فلسطين في دورة الجمعية العامة بين خطابي التزوير والاستجداء

أقلام – مصدر الإخبارية

فلسطين في دورة الجمعية العامة بين خطابي التزوير والاستجداء، بقلم عبد الحميد صيام المحاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي، وفي يلي المقال:

ما من شك في أن زخم القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة تراجع كثيرا. فقد مضى الزمن الذي كانت الوفود العربية والإسلامية والصديقة تنسحب من قاعة الجمعية العامة عندما يبدأ ممثل الكيان الصهيوني بإلقاء بيانه. هذه المرة كانت القاعة أصلا فارغة من الوفود، عندما بدأ ممثل الكيان يدلي بشهادات الزور والكذب والبهتان، ليس احتجاجا، بل لعدم تناسب الوقت في اليوم الرابع للمناقشة العامة، وبعد أن سمع المشاركون أكثر من 120 خطابا. وقد أحسن الوفد الفلسطيني الانسحاب عندما بدأ ينثر أكاذيبه من الجملة الأولى، بينما كان آلاف اليهود الأمريكيين وأنصارهم يطلقون مظاهرة ضخمة في شارع 47 والجادة الأولى، حيث لامست أصواتهم كل مَنْ في المبنى إلا أسماع نتنياهو. أحضرت البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة نحو 60 أو 70 مدعوا رصفوا بهم القسم المخصص للضيوف المدعوين، للتصفيق المتواصل كلما أتى على جملة من روايته الخيالية. سأقصر حديثي في هذا المقال على كلمة محمود عباس يوم الخميس، وكلمة ممثل الكيان الصهيوني يوم الجمعة. ومع أن خطاب عباس سبق خطاب نتنياهو بيوم واحد إلا أنني أفضل أن أبدأ تعليقي على بعض ما جاء في خطاب العنجهية والكذب.

خطاب التزوير

رئيس وزراء مكروه عند جماعته، يهرب من المتظاهرين الذين طوقوا المطار، ويلتقي لقاء بروتوكوليا باردا مع الرئيس الأمريكي بايدن الذي لم يدعه للبيت الأبيض، يتهرب منه الأوروبيون فيلجأ لزيلينسكي. لكن الأعراب (الذين لم يؤمنوا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم) هم الذين يعملون على إنقاذه وتجميله وتعظيم دوره. ألا بئس ما يفعلون.. يزور التاريخ أمام عيونهم ويبشر بالتصالح بين اليهودية ومقرها القدس كما قال والإسلام ومركزه مكة. عليهم أن يطأطئوا رؤوسهم وهم يسمعون هذا التزوير الأرعن. ودعني أمر على بعض التزويرات الكبرى وليّ الحقائق والتقول على التاريخ بما يلائم الرواية المتخيلة بهدف طمس السردية الحقيقية الفلسطينية والعربية والإسلامية.

الحل لن يأتي من المجتمع الدولي، بل من صنع المقاومة الشاملة ووحدة وطنية حقيقية على أرض النضال

– رفع ممثل الكيان خريطة قال إنها «إسرائيل عام 1948»، وهو يعرف أن هذا كذب وافتراء. وإذا أردنا مراجعة التاريخ فقد تم الاعتراف بالدولة بعد تصويت 56 دولة فقط (33 مع و13 ضد و10 امتناع) بتاريخ 29 نوفمبر 1947 في القرار 181، حيث لا تتجاوز مساحتها 56 في المئة من أرض فلسطين التاريخية يقطنها 30 في المئة من السكان وغالبيتهم الساحقة مهاجرون من أوروبا. وفي تلك اللحظة كان المطروح على الطاولة فقط تطبيق قرار التقسيم المذكور وقرار حق العودة المعتمد بتاريخ 12 ديسمبر 1948، فكيف أصبحت كل فلسطين منذ عام 1948 «إسرائيل» أي تزوير أوقح من هذا؟

– الفلسطينيون، كما ادعى، لا يمثلون إلا 2 في المئة من مجموع سكان العالم العربي. ولا نعرف على أي أساس عمل نتنياهو حساباته ليخرج بمثل هذه النسبة الغريبة. فهل حسب سكان العالم العربي 300 مليون ليكون الفلسطينيون 6 ملايين أم 350 مليونا ليكونوا 7 ملايين، أم 400 ليكون الفلسطينيون 8 ملايين. لكن الواضح تماما أنه أسقط من حساباته الخرقاء كل فلسطينيي الخارج بمن فيهم سكان دول اللجوء ودول الشتات، ويقدرون بنصف عدد السكان الفلسطينيين ليصل العدد بين 14 إلى 15 مليونا. إذن نصب نفسه مسؤولا عن تعداد الفلسطينيين وقرر من هو الفلسطيني. فهل من تزوير للحقائق أكثر من هذا؟

– الكذبة العظمى في هذا الخطاب عندما قال «إن أرض إسرائيل تقع على مفترق طرق بين آسيا وافريقيا وأوروبا. ولعدة قرون تعرضت بلادي للعديد من الغزوات من قبل العديد من الإمبراطوريات، وهي تمر منها لغزواتها في أماكن أخرى»، أي أن التاريخ تتم إعادة كتابته ليقول إن الغزو اليوناني والروماني والفارسي والفتح الإسلامي والدولة الأموية والعباسية والحروب الصليبية والمغول والأيوبيين والمماليك والعثمانيين جميعهم كانوا غزاة لدولة إسرائيل، ونحن لا نعرف ذلك حتى أتى نتنياهو يصحح لنا معلوماتنا، ويبدو من كلامه أن خالد بن الوليد وصلاح الدين والظاهر بيبرس وسليمان القانوني كانوا يدافعون عن دولة إسرائيل. وهل يحتاج هذا الافتراء الأحمق أي تعليق؟

خطاب الاستجداء

ولي عدة ملاحظات على خطاب محمود عباس الذي ألقاه تقريبا في قاعة نصف فارغة، لكن بالتأكيد عدد الحضور من الدبلوماسيين يعادل أضعاف من حضروا خطاب نتنياهو. وأود أن أشير إلى أن عباس أحسن فعلا بعدم خروجه على النص تقريبا، إلا إذا أراد تكرار جملة أو كلمة. بشكل عام بقي على المسار، من دون الوقوع في مطبات الارتجال الذي لا يتقنه، وقد يكلف كثيرا من سمعة الشعب الفلسطيني وإدخاله في دهاليز لا علاقة له بها، ثم يُستغل ما يقوله لتوجيه تهم للشعب الفلسطيني كله كما فعل نتنياهو في كلمته.

– عاد محمود عباس يكرر في خطابه هذا حكاية الحماية. «إحمونا- بدنا حماية». وهل يظن أن هؤلاء الدبلوماسيين سيتحركون فورا للاستجابة إلى مناشدة الرئيس الفلسطيني. إن هذا الاستجداء الذي تكرر كثيرا في السنتين الأخيرتين، خاصة في خطاب النكبة يوم 15 مايو الماضي يسيء للشعب الفلسطيني أكثر مما يقوي التعاطف معه. فالاستجداء لا يكون إلا من موقع ضعف وانهيار وهذه صفات لا تليق بالشعب الفلسطيني الصامد المقاوم.

– المقاومة السلمية الشعبية التي كررها الرئيس، والتي ستطيح بالاحتلال لا نفهم ما هو المقصود منها. لو طلب عباس من كل أهالي رام الله أن يخرجوا يوم النكبة مثلا بمئات الألوف سلميا، ويقف هو ومن معه على رأس المظاهرة ويتوجه الجميع سلميا رافعين أعلام فلسطين فقط إلى مستوطنة بسغوت، لاقتنعت أن الرئيس يعني ما يقول. ولو طلب من كل رجالات الأمن يوما واحدا أن يتظاهروا من دون سلاح احتجاجا على هجمات المستوطنين وساروا بطريقة منظمة وبعشرات الألوف نحو حاجز قلندية لاقتنعت أن الرئيس يؤمن بالمقاومة السلمية الشعبية. ولكن لماذا يخشى الرئيس من أن يقول أن الشعب الفلسطيني من حقه أن يقاوم بالوسائل المتاحة التي نص عليها القرار 3236 لعام 1974 كما جاء في البند رقم 5 وصوت مع القرار 89 دولة وضده 8 دول وامتنعت 27 دولة عن التصويت.

– إن حكاية تعطيل الانتخابات لأن إسرائيل منعت إشراك أهل القدس فيها أمر غير دقيق وغير شرعي وغير مقنع. فسلطة الاحتلال في القدس غير شرعية، ولا تمنح الشرعية لأحد. ومجرد الطلب منها أن تسمح بإجراء الانتخابات اعتراف منك بأنها تملك الشرعية. إنها حجة واهية لتبرير شرعية السلطة التي تآكلت منذ زمن، وإلغاء الانتخابات في مايو 2021 لم يكن بسبب القدس، بل بسبب انقسامات فتح والتأكد من أن قائمة الرئيس فاشلة لا محالة.

– وأخيرا يكرر الرئيس أن الأمم المتحدة اعتمدت ألف قرار بخصوص القضية الفلسطينية لم ينفذ منها ولا قرار، ثم قال: «نفذونا قرار واحد – بس قرار واحد». وأود أن أصحح معلومات الرئيس بأن الأمم المتحدة نفذت العديد من القرارات بشأن فلسطين وآخرها يوم 30 ديسمبر الماضي يطالب بإحالة الاحتلال إلى محكمة العدل الدولية لإصدار فتوى في قانونية الاحتلال، ومدى تعطيله حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وكانت الجمعية العامة قد نفذت قرار إحالة مسألة الجدار العنصري إلى محكمة العدل الدولية، وتم صدور رأي قانوني مهم. والجمعية العامة اتخذت قرارا عام 1976 بتشكيل لجنة لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وأنشأت بقرار ثان في الأمانة العامة قسما لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني، وقرارا بإنشاء وحدة إعلام عن فلسطين في إدارة شؤون الإعلام، وقد نفذ قرار مجلس الأمن رقم 799 عام 1992 لإعادة مبعدي مرج الزهور إلى وطنهم. وأنشأت عدة قرارات لجان تحقيق سواء في حرب 2008، أو حرب 2014، أو حرب 2021. وقرار الاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب عام 2012، وقرار رفع العلم الفلسطيني أسوة بالدول عام 2016 وغير ذلك من قرارات عديدة، الذي لم تنفذه الأمم المتحدة قرار إنهاء الاحتلال وحل الصراع حلا نهائيا، وهذا ليس في يد الأمين العام، بل في يد الدول الخمس دائمة العضوية والولايات المتحدة حصريا هي التي تعطل الحل والتي اختارها الأوسلويون وسيطا وحيدا ومرجعية حصرية للحل. ولو التهبت الأراضي المحتلة جميعها بالمقاومة بكل أشكالها لهرعوا للشعب الفلسطيني للبحث عن حل حقيقي، كما هرع وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز للقاء قيادات الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى. أما رفع شعار المقاومة الشعبية السلمية، والدعوة لمؤتمر دولي فلن يقدم أو يؤخر شيئا. الأرض تضيع وإمكانية حل الدولتين صفر مكعب، فكفى تمسكاً بحل يأتي من المجتمع الدولي. عد إلى شعبك «مستسلما لصواب قلبك» وتخل عن أوهام حل لن يأتي من المجتمع الدولي، بل من صنع المقاومة الشاملة ووحدة وطنية حقيقية على أرض النضال.

أقرأ أيضًا: كتب عبد الحميد صيام: المواطنة المتساوية وتحصين الجبهة الداخلية

تور وينيسلاند واللغة المشحونة والمنحازة للقاتل ضد الضحية

أقلام – مصدر الإخبارية

تور وينيسلاند واللغة المشحونة والمنحازة للقاتل ضد الضحية، بقلم محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي عبد الحميد صيام، وفيما يلي نص المقال كاملًا:

هذه رسالة تحليلية لتقارير منسق عملية السلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند، المنحازة إلى الجلاد ضد الضحية، وإلى جانب السلطة القائمة بالاحتلال ضد من يعانون من جرائم هذا الاحتلال. ومن الضروري تركيز الخارجية الفلسطينية على خطورة هذا المبعوث، والاحتجاج بشكل متواصل ضد انحيازه الأرعن إلى أن يتم طرده، كما حدث مع زميله النرويجي الخطير تيري رود لارسن.

سأرتكز في هذا التحليل على ما جاء في بيانه الذي ألقاه عن بعد أمام أعضاء مجلس الأمن يوم الاثنين 21 أغسطس 2023. ثم ألفتُ الانتباه عما غاب عن التحليل عمدا، وهي جريمة أخرى تضاف إلى انحيازه المكشوف. ولكثرة ما أثرت مسألة اللغة في تقاريره وانحيازه إلى جانب القتلة، بدأ ستيفان دوجريك المتحدث الرسمي للأمين العام ونائبه فرحان حق، يضيقان ذرعا بأسئلتي ويقولان: اتصل بمكتبه في القدس ليعطيك الجواب. وليسمح لي القراء أن أدخل في بعض التفاصيل المهمة.

يحمل وينيسلاند مسؤولية التصعيد، ليس على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم لا حصر لها، بل على «انسداد الأفق السياسي الذي يعالج القضايا الجوهرية»

يقول في الجملة الأولى من إحاطته: «السادة أعضاء مجلس الأمن، أطلعكم اليوم على الاتجاهات المقلقة التي رأيناها في الأشهر الأخيرة والمستمرة في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. فقد قُتل وجُرح فلسطينيون وإسرائيليون في أعمال عنف شبه يومية – بما في ذلك قبل ساعات فقط من هذه الإحاطة عندما قتل هجوم إطلاق نار إسرائيلية في الضفة الغربية».

نلاحظ الانحياز من الجملة الأولى حيث المساواة بين الضحية والقاتل، عندما لم يحدد أسباب وجود الاتجاهات المقلقة. ثم يضيف أن هناك قتلى وجرحى من الطرفين (وكأنهما متساويان في العدد والعدة) ثم ينكشف بطريقة فجة وسافرة عندما يعلن عن مقتل إسرائيلية هذا الصباح في الضفة الغربية، من دون أن يحدد أنها مستوطنة من كريات أربع أكثر المستوطنات توحشا وعدوانية، والمقامة على أرض الخليل. ثم ينهي الجملة بـ»الضفة الغربية» من دون أن يضيف كلمة المحتلة لأن هذه الكلمة تعطي المبرر القانوني والأخلاقي للعملية لتندرج تحت بند المقاومة المشروعة. وانظروا الفرق بين ما قاله وما كان يجب أن يقول، لو أن الجملة صيغت بطريقة صحيحة سياسيا: «قتلت مستوطنة إسرائيلية من مستوطنة كريات أربع المقامة على أرض الخليل في الضفة الغربية المحتلة». ونلاحظ أيضا أن أول ذكر للقتل والقتلى كان من الجانب الإسرائيلي. ويضيف وينيسلاند: «وبينما اتخذ الطرفان بعض الإجراءات نحو استقرار الوضع على الأرض، تستمر الخطوات الأحادية الجانب، بما في ذلك نمو المستوطنات وهدم المنازل، وكذلك العمليات الإسرائيلية في المنطقة (أ)، والنشاط العسكري الفلسطيني وعنف المستوطنين».

المساواة بين الطرفين متواصلة، حيث اتخذا إجراءات متساوية نحو الاستقرار، لكن الذي عكر الاستقرار الخطوات الأحادية التي قام بها الطرفان، فكلاهما مذنبان، بدءا بممارسة إسرائيلية أطلق عليها: «نمو المستوطنات»- نلاحظ هنا أنه استخدم كلمة نمو (Growth) التي تعني التمدد الطبيعي البطيء مثل نمو الطفل، وابتعد عن المصطلح الصحيح وهو القرار المتعمد بتوسيع المستوطنات (Expansion ) وهو المصطلح الدقيق، وشتان بين المصطلحين. وعندما ذكر النشاط العسكري الإسرائيلي في الأرض المحتلة سماها فقط «عمليات في المنطقة (أ)». وهو ما يوحي ضمنا بعدم وجود عمليات في منطقتي (ب) و(ج)، أو أنها عمليات مشروعة ولا تضر بالاستقرار. ولنلاحظ كذلك أنه استعمل كلمة عمليات من دون أي صفة، فلا نعرف أهي عمليات عسكرية، مداهمة، اعتقالات، قتل. أما عندما انتقل إلى الجانب الفلسطيني فكان واضحا تماما حيث قال: «نشاط عسكري فلسطيني». فالواقعون تحت الاحتلال يمارسون نشاطا عسكريا. أما ما يقوم به المستوطنون فهو عنف فقط. لنضع الكلمات الثلاث بجانب بعضها بعضا: عمليات (للجيش الإسرائيلي)، نشاط عسكري (للفلسطينيين)، عنف (للمستوطنين). ودعنا نسأل أي إنسان: أي من المصطلحات أخطر واقوى؟ لا شك في أن المصطلح الأعنف ألقاه على رؤوس الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الذين لا يملكون جيشا ولا معسكرات تدريب ولا طائرات ولا مدفعية ولا صواريخ ولا قاذفات ولا أباشي ولا قبة حديدية. لكنهم يمارسون نشاطا عسكريا. فكيف يمكن أن تركب هذه المعادلة؟

نتابع هذا التقرير الخطير والمنحاز إلى الظلم

«لقد أدى عدم إحراز تقدم نحو أفق سياسي يعالج القضايا الجوهرية التي توجه الصراع إلى ترك فراغ خطير ومتقلب ملأه المتطرفون من جميع الأطراف». هنا يخلط وينيسلاند المتطرفين الصهاينة الذين يريدون أن يمحوا الوجود الفلسطيني ويقتلعوا أي أثر للفلسطينيين على أرض آبائهم وأجدادهم، ويدعون علنا إلى قتل المئات بل الآلاف منهم، مع المتطرفين الفلسطينيين الذين يريدون أن يسببوا ألما للإسرائيليين، كي يقنعوهم بأنهم غير قادرين على هزيمتهم مهما فعلوا ومهما تجبروا. فسموتريتش وبن غفير يوضعان في السلة نفسها مع كتيبة جنين وعرين الأسود الذين انتظروا طويلا العدالة والحقوق، فلم يأت منها شيء فاضطروا للمقاومة المشروعة على طريقة «مكره أخاك لا بطل» وأن يمتشقوا ما أتيح لهم من أسلحة بدائية ليسددوا ما أمكنهم التسديد، حتى لا يكون نهر الدم الدافق من الجسم الفلسطيني فقط، وحتى لا يكون الرد عليه بيانات وزارة الخارجية الفلسطينية التي تكرر بطريقة مملة «نحمل إسرائيل المسؤولية المباشرة والكاملة» عن كل مذبحة ترتكبها. يحمل وينيسلاند مسؤولية التصعيد، ليس على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم لا حصر لها، بل على «انسداد الأفق السياسي الذي يعالج القضايا الجوهرية»، أي المسؤول عن التصعيد هم الفلسطينيون لأنّ الأفق السياسي مسدود أمامهم وإسرائيل إذن مضطرة أن ترد. ولو فتح الأفق السياسي الذي يعالج القضايا الجوهرية (والتي لا نعرف ما هي، ولم يدلنا وينيسلاند عليها) لتوقف التصعيد فورا وعاش الناس معا في حب ووئام وراحة وسلام.

بالأرقام
بعد تلك المقدمات، تحدث وينيسلاند بالأرقام عن أعداد القتلى والجرحى من الجانبين، فذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 16 فلسطينياً، من بينهم خمسة أطفال، وإصابت أكثر من 190 فلسطينياً، بينهم ست نساء و137 طفلاً، خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، ثم يفسر أسباب سقوط القتلى فيشير إلى «المظاهرات والمواجهات وعمليات التفتيش والاعتقالات والهجمات»، كما يشير إلى القتلى الإسرائيليين الأربعة، ثم انتقل للحديث عن الاستيطان فعمليات الهدم بما فيها مدرسة عين سامية. ثم أوضاع السلطة المالية وأوضاع غزة الإنسانية. غاب وينسيلاد عن الساحة أكثر من شهر، وأصدر آخر بيان (وليس إحاطة) في 3 يوليو حول اجتياح مخيم جنين، ولكنه انتفض من سباته ليصدر بيانا قويا يدين الإرهاب الفلسطيني غير المبرر في قتل الحارس في تل أبيب يوم 5 أغسطس، ويلحقه ببيان كذلك يوم 8 أغسطس عند قتل مستوطنين في حوارة قائلا، قتل مدنيان، أب وابنه، واصفا هذه العملية بالإرهاب أيضأ. أما عندما استهدف المستوطنون يوم 4 أغسطس بلدة برقة وقتلوا بدم بارد الشاب الشهيد قصي جمال معطان فذلك عنف يستحق الشجب. وذكر أن إسرائيل اعتقلت اثنين من المهاجمين، ما يشير إلى أنها دولة قانون، علما أنهما أطلقا من السجن بعد أيام.

وأود في النهاية أن أشير إلى أن وينيسلاند في تقاريره يغيّب عددا كبيرا من المسائل المهمة وأهمها: لا يأتي على ذكر الأسرى وإضراباتهم عن الطعام، ولا يذكر الاعتقال الإداري ولا عدد المعتقلين، ولا يشير إلى اعتقالات الأطفال ومحاكمتهم في محاكم عسكرية، ولا يشير إلى احتجاز الجثامين ولا لجدار الفصل العنصري، ولا يذكر كلمة واحدة عن تهويد القدس وتغيير المناهج، ولا إلى معاناة الفلسطينيين على الحواجز التي تصل إلى المئات. لم يذكر ولا في أي تقرير شيئا عن المداهمات الليلية وعدد المعتقلين شهريا، ولا يذكر الغرامات الباهظة التي تفرضها قوات الاحتلال على الفلسطينيين. ولم يتطرق أبدا لجريمة إجبار أصحاب البيوت المقرر هدمها أن يهدموها بأنفسهم، أو سيدفعون أثمانا باهظة إذا قامت جرافات الاحتلال بهدمها. ولم نجد ذكرا في كلام وينيسلاند عن إحراق أو تكسير المستوطنين لآلاف الأشجار المثمرة التي تعتبر ثروة الفلاحين خاصة الزيتون. في النهاية هذا الموظف أعطى غطاء مهما لما ترتكبه إسرائيل من جرائم، لقد أصبح بقاؤه في فلسطين عبئا ومصدر ضرر وتبريرا لكل ما ترتكبه إسرائيل. أما آن الأوان أن تبلغ السلطة الأمين العام غوتيريش هذه الجملة البسيطة: تور وينيسلاند شخص غير مرغوب فيه. (Persona non Grata).

أقرأ أيضًا: كتب عبد الحميد صيام: المواطنة المتساوية وتحصين الجبهة الداخلية

العدل الدولية ومحاكمة الاحتلال الإسرائيلي

أقلام – مصدر الإخبارية

العدل الدولية ومحاكمة الاحتلال الإسرائيلي، بقلم المحاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة رتغرز بنيوحرسي عبد الحميد صيام، وفيما يلي نص المقال كاملًا:

محاكمة الاحتلال الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية مقبلة. اكتملت الملفات وقدمت المرافعات خطيا مرفقة بالوثائق، وسنرى في ربيع العام المقبل مرافعات شفوية أمام قضاة المحكمة من ثلة منتقاة من المحامين الدوليين لإثبات أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني ويجب أن ينتهي ويرحل، وعلى الدول جميعها أن تتعامل مع الكيان على أنه كيان باغ وظالم وقاهر وعنصري ومنتهك لكل القوانين الدولية.

هذا لا يعني أن الكيان سيتفكك ويهزم ويرحل مع صدور الرأي القانوني، لكنها معركة قانونية يمكن الانتصار فيها بالضربة القاضية، فمعاركنا مع هذا الكيان الشرس متعددة الجوانب متشعبة المسالك متنوعة الساحات وعلينا أن ننازله في كل الميادين وكل المجالات، والقانون الدولي أحد هذه الميادين المهمة التي تعريه وتعزله وتسهل مهاجمته وسد المنافذ عليه وتصعيد سبل مقاطعته ووقف الاستثمار فيه وسحب ما هو موجود وتوسيع رقعة العقوبات عليه.

هذه معركة حامية يجب أن نكون مستعدين لها جميعا وعلينا ألا نقلل من أهميتها. إنها الخطوة، ربما ما قبل الأخيرة، لتصنيف هذا الكيان رسميا نظام فصل عنصري من قبل المجتمع الدولي ما يمهد للإطاحة به كما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وأود في هذا المقال أن أحدّث المعلومات لدى القراء حول تطورات إحالة ملف الاحتلال إلى محكمة العدل الدولية، بعد أن واكبت الموضوع منذ بدايته وكتبت مقالين عن أهميته. وللتذكير فقد اعتمدت الجمعية العامة بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 2022، آخر يوم عمل في السنة، قرارا تاريخيا لتحويل ملف الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية لتقديم رأي قانوني حول مسألتين: شرعية الاحتلال الإسرائيلي ومدى تعطيله لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وإذا ما توصلت المحكمة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي إذن يجب أن ينتهي. والسؤال الثاني هو إذا كان الاحتلال غير شرعي، فما هي تبعات هذا الاحتلال على الدول الأعضاء ومنظمات الأمم المتحدة، أي كيف ستتعامل الدول والمنظمات الدولية مع احتلال غير قانوني يدمر فرصة إعطاء الشعب الواقع تحت الاحتلال حقه في تقرير المصير.

لقد نجح القرار بعد ضغوطات خرافية من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وثلة من الدول تدور في فلكيهما، بغالبية 87 صوتا إيجابيا و26 صوتا سلبيا وتصويت 53 دولة بـ «امتناع» وغياب 37 دولة.
قام رئيس الجمعية العامة بتحويل القرار والولاية التي ينص عليها لمحكمة العدل الدولية وبالتالي انتقلت المسؤولية من الجمعية العامة للمحكمة للبت في القرار وتنفيذه حسب الأصول والقواعد المتبعة. وقسمت المحكمة العملية إلى أربعة أقسام يليها الرأي القانوني: تقديم المرافعات الخطية، مراجعة المرافعات، المرافعات الشفوية بحضور المحامين ثم قيام القضاة بدراسة الملفات والوثائق وإصدار الفتوى أو الرأي القانوني.

المرحلة الأولى – تقديم المرافعات الخطية
بدأت هذه المرحلة منذ وصل الملف إلى المحكمة وانتهت في 20 يوليو/تموز. وقد قدمت نحو 58 مرافعة مكتوبة من بينها ثلاث من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. وقد ألحقت بالمرافعات وثائق داعمة للموقف الذي يتم عرضه في مرافعة تلك الدولة، الدول الخمسة الدائمة العضوية قدمت مرافعاتها وقسم كبير من الدول العربية ودول أخرى من القارات جميعها.

هذه معركة حامية يجب أن نكون مستعدين لها جميعا، وعلينا ألا نقلل من أهميتها فهي خطوة لتصنيف الكيان رسميا نظام فصل عنصري.

والمرافعة يجب أن تكون محصورة في الموضوع أي شرعية الاحتلال، والآثار التي نتجت عن الاحتلال والأضرار والانتهاكات التي أدت إلى تعطيل قدرة الشعب الفلسطيني على ممارسة حقه في تقرير مصيره. قلة من الدول أخذت موقفا مؤيدا للكيان تحت حجة «عدم الاختصاص» أي أن المسألة يجب ألا تبحث في محكمة العدل الدولية. وتكاد الولايات المتحدة تنفرد بتقديم مرافعة مطولة دفاعا عن الكيان ربما أكثر من الكيان نفسه.

وتقوم المرافعة الفلسطينية التي قدمتها بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة بالتعاون مع مجموعة من خيرة المحامين الدوليين على ثلاثة أعمدة: الاحتلال غير قانوني. ففي القانون الدولي الاحتلال حالة مؤقتة تنتهي بانتهاء المواجهات العسكرية، وهذا الاحتلال تحول إلى احتلال دائم، وهذه النقطة مرتبطة بالعمود الثاني من المرافعة وهو ضم الأرض الواقعة تحت الاحتلال وهذا أمر لا تخفيه إسرائيل حيث أعلنت ضم القدس الشرقية رسميا عام 1980 وصوت عليها الكنيست ليصبح الضم جزءا من القانون الأساسي الذي لا يلغى إلا بتصويت ثلثي أعضاء الكنيست، وصدر على إثر ذلك قراران مهمان عن مجلس الأمن 476 و 478 (1980). والعمود الثالث هو فرض نظام الفصل العنصري على السكان الفلسطينيين، أي ممارسات وقوانين مختلفة لفئتين من الناس تعيشان بين البحر والنهر، مع التأكيد على الممارسات والقوانين التي يتعرض لها سكان الأراضي المحتلة.

وهناك فريقان يعملان للتحضير لهذه المرافعة: فريق قانوني مكون من ثمانية محامين دوليين ذوي خبرة نادرة وخاصة في المرافعات أمام محكمة العدل الدولية. وفي موازاتهم فريق سياسي فلسطيني يتكون من خيرة العقول والتجارب في المسائل الدولية. وقد أنجز الفريق مرافعة من ألف صفحة تم اختصارها وضبطها في نحو 400 صفحة مركزة ومدققة وموثقة.

المرحلة الثانية – مراجعة المرافعات من قبل الدول المشاركة
تنتهي هذه المرحلة في 25 أكتوبر/تشرين الأول المقبل والتي يسمح فيها لكل الجهات التي قدمت مرافعات أن تراجع المرافعات الأخرى جميعها وتكتب ملاحظاتها وتقدمها للمحكمة. فمن حق كل دولة أن تطلع وتقرأ وتراجع وتجادل اتفاقا أو اختلافا مع ما جاء في طرح هذه الدولة أو تلك. بعض تلك المداخلات خارج النص. لكن لا أحد يجادل ضد الحقوق الفلسطينية، ولا أحد يشكك في دور وحيادية وأهمية محكمة العدل الدولية. بعض المرافعات المؤيدة للكيان تشير إلى الاتفاقيات الثنائية بين الطرفين، ما يدل على أن هناك خواءً وخروجا عن النص، فالمسألة تتعلق باحتلال طال أمده بدأ يتحول إلى ضم أرض دائم وفرض نظام فصل عنصري على السكان. ومعظم المرافعات المكتوبة القريبة من إسرائيل تركز على النقاط الإجرائية، ويمكننا أن نقول إن الغالبية الساحقة من المرافعات تؤيد الموقف الفلسطيني. فالشهور الثلاثة المقبلة ستكون فرصة لتقديم مرافعات إضافية وردود وتوضيحات على كل ما ورد في مرافعات الآخرين.

المرحلة الثالثة – المرافعات الشفوية في المحكمة
ستطلب المحكمة من الأطراف المعنية أن يتقدموا للمحكمة لتقديم مرافعة شفوية تستمر لمدة ثلاث ساعات. وبعد مداخلة قصيرة ومقتضبة من المجموعة السياسية يأتي دور فريق الدفاع المكون من ثمانية محامين دوليين متخصصين في القانون الدولي. ونود أن نذكر منهم مايكل لينك، الذي عمل مقررا خاصا للأمم المتحدة في موضوع انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، والمحامي الفرنسي ألان بيليه الذي رافع أمام المحاكم الدولية وخاصة محكمة العدل الدولية أكثر من 60 مرة، وجون دوغارد المحامي المعروف من جنوب أفريقيا والذي كتب كثيرا عن نظام الفصل العنصري ودافع عن حقوق الإنسان للفلسطينيين وكان عضوا في لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة. ومنهم بول رايكر المحامي البريطاني الذي دافع عن نيكاراغوا والساندانيستا في نفس محكمة العدل الدولية، ومنهم أميرة نجم المحامية المصرية التي تشغل منصب المستشار القانوني للاتحاد الأفريقي. وقد يأتي دور المرافعات الشفوية في الربيع المقبل.

المرحلة الرابعة والأخيرة – الرأي القانوني
هذه المرحلة من اختصاص المحكمة وقضاتها الخمسة عشر، مرحلة دراسة المرافعات والمعلومات والوثائق من قبل القضاة، والتي قد تطول أو تقصر، لكنها تنتهي عندما يتوصل القضاة إلى رأي قانوني بالإجماع أو شبه الإجماع. ففي حالة جدار الفصل العنصري صدر الرأي الاستشاري بتاريخ 9 يوليو/تموز 2004 بغالبية 14 قاضيا وامتناع القاضي الخامس عشر الأمريكي. نأمل هذه المرة أن يأخذ الرأي القانوني إجماعا، إذ كيف يمكن الدفاع عن موقف قانوني واضح حول احتلال تحول إلى احتلال دائم واستيلاء على أرض بالقوة المسلحة؟ القانون الدولي هنا واضح لا يترك فرصة للتردد والحيرة.

بقي أن نشير إلى الدور الأساسي الذي لعبته بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة في الإعداد لقرار الجمعية العامة منذ أكثر من خمس سنوات والتحضير لتبعاته وإعداد الوثائق والأطروحات ودعوة الخبراء القانونيين المؤهلين لمحاكمة هذا الكيان الفاشي أمام العالم وإصدار موقف من أعلى محكمة قانونية في العالم. بالتأكيد ستكون محاكمة القرن، فلنستعد لما بعد إصدار الفتوى القانونية.

Exit mobile version