جمال زقوت عن التجربة الفلسطينية التي لا تعرف المستحيل

أقلام-مصدر الإخبارية

كتب الصحفي والباحث الفلسطيني أوس يعقوب، أن مؤسّسة الدراسات الفلسطينية أصدرت مذكّرات الكاتب والناشط السياسي المناضل جمال زقوت، الموسومة بـ «غزّاوي: سرديّة الشقاء والأمل»، والتي جاءت في ثلاثمائة وتسعة وسبعون صفحة من القطع المتوسط، واحتوت على تقديم، وخمسة فصول، وملحق صور، تضمّن ستة عشر صورة تجسّد بعض مراحل حياة صاحبها.

مذكّرات زقوت وفقاً للناشر؛ هي مراجعة لمسيرة حافلة لحياة لاجئ ومناضل من جيل النكبة في مخيّمات غزّة والشتات، يجمع فيها بين التجربة الشخصية الحميمة والمشهد العامّ، في إضاءة على تحوّلات المجتمع الغزّاوي في مراحل مفصلية أبرزها: الحياة اليوميّة في مخيّم الشاطئ في الخمسينيات بعد النزوح؛ الحكم العسكري المصري في غزّة في الحقبة الناصرية؛ بداية الاحتلال الإسرائيلي ويوميّات المقاومة التي تُكشف بعض تفاصيلها لأوّل مرّة. ويتتبّع صعود الحركة الوطنية داخل قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، بعد خروج المقاومة من بيروت سنة 1982، سارداً فصولاً من مرحلة جديدة من النضال الوطني داخل المدن والمخيّمات والبلدات والقرى الفلسطينية مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر سنة 1987.

استعادة مكانة فلسطين في الحضارة الإنسانية

تضيء هذه المذكّرات على حياة المؤلف الدرامية في المخيّم، وفي أثناء الدراسة والنضال في القاهرة وبلغاريا، وصولاً إلى عودته إلى فلسطين ودوره في مرحلة إنشاء السلطة الفلسطينية. مروراً بتقديم شهادة تاريخية تتعلّق بدور الفصيل الذي ينتمي إليه “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” على الصعيد الوطني في تلك المرحلة، مستعرضاً التحدّيات التنظيمية التي واجهتها، والتي أفضت في النهاية إلى انقسامها على نفسها في بداية تسعينيات القرن المنصرم.

في حوار “رمان الثقافية” مع صاحب المذكّرات جمال زقوت، سألناه بداية عن سيرته ومسيرته ككاتب وناشط سياسي؟

أجابنا قائلاً: ككلّ أبناء جيلي ولدوا بين النكبة وهزيمة 1967 سواء كان ذلك في مخيّمات قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، ، بما فيها القدس، أو في مخيّمات الشتات، فقد عاش هذا الجيل سنوات الفقر والبؤس والحرمان، وعايشوا من ناحية، وربما وهم بعد لم يتعرّفوا على طفولتهم، محاولات طمس وتبديد الهوية الوطنية وإلغاء فلسطين من الوعي العامّ سواء كان في فلسطين ذاتها، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما كانوا في هذا السياق جزءاً من لبنات النهوض الأولى لمواجهة واحدة من أكبر جرائم العصر الحديث. فعشية هزيمة حزيران/ يونيو 1967 التي دفعت الفلسطيني لأخذ زمام المبادرة المباشرة لمقاومة الاحتلال وجرائمه، نشأتُ في أسرة ورثت النضال منذ ما قبل النكبة سنة 1948، وكانت العائلة جزءاً من هذا النهوض سيما في إطار امتداداتها في “عصبة التحرّر الوطني” و”حركة القوميين العرب”، اللتين كان وجودهما من خلال “الحزب الشيوعي” في قطاع غزّة، أو فصائل اليسار التي انبثقت عن “حركة القوميين”، حيث كنت محاطاً داخل الأسرة وخارجها في مدارس غوث اللاجئين بمجموعة من الشباب العاملين في قطاع التعليم، أسهموا في تشريب الوعي الوطني في إطار رؤية تقدمية مفادها، أنّ سلاح العلم يشكّل ركيزة أساسية ليس فقط لتعويض ما فقدوه من مصادر رزق بعد أن هُجّروا من أرضهم وبيارات البرتقال وكروم العنب والتين التي تميّز بها الساحل الجنوبي لفلسطين، بل وأيضاً كسلاح معرفة من أجل استعادة مكانة فلسطين في الحضارة الإنسانية بعد ما تعرّضت له من محاولات تهشيم لمكوّناتها الثقافية.

يتابع ضيفنا حديثه معنا، قائلاً: كانت تلك اللبنات الأولى التي دفعتني دوماً للمبادرة مهما كانت بسيطة، فهي وفي ظلّ الخواء الشامل الذي فُرض على القضية الفلسطينية، كانت بالتأكيد كحجر يلقى في المياه التي أريد لها أن تكون آسنة وغير قادرة على صناعة الأمل والحياة. هذا الدرس ظلّ يلازمني في تجربتي الممتدّة منذ أواسط السبعينيات في إطار فصائل العمل الوطني والديمقراطي، بالانحياز للفقراء والمهمّشين من أجل استعادة العدالة، والقناعة المطلقة في نفس الوقت بأنّ الردّ على محاولات تمزيق الهوية والكيانية الفلسطينية يستدعي دوماً وفي كلّ الظروف، استعادة الوحدة في إطار الوطنية الجامعة ومؤسّساتها وتعبيراتها الجامعة، سواء في إطار منظمة التحرير أو التجارب الكفاحية داخل الوطن المحتلّ، والتي كان أبرزها تأسيس “القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة الأولى” سنة 1987.

يضيف زقوت: لفت انتباهي دوماً أنّ معظم القادة المؤسّسين، بما في ذلك الزعيم المؤسّس أبو عمار، أخذوا المبادرة وهم في سنّ الشباب، هذا ما دفعنا ولم نكن نتجاوز الثلاثينيات للمبادرة بوعي الوحدة وطبيعة اللحظة، التي كان فيها الاستقطاب مع عنصرية المحتلّين ذروته، لتأسيس “القيادة الموحّدة”، وهذه رسالة، وفي وقت تعاني فيه الأطر الوطنية من تآكل بفعل الفشل والانقسام والاستبداد، للقيادات الشبابية داخل الحركة الوطنية وخارجها من أجل استعادة زمام المبادرة، بروح الوحدة وخلاصة التجربة وبحجم التضحيات التي قدّمها شعب فلسطين، والبدء بخطوات ملموسة لإعادة بناء الحركة الوطنية، وبما يشمل كافّة التجمعات الفلسطينية، فمشروع تمزيق الهوية الوطنية ما زال حاضراً، ولا يمكن مجابهته إلّا بمشروع وطني تحرّري وديمقراطي تقدمي من كلّ الفلسطينيين في كافّة أماكن تواجدهم.

وهنا لا بدّ من تسجيل الدور المركزي الذي لعبته الشخصيات الوطنية في إطار الحركة الوطنية داخل الأرض المحتلّة، ودورها في تأسيس “الجبهة الوطنية” و”لجان التوجيه الوطني”، ومن بينها مشاركة القيادات في الانتخابات البلدية، ويحضرني هنا الدور التاريخي الذي لعبه القيادي الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي في ترسيخ القيادة الوطنية الموحّدة ومحاولته الدؤوبة لحلّ التباينات بين مكوّناتها السياسية والتنظيمية، وحرصه الدائم على تجاوز الحسابات الفئوية التي كانت تظهرها بعض هذه المكوّنات بين فترة وأخرى. وكذلك كيف قاد د. عبد الشافي وفد فلسطين لمفاوضات مدريد-واشنطن مسلّحاً بإرادة المنتفضين، وكان أميناً على رسالة الانتفاضة التي كان شعارها وهدفها المركزي إنهاء واجتثاث الاستيطان، وكانت هذه القضية المركزية بالنسبة له، فوظيفة أيّ مفاوضات ومدى صوابها هو بالقدر الذي تفتح فيه الطريق لإنهاء الاحتلال والاستيطان، وهذا كان دوماً محلّ إجماع فلسطيني بخاصّة في الأرض المحتلّة، التي فجّرت الانتفاضة لأنها أدركت من خلال طبيعة الصراع أنّ المشروع الصهيوني ورغم كلّ مناوراته، فإنه لم يسلّم يوماً بتقرير مصير الشعب الفلسطيني بمجمل مكوّناته سواء إزاء قضية الأرض أو السيادة أو القضية الأساسية وهي قضية اللاجئين، ولهذا لم يكن بإمكان زعيم شعبي مثل الراحل حيدر عبد الشافي أن يصمت على اتّفاق أوسلو، الذي لم يحسم قضية وقف الاستيطان فأبقى ذلك الاتّفاق الباب مفتوحاً لتكريس الاستيطان والتهويد الجاريين حتّى اليوم لدرجة اعتقاد حكومات الاحتلال أنه وبفعل تآكل المرجعيات والموقف التفاوضي الفلسطيني، أن تحسم الصراع التاريخي بين الطرفين لصالحها، وهذا ما لن يمرره أبناء شعبنا الفلسطيني بأيّ حال من الأحوال.

ما هو مطلوب اليوم، هو جبل خبرة المخلصين الذين ما زالوا متمسّكين برؤية وحك حيدر عبد الشافي وإبراهيم الدقاق وكريم خلف وفهد القواسمي وبسام الشكعة، مع روح القيادات الشابّة التي لن تسمح بتمزيق الراية في دهاليز الانقسام والتقاسم الفئوي المتواطئ مع مخطّطات الاحتلال. هذا التكامل بين الخبرة وقوّة الإرادة لدى القيادات الشابّة والحراكات بكلّ مظاهرها سيُنضج عاجلاً أم آجلاً حركة وطنية جذريّة، ومن طراز جديد. فالخطر الداهم اليوم، في ظلّ الصراع الانقسام على حساب الصراع مع المحتلّ، الذي بالمناسبة لا يميّز بين فلسطيني وآخر، هو انحدار وتفكّك الحركة الوطنية، وصعود الجهوية والعشائرية، التي يُسهل سقوطها في فخ مشروع الكانتونات الجهوية على حساب المشروع والكيانية الوطنيين.

نسأل مُحاورنا عمّا يتضمّنه كتابه الأوّل «غزّاوي: سرديّة الشقاء والأمل» من أفكار وأطروحات رئيسة؟ فأجابنا: في الحقيقة، لطالما كانت فكرة توثيق تجربتي، والتي كما ذكرت تحاكي وإن بدرجات متفاوتة تجارب الكثيرين من أبناء جيلي، سيما أنّ الصديق الراحل فيصل حوراني، وعندما كنا نلتقي ونتحدّث سواء عن تجربة الحياة في المخيّم، أو قصص المقاومة والصمود ببعديها الإنساني والكفاحي، كان دوماً يحثني على الكتابة وتوثيق تلك القصص، لدرجة أنه اقترح عليّ ذات مرّة أن نسجّل معاً ذلك ثمّ نعالجها بعد أن تكتمل، الأمر الآخر أنه بعد أن شاهدت الأثر الهامّ لفيلم “نائلة والانتفاضة”، وأهمّية القصص التي تبدو بالنسبة لنا صغيرة أو شخصية، على صعيد الرأي العامّ الدولي، إذ أنّ ذلك الفيلم الذي يوثّق دور المرأة الفلسطينية في الانتفاضة الأولى بل وفي قيادتها، وجدت أنه من الضروري توثيق هذه التجربة، بما هي تحدّي النكبة والتمرّد على اللجوء، ومراحل المقاومة وتجاربها في الوطن وإلى حدٍّ ما في الخارج، خاصّة في لبنان والساحات الطلابية “مصر وبلغاريا”، والأهمّ الانتفاضة الأولى.

وأردف زقوت: في ظلّ فشل مسار التسوية وتعمق حالة الانقسام، والانسداد الذي تعيشه الحركة الوطنية، أعتقد أنّ أخطر ما يواجهنا هو أنّ سنوات الكفاح الطويلة تجري محاولات وأد إنجازاتها، ومعها القيم النبيلة وروح التضحية والتضامن الجماعي التي ولّدتها سنوات المعاناة والثورة على حدٍّ سواء. موضّحاً، أنّ المغزى الأهمّ الذي وجدته في هذا الكتاب وأردت إيصاله، أنّ التجربة الفلسطينية لا تعرف ويجب ألّا تخضع للمستحيل، وليس أمام الفلسطيني من خيار سوى إبداع وسائل الصمود والثورة على الظلم الذي عاشه وما زال يستهدفه.

يؤكّد الكاتب والناشط السياسي المناضل جمال زقوت، في حوارنا معه، أنّ اللجوء والتمرّد على النكبة والصراع من أجل العلم وروح التضامن التي ميّزت الفلسطيني في مسار كفاحه، والتي بلغت ذروتها بانتفاضة شعب بأكمله، هي ما أردت أن أوصفه من خلال سرديّة سجّلت فيها شهادتي، ولا أدّعي إطلاقاً أنها تشمل السرديّة الشاملة للتغريبة الكفاحية لشعبنا الفلسطيني، الذي يواصل إعجازه حتّى اليوم. وليعذرني من سيقرأ هذه السرديّة أنها ربّما لم تغطِّ ما يعرفه أو عاشه هذا القارئ وهو غير مدوّن في كتاب «غزّاوي: سرديّة الشقاء والأمل». دوماً أقول، وخاصّة في وصف الانتفاضة الكبرى، التي شارك فيها ملايين الفلسطينيين، إنّ لكلّ واحد منهم الحقّ في أن يرى دوره كقائد في فعاليّاتها، وهذا لا يقتصر على فلسطينيي الأرض المحتلّة بل وبلدان الشتات، فهي منبع الثورة والانتفاضة كانت ذروتها، كان التحام الناس في كلّ مكان مع الانتفاضة، وهو ما كنت شاهداً عليه بعد إبعادي، كان يشير إلى تلك الحقيقة، فما حقّقته الانتفاضة من نهوض وطني عارم عزّز ورسّخ مضمونها الديمقراطي، واتّساع المشاركة الشعبية في فعاليّاتها ومساندتها مادّياً وإعلامياً وسياسياً. والأهمّ أيضاً، إعلاء شأن الوحدة والهوية الجامعة والأمل بالنصر، وهذا ما نعاني من فقدانه اليوم، وهذه مسؤوليتنا أن نستعيده كشرط لا يمكن الاستغناء عنه في مسيرة كفاحنا التي لم تكتمل فصولها بعد.

يجب ألّا نسلّم بالانقسام

أمّا أهمّ الرسائل التي أراد مُحدّثنا إيصالها للقرّاء في كتابه هذا؟ ومن هم الذين يأمل أن يصل إليهم؟ فيجيبنا: هذا جوهر رسالتي، يجب ألّا نسلّم بالانقسام الذي يقصم ظهر النضال الوطني برمتها، ويهدّد الإنجازات الكبرى التي راكمها شعبنا منذ النكبة حتّى اليوم.

أعتقد أنّ الإرهاصات التي تتراكم في حراكات اجتماعية وسياسية وكفاحية متعدّدة الأشكال هي مرحلة اختمار ولادة جديدة للحركة الوطنية، هذه الولادة التي تبدو مستعصية وتعيش مخاضات مؤلمة بفعل وهم المشروع الصهيوني، الذي يرى أصحابه أنّ اللحظة التاريخية ملائمة لمعالجة مأزق الصهيونية التاريخي مرّة أخرى باستكمال النكبة، لكنّ هذا وهم وسيفشل. صحيح أنّ بيروقراطية الحركة الوطنية وانقسامها في الصراع على السلطة، وربّما في متن هذا الصراع الإقصائي، تحاول منع بلورة أيّ مبادرات جادة، بل وتعمل على وأدها.

يرى زقوت، أنّ احتكار السلطة، سيما في ظلّ فشل مشروعها يُحوّل النظام السياسي الفلسطيني إلى حالة ظلامية من ناحية، ومستبدّة من الناحية الأخرى، وهذا يتناقض مع مضمون الصراع مع المشروع الصهيوني الذي يستهدف الجميع بما في ذلك المهيمنين على المشهد الانقسامي. وأنّ الدور التاريخي للمثقّف، وخاصّة المثقّف العضوي، أن يأخذ دوماً زمام المبادرة ويفتح باستمرار نوافذ الأمل للتغيير واستنهاض العامل الذاتي، لأنّ العوامل الموضوعية للصراع لا تُبقي للناس خياراً سوى المقاومة والوحدة وصون التعدّدية السياسية والفكرية. ويضيف مؤكّداً، هذا يحتاج لائتلاف عريض تلتقي فيه المبادرات الشعبية مع الخبرة السياسية للشخصيات التي لم تخرجها التجربة عن القدرة على العطاء، ولكن بالنهاية تسليم الراية الوطنية للأجيال الشابة وهم مرفوعي الهامات، وليس أن نسلّمهم رايات مزقها الانقسام أو حطام تجربة…

إلى ذلك، يشير زقوت إلى أنّ كتابه هذا، يتضمّن فصلاً عن شريكة حياته نائلة عايش بعنوان «نائلة وأنا»، يسرد فيه تجربتهما المشتركة، قائلاً: التقيت بنائلة وتعرّفت عليها عن قرب أثناء دراستنا في بلغاريا، ونضالنا المشترك في صفوف الحركة الطلابية والجبهة الديمقراطية، ويمكن القول إنّ التلاقي النضالي والفكري، وتماثل المعاناة الشخصية، قد ساعد في نمو المشاعر الإنسانية والعاطفية، فنائلة ولدت في القدس لأسرة لاجئة من بلدة لفتا قضاء القدس، وعاشت في مدينة البيرة في بيت والدها الذي دمّره الجيش الإسرائيلي في سنوات الاحتلال الأولى، كما تعرّضت للاعتقال والتعذيب الشديد خلال التحقيق ممّا أدى لإجهاضها، وهي في بداية حملها في آذار/ مارس 1987، و لم يفرج عنها سوى بعد حملة ضخمة شارك فيها المئات على الصعيدين المحلّي والدولي، يضيف جمال: إنّ قصّة نائلة كما ظهرت في فيلم «نائلة والانتفاضة» هي في الواقع أيضاً قصّة آلاف النساء اللواتي تعرّضن لاضطّهاد وعنف الاحتلال، وإنّ الإفراج عن نائلة من المعتقل الإسرائيلي بفعل هذه الحملة كان في الواقع بمثابة تحدّي وانتصار على أجهزة المخابرات الإسرائيلية، لأننا انتزعنا نائلة من بين أنياب السجان. كما اعتقلت نائلة مرّة ثانية بعد إبعادي، وكذلك ابننا مجد الذي أمضى مع أمّه ستة أشهر في المعتقل. مجد اسماه جود بشير تيمنا بعمه الشهيد بشير زقوت الذي استشهد في معركة اجتياح الليطاني جنوب لبنان عام 1978، ويتضمّن الكتاب فصلاً كاملاً عن أخي الشهيد.

بسؤاله عن سبب اختياره لعنوان «غزّاوي: سرديّة الشقاء والأمل»، تحديداً؟ يقول زقوت: بصراحة غزّة منذ سنوات هي عنوان البؤس والظلم الذي عاشه الفلسطيني، وهي بعد أن كانت رافعة للمشروع الوطني واستعادة الهوية، يراد لها أن تكون مقصلة هذا المشروع، ولكن تجربة شعبنا في القطاع كانت وستظلّ عصية على تمرير هكذا مخطّطات تصفوية. أهلنا في قطاع غزّة اليوم، يعانون من العدوان الإسرائيلي اليومي، وليس فقط من عدوان تشنّه إسرائيل بين فترة وأخرى، كما يعانون من الحصار الإسرائيلي، وظلم ذوي القربى في إطار الصراع الانقسامي المدمّر، ناهيك عن صمت المجتمع الدولي والأشقاء العرب. ومع ذلك بالقدر الذي شكّل فيه القطاع رافعة تاريخية لصون الهوية الوطنية الجامعة في المرحلة المصرية، وانطلاق الثورة عام 1965، ومن ثمّ اندلاع الانتفاضة الأولى. ويجب أن تكون غزّة بوابة إعادة بناء الوحدة على أسس ديمقراطية بإسقاط المشروع الانقسامي بوجهيه “العنتري” و”التخاذلي”، ومن يعتقد أنّ بإمكانه تطويع أهل غزّة لتهجير أهل الضفّة الغربيّة عليه أن لا يحصد سوى الوهم.

يشدّد زقوت هنا، على أنّ متلازمة الشقاء والأمل هي الحكاية الفلسطينية، وأعتقد أنه آن الأوان لإبراز الوجه الجميل لغزّة، فغزّة ليست حماس، وهي ليست هذا الفصيل أو ذاك، غزّة كما القدس وكلّ مدن فلسطين، هي عنوان الهوية الجامعة، ولن تكون مقبرة لها مهما كلّف الأمر من تضحيات.

نسأل ضيفنا، عن مناخات وكواليس الكتابة؛ متى دُوّن هذا الكتاب، وما الوقت الذي استغرقه في كتابته منذ الجملة الأولى وحتّى الدفع به إلى المطبعة؟ فيقول: بدأت في تدوينه مباشرة بعد الإعلان عن تفشى جائحة كورونا، وبعد أن، كما أعتقد، أصبت بها وشفيت منها. لقد تبدّى لي، من حالة السيطرة الإعلامية التي سعت الحكومات لترويجها بنشر الذعر والتخويف، أنها تجاوزت الواجبات التي كان عليها أن تقدّمها للناس، سيما لجهة رعاية الفقراء والمعدمين المتضرّرين من توقّف حركة الاقتصاد والسوق. فهذه الأنظمة لم تقدّم سوى الذعر والأنانية في صراع على البقاء وصل حدَّ استخدام الأنظمة المخابراتية للسيطرة على أدوات الفحص أو الوقاية لعُلْيَة القوم المهيمنين على حياة الناس. هذا الأمر، أخذني إلى حقيقتين: الأولى، هي أنّ حظر الحركة بما يراد منه مجرّد وقاية عزل سلبية، فهو فرصة لامتلاك الوقت للكتابة التي طالما كنت أبحث عنها، وطالما أنّ سياسة الترهيب هي البضاعة الوحيدة في سوق الأنظمة، قفز لذهني سؤال، وماذا سيكون لو هدّد هذا الفايروس القاتل البشرية قاطبة، ونقلها لبراري العدم كما عاش الفلسطيني بعد نكبة 48.

من هنا بدأت حيث العراء الذي عاد لذاكرتي وفتح فيها سراديب الزمن المغلقة تحت وطأة الانشغال باليومي والعمل السياسي بكلّ تعقيداته. بدأت الكتابة في أواسط شهر آذار/ مارس 2020 ولمدّة حوالي مئة يوم يوميّاً، لمدّة ست إلى سبع ساعات بصورة ارتجاليّة جمعت بين تنوّع المراحل وتنوّع الحكايات، فكانت النتيجة مادّة خام غزيرة اشتغلت عليها في محاولة مني لتصبح متكاملة. في البدء كان حجم المادّة كبيراً جداً حيث تجاوز الخمسمائة صفحة، تمّ تنقيحها لغوياً بمساعدة بعض الأصدقاء بداية من قِبل المرحوم فيصل حوراني، الذي داهمه المرض ولم يستطع إكمال مراجعة المخطوط، فتطوّع الصديق أبو العلاء نجم لمراجعتها لغوياً. استغرق ذلك كلّه أكثر من سنة. ولكن ظلّت بالنسبة لي مشكلة حجم المخطوط إلى أن استعد الصديق الروائي ربعي المدهون لمساعدتي في اختصارها حتّى أصبحت على ما هي عليه عند نشرها في كتاب، وكان مشروع إصدارها مع داري نشر في عمّان ورام الله، وفجأة طلبتها مني “مؤسّسة الدراسات الفلسطينية”، التي كانت قد اطّلعت على اليوميّات سابقاً، لدراسة إمكانية إصدارها عن المؤسّسة. وتمّ عرضها على “لجنة الأبحاث والنشر” بالمؤسّسة لفحص جدوى ذلك ومدى صلاحية المخطوط. استغرق ذلك عدّة أشهر حتّى نهاية السنة الماضية. في الأثناء قمت مع الصديق إيهاب بسيسو (وزير الثقافة السابق) وابن غزّة، بتدقيق إضافي. وأقرّت المؤسّسة نشر الكتاب في بداية هذه السنة، وتمّ متابعة التحرير النهائي، والإجابة على بعض الأسئلة لمزيد من دقة التوثيق، لتصدر في مطلع شهر أيّار/ مايو الماضي في بيروت، ومن ثمّ في رام الله، وسيتمّ إطلاق الكتاب في رام الله وفي غزّة، وربّما في مدن فلسطينية أخرى، سيما في القدس في الأسابيع القادمة.

زقوت لفت في نهاية حوارنا معه، إلى أنه توقّف عن الكتابة عند مرحلة بداية إنشاء السلطة، مضيفاً أنه: كان ذلك بنصيحة من قِبل عدد من الأصدقاء حتّى يأخذ كتاب «غزّاوي: سرديّة الشقاء والأمل» حقّه الكامل ثمّ أواصل بعدها كتابة الجزء الثاني من السرديّة. وهذا هو مشروع كتابي القادم الذي سيكون بمثابة مراجعة لمرحلة هي الأخطر على قضية شعبنا وملامح المستقبل، وهو سيختلف بالتأكيد لأنه سيتجاوز كونه شهادة من الذاكرة، منذ بداية مرحلة أوسلو وحتى اليوم، وتقييم مسار المفاوضات ودور السلطة الوطنية وتفكّك الحركة الوطنية، وهذا يحتاج لوقت ملائم سياسياً وزمنياً، وكذلك إلى توثيق علمي دقيق. إنّ جزءاً من المادّة متوفّر في الذاكرة ومعلومات موثقة، وسأبدأ بالكتابة قريباً.

قراءة في كتاب غزاوي سردية الشقاء والأمل

أقلام – مصدر الإخبارية

قراءة في كتاب غزاوي سردية الشقاء والأمل، بقلم الكاتب الفلسطيني خالد بطراوي، وفيما يلي نص القراءة:

“غزاوي – سردية الشقاء والأمل” هو عنوان الكتاب التوثيقي، وإلى حد ما “السيرة الذاتية” للفلسطيني جمال زقوت.
صدر الكتاب عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ويقع في (389) صفحة من القطع المتوسط، وصمم الغلاف مايا شامي بينما إلتقط الصورة التي ظهرت على الغلاف عمر القطاع، وهي صورة لطفل يركب دراجته وسط أمواج البحر وخلفه على ما يبدو شقيقته الصغيرة وعلى الأرجح أن الصورة قد إلتقطت على أحد شواطىء بحر قطاع غزّة، حيث ترتبط بعنوان هذا الكتاب، وعكفت لميس رضى على التدقيق والتحرير اللغوي.
على صفحة الغلاف الخارجية الأخيرة ورد تعريف بالكتاب والكاتب وجاء فيها أن هذا الكتاب هو “مذكرات” تراجع” المسيرة الحافلة لحياة لاجىء ومناضل من جيل النكبة في مخيمات غزّة والشتات تجمع بين التجربة الشخصية الحميمة والمشهد العام ….”.
كما وورد تعريف بالكاتب جمال زقوت بوصفه سياسياً وناشطاً فلسطينياً ولد في مخيم الشاطىء في غزّة في كنف أسرة لجأت من بلدة إسدود جراء نكبة 1948. إعتقل عدة مرات وأبعدته سلطات الإحتلال سنة 1988 الى خارج فلسطين بتهمة المشاركة في تأسيس القيادة الوطنية الموّحدة للإنتفاضة الأولى …….”.
إذاً نحن هنا أمام كتاب توثيقي بأسلوب روائي، يجمع بين الخاص والعام، فيتجسد الخاص في سرد روائي وإطلاله على جزء من مسيرة حياة الكاتب جمال زقوت وعائلته مع إرتباط ذلك الجزء بالكل الفلسطيني وبعض المحطات النضالية الفلسطينية التي خاضها الكاتب وأسرته، في قناعة تامة منه بأن ” الفرد مُسخّر لأجل المجموع” وتماشياً مع ما قالته شاعرة فلسطينية ذات يوم أن الإنسان ” لم يخلق كي يسير بطريق مختصرة من المهد الى اللحد”.
ثمة مسألتان هامتان الأولى تتعلق بتوثيق التاريخ الشفوي وأهميته، وبشكل خاص من مناضلين من كافة بلدان المعمورة سعوا الى تخليص الإنسانية من ويلات الإستعمار والإمبريالية والإحتلال ليس فقط على الصعيد السياسي (وأرقى أشكاله الكفاح المسلح) وإنما أيضاً على كافة الأصعدة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتراثية والفلكلورية وغيرها، في مقابل رواية التاريخ المكتوبة التي عادة ما يوثقها “المنتصرون” أصحاب الماكنة الإعلامية …. ماكنة عائلة روتشيلد الصهيونية، المسألة الثانية تتعلق بالتساؤل الذي طرحه الكاتب الفلسطيني محمود شقير عندما قدّم لكتاب ” البدايات” للمناضل التقدمي يعقوب زيادين سبعينات القرن المنصرم حيث قال ” هل نحن بحاجة الى كتب السيرة الذاتية؟” … لأجد نفسي أردد على الدوام وبإصرار” نعم …. نعم”.
يحمل كتاب جمال زقوت عنوان “غزاوي – سردية الشقاء والأمل” رغم أنه من مدينة “إسدود” المشهورة بأنها ثاني ميناء في فلسطين، ورغم ذلك كتب “غزاوي” وليس “إسدودي”، كيف لا وهو الذي ولد عام 1957 في قطاع غزّة، فعاش طفولته في مخيم الشاطىء، وشبّ شابا هناك، وكان شاهدا على حرب الأيام الستة عام 1967، حيث جرى إستكمال إحتلال فلسطين، وعاش جميع أفعال المقاومة الشعبية والمسلحة في قطاع غزة، وإستلهم تجربة “جيفارا غزّة” ورفاقه في مقاومة الإحتلال، ومشى في جنازتهم وصولا الى الإنتفاضة الأولى التي إندلعت أواخر عام 1987 ومشاركته في تشكيل القيادة الفلسطينية الموّحدة للإنتفاضة.
ثمة مسألة هامة هنا، تتعلق بجيل الفلسطينيين الذين ولدوا إبان النكبة والهجرة و/أو بعدها بقليل، حيث أننا نجد القليل من التوثيق عن هذا الجيل، ومشاعره وقد عاش في خيام اللجوء، وكما يقولون فألأطفال ” يحلمون أحلاما كبيرة” و”يملكون ذاكرة تتسم بالديمومة”.
استبق بتواضعه جمال زقوت القارىء بالطلب من الكاتب محمود شقير أن يقدّم للكتاب، الذي هو بدوره بعد قراءته له قبل طباعته قرر أن يصف الكتاب بأنه “سيرة جمال ونائلة” …… والسيدة نائلة ” أم المجد” هي زوجته التي بعيداً عنه، وقبل أن تتعرف به كانت من المناضلات الفلسطينيات، وإعتقلت أكثر من مرة وإعتقل معها طفلهما “مجد” الذي أمضى ستة أشهر في المعتقل، فكان “الرجل الوحيد في سجن النساء” كما كتبت عنه محاميتها التقدمية اللامعة ڤيليتسيا لانغر.
ونوّه الكاتب محمود شقير في مقدمته للكتاب بأن هذه السيرة لا تقتصر على جمال وعائلته بل تتعداهم ” لتصف نضالات الشعب الفلسطيني وتضحياته ….” وأردف الكاتب محمود شقير في تقديمه للكتاب أن ” جمال، وهو يكتب سيرته، يسرد كثيرا من قضايا الوضع الفلسطيني العام، وكذلك الوضع العربي، وبعض تطورات الوضع العالمي ….. ولعل ميزة هذا السرد أنه يتم بأسلوب بعيد عن الرصد التوثيقي الجاف، فيكون السارد في قلب الحدث أو على مقربة منه، فيصبح كما لو أنه جزء من رؤية السارد ومن تجربته”. وبذلك فإن الكاتب محمود شقير يكشف لنا عن هوية جمال زقوت، فهو الذي لا يرى ويقيم الأمور من “خرم الإبرة” بل يرى القضية الفلسطينية في إطار أولا حركة التحرر الوطني العالمية، وثانيا يجمع بين الأممي والقومي، القومي والطبقي، العربي والفلسطيني، تماما على هدي النشيد الوطني اليمني ” عشت إيماني وعمري …أمميا، ومسيري فوق دربي … عربيا ، وسيبقى نبض قلبي … يمنيا”.
في حديثه عن ” الغزاوي” يقول جمال ” إن خذلتك الذاكرة يا صديقي عد الى البحر، اليوم أعود وأسأله، فهو وحده يعرف وجوه الناس وملامحهم، حتى إنه يعرف ما كان في قلوبهم من أسرار لم يستطع بعضهم الإفصاح عنها، حتى لنفسه ….”.
نعم، هي ذي المعادلة، تخذلنا الذاكرة فلا بد لنا من أن نهرول نحو البحر .. أو أن نجلس عند جذع زيتونة حيثما لا يوجد بحر، مع قناعة تامة بمقولة الكاتب الداغستاني الفذ رسول حمزاتوف ” إذا أطلقت رصاصات مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل عليك مدافعه”.
تحدث جمال زقوت في الفصل الأول من كتابه عن “المخيم” حيث ولد في مخيم الشاطىء بمدينة غزّة مستعرضا تاريخ مخيم الشاطىء الذي أقيم عام 1949 وإستعرض نضالات بعض المناضلين التقدميين وبضمنه بعض الأفراد من عائلته وبلده، وتحدث عن بداية توجهه الديني، كرّس بعض ذكرياته للحدث عن شقيقه الاكبر الشهيد بشير المدفون حالياً في مقبرة الشهداء في بيروت- لبنان، مشيراً إلى أنه “نموذجاً لكل شىء” وإستعرض ذكريات هدم منزل العائلة من قبل سلطات الاحتلال وإستعرض سنوات مراهقته ليعود مجدداً للحديث عن شقيقه الشهيد بشير في محاولة منه لأن يحافظ على تسلسل الترابط الزمني، ثم وفي الفصل الثاني من كتابه يتحدث عن “بشير وشتات العواصم” ليصل الى تاريخ إستشهاده وهو 4/4/1978 ويدفن في لبنان.
إنتقل الكاتب جمال زقوت الى الحديث عن فترة دراسته الجامعية في بلغاريا إبان الحقبة الإشتراكية وتحدث بعجالة عن الدور النضالي للحركة الطلاىبية والتعبئة العامة لها للتطوع والانخراط في الحروب الدفاعية عن الوجود الفلسيطي في لبنان.
في الفصل الثالث الذي حمل عنوان ” نائلة وأنا” استعرض الكاتب تعرفه على نصفه الآخر في بلغاريا حيث اختلط الخاص بالعام والإنتقال للحديث عن واقع الحركة الأسيرة ، والعودة الى حياتهما الشخصية وكيف فقدت نائلة جنينها أثناء إعتقالها، وكيف تحرك الرأي العام العالمي إزاء هذه المسألة والروايات الإسرائيلية المتناقضة حول الموضوع ودور المحاميتين التقدميتين الإسرائيليتين فيليتسيا لانغر وليئا تسيمل. كما وعرّج الكاتب بعجالة متحدثا عن المناضلة الإيطالية لويزا مورغنتيني.
في الفصل الرابع الذي حمل عنوان ” الإنفجار الكبير” استعرض الكاتب شذرات من الإنتفاضة الفلسطينية المجيدة الأولى مع ما رافقها من تداعيات فلسطينية وعربية وإقليمية وعالمية. كما وتوقف في كتابه عند مسألة تشكيل القيادة الوطنية الموّحدة للإنتفاضة التي تبنت شعار” لا صوت يعلو فوق صوت الإنتفاضة” مشيداً بدور المناضل الدكتور حيدر عبد الشافي، منوها الى تجذر الإنتفاضة يوما بعد يوم مؤكدا على أنها كانت ” إبداع شعبي غير مسبوق” كما وعرّج على مسألة التوقف ممارسة الكفاح المسلح في خضم الإنتفاضة لصالح المقاومة الشعبية التي انخرط فعالياتها المتنوعة كل فئات الشعب،ثم متحدثا حول مسألة “هيكلة الإنتفاضة”. كما واستذكر الكاتب تلك الفترة التي عاشها مطارداً متنقلا من منزل الى آخر إحتضنه أصحابه، وكان واضحاً في مسألة موقف الفصائل من الإنتفاضة من ناحية تردد الشيوعيون في الانضمام للقيادة الموحدة، وإحجام الإخوان المسلمين وإنخراط حركة الجهاد. كما تحدث في الكتاب حول موقف التجار والتزامهم بالفعاليات الانتفاضية، وحول إرتباك القيادة الفلسطينية في الخارج إزاء مسألة “دفة القيادة” بين الداخل والخارج، لينتهي بالكاتب المطارد الى الإعتقال من مدينة القدس وتطرق الى ميلاد الابن الأول ” مجد” بعد اعتقاله بأيام، ومن ثم دخول الطفل إلى السجن أثناء إعتقال أمه ” نائلة”، كما توقف عند تسميته بإسم “مجد” الذي هو عبارة عن الأحرف الأول لـ “منظمة الجبهة الديمقراطية” ثم أفرد بعضاً من صفحات كتابه حول المحطات الإعتقالية له قبل أبعاده واصفاً شعور المعتقلين وحزنهم على إغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير ” أبو جهاد”.
وبكل أمانه وموضوعية تحدث الكاتب حول الإنشقاق الذي عصف بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وتشكيل الإتحاد الديمقراطي “فدا”، ثم إنتقال للحديث حول تشكيل الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسة الدكتور حيدر عبد الشافي والوصول الى إتفاقيات “أوسلو” ثم رحلة العودة من الإبعاد الى قطاع غزّة.والتي كانت خاتمة الذكريات التوثيقية للكاتب وأتبعها ببعض الصور.
وبعد، ربما يكون السرد التاريخي للكاتب مثار خلاف في بعض التفاصيل مع ذكرياتٍ لآخرين، وهذا أمر طبيعي فالكاتب يكتب أولا ذكرياته وثانياً رؤيته ومنظوره لبعض الأحداث التاريخية المفصلية التي عصفت بالثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية حتى أوائل مرحلة ما بعد “إتفاقيات أوسلو”.
السؤال المطروح هنا والموجه الى الكاتب نفسه ” هل سيتبع هذا الكتاب كتاب أخر يتحدث عن الفترة ما بعد إتفاقيات أوسلو الى المرحلة التي وصلنا إليها الآن، ولماذا … أيها الكاتب العزيز أوقفت ذكرياتك الى ما قبل إتفاقيات أوسلو “؟
“غزاوي” كتاب لجزء من السيرة الذاتية للكاتب يجمع بين الذاتي الخاص والعام ويسجل بعضا من التاريخ الشفوي الذي يطغى عليه التاريخ المكتوب، وبذلك فهو جهد يصب في خانة توثيق التاريخ الشفوي علّه يظهر ما أخفاه التاريخ المكتوب.
“غزاوي” يستنهض ذكريات كل من مرّ في حياته بذات التاريخ الذي مر به الكاتب ويدعو الجميع للكتابة والتوثيق فمن ” لا ماض له … لا حاضر له … ولا مستقبل”.

أقرأ أيضًا: الكاتب جمال زقوت يُشهر كتابه الجديد غزاوي سردية الشقاء والأمل

متطلبات بناء حركة وطنية جديدة.. عود على بدء!

أقلام – مصدر الإخبارية

متطلبات بناء حركة وطنية جديدة.. عود على بدء!، بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

؟أدى إلغاء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في الضفة والقطاع، والتي عُوِّل عليها في حينه بأن تشكل مدخلاً ومحركاً لإعادة الحياة للسياسية الفلسطينية، وإلى استمرار تفكك الحركة الوطنية، ومؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وتعميق عزلتهما الشعبية، وعن قضايا المجتمع، الأمر الذي أدى أيضاً إلى تزايد حاد في حالة الإحباط العام، سيما في أوساط الشباب، الذي يعاني من معدلات بطالة غير مسبوقة، ومن انسداد الأفق السياسي والمعيشي، مما دفعه ويدفعه للبحث عن سبل الخلاص الفردي، سواء من خلال المقاومة الفردية “المسلحة” ضد الاحتلال، أو من خلال التفكير بالهجرة.

صحيح أن تحدي العدوانية العسكرية الإسرائيلية، كما حدث في آيار عام 2021، ساهم في رفع معنويات الجمهور الفلسطيني، وخاصة في أوساط الأجيال الشابة، لكنه لم يُغَيِّر من واقع مشكلاتهم المعقدة والمتفاقمة، ولا من مشكلات غالبية الناس، الأمر الذي عمَّق أزمة الحركة الوطنية بتوجهاتها المختلفة، وأظهر عجزها وعزلتها، رغم ادعاءات “النصر” الذي سرعان ما تحوَّل إلى سيف مسلط في معركة الصراع على الشرعية والانزلاق نحو الانفصال.

كما أن تفاقم ظاهرة الفساد لدى مؤسسات السلطة في الضفة الغربية، وفي مؤسسات سلطة حماس في قطاع غزة ، وملاحقة واقصاء أصحاب الرأي المختلف خاصة من الشباب، واستفحال نزعة التفرد في اتخاذ القرارات خارج المؤسسات، وتهميش غالبية المؤسسات التمثيلية، أدى إلى تدهور غير مسبوق في الثقة بالنظام السياسي المنقسم على نفسه، سيما في ظل استخدام أجهزتهما الأمنية في قمع المتظاهرين السلميين، سواء كما حدث إثر مقتل الناشط السياسي نزار بنات والتغطية على جريمة مقتله، أو ما يحدث في مواجهة الحراكات السلمية في القطاع، بما في ذلك حراك” بدنا نعيش” الآخذ في الاتساع، بفعل فشل حماس في تقديم حلول للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة لتخليها أو تجميدها “للمقاومة”، كما حدث في حروب إسرائيل الثلاث الأخيرة ضد حركة الجهاد، وذلك في سياق وهمها بأن “هدنة طويلة الأمد” مع إسرائيل قد توفر لها المساعدة الإسرائيلية في تقديم حلول لتلك المعضلات من خلال ” الاقتصاد مقابل الأمن”، والتي تأتي في سياق مخططات استراتيجية اسرائيلية لدفع غزة نحو الانفصال، ومنع قيام أي كيانية موحدة للفلسطينيين بفرض واقع الكانتونات المعزولة غير القابلة للحياة، بما فيها كانتون غزة ذاته. الأمر الذي بالتأكيد سيفاقم من هذه المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، والتي لا حل جدّي لها إلا عبر انهاء الانقسام واستعادة الكيانية والمؤسسات الوطنية الجامعة، واعتماد برنامج وطني تحرري بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فقدان النخب السياسية الراهنة الشرعية الديمقراطية بفعل تغييب الانتخابات الديمقراطية لفترة طويلة، وترافُق هذا مع فقدان الشرعية الثورية منذ اتفاق أوسلو، الذي لم يتبق منه سوى التنسيق الأمني ، رغم تصاعد جرائم القتل وحرق البيوت، وتسارع وتائر الاستيطان ومخططات الضم، والحصار والاعتقالات وتدمير البيوت، بالإضافة إلى عجز المعارضة الوطنية عن طرح مشروع جدي لإعادة بناء وتجديد مؤسسات الحركة الوطنية ومنظمة التحرير على أسس ديمقراطية تمثيلية جامعة كحركة تحرر وطني، وإعادة توحيد و هيكلة مؤسسات السلطة كأداة أساسية لتعزيز صمود الناس باعتباره المعيار الأساسي إن لم يكن الوحيد لوجودها. هذا الواقع يحتم العمل الجاد للتقدم بخطوات عملية مهما كانت بسيطة للبدء في بناء حركة وطنية جديدة.

في دراسة سابقة لمركز الأرض للدراسات والأبحاث صدرت مطلع عام 2016 بعنوان “الشباب الفلسطيني.. المصير الوطني ومتطلبات التغيير” خلصت الدراسة إلى أن الحاجة الموضوعية لبناء حركة وطنية جديدة ناضجة وتفرض ذلك بعد كل ما آلت إليه الحركة الوطنية الراهنة، إلا أن الظرف الذاتي لم يكن ناضجاً بعد رغم كل الارهاصات والمؤشرات التي ظهرت في حينه، والتي تمثلت بحراكات اجتماعية متعددة، كما تميزت في حينه بهبة أو انتفاضة “السكاكين”، ومعركة بوابات القدس التي حاكت سمات الانتفاضة الكبرى من حيث اتساع المشاركة الشعبية في أنشطتها وطابعها الديمقراطي وقيادتها الشابة.

السؤال المطروح بإلحاحية هو كيف يمكن تحقيق ذلك؟ فقد شهدت السنوات الماضية العديد من المبادرات والحراكات التي بدت واعدة. إلا أن تلك المحاولات إما وصلت لطريق مسدود، أو لم تتمكن من مواصلة دورها، ويعود ذلك ليس فقط لدور السلطة والأجهزة الأمنية في ملاحقتها ومحاولة تفكيكها، أو لمحاربة أطراف من الحركة الوطنية لها كما حدث في جريمة مقتل بنات، حيث انخرطت المؤسسة الأمنية ومجموعات سياسية موالية لها في قمع الحراك ، بل وأيضا بفعل عقلية السيطرة والاحتواء من قبل بعض قادة المعارضة، وانخراطهم في تشويه بعض المبادرات، كما حدث مع الحراك من أجل الوطن والعدالة والديمقراطية “وعد”، سيما أنه نهض في فترة قياسية، ولسوء حظه أن خطوات تأسيسه دوهمت بالإعلان عن اجراء الانتخابات، وما تفرزه من تحريض وتشويه، التي طالما تميزت بها حالة العجز والتفكك والعنتريات الرفضاوية، رغم اجتهاد “وعد” وتأكيده بأنه لن يخوض الانتخابات. هذا بالإضافة إلى أن حراكات القضية الواحدة لا تتسم بالاستمرارية، ما لم تكن مكوناً من استراتيجية وطنية ديمقراطية بديلة ومتكاملة، وهو ما لم يكن متوفراً.

إذاً والحال كذلك، فمن أين نبدأ؟!

إن أي محاولة لإعادة بناء الحركة الوطنية يجب أن تنطلق من استخلاص دروس جميع تلك المحاولات، وأن تبدأ أولاً بترسيخ البنية التحتية الاجتماعية المنظمة على أساس أولويات ومصالح القطاعات الاجتماعية الأكثر تضرراً سواء من سياسات الاحتلال وتفاقم المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنها، أو تلك الناجمة عن استمرار حالة الانقسام وما تفرزه من ظواهر بنيوية خطيره باتت تهدد ليس فقط وحدة وتماسك النسيج الاجتماعي، بل، وتعرض الكيانية الجامعة والحقوق الوطنية لخطر التصفية. صحيح أن المجتمع برمته يدفع ثمن حالة الانقسام التي تساهم في استشراس مخططات الضم والتصفية ومصادرة موارد رزق الناس وقدرتها على الصمود والبقاء، ولكن من الصحيح أيضاً أن الفئة الأكثر تضرراً بصورة مباشرة وعلى المدى البعيد هي الشباب بصورة خاصة، وعليها قبل غيرهما أن تتحمل المسؤولية في التصدي لهذه المخاطر ، وفي اطار ربط مهام التحرر الوطني مع متطلبات البناء الديمقراطي، ومهمات صون النسيج الاجتماعي من التفكك الذي يتعرض له، حيث أن غياب مثل هذا الربط طالما كان التربة التي ترعرعت فيها أزمة الحركة الوطنية والنظام السياسي الفلسطيني، الأمر الذي يؤكد مدى الحاجة لبلورة رؤية واستراتيجية كفاحية جديدتين، وهو ما تصدى له الشباب الفلسطيني بعد النكبة ،خاصة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ولا يبرر حجم المعيقات والصعوبات التي تواجه هذه المهمة تردد الشباب عن المبادرة في طرح حلول للمشاكل والتحديات التي تواجههم، وتواجه الشعب الفلسطيني وتكويناته وتجمعاته المختلفة. وهنا وبدون أية محاولة للوصاية على مثل هذا الجهد المطلوب، يمكن للاتجاهات وللشخصيات الوطنية والديمقراطية أن تساهم في مساندة التحالفات والشبكات والحراكات الشبابية لبلورة وانضاج مثل هذه الرؤية الجامعة لتوحيد جهودهم في اطار عام وفق معايير يحددونها، أي أن التصدي لمهمات إعادة بناء الحركة الوطنية يتطلب البدء بصورة مثابرة لإعادة تنظيم وبناء القواعد الاجتماعية لهذه الحركة من أسفل إلي أعلى، لتأكيد حرصها من البداية على سمات طابعها الشعبي والديمقراطي، الذي سبق وتميزت به مكونات الحركة الجماهيرية لأطراف وقوى الحركة الوطنية إبان الانتفاضة الكبرى عام 1987، وهذا ما لعبه الاتحاد العام لطلبة فلسطين واتحاد الكتاب والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وغيرها من الاتحادات والمنظمات الشعبية التي ساهمت في انشاء الثورة، وشكلت القواعد الأساسية لها وللمنظمة، وفي الدفاع عن المصالح الحيوية لتجمعات الفلسطينيين وقطاعاتها الاجتماعية المختلفة . فأين هذه الاتحادات وأين دورها اليوم؟ ومعها أين منظمة التحرير ذاتها؟!

أما السؤال الجوهري الثاني هو كيف يمكن القيام بهذه المهمة التاريخية لبناء حركة وطنية جديدة؟ فهذا ما سأحاول تناوله في مقال قادم.

أقرأ أيضًا: تمخض الجبل فولد متابعة الانقسام.. بقلم جمال زقوت

الكاتب جمال زقوت يُشهر كتابه الجديد غزاوي سردية الشقاء والأمل

غزة – مصدر الإخبارية

أشهر الكاتب الفلسطيني القدير جمال زقوت، الثلاثاء، كتابه الجديد “غزاوي سردية الشقاء والأمل” الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت و رام الله.

ووقّع الكتاب الجديد لزقوت خلال حفل أدبي أُقيم في مؤسسة القطان وسط مدينة غزة، حضره العشرات من النخب والشخصيات الاعتبارية والكتاب والشعراء والصحافيين والحقوقيين والمثقفين والقيادات الشبابية والطلابية.

وفي التفاصيل، فقد أشاد الأديب عبد الكريم عاشور بالكتاب وعنوانه ودلالاته وفصوله، التي تمزج بين السيرة الذاتية والمذكرات واليوميات.

فيما استعرض الكاتب زقوت بعض المحطات، التي أثرّت في حياته، وتناولها في الكتاب، ومن بينها وعيه الأول لمكانة المخيم ودوره وأوضاعه في صقل شخصيته اللاحقة و وعيه الوطني، حيث عاش طفولته وشبابه في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، واستشهاد شقيقه الأكبر بشير عوض زقوت.

 

كما أشار إلى محطة أخرى مهمة في حياته تمثلت في اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى (1987 – 1993)، ومشاركته في تأسيس القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، واعتقاله وابعاده إلى جنوب لبنان.

ولفت زقوت إلى بعض المواقف بطريقة نقدية، خاصة اللقاءات التي جرت مع عدد من القادة الفلسطينيين، من بينهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، والأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة وغيرهم.

وأثنى على شخصية صلاح خلف أبو إياد الذي استقبل زقوت وعدد من المبعدين في اجتماع طويل كان خلاله الشهيد أبو إياد يسأل ويدقق ويستمع لمعرفة تفاصيل التطورات الهائلة التي ولدتها الانتفاضة.

ورغم أن زقوت عمل في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، إلا أنه كما قال تناول اتفاق أوسلو وبعض المحطات بطريقة موضوعية ونقدية، وختم الكتاب دون الخوض بتجربة السلطة وبنيتها و دورها.

حيث افتقدت منذ تلك النشأة غياب أي فلسفة للحكم في مرحلة بان التداخل والترابط بين الوطني والديمقراطي بصورة لا يمكن اطلاقاً الفصل بينهما ، لا بل أن الفشل في أي منهما سيؤدي إلى تيه عارم في الآخر ، مشيرا. إلى أن هذا الأمر هو أكثر ما يوضح أسباب الانقسام والتفكك الجاري في بنية السلطة وفقدان بوصلتها .

ولفت زقوت إلى أن كتابه لا يتضمن كل الحقائق المتعلقة بأي قضية أو محطة تناولها، بل عبّر عن تجاربه الشخصية في السياق الوطني والاجتماعي، ورؤيته وتأثره بها في حينها.

من جانبه، قدم عددٌ من الحاضرين مداخلات مهمة وملاحظات حول الكتاب والأوضاع العامة وتطورات القضية الفلسطينية، التي تناول زقوت عدداً من محطاتها في كتابه.

فيما عبّر زقوت عن شكره وسعادته للنقاش حول الكتاب وعنوانه ومضامينه ومحاوره ومحطاته، مُرحبّا بأي ملاحظات نقدية للطبعة الأولى من الكتاب، كي يتم تضمينها في الطبعة الثانية.

يُذكر أن جمال زقوت هو سياسيٌ وناشط فلسطيني ولد في مخيم الشاطئ غرب غزة في كنفِ أسرة لجأت من بلدة اسدود جراء نكبة 1948.

اعتُقل عدة مرات، وأبعدته سلطات الاحتلال، سنة 1988، إلى خارج فلسطين بتهمة المشاركة في تأسيس القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى، اعتُقلت زوجته، نائلة عايش، أكثر من مرة، وكذلك طفلهما الذي أمضى مع أمه ستة أشهر في المعتقل.

عاد إلى قطاع غزة عام 1994، وشغل عدداً من المواقع السياسية وله المئات من المقالات السياسية والأدبية التي أثرت المكتبة الوطنية الفلسطينية.

من يمنع حرية الرأي لن يُحرر وطناً.. عامان على اغتيال نزار بنات

أقلام – مصدر الإخبارية

من يمنع حرية الرأي لن يُحرر وطناً.. عامان على اغتيال نزار بنات، بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مقتل نزار بنات هي جريمة اغتيال سياسي! ولكن الجريمة الأخطر هي محاولة حماية القتلة، والتغطية على المجرم الذي يتحمل المسؤولية عن ارتكابها، وهي التي ستظل تلاحقنا بعار استسهال إراقة الدم الفلسطيني إلى أن تتحقق العدالة لنزار بنات وكل ضحايا الرأي في فلسطين.

في محاولة منها لتقويض الأهداف النبيلة للحملات التي رفضت عملية الاغتيال، واحتجت على ارتكابها في شوارع وميادين فلسطين، خرجت بعض الأصوات المشككة حد تبرير الجريمة وتقول: ” …ولماذا تصمتون على ما رافق الانقلاب الأسود في غزة من عمليات قتل وسحل وصلت حد إلقاء أحد المواطنين من علوٍ شاهق لأحد عمارات مدينة غزة”. هنا يصح القول بأن هذه كلمة حق، ولكن للأسف لا يراد منها سوى الباطل، فالجرائم التي رافقت الانقلاب، ويجب محاكمة مرتكبيها مهما طال الزمن، لا يمكن أن تبرر مثل هذه الجريمة البشعة بغض النظر عن ملابسات كل واحدةٍ منها . فأخطر ما يواجه حالة حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير المكفولة في النظام الأساسي الفلسطيني، هو تسييس هذا الأمر، ومحاولة دفن حقوق الناس في براثن الانقسام الذي يعتبر مجرد استمراره جريمة كبرى بحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

إن محاولة دفن قضية نزار في دهاليز التأجيل والمماطلة لن يسقط هذه القضية مهما طال الزمن . لربما يخرجها عن مسار تطبيق العدالة، ولكن مثل هذا النهج لن يؤدي سوى إلى الفوضي واستفحال غياب الثقة بنظام العدالة برمته، وليس فقط بالسلطة التنفيذية. وفي كل الأحوال يبدو أن العطب قد نال من هذا النظام ما ناله.

يقول المحامي غاندي أمين، والذي كُلّف من أسرة نزار بمتابعة قضية الاغتيال في حديث لوسائل الاعلام المحلية: “إن الشهيد نزار منذ عامين لم يحصل على العدالة، ولا أفق لتحقيقها في فلسطين”. وأرجع “أسباب عدم تحقيق العدالة في قضية بنات إلى بطء عملية التقاضي رغم أن الجريمة والأدلة واضحة، وبسبب اعتقال الشهود والتضييق عليهم خلال جلسات انعقاد المحكمة، ولإطلاق سراح الموقوفين -المتهمين بجريمة القتل-دون علم المحكمة والنيابة”. وأضاف أن تلك الأسباب تشير إلى عدم رغبة وجدية السلطة في تحقيق العدالة ومحاسبة القتلة، مشيرًا إلى أن عائلة المغدور بنات رفعت دعوى قضائية في محكمة بداية رام الله ، وفق قانون المخالفات المدنية على وزير الداخلية ومديري الأجهزة الأمنية والمتهمين في الجريمة، مردفًا: “..ولا تزال الدعوة مرفوعة منذ ثمانية أشهر أمام القضاء”. وبيَّن أن غسان بنات، شقيق المغدور نزار توجَّه إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجريمة ومحاسبة الجناة، مضيفًا: “وننتظر مكتب النائب العام بالمحكمة الجنائية لطلب الإحالة”.

والسؤال الذي يجب أن يقض مضاجعنا جميعاً ازاء هذا الأمر؛ هو ليس لماذا توجه شقيق نزار لمحكمة الجنايات الدولية في محاولة للحصول على العدالة لشقيقه المغدور ، بل لماذا تتعطل العدالة في فلسطين، وهي القضية التي يقوم جوهرها منذ النكبة على عدوانية الاحتلال ومحاولات طمس عدالة القضية الوطنية. وكيف سنكون قادرين كفلسطينيين على المضي بثقة في سعينا لجلب الاحتلال للعدالة في محكمة الجنايات الدولية، بينما نتقاعس نحن، وبما يدفع أهل الفقيد ليأخذوا السلطة الوطنية ذاتها إلى المحكمة الجنائية الدولية. إنها مفارقة محزنة، ولا يمكن هنا لوم الضحية، بقدر ما أن ذلك يكشف مدى العوار الذي بات يلفنا، ويهدد قضيتنا الوطنية والعدالة في فلسطين للخطر.

نعم، لسنا بخير . وإن مهمة النخب الفكرية ليس فقط تشخيص “هزيمة الذات “، واعلاء الصوت وقيم الحرية والعدالة على أهمية ذلك. بل، اجتراح رؤى قادرة أن تتحول إلى استراتيجيات عمل تتحدى أسبابها، و تُمَّكن الناس من مواجهتها . فمسؤوليتنا أن نحمي الوطن و الرأي المختلف . وليعلم القاصي والداني أننا شعب حر و نستحق وطناً للأحرار.

كان وما زال من المتوقع أن يتحمل الرئيس مسؤولية وقف الانهيار، والذي أصبح عنوانه السلطة ومؤسستها الأمنية في مواجهة الشعب الذي يقاوم الاحتلال، وأن يعلن فوراً تشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بالإجماع الوطني، أولويتها تعزيز صمود الناس وليس مواجهة أصحاب الرأي منهم، وتداوي جراح غزة وليس أن تصمت على المضي بانقسامها نحو الانفصال كي تتقاسم مع الانفصاليين مجرد كانتونات تمثل جوهر استراتيجية حكومات الاحتلال لتصفية حقوق شعبنا ، بل تقوم بكل ما عليها من واجبات لتنهي حالة الانقسام والاستقطاب، وتتولى بكل مسؤولية اعمار غزة وحشد الرأي العام الدولي لرفع الحصار عنها، وبناء القدرة على الصمود في القدس وباقي أرجاء الضفة، بما في ذلك القدرة الشعبية على مقاومة إرهاب المستوطنين وجيش الاحتلال، وبالتأكيد التحضير الجدي لانتخابات عامة شاملة . و قبل ذلك كله و بعده بأن تعيد للقضاء استقلاليته وللمواطنين كرامتهم و للأمن عقيدة وطنية لحماية المواطن وليس الاستقواء عليه، وتجري محاكمة علنية لقتلة بنات. فقد، وهذا ليس مؤكداً، تنقذ هكذا خطوة مصير البلد من لهيب الفوضى وربما ما هو أسوأ، واجبنا جميعاً ألّا نترك بلدنا تنهار، وهذه مسؤولية كل مواطن حر !
وإن لم يحدث ذلك، فسيستمر الانهيار حتى ينهض تيار وطني ديمقراطي عريض بقيادة شابة تؤمن بالتعددية السياسية و الفكرية، ليقود عملية التغيير الشامل، حيث لا يمكن إصلاح الحطام.

أقرأ أيضًا: عام على اغتيال نزار بنات.. العفو الدولية تتهم السلطة بالفشل في محاسبة القتلة

في ذكرى تأسيسها.. هل يُمكن إعادة بناء منظمة التحرير، وكيف؟

أقلام – مصدر الإخبارية

في ذكرى تأسيسها.. هل يُمكن إعادة بناء منظمة التحرير، وكيف؟، بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مرت منظمة التحرير منذ تأسيسها بقرار من الجامعة العربية بمراحل أساسية، حيث تمكنت الفصائل المسلحة بعد هزيمة حزيران من تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى ائتلاف جبهوي عريض يجسد الوحدة الوطنية ويستند إلى التعددية في اطار تبني استراتيجية الكفاح المسلح. وكانت معركة الكرامة نقطة مفصلية لتصبح المنظمة عنواناً أساسياً لمواجهة العدوانية والاحتلال الإسرائيليين، وبإقرار البرنامج المرحلي فتحت المنظمة الباب لقرار قمة الرباط للاعتراف بها كممثل شرعي وحيد وعضويتها في المنظمات الإقليمية والدولية كدول عدم الانحياز والقمة الأفريقية، ومن ثم في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. إلّا أن أبرز هذه الإنجازات، تمثل بتشكيل الجبهة الوطنية في الأرض المحتلة من بعض فصائل المنظمة وشخصيات الوطنية، بتاريخ 15-8-1973، وقد تبنت برنامجًا واقعيًّا مستندًا إلى قرارات الشرعية الدولية لحل الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، ورفعت بعد حرب تشرين 1973 شعار إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة ، أي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194، وخوض الانتخابات البلدية عام 1976 بشخصيات موالية للمنظمة لتكريس وجودها العلني، إلا أن سلطات الاحتلال قامت بإبعاد أبرز رموزها، وتعرض آخرون لمحاولات اغتيال .

رغم محاولات عدد من الأنظمة العربية إعادة السيطرة على المنظمة، ومساندة ما عرف بجبهة الرفض ولاحقاً الإنقاذ، إلّا أن حرص الزعيم عرفات على احتواء كافة فصائلها تحت راية المنظمة شكل ركيزة أساسية لصون وحدة المنظمة والوحدة الوطنية بشكل عام . وبتنامي دور المنظمة ونجاحها في معالجة وحل التباينات السياسية بين قواها الأساسية عبر الحوار الوطني الذي كان يسبق انعقاد دورات المجلس الوطني للمنظمة، تعاظم هذا الدور داخل الأرض المحتلة. فرغم حرب عام 1982 ضد المنظمة والوجود المسلح لقوات الثورة الفلسطينية في لبنان، واضطرارها للخروج إلى شتات العواصم النائية وصحاري العرب، إلا أن قوى المنظمة التي تجذرت بشبكات تنظيمية وجماهيرية ونقابية، قادت الانتفاضة الكبرى التي اندلعت في ديسمبر عام 1987، والتي تميزت بطابعها الشعبي الديمقراطي العميق، فأعادت بناء الحاضنة الكفاحية والشعبية لمنظمة التحرير، حيث تشكلت قيادة الانتفاضة الموحدة من فصائل المنظمة الرئيسية” فتح والديمقراطية والشعبية والحزب الشيوعي” لتعود منظمة التحرير مجدداً كلاعب أساسي رغم التحولات الإقليمية والدولية العاصفة في بداية التسعينيات.

الدروس المستخلصة

الدروس الذي يُمكن استخلاصها بعجالة من هذا المسار تتلخص في أن منظمة التحرير تمكنت من صون الهوية الوطنية وأصبحت تعبر عن الكيانية السياسية للشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد بفعل أولاً وحدتها و إصرارها الدائم على تأكيد وتجسيد وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وثانياً نجاحها في بلورة برنامج القاسم المشترك برنامج العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتغليب التناقض الرئيسي مع الاحتلال على التباينات الداخلية بترسيخ التعددية السياسية في اطار ائتلافها العريض كجبهة وطنية، واعتماد الحوار الوطني الديمقراطي في معالجة تبايناتها الداخلية، وثالثاً وهو الأهم حرصها الدائم على تعزيز حاضنتها الشعبية وقاعدتها الاجتماعية.

في مواجهة هذه الإنجازات سعت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة إلى تقويض وتفكيك مكانة المنظمة، باعتبارها تعكس ليس فقط وحدة التمثيل بل وضمان ترابط الحقوق الوطنية لشعبنا، فبعد أن فشلت في خلق بدائل هزيلة كروابط القرى وغيرها، حاولت تمكين حركة الاخوان المسلمين في مواجهة المنظمة، وظلت دوماً تنفخ في نار التباينات الداخلية سيما بين التيارين الوطني والإسلامي.

فشل أوسلو وتراجع مكانة المنظمة

لقد أدت مرحلة مسار أوسلو و مخرجاتها إلى المس الجدي بمكانة منظمة التحرير، حيث تخلت عن التعددية السياسية، كما انجرفت نحو اقصاء المعارضة من داخل المنظمة ومن خارجها عن عملية صنع القرار الوطني، بالإضافة إلى فشلها في بلورة رؤية سياسية تضبط طبيعة المرحلة الناشئة واستحقاقاتها للربط بين مهمات التحرر الوطني التي لم تستكمل بعد، ومتطلبات البناء الديمقراطي لمؤسسات السلطة الناشئة، وقد جرى تضخيم دور السلطة على حساب مكانة ودور المنظمة كعنوان للتحرر الوطني و الوحدة الوطنية لشعبنا في مختلف تجمعاته داخل الوطن وفي الشتات . الأمر الذي أدى في السنوات الأخيرة ليس فقط لتهميش المنظمة واختصارها بالرئيس الذي بات، سيما بعد الانقسام وحل المجلس التشريعي و رفض تنظيم انتخابات عامة، يستحوذ على كل السلطات دون استثناء ، وتحولت اللجنة التنفيذية لمجرد هيئة دون استشارية، حيث لا يؤخذ حتى برأيها وليس فقط لا يُلتزم بقراراتها.

واقع المنظمة الراهن هو نتاج للمغامرة، دون ضوابط أو مسارات بديلة، برصيد المنظمة وانجازاتها، في مسار التسوية دون أي مراجعة رغم ما لحق بها من فشل ذريع، وما زالت القيادة المهيمنة مصرة على المضي بطريق الفشل هذا بلا قاع ، كما أنه لا يمكن عزل هذا الواقع عن حالة الانقسام الذي حوّل الخلاف السياسي إلى صراع مدمر على السلطة والتمثيل، وبات يهدد أساسات الكيانية الوطنية الجغرافية والسياسية والتمثيلية بعد أن شكلت المنظمة ولسنوات طويلة التعبير الأهم عن هذه الكيانية. هذا بالإضافة لتخلي أطراف الحركة الوطنية المنضوية في اطار المنظمة عن دورها الكفاحي ضد الاحتلال، واستحواذ حركة حماس على هذا الدور كوسيلة للسيطرة على التمثيل، الأمر الذي تكشفه مواقف حماس من الحروب الثلاث الأخيرة التي شنتها حكومات الاحتلال المتعاقبة ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

وبالرغم من ذلك كله، فما زالت منظمة التحرير تشكل في الوعي العام ذاكرة النهوض الوطني والكفاح المسلح والانتفاضات المتعاقبة في مواجهة نكبة التهجير ومحاولات طمس الهوية وتصفية الحقوق ، وأن أي بحث جدّي لمعالجة الأزمة الداخلية التي تعصف بالقضية الوطنية لا يُمكن لها أن تحظى بفرص النجاح دون معالجة واقع و دور و مكانة منظمة التحرير، وأن إعادة بنائها، رغم تباين الظروف التاريخية بين نشأتها و ما تتعرض له اليوم من تفريغ محتواها وطابعها الائتلافي، ما زالت ممكنة شريطة ضبط هذه العملية بأولويات دحر الاحتلال على أساس استراتيجية متكاملة للصمود والمقاومة الشعبية. فالتجربة الفلسطينية تؤكد أن الاحتكام للحوار والديمقراطية كان دوماً بمثابة الضمانة التي يُمكن من خلالها المضي في اعادة بناء الائتلاف الوطني على قاعدة التمسك بالحقوق الوطنية، والقطع مع التنازلات التي استقطعتها إسرائيل مجانا من خلال مسار أوسلو الذي لم يكن بالنسبة للاحتلال أكثر من دفرسوار لإجهاض الانتفاضة الكبرى ونتائجها ، والعودة مجدداً للانقضاض على مجمل حقوقنا الوطنية ومصيرنا في هذه البلاد .

مدخل اعادة بناء المنظمة

إن المدخل الحقيقي لاستعادة وحدة ودور منظمة التحرير يتطلب وقبل كل شيء اسقاط ثقافة الانقسام والاقصاء والهيمنة والاستحواذ ، والعودة لخيار الوحدة والديمقراطية ، وما يتطلبه ذلك من مرحلة انتقالية لترميم العطب الذي تعاني منه الحركة الوطنية. ويبدو أن هناك ممراً اجبارياً انتقاليا لتحقيق ذلك من خلال اجبار قوى الانقسام التوافق على حكومة كفاءات انتقالية مفوضة وفقاً للقانون الأساسي لضمان القيام بكل ما من شأنه تثبيت صمود الناس والعودة للمسار الديمقراطي بالتحضير لإجراء الانتخابات العامة وفق جدول زمني كافٍ ومتفق عليه، لإعادة الحياة السياسية بعيداً عن الهيمنة والملاحقات السياسية وإلغاء كافة القوانين بقرار التي تتناقض مع حرية التعبير والتنظيم ،و بالتوازي مع ذلك الالتزام بما سبق وتم التوافق عليه في اجتماعات تحضيرية بيروت “يناير 2017” لجهة مشاركة حركتي حماس والجهاد في صنع القرار الوطني الذي بات ضرورة تحريره من التفرد والانقسام أولوية عليا لا يمكن القفز عنها، تمهيداً لمجلس وطني جديد يجدد انتخاب قيادة تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني بما في ذلك أبناء شعبنا داخل الخط الأخضر .

هكذا يُمكن إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ولدورها ومكانتها، بما في ذلك مراجعة برنامجها الوطني وفقاً لطبيعة الصراع وأشكال النضال الملائمة لهذه المرحلة.

هذا الطريق الذي لا بديل عنه، لا يُمكن تعبيده سوى باستنهاض وتنظيم دور جميع الفئات الاجتماعية المستعدة للانخراط في ائتلاف شعبي عريض ضد الاحتلال والانقسام والفساد بكل أشكاله، ومن أجل تجديد بنية الحركة الوطنية وضمان استعادتها لمسار يضع التحرر الوطني كأولوية عليا مترابطة مع المسار الديمقراطي الذي يعيد القضية برمتها للشعب الفلسطيني الحصن المنيع لهذه القضية المقدسة.

أقرأ أيضًا: الرد الوطني على انكار الشعب الفلسطيني.. بقلم: جمال زقوت

الاحتلال والانقسام والفساد حلقة جهنمية مترابطة

أقلام – مصدر الإخبارية

الاحتلال والانقسام والفساد حلقة جهنمية مترابطة، بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تحت شعار “الاحتلال والانقسام والفساد السياسي حلقة مغلقة يغذي كلٌّ منها الآخر” أطلق ائتلاف أمان تقريره السنوي الخامس عشر حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2022 .

من الواضح أنه في ظل انشغال العالم في الحرب على مستقبل النظام الدولي، وما ينجم عن هذا الصراع من أزمات إقتصادية غير مسبوقة، و في ظل انشغال الدول العربية في حروبها الأهلية والبينية، فإن حكومات الاحتلال المتعاقبة تسابق الزمن في حربها المفتوحة على الشعب الفلسطيني في محاولة منها لإلحاق الهزيمة الساحقة بمشروعنا الوطني وتصفية قضية شعبنا وحقوقه المشروعة .

وفي الوقت نفسه، فقد فشلت السلطة الوطنية منذ نشأتها في بلورة رؤية للحكم، تربط بين مهمات استكمال التحرر الوطني وفي مقدمتها الخلاص التام من الاحتلال، مع متطلبات البناء الديمقراطي لمنظومة الحكم الانتقالية التي كان يجب أن تمهد الطريق لدولة الاستقلال، وقد كان واضحاً منذ البداية أن الفشل في أي من هذين المسارين سيطيح بكليهما . فجوهر هذا الربط يقوم على ركيزة بناء نظام ديمقراطي فعّال وقادر على تعزيز قدرة الناس على الصمود، والاستمرار في استنهاض طاقتها في معركة انهاء الاحتلال، وإن بأدوات وأشكال جديدة من المقاومة . هذا الفشل الذريع، وبالإضافة لطبيعة النظام السياسي العنصري في إسرائيل الذي يرفض تماماً أي إقرار بحقوق شعبنا الوطنية، كان واحداً من أسباب بداية تفكك المشروع الوطني وفشل إمكانية انجاز الحقوق الوطنية عبر مسار التسوية، و ما أفضى إليه ذلك من انفضاض فئات اجتماعية عريضة عن منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت الضحية الأبرز لهذا الفشل، بما تمثله من ركيزة جامعة لقيادة التحرر الوطني . فاهتزاز العلاقة بين المنظمة والسلطة الناشئة لصالح سلطة دون فلسفة واضحة للحكم، بل واستمرت في سياسة استرضاء العدو، هو التعبير الواضح لهذا الفشل الناجم أساساً عن غياب تلك الرؤية التي تحكم العلاقة بين الوطني والديمقراطي وتصيغ العلاقة بينهما في اطار تكاملي .

وقد جاء الانقسام، وارتفاع وتيرة الصراع على السلطة في ظل انهيار مشروع التسوية وغياب أي مراجعة لمسار هذه التسوية، وإصرار طرفي الانقسام على إدارة الظهر للإرادة الشعبية بوضع شروط مفتعلة، ليعطل ليس فقط النظام السياسي ومنظومة الحكم ، بل و مجمل الحياة السياسية في البلاد ، ويكاد يطيح بالحركة الوطنية برمتها إن لم يكن قد أطاح بها بعد!

الربط الذي قدمه تقرير أمان السنوي للعام 2022 ، يظهر تماماً ترابط العناصر المضادة للنضال الوطني ممثلة بالاحتلال والانقسام وكيف ولّد ذلك طغيان حالة الفساد السياسي، وما ينجم عنها من أشكال الفساد الأخرى التي باتت فعلياً تقوض قدرة الناس على الصمود، وهي الأولوية العليا والمهمة الأبرز الماثلة أمامنا بهدف تمكينه من الاستمرار في مقاومة مخططات التهويد والاقتلاع التي تسابق بها حكومات الاحتلال الزمن لتصفية القضية الفلسطينية .

هناك إجماع شعبي أن إسرائيل هي المستفيد الوحيد من استمرار حالة الانقسام، ومع ذلك لم يتمكن هذا الاجماع من احداث أي اختراق في هذه الحلقة الجهنمية التي تغذي بعضها البعض، وتستعيد القضية الوطنية من براثن هذا الانقسام و ما يولده من فساد يكاد يطبق على أنفاس الناس في شتى جوانب حياتها.

لقد أصاب تقرير أمان، وإن جاء ذلك متأخراً لسنوات، بأن إمكانية تغيير هذا الواقع وبفعل ترابط حلقاته الجهنمية بات أكثر تعقيداً، ويبدو أن مسار هذا التغيير الذي سبق وأن جرى التنبه له والعمل على احداث اصلاح تدريجي ممأسس لتجاوزه من خلال ما عُرف بخطة العامين لإنهاء الاحتلال وبناء مؤسسات الدولة في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض ، والذي عاد وقدم في تموز العام 2014 ما يشبه خارطة طريق تستجيب لمتطلبات هذا الربط و ممكنات التغيير، من خلال حكومة انتقالية تأخذ على عاتقها تعزيز صمود الناس واستعادة المسار الديمقراطي بالتحضير الجدي للانتخابات، وتوحيد آليات صنع القرار الوطني من خلال استعادة الطابع الائتلافي التعددي لمؤسسات الوطنية الجامعة ممثلة بمنظمة التحرير كجبهة وطنية تضم الجميع وتقود مهمات التحرر الوطني، كما جرت محاولات عديدة لبلورة حراكات اجتماعية لذات الغرض، إلا أن قوة المصالح الفئوية والذاتية الأنانية الضيقة، والتخندق على ضفتي الانقسام كانت أقوى من هذه الرؤى والاجتهادات والمحاولات ونجحت في الإطاحة بها. ويبدو أنه لن يكون بالإمكان النجاح في تحقيق ذلك سوى بالعودة للناس واستنهاض طاقتها من خلال تشكيل جبهة شعبية عريضة ينخرط في اطارها كل الوطنيين الغيورين على المصالح الوطنية العليا لتحقيق هذا الهدف الذي يعني بوضوح تشكيل حركة وطنية جديدة على أساس الإقرار بالتعددية السياسية والفكرية في اطار منظمة التحرير ومواجهة كل أشكال الاقصاء والهيمنة والتفرد بالمصير الوطني والموارد المتاحة ، والالتزام المطلق بالمصالح الوطنية العليا وفي مقدمتها الخلاص من الاحتلال، والمصالح المباشرة للقطاعات الشعبية العريضة . وبما يعنيه أيضاً بأن اسقاط الانقسام ومحاربة الفساد باتا مكونين جوهريين في مسيرة النضال الوطني ضد الاحتلال ومخططاته ، ومن أجل صون الهوية الجامعة وإنجاز حقوق شعبنا في العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني الناجز.

أقرأ أيضًا: الرد الوطني على انكار الشعب الفلسطيني.. بقلم: جمال زقوت

هل من ضوء في نهاية النفق؟!

أقلام – مصدر الإخبارية

هل من ضوء في نهاية النفق؟!، بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تخيّم على المشهد الفلسطيني حالة غير مسبوقة من التيه السياسي، تنعدم فيها أي محاولة ولو لمجرد تدوير الزوايا، التي قد تفضي لبصيص أمل، هذا في وقت أن الأشهر الماضية شهدت ظهور استعدادات للتضحية ، إلا أنها للأسف ظلت تدور في حلقة تبدو غير قادرة على نفض غبار هذا المشهد.

شهدت السنوات الماضية حراكات اجتماعية وشبابية متعددة، معظمها ذات طابع مطلبي، وكان أبرزها حراكات المعلمين لتحسين رواتبهم في ظل الأوضاع المعيشية المتردية، ومعدلات الغلاء المتفاقمة. ولعل الانسداد الذي وصل إليه اضراب المعلمين رغم عدالة مطالبهم، حيث سبق وأقرت بها الحكومة، إلا أنها ماطلت وتلاعبت وفشلت في تنفيذها، الأمر الذي يكشف أبعاداً جديدة لطبيعة الأزمة الوطنية العامة، التي يلفها ذلك المشهد المستعصي، كما يبدو، على المعالجة والتفكيك.

صحيح أن جذور الأزمة تتمثل بطغيان المصالح الفئوية والشخصية التي تكرست عبر سنوات الانقسام، وكان ضحيتها الأولى تغييب مؤسسات الرقابة والمساءلة البرلمانية، وتسيّد أنظمة حكم فردية وفئوية آخر اهتماماتها المصالح العامة للقطاعات الشعبية العريضة، إلا أن الصحيح أيضاً أن هذه الحراكات لم تتمكن من مجرد محاولة بلورة قاسم مشترك ناظم فيما بينها، ليُمكنها من توسيع قاعدتها الشعبية، القادرة على بناء كتلة شعبية تقود التغيير نحو معالجة جذور هذه الأزمات المتكررة.
كما أن الحراكات الشبابية التي انطلقت في أكثر من مناسبة منذ بداية الانقسام، ظلت حبيسة حالة الرفض للواقع دون أن تبذل ما يكفي من جهد يمكنها من الالتقاء فيما بينها على قاسم مشترك قادر على تحويلها إلى حركة اجتماعية مؤثرة في الفضاء العام، وتملأ في نفس الوقت فراغ نكوص الحركة الوطنية في أن تشكل رافعة جدّية للنضال الوطني والاجتماعي.

إن المعالجة المطلوبة لهذه التجارب، واستخلاص دروسها الغنية، باتا يتطلبان، وفي سياق محاولات الإجابة على سؤال شروط تجديد الحركة الوطنية، أو بلورة رؤى كفيلة ببناء حركة وطنية جديدة، إعادة البحث في السبل و الأطر القادرة على تحقيق هذا الهدف.

نكوص الحركة الوطنية و مؤسسات المجتمع المختلفة عن الربط بين مهام استكمال التحرير الوطني، ومهام البناء الديمقراطي، شكل السبب الأساسي وراء اقصائها، وتخلفها عن القيام بدورها التاريخي، و تذيُلِّها في هوامش المشهد الانقسامي وأطرافه، التي باتت تعاني من مظاهر الفشل الاستراتيجي المزمن، سيما بعد نجاح حكومة الاحتلال في وأد ما كان يعرف بمسيرة التسوية، واصرار القيادة المتنفذة على التمسك بحطام هذه المسيرة . الأمر ذاته ينطبق على استراتيجية وبرنامج “مقاومة” حماس ، الذي تم مقايضته مع حاجتها للبقاء و استمرار سيطرتها على قطاع غزة ، وفي سياق استراتيجية الاحتلال لتمزيق الكيانية والهوية الوطنية.

في ظل هذا المشهد، وغياب ولو نقطة ضوء في نهاية نفق الشرذمة، وما رافقها من افقار للقطاعات الشعبية العريضة، وشراسة مخططات الاحتلال التوسعية بالاستيلاء على أراضيهم ومصادر رزقهم، سرعان ما التفت هذه القطاعات حول ظاهرة المقاومة المسلحة التي شهدتها مدن الضفة الغربية، وقد تمكنت بعض تشكيلاتها من امتلاك حاضنة شعبية ملموسة، ولكنها أيضاً ظلت وما زالت تفتقر للحاضنة السياسية.

لقد بات من الواضح أنه دون بلورة أسس جامعة لبناء حركة شعبية عريضة، تضم كافة الاتجاهات التي لها مصلحة حقيقية في التغيير الديمقراطي، وعلى أساس الإقرار بالتعددية السياسية والفكرية دون مراوغة، أو نزعات ذاتية، فستظل كل هذه الحراكات والمبادرات وحتى التضحيات خارج القدرة على احداث هذا التغيير المنشود.

توفير البيئة الكفيلة بنمو هذه المبادرات هي الأولوية العليا أمام الوطنيين الفلسطينيين، شريطة أن تظل بوصلتها قادرة على الربط الموضوعي بين مهام النضال الاجتماعي وأطره القادرة على قيادة هذا النضال، وبين متطلبات النضال الوطني القادرة أيضاً على تحويل ارادات القطاعات الشعبية واحتياجاتها المختلفة إلى إرادة فعل وطني للخلاص من الاحتلال. بالتأكيد أن انجاز هذه العملية يحتاج إلى تراكمات متأنية، ولكنها لن تُستكمل إلا بتغيير موازين القوى الفعلية في صندوق الاقتراع.

أقرأ أيضًا: الرد الوطني على انكار الشعب الفلسطيني.. بقلم: جمال زقوت

احتكار السلطة وفوضى الحكم: وجهان لعملة واحدة

أقلام – مصدر الإخبارية

احتكار السلطة وفوضى الحكم: وجهان لعملة واحدة، بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تزداد يومياً حالة تراجع الثقة بالسلطة، كما تؤكد ذلك ليس فقط كافة استطلاعات الرأي، بل وقدرة السلطة على بسط سيطرتها، أو معالجة الأزمات المتعددة التي تواجهها، وتتسع معها حالة الفراغ والفجوة بينها وبين الشعب، يعود ذلك بشكل أساسي إلى أنه ورغم الفشل الكبير لمسار تسوية أوسلو، إلا أن القيادة السياسية تصر على عدم مراجعة هذا المسار، وتستمر في اللهاث وراء السراب، سيما أن المجتمع الدولي لم يعد يكترث كثيراً بالقضية الفلسطينية وبالعدوانية الإسرائيلية على الأرض والحقوق الفلسطينية، الأمر الذي ساهم، وضمن عوامل أخرى من ضمنها حالة الوهن والانقسام الفلسطيني، في صعود اليمين الفاشي إلى سدة الحكم في إسرائيل؛ وفق خطة محددة لحسم الصراع وتصفية الحقوق الفلسطينية.

ورغم حركة الاحتجاجات الواسعة داخل المجتمع الإسرائيلي، إلا أن قضية الاحتلال والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ظلت خارج اهتمام المجتمع وهذه الاحتجاجات، وبقيت استراتيجية التوسع والضم الاستيطاني تشكل إلى حد كبير موقع اجماع في إسرائيل، دون أي التفات إلى أن البنية التحتية لصعود القوى الفاشية تتلخص في التوسع الاستيطاني، والسعي لتطبيق الشريعة اليهودية لاستكمال ضم أرض فلسطين وانكار وجود الشعب الفلسطيني من ناحية، و فرض الشريعة ذاتها على مؤسسات الحكم والمجتمع في إسرائيل.

رفض المراجعة والانفراد بالحكم

بدلاً من تلك المراجعة التي تتضح الحاجة الوطنية لها، وبفعل استفحال حالة الانقسام وأثره على تفكيك المؤسسات الفلسطينية في اطار السلطة والمنظمة، حيث تم حل المجلس التشريعي، واستُبدِل المجلس الوطني بالمركزي، وهمشت اللجنة التنفيذية ، كما استُكملت السيطرة على سلطة القضاء من خلال مجموعة متضاربة من القرارات بقانون، تتناقض في معظمها مع القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية .أي باختصار؛ قد تم السيطرة المطلقة على سلطة القرار والانفراد به على حساب المؤسسة ودورها .

غياب الحكومة في الوعي الشعبي

بفعل هذه الهيمنة والتفرد بمكونات الحكم، وفي ظل غياب الشفافية وأدوات المساءلة والمحاسبة البرلمانية ، انهارت الثقة الشعبية بالسلطة، حيث فقدت تدريجياً دور مؤسساتها، بل وفقدت السلطة ذاتها المبرر الذي نشأت من أجله، والمتمثل جوهرياً في تعزيز قدرة الناس على الصمود في سياق معركتها الأساسية لانهاء الاحتلال، وللأسف استُبدلت هذه المعركة بمعركة الصراع الداخلي على وراثة وهندسة أدوات السيطرة على السلطة، بعيداً عن الإرادة الشعبية وتحديات معركة الصمود. وقد امتد هذا الصراع لدور الحكومة، التي بدت بفعل هذا الصراع ،وبسبب تخليها عن هامش مكانتها التي ينص عليها القانون الأساسي، خارج الوعي الشعبي، سيما أنها تميزت بوعودها الكبيرة التي تذهب أدراج الرياح، إما لعدم واقعيتها، أو افتقاد آليات فعّالة لتنفيذها .

أزمة اضراب المعلمين نموذج لانعدام الثقة

في سياق هذه الوعود جاء الاتفاق الذي وقعته الحكومة مع المعلمين، والذي يبدو أنه تحوّل إلى عقدة خطيرة في اطار هذا الصراع الداخلي، يدفع ثمنه الناس وقدرتهم على الصمود. في وقت أن الحكومة لم تبذل أي جهد لتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ هذا الاتفاق، الأمر الذي يشي بأنه من وجهة نظر الحكومة لم يكن أكثر من مجرد وعود، وليس استحقاقا للتنفيذ ، والسؤال الذي يطرحه المعلمون والناس هو: إذا كانت أزمة الاتفاق مع المعلمين تكمن في عدم توفر الموارد المالية، فلماذا لم يتم إعادة جدولة أولويات الانفاق، والتصدي لمظاهر هدر المال العام، ولظاهرة الفساد التي ترتفع إلى معدلات غير مسبوقة. بالتأكيد فإن ذلك وغيره يعود لبنية وطبيعة الحكم التي باتت تتسم بالانفراد المطلق في اتخاذ القرارات، ليس فقط المالية منها، بل والاقتصادية والسياسية والأمنية دون أي اعتبار لتردي الأحوال الاجتماعية والمعيشية للمواطنين. هذا في وقت تتراجع فيه الحريات الإعلامية وحرية التعبير، ويجري فيه الافتراق كلياً عن المبادئ الأساسية التي أجمع عليها شعبنا في وثيقة الاستقلال إزاء أسس وطابع الدولة المدنية التي يتطلع إليها ويناضل من أجل تحقيقها.

تفاقم الأزمات الداخلية وفوضى الحكم

الأزمات الداخلية التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني سواء أزمة اضراب المعلمين، أو غيرها، سيما المحامين الذين رفعوا البطاقة الحمراء إزاء مخاطر الهيمنة على سلطة القضاء، ومخاطر انهيار الثقة بها على صعيد المجتمع وتماسك نسيجه الاجتماعي. وهذا ما نحصد نتائجه؛ فاذا كان تفكك المشروع الوطني، وتخلي الحركة الوطنية عن دورها، وعجز القيادة عن حماية الناس ومصيرهم الوطني، دفعت أعداداً واسعة من الشباب لأخذ المبادرة بأيديهم والارتجال في أشكال مقاومة الاحتلال، فإن انهيار الثقة بسلطة القضاء دفع بعضهم لأخذ القانون باليد وتنفيذ الإعدام خارج القانون، الأمر الذي وان كان ينسجم مع حالة الغضب الشعبي وانهيار الثقة بالسلطتين التنفيذية والقضائية، فإن استسهاله ينذر بأوخم العواقب على السلم المجتمعي، والذي لن يسلم منه حتى المسؤولون ، فكلنا يتذكر اعدام” اغتيال” راجح أبو لحية وتيسير خطاب وموسى عرفات في قطاع غزة، والتي مهدت بمجملها لانقلاب حماس على السلطة، ناهيك عن حالة الفوضى وما رافقها من أخطاء في هذا المجال عبر مسيرة الثورة والانتفاضتين، وما ألحقته من مخاطر على تلك المسيرة.

هذه الأزمات الكبرى التي تعصف بالسلطة، تندفع تدريجياً نحو حالة من الفوضى تهدد بتقويض وحدة وتماسك المجتمع ما لم يجرِ القيام بمراجعات شاملة وجذرية بمشاركة الكل الوطني وفي صلبه القطاعات الاجتماعية المتضررة .إلا أن ما يزيد الطين بلةً هو أن السلطة، ورغم ذلك، ما زالت تعتقد بأن معالجة الملف الأمني، واستعادة بسط سيطرتها، يأتي فقط لإثبات قدرتها على كسب ثقة الخارج في وكالتها الأمنية، واستمرار الرهان عليه، دون اعتبار للإرادة الشعبية، بل والتصادم معها في بعض الأحيان؛ في وقت أن تدهور الأوضاع الداخلية لم يعد يحتمل “تجريب المجرب” رغم نتائجه الكارثية، كما أن الاعتقاد بأن القيام بتغيير شكلي جزئي أو كلي للحكومة دون تغيير النهج ومعالجة الأسباب التي أوصلتنا وأوصلت السلطة ذاتها إلى ما هي عليه، فلن تؤدي سوى لمزيد من الاحتقان الداخلي وتعميق الأزمة الوطنية، وما ولدته من أزمات، وحالة فوضى الحكم السائدة.

الوحدة والديمقراطية شرطان لاستعادة دور المؤسسات الجامعة

إن الذهاب إلى حكومة جديدة بات ضرورة وطنية، لكن ذلك يجب أن يتم باعتباره جزءاً من مكونات التوافق الوطني على مغادرة النهج الطاغي، وفي مقدمته استمراء حالة الانقسام وما ولدته من احتكار وتقاسم السلطة، وبلورة استراتيجية عمل وطني جوهرها الصمود الشعبي والرسمي، وبحيث تكون أولوية الحكومة العمل لعلى توفير متطلبات هذا الصمود عبر سياسات اقتصادية واجتماعية وحقوقية كفيلة بتحقيق ذلك، بالإضافة إلى المعالجة الوطنية للملفات التي نجمت عن الانقسام ،وتوفير المناخات السياسية والقانونية الكفيلة باحترام حقوق المواطنين، وفي مقدمتها الانصياع لإرادتهم بالتحضير للانتخابات العامة وضمان نزاهتها، وبما يشمل اجرائها في مدينة القدس المحتلة، في سياق تحدي سلطة الاحتلال، وليس التخفي وراء سياساته الرامية لتهويد المدينة المقدسة وعزلها عن مركزها الوطني. فالمهمة المركزية على الصعيد الداخلي تتمثل في استعادة الوحدة والديمقراطية، ومغادرة سياسة الهيمنة والاقصاء والتفرد، واستعادة دور المؤسسات الوطنية الجامعة في قيادة النضال الوطني .

العدالة أساس لترسيخ ثقافة التضحية

في هذا السياق وفي اطار سيادة مبدأ العدالة في توزيع الأعباء والموارد، وإعمال مبدأ المشاركة الشعبية في صنع المستقبل والمصير الوطني، فإن المعلمين كما غيرهم من القطاعات الأخرى ستكون مستعدة للتضحية المطلوب ترسيخها كثقافة كفاحية عامة، وستكون بالتأكيد جاهزة لمضاعفة جهودها من أجل النهوض بالمجتمع ومناعته الوطنية، وصون وحدة نسيجه الاجتماعي وقدرته على مواجهة واسقاط مخططات الاحتلال، سيما المتصلة بمخططات الضم الاستعماري، وتهويد مدينة القدس والسيطرة على مقدساتها.

هل تتجه إسرائيل نحو العنف الداخلي؟

أقلام – مصدر الإخبارية

هل تتجه إسرائيل نحو العنف الداخلي؟ بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

اتساع المشاركة في ما يمكن تسميته “بانتفاضة الشارع” إلى مرحلة غير مسبوقة مرشحة للانتقال لمراحل أعلى، خاصة وقد باتت مدعومة بحوالي سبعين بالمئة من الإسرائيليين عبروا عن رفضهم لما يسمى “بالانقلاب القضائي” الذي يسعى له نتانياهو وائتلافه الحاكم. كما أن انضمام الهستدروت بمكوناتها التي تشمل مختلف نواحي الحياة، بما في ذلك المطارات والموانئ، ودعوته الانضمام إلى شارع الاحتجاج، بالإضافة للجامعات، وشل حركة الاقتصاد يضع هذه الانتفاضة والوضع الإسرائيلي برمته في منعطف يحمل سيناريوهات مختلفة لا تستثني اسقاط حكومة نتانياهو . والسؤال الذي يتقدم أمام كل المتابعين هل سيندفع هذا الاستقطاب الحاد في المجتمع الاسرائيلي نحو العنف ؟

يبدو أن كل الاحتمالات بما فيها الصدام باتت مفتوحة، فالقوى الفاشية والأكثر تطرفاً، طالما اندفعت نحو طريق العنف لتحقيق أغراض سياسية، سيما إذا شعرت أنها تفقد قدرتها على حماية مصالحها الفئوية. صحيح أن السمة العامة للمجتمع الإسرائيلي تحمل في طياتها طابع العنصرية القومية في مواجهة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.

فقد كانت الحركة الصهيونية ممثلة بحكوماتها المتعاقبة ولسنوات طويلة قادرة على توحيد المجتمع الإسرائيلي خلف مقولة الخطر الوجودي الذي يهدد أمن وبقاء إسرائيل، وتغليب هذا الخطر على كل التناقضات والتباينات الصغيرة منها والكبيرة، فهل هذا الأمر ما زال سارياً في ظل ما وصلت إليه هذه العنصرية فاشية الطابع، وبعد أن توهمت أنها أصبحت قادرة على حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، وهي نفس الوقت تتطلع أيضاً لفرض سيطرتها على المجتمع الإسرائيلي، معتبرةً أنها من يحقق “النصر التاريخي” على الفلسطينيين، الأمر الذي ينعش استعلائيتها الفاشية لفرض مضمون هوية الدولة التي يخططون لها في اطار الائتلاف العنصري الذي يقوده “نتانياهو وسموتريتش وبن چڤير”.

الصراع في إسرائيل يدور على هوية الدولة، حيث ترى المعارضة بأن “الانقلاب القضائي” يستهدف ما يعتقدون أنه توازن مزعوم بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، وهو ما نجحت إسرائيل في تسويقه منذ العام 1948 بادعاء أنها واحة الديمقراطية في محيط أنظمة الحكم الاستبدادية، الأمر الذي ساعدها إلى حد بعيد في تكريس “شرعيتها” الدولية كجزء من “الديمقراطيات الغربية” على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني ، بل ومكَّنها من الحصول على مساندة متواصلة لأطول احتلال في العصر الحديث رغم انتهاكاته الصارخة لكل قواعد القانون الدولي.

اغتيال رابين: الإرهاب الإسرائيلي الداخلي

من الواضح أن عدم الاكتراث الجدي من قبل أغلبية المجتمع الإسرائيلي بجريمة اغتيال رابين على يد المتطرف يغال عمير، وارتباطها باحتمالات السلام مع الفلسطينيين، التي شكلت مؤشراً لبداية تسرب الإرهاب الدموي داخل هذا المجتمع، وقد كانت نقطة تحوُّل أوصلت إسرائيل إلى ماهي عليه اليوم. هذا بالإضافة للجرائم الإرهابية التي نفذها تلامذة يغال عمير ومئير كهانا ضد المدنيين الفلسطينيين وصلت حد حرق الأطفال والمواطنين وهم أحياء كما حدث مع جريمة محمد أبو خضير وعائلة دوايشة، وما كان قد سبقهما بجريمة جولدشتاين “ملهم بن جڤير”، عندما أطلق الرصاص وقتل عشرات المصلين الفلسطينيين وهم سجود داخل الحرم الابراهيمي في الخليل، بالإضافة لمئات جرائم القتل وحرق البيوت ودور العبادة وقطع وحرق أشجار الزيتون وتدمير البيوت ومصادر رزق المواطنين الفلسطينيين دون أي مساءلة قانونية جدية، بل على العكس، فقد جرت محاولات استمالة هؤلاء المستوطنين الإرهابيين وكسب رضاهم.

صعود الفاشية وقضيتي الاحتلال والاستيطان

لم يكن ممكناً، ولن يكون بالإمكان الفصل بين العنصرية ضد الفلسطينيين لدرجة انكار وجودهم كشعب وفقاً لتصريحات سموتريتش ، و بين صعود الفاشية في مواجهة ليبرالية المجتمع الإسرائيلي ذاته، تماماً كما أنه لا يمكن الجمع بين الدين ومحاولات الخداع بتسويقه كقومية، وبين الديمقراطية الحقيقية التي لا يمكن أن تتوافق مع العنصرية .

خيارات مفتوحة

يبدو أن عدم تراجع نتانياهو بصورة واضحة سيشعل وقود هذه الانتفاضة، ويوسع دائرة المشاركة فيها، وفي نفس الوقت فإن تراجعه لن ينتهي سوى بهزيمة مشروعه الذي صُمم، من وجهة نظر مناوئيه، لحماية مستقبله الشخصي في مواجهة مستقبل الدولة، لدرجة اعتبرته المعارضة أنه بات يشكل خطراً على أمن إسرائيل، كما يبدو أن هزيمة نتانياهو باتت مؤكدة، ولكن غير المؤكد هو طبيعة سلوك حلفائه الفاشيين، حيث لا يُستبعد أن يتجهوا نحو العنف الداخلي، وليس فقط الإرهاب ضد المواطنين الفلسطينيين سواء داخل إسرائيل أو في الضفة المحتلة، كما أن المعارضة ما زالت بعيدة عن ادراك الربط بين العنصرية ومحاولات الاستيلاء على القضاء والانقلاب على “ديمقراطيتهم اليهودية”، وبين مسألتي الاحتلال وضرورة الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني، فالرهان على ذلك في المدى القريب ليس سوى مجرد استمرار اللهاث وراء ملهاة الوهم.

“الانتفاضة الإسرائيلية” وقلة الحيلة الفلسطينية

أما السؤال الثاني المُلِّح أمام المواطنين الفلسطينيين المتسمرين أمام الشاشات لمتابعة ما يجري في إسرائيل والتطورات التي تحملها هو: أولاً أين هي القيادة الفلسطينية إزاء متطلبات تعميق العزلة الإقليمية والدولية التي تمر بها حكومة الائتلاف الفاشي، في وقت ان برنامج هذه الحكومة يرتكز جوهرياً على ضم الضفة الغربية واطلاق يد حركة الاستيطان الفاشية. وبدلاً من ذلك فهي ما زالت تسير وراء الوهم كما حدث في لقائي العقبة وشرم الشيخ.

أما السؤال الثالث الذي يُواجهنا كشعب ونحن أحوج ما نكون لتوحيد طاقاتنا وحماية قدرتنا على الصمود هو: لماذا هذا الصمت على فشل السلطتين المنقسمتين، وترك المحامين وحيدين في معركة مواجهة سياسة السيطرة الشمولية للسلطة التنفيذية على سلطة القضاء، ولماذا أيضاً يُترك معلمو أبنائنا دون مساندة كافية نصرةً للحقوق ومطالب الحد الأدنى العادلة التي يطالبون بها، هذا بالإضافة لقلة الحيلة إزاء ما يُواجهنا كشعب من خطر تفتيت الكيانية الفلسطينية بانزلاق الانقسام نحو مأسسة الانفصال الجارية، والتي في حال عدم لجمها قد تشكل الضربة القاضية لمشروعنا الوطني التحرري.

الوقت بات من دم وحياة، وليس أمامنا، والمنطقة بما فيها إسرائيل، تموج فوق رمال متحركة تتجاوز بخطورتها وتحدياتها على شعبنا نكبة عام 1948، سوى أن نكون جزءاً حياً من حركة التاريخ، وليس مرة أخرى أول ضحاياه.

أقرأ أيضًا: الرد الوطني على انكار الشعب الفلسطيني.. بقلم: جمال زقوت

Exit mobile version