فلسطين في دورة الجمعية العامة

فلسطين في دورة الجمعية العامة بين خطابي التزوير والاستجداء

أقلام – مصدر الإخبارية

فلسطين في دورة الجمعية العامة بين خطابي التزوير والاستجداء، بقلم عبد الحميد صيام المحاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي، وفي يلي المقال:

ما من شك في أن زخم القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة تراجع كثيرا. فقد مضى الزمن الذي كانت الوفود العربية والإسلامية والصديقة تنسحب من قاعة الجمعية العامة عندما يبدأ ممثل الكيان الصهيوني بإلقاء بيانه. هذه المرة كانت القاعة أصلا فارغة من الوفود، عندما بدأ ممثل الكيان يدلي بشهادات الزور والكذب والبهتان، ليس احتجاجا، بل لعدم تناسب الوقت في اليوم الرابع للمناقشة العامة، وبعد أن سمع المشاركون أكثر من 120 خطابا. وقد أحسن الوفد الفلسطيني الانسحاب عندما بدأ ينثر أكاذيبه من الجملة الأولى، بينما كان آلاف اليهود الأمريكيين وأنصارهم يطلقون مظاهرة ضخمة في شارع 47 والجادة الأولى، حيث لامست أصواتهم كل مَنْ في المبنى إلا أسماع نتنياهو. أحضرت البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة نحو 60 أو 70 مدعوا رصفوا بهم القسم المخصص للضيوف المدعوين، للتصفيق المتواصل كلما أتى على جملة من روايته الخيالية. سأقصر حديثي في هذا المقال على كلمة محمود عباس يوم الخميس، وكلمة ممثل الكيان الصهيوني يوم الجمعة. ومع أن خطاب عباس سبق خطاب نتنياهو بيوم واحد إلا أنني أفضل أن أبدأ تعليقي على بعض ما جاء في خطاب العنجهية والكذب.

خطاب التزوير

رئيس وزراء مكروه عند جماعته، يهرب من المتظاهرين الذين طوقوا المطار، ويلتقي لقاء بروتوكوليا باردا مع الرئيس الأمريكي بايدن الذي لم يدعه للبيت الأبيض، يتهرب منه الأوروبيون فيلجأ لزيلينسكي. لكن الأعراب (الذين لم يؤمنوا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم) هم الذين يعملون على إنقاذه وتجميله وتعظيم دوره. ألا بئس ما يفعلون.. يزور التاريخ أمام عيونهم ويبشر بالتصالح بين اليهودية ومقرها القدس كما قال والإسلام ومركزه مكة. عليهم أن يطأطئوا رؤوسهم وهم يسمعون هذا التزوير الأرعن. ودعني أمر على بعض التزويرات الكبرى وليّ الحقائق والتقول على التاريخ بما يلائم الرواية المتخيلة بهدف طمس السردية الحقيقية الفلسطينية والعربية والإسلامية.

الحل لن يأتي من المجتمع الدولي، بل من صنع المقاومة الشاملة ووحدة وطنية حقيقية على أرض النضال

– رفع ممثل الكيان خريطة قال إنها «إسرائيل عام 1948»، وهو يعرف أن هذا كذب وافتراء. وإذا أردنا مراجعة التاريخ فقد تم الاعتراف بالدولة بعد تصويت 56 دولة فقط (33 مع و13 ضد و10 امتناع) بتاريخ 29 نوفمبر 1947 في القرار 181، حيث لا تتجاوز مساحتها 56 في المئة من أرض فلسطين التاريخية يقطنها 30 في المئة من السكان وغالبيتهم الساحقة مهاجرون من أوروبا. وفي تلك اللحظة كان المطروح على الطاولة فقط تطبيق قرار التقسيم المذكور وقرار حق العودة المعتمد بتاريخ 12 ديسمبر 1948، فكيف أصبحت كل فلسطين منذ عام 1948 «إسرائيل» أي تزوير أوقح من هذا؟

– الفلسطينيون، كما ادعى، لا يمثلون إلا 2 في المئة من مجموع سكان العالم العربي. ولا نعرف على أي أساس عمل نتنياهو حساباته ليخرج بمثل هذه النسبة الغريبة. فهل حسب سكان العالم العربي 300 مليون ليكون الفلسطينيون 6 ملايين أم 350 مليونا ليكونوا 7 ملايين، أم 400 ليكون الفلسطينيون 8 ملايين. لكن الواضح تماما أنه أسقط من حساباته الخرقاء كل فلسطينيي الخارج بمن فيهم سكان دول اللجوء ودول الشتات، ويقدرون بنصف عدد السكان الفلسطينيين ليصل العدد بين 14 إلى 15 مليونا. إذن نصب نفسه مسؤولا عن تعداد الفلسطينيين وقرر من هو الفلسطيني. فهل من تزوير للحقائق أكثر من هذا؟

– الكذبة العظمى في هذا الخطاب عندما قال «إن أرض إسرائيل تقع على مفترق طرق بين آسيا وافريقيا وأوروبا. ولعدة قرون تعرضت بلادي للعديد من الغزوات من قبل العديد من الإمبراطوريات، وهي تمر منها لغزواتها في أماكن أخرى»، أي أن التاريخ تتم إعادة كتابته ليقول إن الغزو اليوناني والروماني والفارسي والفتح الإسلامي والدولة الأموية والعباسية والحروب الصليبية والمغول والأيوبيين والمماليك والعثمانيين جميعهم كانوا غزاة لدولة إسرائيل، ونحن لا نعرف ذلك حتى أتى نتنياهو يصحح لنا معلوماتنا، ويبدو من كلامه أن خالد بن الوليد وصلاح الدين والظاهر بيبرس وسليمان القانوني كانوا يدافعون عن دولة إسرائيل. وهل يحتاج هذا الافتراء الأحمق أي تعليق؟

خطاب الاستجداء

ولي عدة ملاحظات على خطاب محمود عباس الذي ألقاه تقريبا في قاعة نصف فارغة، لكن بالتأكيد عدد الحضور من الدبلوماسيين يعادل أضعاف من حضروا خطاب نتنياهو. وأود أن أشير إلى أن عباس أحسن فعلا بعدم خروجه على النص تقريبا، إلا إذا أراد تكرار جملة أو كلمة. بشكل عام بقي على المسار، من دون الوقوع في مطبات الارتجال الذي لا يتقنه، وقد يكلف كثيرا من سمعة الشعب الفلسطيني وإدخاله في دهاليز لا علاقة له بها، ثم يُستغل ما يقوله لتوجيه تهم للشعب الفلسطيني كله كما فعل نتنياهو في كلمته.

– عاد محمود عباس يكرر في خطابه هذا حكاية الحماية. «إحمونا- بدنا حماية». وهل يظن أن هؤلاء الدبلوماسيين سيتحركون فورا للاستجابة إلى مناشدة الرئيس الفلسطيني. إن هذا الاستجداء الذي تكرر كثيرا في السنتين الأخيرتين، خاصة في خطاب النكبة يوم 15 مايو الماضي يسيء للشعب الفلسطيني أكثر مما يقوي التعاطف معه. فالاستجداء لا يكون إلا من موقع ضعف وانهيار وهذه صفات لا تليق بالشعب الفلسطيني الصامد المقاوم.

– المقاومة السلمية الشعبية التي كررها الرئيس، والتي ستطيح بالاحتلال لا نفهم ما هو المقصود منها. لو طلب عباس من كل أهالي رام الله أن يخرجوا يوم النكبة مثلا بمئات الألوف سلميا، ويقف هو ومن معه على رأس المظاهرة ويتوجه الجميع سلميا رافعين أعلام فلسطين فقط إلى مستوطنة بسغوت، لاقتنعت أن الرئيس يعني ما يقول. ولو طلب من كل رجالات الأمن يوما واحدا أن يتظاهروا من دون سلاح احتجاجا على هجمات المستوطنين وساروا بطريقة منظمة وبعشرات الألوف نحو حاجز قلندية لاقتنعت أن الرئيس يؤمن بالمقاومة السلمية الشعبية. ولكن لماذا يخشى الرئيس من أن يقول أن الشعب الفلسطيني من حقه أن يقاوم بالوسائل المتاحة التي نص عليها القرار 3236 لعام 1974 كما جاء في البند رقم 5 وصوت مع القرار 89 دولة وضده 8 دول وامتنعت 27 دولة عن التصويت.

– إن حكاية تعطيل الانتخابات لأن إسرائيل منعت إشراك أهل القدس فيها أمر غير دقيق وغير شرعي وغير مقنع. فسلطة الاحتلال في القدس غير شرعية، ولا تمنح الشرعية لأحد. ومجرد الطلب منها أن تسمح بإجراء الانتخابات اعتراف منك بأنها تملك الشرعية. إنها حجة واهية لتبرير شرعية السلطة التي تآكلت منذ زمن، وإلغاء الانتخابات في مايو 2021 لم يكن بسبب القدس، بل بسبب انقسامات فتح والتأكد من أن قائمة الرئيس فاشلة لا محالة.

– وأخيرا يكرر الرئيس أن الأمم المتحدة اعتمدت ألف قرار بخصوص القضية الفلسطينية لم ينفذ منها ولا قرار، ثم قال: «نفذونا قرار واحد – بس قرار واحد». وأود أن أصحح معلومات الرئيس بأن الأمم المتحدة نفذت العديد من القرارات بشأن فلسطين وآخرها يوم 30 ديسمبر الماضي يطالب بإحالة الاحتلال إلى محكمة العدل الدولية لإصدار فتوى في قانونية الاحتلال، ومدى تعطيله حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وكانت الجمعية العامة قد نفذت قرار إحالة مسألة الجدار العنصري إلى محكمة العدل الدولية، وتم صدور رأي قانوني مهم. والجمعية العامة اتخذت قرارا عام 1976 بتشكيل لجنة لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وأنشأت بقرار ثان في الأمانة العامة قسما لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني، وقرارا بإنشاء وحدة إعلام عن فلسطين في إدارة شؤون الإعلام، وقد نفذ قرار مجلس الأمن رقم 799 عام 1992 لإعادة مبعدي مرج الزهور إلى وطنهم. وأنشأت عدة قرارات لجان تحقيق سواء في حرب 2008، أو حرب 2014، أو حرب 2021. وقرار الاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب عام 2012، وقرار رفع العلم الفلسطيني أسوة بالدول عام 2016 وغير ذلك من قرارات عديدة، الذي لم تنفذه الأمم المتحدة قرار إنهاء الاحتلال وحل الصراع حلا نهائيا، وهذا ليس في يد الأمين العام، بل في يد الدول الخمس دائمة العضوية والولايات المتحدة حصريا هي التي تعطل الحل والتي اختارها الأوسلويون وسيطا وحيدا ومرجعية حصرية للحل. ولو التهبت الأراضي المحتلة جميعها بالمقاومة بكل أشكالها لهرعوا للشعب الفلسطيني للبحث عن حل حقيقي، كما هرع وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز للقاء قيادات الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى. أما رفع شعار المقاومة الشعبية السلمية، والدعوة لمؤتمر دولي فلن يقدم أو يؤخر شيئا. الأرض تضيع وإمكانية حل الدولتين صفر مكعب، فكفى تمسكاً بحل يأتي من المجتمع الدولي. عد إلى شعبك «مستسلما لصواب قلبك» وتخل عن أوهام حل لن يأتي من المجتمع الدولي، بل من صنع المقاومة الشاملة ووحدة وطنية حقيقية على أرض النضال.

أقرأ أيضًا: كتب عبد الحميد صيام: المواطنة المتساوية وتحصين الجبهة الداخلية

Exit mobile version