حل الدولة الواحدة

الدولة الواحدة.. لماذا أصبح خياراً لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

صلاح أبو حنيدق- خاص مصدر الإخبارية:

يطفوا هذه الأيام على السطح، خيار الدولة الديموقراطية الواحدة حلا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد مرور 75 عاماُ من النكبة، منها 30 على توقيع اتفاق أوسلو للسلام، وفشل المجتمع الدولي وقيادة السلطة الفلسطينية في الزام إسرائيل بتنفيذ حل الدولتين.

وبرز خلال السنوات الماضية خيار حل الدولة الديموقراطية الواحدة، التي يعيش فيها العرب الفلسطينيون واليهود جنبا إلى جنبن متساوون في الحقوق والواجبات، بعيدا من ما تخطط له إسرائيل لدولة يهودية صرفة، تتميز بالعنصرية والتطهير العرقي.

وقبل عشرات السنوات نادت فصائل فلسطينية بحل الدولة الديموقراطية الواحدة، لكن حل الدولتين طغى في مرحلة ما قبل اتفاق أوسلو وبعده.

وبعض الجهات والشخصيات نادت خلال العقدين الأخيرين بدولة ثنائية القومية، أي يعيش فيها العرب الفلسطينيون والإسرائيليون مع الاعتراف بقومية الطرفين.

لكن أخر الدعوات لخيار حل الدولة الواحدة، أطلقها قائد تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح محمد دحلان أمس في مقابلة تلفزيونية على قناة سكاي نيوز عربية.

وجاءت دعوة دحلان بعد أكثر من عام على إطلاقها للمرة الأولى، وتحديدا في كلمة مطولة ألقاها خلال مؤتمر لتيار الإصلاح الديموقراطي عُقد في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2021.

وتعكس دعوات دحلان، الذي كان عضوا بارزا في القيادة الفلسطينية لنحو ثلاثة عقود، ودافع سنوات طويلة عن حل الدولتين، الحال التي وصل إليها هذا الحل، بعدما دمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كل فرص تحقيقه، وعجز المجتمع الدولي، وفي مقدمه الولايات المتحدة راعية الحل، عن التقدم ولو خطوة واحدة في اتجاه تطبيقه، أو على الأقل منع إسرائيل من الغائه وقتله على أرض الواقع.

فما هي فكرة حل الدولة الواحدة؟  وعلى ماذا يستند منطقها؟ وهل هي قابلة فعلاً للتطبيق على أرض الواقع؟

ما هو؟

فكرة الدولة الواحدة وفق الكاتب السياسي الفلسطيني، الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الوحدوي، عوض عبد الفتاح، تقوم على إقامة دولة ديمقراطية تستند إلى مشروع تحرري وطني وديمقراطي يحقق العدالة والسلام لجميع المواطنين على كامل أراضي فلسطين التاريخية (يهود وعرب) بما فيهم اللاجئين الذين هجروا قسراً من وطنهم إلى الخارج.

وقال عبد الفتاح في تصريح خاص لشبكة مصدر الإخبارية إن “فكرة الدولة الواحدة تؤكد على أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس صراع بين طرفين متساويين في الحق، بل هناك طرف مستعمر لأرض شعب يتعرض لإبادة جسدية ونفسية وثقافية وسياسية”.

واضاف عبد الفتاح أن “خيار الدولة الواحدة يتعزز مع الفشل الكبير الذي حققه داعمي اتفاق أوسلوا على مدار ثلاثين عاماً من توقيعه، وفشلهم في الحفاظ على أرض فلسطين، وتنازلهم عن 78% منها، ولا زال المحتلون اليهود يسلبون المزيد من الأراضي”.

وأشار إلى أن “اتفاق أوسلو شوه الصراع لأنه أظهره أنه بين طرفين متساويين ودولة وأخرى وتمسك بمفاوضات أضاعت الجزء الأكبر من أرض فلسطين دون تقديم شيء واحد لصالح الفلسطينيين”.

واعتبر عبد الفتاح “اتفاق أوسلو عبارة عن استسلام لأنه تناسى معظم الفلسطينيين وتنصل من حق شعبنا في المقاومة وسماها إرهاب وخلق سلطة وكيلة للاحتلال الإسرائيلي ما زالت تشكل العائق الأكبر أمام الشعب الفلسطيني لأنها تحصر القرار بيد فئة معينة من القيادة بعيداً عن اشراك الجميع من أصحاب الطاقات والأفكار بسبل الحل وبناء المستقبل”.

وبين عبد الفتاح أن فكرة الدولة الواحدة تقوم على وجود مواطنين يهود وعرب متساوين في كامل الحقوق، وعودة من هجروا من أراضيهم للعيش بسلام.

وتابع “من حق جميع أطياف الشعب الفلسطيني اشراكهم في تقرير المصير في كل فلسطين وليس فقط في خمسها في غزة والضفة وأجزاء من القدس”.

واستطرد أن” حقيقة ما يخوضه شعبنا صراع ضد قوة استعمارية يهودية كولونيالية عنصرية جاء من مستعمرين أوروبيين يعتنقون اليهودية حولوا أنفسهم إلى دولة إسرائيل حالياً”.

وأوضح أنه” من حق الأمة العربية التي يعتبر شعبنا الفلسطيني جزءاً منها المطالبة بتحرير وطنها كباقي شعوب العالم كما حدث في الجزائر عندما طرد الاستعمار الفرنسي أو جنوب أفريقيا عندما جرى التوصل إلى تسوية بموجبها تولى السود الحكم والبيض السيطرة على الاقتصاد، وعاشوا جنباً إلى جنب، وبالنهاية انتصروا”.

تأييد فلسطيني

وأكد عبد الفتاح أن” استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى 40% من الشعب الفلسطيني يؤيدون دولة واحدة و70% لا يؤمنون بحل الدولتين”.

وشدد على أن “تمسك فريق أوسلو بخيار حل الدولتين والمفاوضات فتح شهية الإسرائيليين نحو الاستيطان فيما تبقى من أرض فلسطين وسرقتها”.

ونبه إلى أن “مبدأ حل الدولة الواحدة يتطلب الاتفاق على استراتيجية نضالية وطنية وحدودية شاملة على اعتبار أن أرض فلسطين بكاملها جغرافيا واحدة وليس دولة في غزة والضفة، بالاستناد أولاً إلى استعادة الوعي الفلسطيني حول قضية شعبنا والاتفاق على أسلوب نضالي طويل الأمد في الداخل والخارج يستغل عبره كل الطاقات السياسية والاجتماعية والثقافية بحيث يشعر الجميع بحصته في النضال”.

ونوه إلى أن “هبة مايو (أيار) 2021 (سيف القدس) أثبتت أن الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل والشتات شعب واحد رغم حصولهم على جنسيات إسرائيلية وأخرى عربية وأجنبية، ما يفتح الباب منطقياً أمام خيار الدولة والواحدة”.

ولفت إلى أن “الدولة الواحدة بدون الوحدة الوطنية بين كافة أبناء الشعب الفلسطيني والاتفاق على استراتيجية وطنية للمقاومة والنضال مقبولة لدى القوانين الإنسانية وتنادي بالعدالة والمساواة لن يكتب لها النجاح”.

لماذا؟

من جهته، قال الكاتب السياسي حيدر عيد، إن خيار الدولة الواحدة يتعزز مع جعل إسرائيل مبدأ حل الدولتين مستحيلاً مع سيطرتها على الجزء الأكبر من أرض فلسطين واستمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية ووجود جدار الفصل العنصري، وتحويل أراضي السلطة الفلسطينية إلى بانتوستانات أو المعازل العرقية التي كانت في جنوب افريقيا.

وأضاف عيد لمصدر الإخبارية أن “إسرائيل تسيطر على أكثر من 55 من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة لا يمثل سوى 1.8% من أرض فلسطين ويفرض عليه حصار كأنه سجن، فأين الدولة؟”.

وأشار إلى أن “مبدأ حل الدولتين أهمل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني رغم أن القوانين الدولية كفلته، خاصة في قرار 194 الذي ينص على حق عودة اللاجئين وتعويضهم والمساواة الكاملة للجميع”.

وأكد أن مبدأ الدولة الواحدة يكفل الحقوق الوطنية للفلسطينيين بعيداً عن صراع من شأنه إسالة دماء الآلاف من اليهود والعرب.

وشدد عيد على أن “مبدأ الدولة الواحدة لا يستند إلى انتظار موافقة إسرائيل من عدمه بل من خلال إجبارها بالقبول بقرارات الشرعية عبر زيادة الضغط العالمي، والشروع في خطوات نضالية يقودها كافة أبناء الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي، وليس كما حدث مع فلسطيني 48 الذين فصلهم حل الدولتين عن قضيتهم وجعلهم شأناً إسرائيلياً داخلياً”.

وكان قائد تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح محمد دحلان قال إن على الفلسطينيين إدراك أن حل الدولتين “لم يعد قابلا للتنفيذ على أرض الواقع”.

وأرجع دحلان وجهة نظره إلى “التعنت الإسرائيلي”، و”الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل على مدى الثلاثين عاما الماضية، خاصة مع التوسع في إقامة المستوطنات على أراضي الضفة الغربية، حيث لم تعد هناك أراض متصلة يمكن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة عليها”.

وقال دحلان: “إسرائيل نفسها أصبحت تعاني خطرا يهددها من الداخل، فهي تتعرض لتغيير عميق في التركيبة الداخلية، وحكومتها اليمينية الحالية تعلن الحرب على القيم القانونية التي قامت عليها الدولة وتهدم نظامها السياسي الديمقراطي، حيث تتدخل الحكومة حاليا في شؤون الجيش والقضاء وفي كافة مؤسسات الدولة، وهو ما يسبب حراكا رافضا مستمرا داخل المجتمع الإسرائيلي الذي أصبح منقسما بعنف تجاه هذه القضايا الداخلية”.

وأضاف أن “السلطة الفلسطينية عليها أن تعلن وحدة الضفة وغزة ووحدة القيادة الفلسطينية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل عاجل، لأن من دونها لا يمكن حدوث أي تطور في العملية السياسية”.

وطالب دحلان بأن “يكف المسؤولون الفلسطينيون عن السعي وراء أوهام حل الدولتين، بعدما دمرته إسرائيل عمليا”.

وقال دحلان: “علينا ألا نضيّع الوقت، وأن نطالب بحل الدولة الواحدة لشعبين متساويين في الحقوق، وأن ندع إسرائيل تواجه مسؤولياتها باعتبارها حكومة فصل عنصري بين المواطنين الذين يعيشون على أرض فلسطين”.

Exit mobile version