الاحتلال والانقسام - منظمة التحرير - من يمنع حرية الرأي لن يُحرر وطناً.. عامان على اغتيال نزار بنات

في ذكرى تأسيسها.. هل يُمكن إعادة بناء منظمة التحرير، وكيف؟

أقلام – مصدر الإخبارية

في ذكرى تأسيسها.. هل يُمكن إعادة بناء منظمة التحرير، وكيف؟، بقلم الكاتب الفلسطيني جمال زقوت، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مرت منظمة التحرير منذ تأسيسها بقرار من الجامعة العربية بمراحل أساسية، حيث تمكنت الفصائل المسلحة بعد هزيمة حزيران من تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى ائتلاف جبهوي عريض يجسد الوحدة الوطنية ويستند إلى التعددية في اطار تبني استراتيجية الكفاح المسلح. وكانت معركة الكرامة نقطة مفصلية لتصبح المنظمة عنواناً أساسياً لمواجهة العدوانية والاحتلال الإسرائيليين، وبإقرار البرنامج المرحلي فتحت المنظمة الباب لقرار قمة الرباط للاعتراف بها كممثل شرعي وحيد وعضويتها في المنظمات الإقليمية والدولية كدول عدم الانحياز والقمة الأفريقية، ومن ثم في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. إلّا أن أبرز هذه الإنجازات، تمثل بتشكيل الجبهة الوطنية في الأرض المحتلة من بعض فصائل المنظمة وشخصيات الوطنية، بتاريخ 15-8-1973، وقد تبنت برنامجًا واقعيًّا مستندًا إلى قرارات الشرعية الدولية لحل الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، ورفعت بعد حرب تشرين 1973 شعار إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة ، أي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار 194، وخوض الانتخابات البلدية عام 1976 بشخصيات موالية للمنظمة لتكريس وجودها العلني، إلا أن سلطات الاحتلال قامت بإبعاد أبرز رموزها، وتعرض آخرون لمحاولات اغتيال .

رغم محاولات عدد من الأنظمة العربية إعادة السيطرة على المنظمة، ومساندة ما عرف بجبهة الرفض ولاحقاً الإنقاذ، إلّا أن حرص الزعيم عرفات على احتواء كافة فصائلها تحت راية المنظمة شكل ركيزة أساسية لصون وحدة المنظمة والوحدة الوطنية بشكل عام . وبتنامي دور المنظمة ونجاحها في معالجة وحل التباينات السياسية بين قواها الأساسية عبر الحوار الوطني الذي كان يسبق انعقاد دورات المجلس الوطني للمنظمة، تعاظم هذا الدور داخل الأرض المحتلة. فرغم حرب عام 1982 ضد المنظمة والوجود المسلح لقوات الثورة الفلسطينية في لبنان، واضطرارها للخروج إلى شتات العواصم النائية وصحاري العرب، إلا أن قوى المنظمة التي تجذرت بشبكات تنظيمية وجماهيرية ونقابية، قادت الانتفاضة الكبرى التي اندلعت في ديسمبر عام 1987، والتي تميزت بطابعها الشعبي الديمقراطي العميق، فأعادت بناء الحاضنة الكفاحية والشعبية لمنظمة التحرير، حيث تشكلت قيادة الانتفاضة الموحدة من فصائل المنظمة الرئيسية” فتح والديمقراطية والشعبية والحزب الشيوعي” لتعود منظمة التحرير مجدداً كلاعب أساسي رغم التحولات الإقليمية والدولية العاصفة في بداية التسعينيات.

الدروس المستخلصة

الدروس الذي يُمكن استخلاصها بعجالة من هذا المسار تتلخص في أن منظمة التحرير تمكنت من صون الهوية الوطنية وأصبحت تعبر عن الكيانية السياسية للشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد بفعل أولاً وحدتها و إصرارها الدائم على تأكيد وتجسيد وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وثانياً نجاحها في بلورة برنامج القاسم المشترك برنامج العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتغليب التناقض الرئيسي مع الاحتلال على التباينات الداخلية بترسيخ التعددية السياسية في اطار ائتلافها العريض كجبهة وطنية، واعتماد الحوار الوطني الديمقراطي في معالجة تبايناتها الداخلية، وثالثاً وهو الأهم حرصها الدائم على تعزيز حاضنتها الشعبية وقاعدتها الاجتماعية.

في مواجهة هذه الإنجازات سعت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة إلى تقويض وتفكيك مكانة المنظمة، باعتبارها تعكس ليس فقط وحدة التمثيل بل وضمان ترابط الحقوق الوطنية لشعبنا، فبعد أن فشلت في خلق بدائل هزيلة كروابط القرى وغيرها، حاولت تمكين حركة الاخوان المسلمين في مواجهة المنظمة، وظلت دوماً تنفخ في نار التباينات الداخلية سيما بين التيارين الوطني والإسلامي.

فشل أوسلو وتراجع مكانة المنظمة

لقد أدت مرحلة مسار أوسلو و مخرجاتها إلى المس الجدي بمكانة منظمة التحرير، حيث تخلت عن التعددية السياسية، كما انجرفت نحو اقصاء المعارضة من داخل المنظمة ومن خارجها عن عملية صنع القرار الوطني، بالإضافة إلى فشلها في بلورة رؤية سياسية تضبط طبيعة المرحلة الناشئة واستحقاقاتها للربط بين مهمات التحرر الوطني التي لم تستكمل بعد، ومتطلبات البناء الديمقراطي لمؤسسات السلطة الناشئة، وقد جرى تضخيم دور السلطة على حساب مكانة ودور المنظمة كعنوان للتحرر الوطني و الوحدة الوطنية لشعبنا في مختلف تجمعاته داخل الوطن وفي الشتات . الأمر الذي أدى في السنوات الأخيرة ليس فقط لتهميش المنظمة واختصارها بالرئيس الذي بات، سيما بعد الانقسام وحل المجلس التشريعي و رفض تنظيم انتخابات عامة، يستحوذ على كل السلطات دون استثناء ، وتحولت اللجنة التنفيذية لمجرد هيئة دون استشارية، حيث لا يؤخذ حتى برأيها وليس فقط لا يُلتزم بقراراتها.

واقع المنظمة الراهن هو نتاج للمغامرة، دون ضوابط أو مسارات بديلة، برصيد المنظمة وانجازاتها، في مسار التسوية دون أي مراجعة رغم ما لحق بها من فشل ذريع، وما زالت القيادة المهيمنة مصرة على المضي بطريق الفشل هذا بلا قاع ، كما أنه لا يمكن عزل هذا الواقع عن حالة الانقسام الذي حوّل الخلاف السياسي إلى صراع مدمر على السلطة والتمثيل، وبات يهدد أساسات الكيانية الوطنية الجغرافية والسياسية والتمثيلية بعد أن شكلت المنظمة ولسنوات طويلة التعبير الأهم عن هذه الكيانية. هذا بالإضافة لتخلي أطراف الحركة الوطنية المنضوية في اطار المنظمة عن دورها الكفاحي ضد الاحتلال، واستحواذ حركة حماس على هذا الدور كوسيلة للسيطرة على التمثيل، الأمر الذي تكشفه مواقف حماس من الحروب الثلاث الأخيرة التي شنتها حكومات الاحتلال المتعاقبة ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.

وبالرغم من ذلك كله، فما زالت منظمة التحرير تشكل في الوعي العام ذاكرة النهوض الوطني والكفاح المسلح والانتفاضات المتعاقبة في مواجهة نكبة التهجير ومحاولات طمس الهوية وتصفية الحقوق ، وأن أي بحث جدّي لمعالجة الأزمة الداخلية التي تعصف بالقضية الوطنية لا يُمكن لها أن تحظى بفرص النجاح دون معالجة واقع و دور و مكانة منظمة التحرير، وأن إعادة بنائها، رغم تباين الظروف التاريخية بين نشأتها و ما تتعرض له اليوم من تفريغ محتواها وطابعها الائتلافي، ما زالت ممكنة شريطة ضبط هذه العملية بأولويات دحر الاحتلال على أساس استراتيجية متكاملة للصمود والمقاومة الشعبية. فالتجربة الفلسطينية تؤكد أن الاحتكام للحوار والديمقراطية كان دوماً بمثابة الضمانة التي يُمكن من خلالها المضي في اعادة بناء الائتلاف الوطني على قاعدة التمسك بالحقوق الوطنية، والقطع مع التنازلات التي استقطعتها إسرائيل مجانا من خلال مسار أوسلو الذي لم يكن بالنسبة للاحتلال أكثر من دفرسوار لإجهاض الانتفاضة الكبرى ونتائجها ، والعودة مجدداً للانقضاض على مجمل حقوقنا الوطنية ومصيرنا في هذه البلاد .

مدخل اعادة بناء المنظمة

إن المدخل الحقيقي لاستعادة وحدة ودور منظمة التحرير يتطلب وقبل كل شيء اسقاط ثقافة الانقسام والاقصاء والهيمنة والاستحواذ ، والعودة لخيار الوحدة والديمقراطية ، وما يتطلبه ذلك من مرحلة انتقالية لترميم العطب الذي تعاني منه الحركة الوطنية. ويبدو أن هناك ممراً اجبارياً انتقاليا لتحقيق ذلك من خلال اجبار قوى الانقسام التوافق على حكومة كفاءات انتقالية مفوضة وفقاً للقانون الأساسي لضمان القيام بكل ما من شأنه تثبيت صمود الناس والعودة للمسار الديمقراطي بالتحضير لإجراء الانتخابات العامة وفق جدول زمني كافٍ ومتفق عليه، لإعادة الحياة السياسية بعيداً عن الهيمنة والملاحقات السياسية وإلغاء كافة القوانين بقرار التي تتناقض مع حرية التعبير والتنظيم ،و بالتوازي مع ذلك الالتزام بما سبق وتم التوافق عليه في اجتماعات تحضيرية بيروت “يناير 2017” لجهة مشاركة حركتي حماس والجهاد في صنع القرار الوطني الذي بات ضرورة تحريره من التفرد والانقسام أولوية عليا لا يمكن القفز عنها، تمهيداً لمجلس وطني جديد يجدد انتخاب قيادة تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني بما في ذلك أبناء شعبنا داخل الخط الأخضر .

هكذا يُمكن إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ولدورها ومكانتها، بما في ذلك مراجعة برنامجها الوطني وفقاً لطبيعة الصراع وأشكال النضال الملائمة لهذه المرحلة.

هذا الطريق الذي لا بديل عنه، لا يُمكن تعبيده سوى باستنهاض وتنظيم دور جميع الفئات الاجتماعية المستعدة للانخراط في ائتلاف شعبي عريض ضد الاحتلال والانقسام والفساد بكل أشكاله، ومن أجل تجديد بنية الحركة الوطنية وضمان استعادتها لمسار يضع التحرر الوطني كأولوية عليا مترابطة مع المسار الديمقراطي الذي يعيد القضية برمتها للشعب الفلسطيني الحصن المنيع لهذه القضية المقدسة.

أقرأ أيضًا: الرد الوطني على انكار الشعب الفلسطيني.. بقلم: جمال زقوت

Exit mobile version