسائل الضغط المحلية والدولية لتحويلها إلى وكيل أمني للاحتلال. تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى غيتوهات معزولة، وتكريس نظام الأبارتهايد العنصري أداة للتعايش مع الواقع الديمغرافي الفلسطيني الذي لم تستطع إلغاءه، وإن كانت لا تتوقّف عن الأحلام بإنهائه عبر تطهير عرقي جديد ضد الشعب الفلسطيني.

نسفت هذه العمليات الست ما بقي من آفاق لقيام دولة فلسطينية مستقلّة، إذ استخدمت لقتل ما سمي “حلّ الدولتين”، على مرأى ومسمع من مجتمع دولي منحاز لإسرائيل، يواصل الحديث عن “حلّ الدولتين” من دون ممارسة أي ضغط فعلي لوقف الاستيطان الصهيوني الذي يدمّر ذلك الحل.

هل كان اتفاق أوسلو ناجحاً أم فاشلاً؟ كان فاشلاً ومُحبطاً للجانب الفلسطيني، ونجاحاً عبقرياً للحركة الصهيونية، لأنه سمح لها بمواصلة الاحتلال وتكريس منظومة الأبارتهايد بلا تكاليف، بل بأرباح، جديدها أخيرا التطبيع المشين مع المحيط العربي.

ولا يستطيع أحد إنكار أن أصواتاً فلسطينية عاقلة، ووطنية حكيمة، وقوى فلسطينية، حذّرت من ذلك الاتفاق عند توقيعه، وحذرت من مواصلة السير فيه، ومن أبرزها أصوات حيدر عبد الشافي وإدوارد سعيد وكثيرين آخرين. كما لا يستطيع أحد إنكار أن الغالبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني وبناته يعارضون اليوم ليس فقط اتفاق أوسلو، بل ونهج أوسلو المتواصل، بمن فيهم بعض من أُخذوا بأوهام السلام المنتظر، ثم استيقظوا على آلام الواقع المرير. وأول معارضي ذلك النهج جيل الشباب الفلسطيني الذي ولد بعد توقيع الاتفاق، ويتصدّر اليوم المقاومة الفلسطينية الباسلة لظلم الاحتلال ووحشية التمييز العنصري.

لا نستطيع اليوم إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وإلغاء خطيئة أوسلو، وإنْ نتمنّى هذا، ولكننا نستطيع أن نطالب بالتحلّل منها، ووقف النهج الذي أدّى إلى تلك الخطيئة، واستبداله باستراتيجية وطنية فلسطينية كفاحية مقاومة، تعيد توحيد طاقات الشعب الفلسطيني ومكوّناته، وتعيد صياغة برنامجه الوطني ورؤيته لتشمل ليس فقط إنهاء الاحتلال وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين هُمّشت قضيتهم، بل وإسقاط كل منظومة الأبارتهايد العنصرية ومجمل المشروع الاستعماري الاستيطاني (الكولونيالي) في كامل فلسطين التاريخية، والتراجع عن كل التنازلات المجّانية التي قدّمت للحركة الصهيونية مقابل لا شيء، سوى إشباع مصالح أقلية صغيرة على حساب شعبها وتلبية احتياجات بيروقراطية لمؤسّساتٍ أصبحت في حالة غربة عنه، وتوجيه رسالة واحدة واضحة إلى العالم بأسره أن الفلسطينيين لن يقبلوا ذلّ الاستعباد للاحتلال ونظام التمييز العنصري، وأن البديل الوحيد لواقع دولة الأبارتهايد الواحدة هو الدولة الديمقراطية الواحدة التي يحقق فيها شعب فلسطين حقه في الحرّية الكاملة والكرامة وتقرير المصير.

اقرأ أيضاً: أمام المحكمة العليا قرار واحد ممكن: الفصل في إلغاء سبب المعقولية

Exit mobile version