عن المؤتمر الوطني لشباب فلسطين

أقلام – مصدر الإخبارية

عن المؤتمر الوطني لشباب فلسطين، بقلم الكاتب أسامة الأشقر وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

كنا ثلاثة أو نزيد من ذوي الشيب مشاركين في مؤتمر الشباب هذا، وللحق فإنني لم أشعر لساعة أنني فوقهم عمرا وأزيد في تعداد السنين ضعف سنوات حياة أحدهم، ولا أحسب الأستاذ منير شفيق الذي حضر كل مناشط المؤتمر إلا هكذا، وذلك أن المرء إنما ينظر إلى محل الحيوية والنشاط الذي يتقدمه فيظل يتابعه ويجاري نهره لينهل منه ويستمد المدد فيطول عمر روحه بتعلّقه، وكان أستاذنا أبو فادي منير يقول لنا إن الحكمة أن تتبع الشباب لا الشيوخ، وأن التجربة إنما تنضج باستمرار التجربة وتراكمها وليس بالتوقف عنها وادعاء الامتلاء بها، وقال إن الحياة إنما تستمر بالتواضع لها والبقاء خلفها أثناء تقدمها.

كنت سعيدا وأنا أرى تلك الهمة في اللجنة التحضيرية، وكنت أدعو لكل واحد منهم باسمه المعلق على صدره وأشجعهم بكلمات بينما أرى ذبول أعينهم من الرهق وطول السهر ومتابعة التفاصيل والجري وراء إتمامها، وكنت أبتسم وأنا أرى أحدهم يرتمي على كرسي منزوٍ يبحث عن غفوة سكينة يستعيد بها طاقته.

كانوا يتعلمون من بعضهم، ويتشاورون في كل أمرهم، ويستوعبون غفلات بعضهم، ويسارعون إلى تغطية ما يظهر من انكشافات غير مقصودة أو فجوات نسوا ردمها في زحمة انشغالهم، ويتخافتون في معاتباتهم لبعضهم، وكأنهم في منظومة منسوجة تتعانق انعقادات خيوطها في انسجام.

لقد اشتغلنا دهرا طويلا فيما يتعانونه اليوم، أعرف مهمة كل واحد بإيقاعه الساكن أو المتحرك، وفي مربع حركته وزاويتها، ولم يكن صعبا أن تعرف رتبة كل عامل ومسؤوليته من ملاحظة دوره: فلان هذا في الاستقبال، وتلك في الإعلام، وذاك في النظام، وتيك في السكرتارية… ولا يفوتني النظر في أنماط عيون المتابعين للأعمال الذين يرقبون المشهد ويتابعونه من بعيد ويتدخلون في لحظة الاستدراك.

نحو مائة وخمسين شابا وشابة كانوا في هذا المؤتمر الذي يحاول اقتحام مسار لم ينفتح من قبل على الوجه الذي يقصدونه من أجل قضيتهم التي ينغمسون بالتزامها، كانوا يجتهدون: فيصيبون ويخطئون، ويتقدمون وينحازون، ويسارعون ويترددون، ويناورون ويجادلون.

وكنت أقول لبعض رفاقي: إنهم يتعلمون ويكبرون في لحظتهم فلا توقفوهم ولا تراجعوهم الآن !فسيعرفون قبل أن تعرّفوهم، وسيجلسون للتلاوم والاستدراك والإصلاح والتعديل قبل أن تتابعوا عليهم نقدكم.

فبورك للمؤتمر الوطني لشباب فلسطين في مجمعهم ومؤتمرهم، وكل أحد ناقد أو مخاصم فإنما ينتظر منكم الخطوة التالية البانية على تأسيسكم، فأروهم حسن تدبيركم وانفتاح بصيرتكم وصواب تقديركم فعلاً وقولاً، ومبادرةً واقتحاماً، وأرونا آثاركم وشواهدكم.

أقرأ أيضًا: نفير حوارة.. بقلم الكاتب أسامة الأشقر

نفير حوارة.. بقلم الكاتب أسامة الأشقر

أقلام – مصدر الإخبارية

نفير حوارة، بقلم الكاتب الفلسطيني أسامة الأشقر، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

منذ أن وعيت وأن أسمع عن حرائق حوارة التي يحرّق فيها المستوطنون ذوو الميولِ الإجرامية منازلَ أهلها وبساتينَهم، وعن الإعدامات الميدانية لشبابها، وينفلتون كالجراد المنتشر على مجتمعها الصغير، كما أسمع كثيراً عن حضورها في سجل النضال المشرف، وشجاعة شبابها ومهارة قذفهم بالحجارة من على التلال المشرفة على طرق القطيع.

هي بلدة يزيد عمرها عن المائة عام تأسست مع مطلع القرن العشرين أواخر أيام الدولة العثمانية، تتربع على تربة بيضاء طرية رطبة أكسبتها اسمها “حوارة” الذي يعني البياض المائل للسمرة، ولا تبعد كثيراً عن مدينة نابلس إلى الجنوب منها، ويعود أهلها إلى عشائر كبيرة من الحجاز وشرقي الأردن والقدس والشام، وبينهم وبين الأمريكيين مصاهرات قديمة، وأشهر عائلات حوارة من حمائل عودة والضميدات والخموس.

وكان في حوارة أثر قديم للعيش البشري الريفي الفلسطيني تدل عليه آثار الخِرَب التي ما تزال ترى فيها أطلال أبنية مرتفعة وصهاريج ومغارات وصخور منحوتة وحبلات وأساسات وبرك تحصد المطر… وتجد أيضاً محراباً في غرفة عبادة قديمة لنبيّ أو وليّ زعموا أن اسمه صاهين، وغرفة أخرى أطلقوا عليها اسم مقام عكاشة، وظنّوا أنه عكاشة الصحابي رضي الله عنه، وليس بذاك، وهو اليوم بناء مهجور متهدّم، هو بناء مفلطح سقفه عقد متقاطع.

ويوجد فيها بين القرى الستة مقام قديم عمره عدة قرون منسوب للصحابي سلمان الفارسي على تلة مرتفعة استولت عليها مستوطنة يتصهار بأمر عسكريّ، يتكون من طابقين أحدهما مغارة منخسِفة، يعلوهما قبة صغيرة، وقد كان حياً بهيجاً يعج بالزائرين قبل قيام المستوطنة لاسيما في الجمعة الثالثة من شهر نيسان إبريل، يحلقون عنده رؤوس مواليدهم، ويختنونهم، ويوفون نذورهم، ويأكلون البيض الملون، ويشربون من بئر ماء عنده، ويعتنون بأشجار البلوط حوله حتى صار متنزها للصغار المتسلقين الذين يحبون التجمع فيه، وقد انعقد عزم القرى على تسمية دوار يتصهار باسم دوار سلمان الفارسي إحياء لذكر سلمان والمقامات المنصوبة على تلك الجبال والتلال، وهذا الدوار هو اليوم بمثابة نقطة انطلاق قطعان المستوطنين عند هياجهم على البلدة.

ومع أن حوارة حديثة النشأة إلا أن المنطقة معروفة تاريخياً ببعض أعلامها خاصة من قرى عينبوس المجاورة وبورين وجماعين وعوريف وعورتا… .
وأكثر أهلها يعملون في قطاع التجارة أو سوق العمل المفروض عليهم من الاحتلال، ويعملون أيضاً في الزراعة، وأشهر محاصيلهم الزيتون، لكن أكثر أراضيها الزراعية تتبع للمنطقة “ج” التي تتبع لسيادة الاحتلال وفق اتفاقية أوسلو سيئة الذكر فيتحكمون فيها إدارياً وأمنياً، ولذلك يتسلّط عليها المستوطنون بتوحّش من خلال بؤرهم التي تستولي على التلال المشرفة، ولولا غيث السماء لما وصلت للمزارعين نقطة ماء، ثم لا تجد

المزارع قادراً على الوصول إلى أرضه من هؤلاء المتوحشين القتلة.
قضمت مستوطنة يتسهار جزءاً ليس بالقليل من أراضي حوارة الغربية كما قضمت من قريتي بورين وعصيرة القبلية.

وأقام الاحتلال في شمالها قاعدة أكلت من أراضيها وأراضي بورين قاعدة يجاورها حاجز حوارة العسكري المعروف بشد نكايته وتنكيله بالفلسطينيين، قطعاً وحصاراً وتهديداً ونقطة هجوم.

وإلى الجنوب من حوارة تستعرض مستوطنة كفار تبواح العسكرية، التي يجاورها قاعدة تبواح العسكرية، وحاجز تبواح المعروف باسم حاجز زعترة الذي سطّر فيه المقاتلون نقوشاً محفورة في تاريخ النضال.

وهذه القواعد والحواجز لا تكتفي بمواقعها الدائمة التي تقطع أوصال الضفة الشمالية والجنوبية وتقطع أوصال مركز نابلس عن بلداتها وضواحيها بل تنتشر في حواجز طيارة تزيد الوضع نكالاً على نكاله مع انتشار الطرق الالتفافية التي تحصد الموت كل يوم من خلال ما يسمونه مساحة الارتداد على امتداد هذه الطرق التي صممت لحماية هذه القطعان الاستيطانية والبطش بكل فلسطينيّ.

حوّارة اليوم بثباتها وقوة مواجهتها وشدة بلائها باتت على موعد مع تاريخ جديد يسجّل لها، وقد تكون أول اسم في شرارة النفير المتقدّم.

أقرأ أيضًا: شوكة النار في شعفاط ! بقلم أسامة الأشقر

من المعلّم الجعبري البرهان إلى المعلّم الجعبري الكامل

أقلام – مصدر الإخبارية

من المعلّم الجعبري البرهان إلى المعلّم الجعبري الكامل، بقلم الكاتب الفلسطيني أسامة الأشقر، وفيما يلي نص المقال كاملًا:

1. قبل نحو ثمانمائة عام كان الشيخ أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري أول الجعابرة في الخليل وجدّهم الأقدم ورأس عمود نسبهم، وقد كان قبلها معلّماً معيداً في الزاوية الغزالية في الجامع الأموي بدمشق، وأصبح بعد ذلك معلّماً محققاً حاذقاً كبيراً مشهوراً وشيخاً للقراء، وشيخاً لحرم الخليل، ومؤلفاً لأكثر من مائة كتاب في دقائق علوم القرآن (في القراءات ورسم المصحف والتجويد وعلم العدد ولغة القرآن ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وتفسيره…)، وله كتبه المتقنة في الحديث رواية ودراية، وفقه السادة الشافعية، وفي اللغة وحروفها، وفي النحو والتصريف.

2. والجعابرة تعود أصولهم إلى بني ربيعة من عدنان التي استوطنت الجزيرة الفراتية في القرون الأولى، وكان الشيخ الجعبري الخليلي يسكن مع والده مؤذّن قلعة جعبر، نسبة إلى الزعيم الذي استولى عليها جعبر بن مالك القشيري، وكان اسمها قديماً قلعة دوسر؛ وهي اليوم تتربع في بحيرة سد الفرات الصناعية بعد أن كانت على ضفته.

3. كان الجعبري أحد علماء القلعة العسكرية التي تعدّ ذات أهمية عسكرية في عمليات إسناد مناطق الثغور في مواجهة البيزنطيين، قبل أن ينتقل منها إلى دمشق ثم إلى الخليل في أواخر القرن السابع الهجري في العصر المملوكي، وقد شهد في حياته تغوّل المغول على بلاد الشام كما شهد عصره العديد من معارك الأمة في مواجهة حملات ملوك أوروبا الصليبيين.

4. استقر الشيخ في خليل الرحمن لأكثر من أربعين عاماً، وكثر عقبه من ابنه شمس الدين محمد الذي تولى مشيخة حرم الخليل بعده، وبورك له في ذريته، حتى إننا نحتاج إلى تصنيف كبير لعرض أعلامهم ونبلائهم وأشرافهم ومناضليهم الذين لم يكن آخرهم هذا المعلّم الذي قرن علمه بعمله، وختم حياته بحياة أخرى أعظم وأجلّ في ظل العرش إن شاء الله؛ وانظر إلى هذا التوافق بين اسم محمد ابن كامل -إمامنا اليوم- ، ومحمد ابن البرهان – إمامنا بالأمس، فكأنه امتداد له وظل متّبع، وشيخ له تلاميذ ممتدون يقبلون ولا يدبرون.

5. وكثيراً ما قالوا إن في الخليل بركةً مستورة تشرع في الظهور إذا ضاقت الأرض على الأجناد فيفتح الله سائر بركاته.

أقرأ أيضًا: شوكة النار في شعفاط ! بقلم أسامة الأشقر

شوكة النار في شعفاط ! بقلم أسامة الأشقر

أقلام – مصدر الإخبارية

شوكة النار في شعفاط ! بقلم الكاتب الفلسطيني أسامة الأشقر، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

1. زعموا أن شعفاط منسوبة إلى ملك يهودي اسمه يهوشافات وهو حفيد الملك سليمان في التراث اليهودي، فهو ابن أفِيّا بن رحبعام بن سليمان بن داود؛ ويقولون إنه كان ملكاً صالحاً يعتني بعلماء بني إسرائيل، وملك نحو ربع قرن؛ ولم تكن مملكته سوى مشيخة قبليّة إن افترضنا صحة وجود هذه المملكة أصلاً، ولا يوجد أي علاقة معروفة بين هذا الملك وهذا الموضع الذي قرَنوه به بدافع التقارب في مخارج صوت الكلمات.

2. ولو تأمّلوا قليلاً لوجدوا أن الكلمة في زمان الصليبيين كان يتقدمها لفظ “دير” وباللاتينية Dersophath، وبما أنه اسم مكان فلابد أن هذه الكلمة منقولة من العربية، ثم أسقطوا كلمة الدير مع كثرة الاستعمال خاصة أن خِرَب شعفاط فيها العديد من الكنائس القديمة والأديرة الصغيرة؛ ونجدها في الخرائط والسجلات العثمانية باسم شافات وشعفات؛ وربما يجوز لنا القول إن أصل الكلمة عربيّ أصيل من مادة “شعف” والشَّعفة رأس الجبل، وتجمع الشعفة على شَعَفات، وغالباً ما يكون للجبل عدة شعفات؛ ويرجّح هذا أن شعفاط تقع على هضبة عالية بنحو 780 م فوق سطح البحر في شمالي القدس بالقرب من رأس المشارف المُطلّ على المدينة المقدسة على مسافة تقرب من خمسة كيلومترات عنها.

3. وهي مدينة قديمة ضاربة الجذور في الاستيطان البشريّ، وما تزال آثارها وأحفوراتها ومغرها وبقايا طواحينها الهوائية تدلّ على شأن ساكنيها القدماء الذين لم يسجّلوا في بقاياهم المكتشفة أيّ شيء ينتمي لمملكة يهودية؛ ولو تجوّلتَ في خربة الصومعة بأبنيتها المستطيلة وصهاريجها وغرفها المعقودة وحظيرتها الجرية، وخربة الراس في ظاهر شعفاط الغربي، وخربة المصانع إلى الجنوب الغربيّ وكنيستها القديمة المنقورة في الصخر وبِركتها ومدافنها، وآثار تل الفول الكنعانية إلى الشمال بقلعتها ومدينتها المتهدّمة، وخربة العدسة بجدرانها المتصدعة وصهاريجها الصخرية … فسترى كل شيء في شعفاط ينفي عنها أيّ لون يهوديّ ولو كان عابراً.

4. ويبدو أن شعفاط كانت ملاذاً للعبّاد والزهّاد والرهبان، وفيها مقام لسلطان الزاهدين إبراهيم بن أدهم المتوفى عام 162هـ يسمى المسجد الأدهمي العتيق هدمه الاحتلال عام 1967 ولكن أهالي شعفاط أعادوا بناءه ثانية، وحوله حوش مسمى باسمه يقال له حوش إبراهيم.

5. وتزخر ذاكرة شعفاط الخضراء بمجد قديم في مقاتلة الصليبيين وحصارهم وشنّ الغارات عليهم رغم شدة البأس الذي وقع عليهم، وجدّد أهلها الغارة على الاحتلال البريطانيّ واستخدموا ما تبقى من سلاح المدفعية العثمانيّ في مهاجمة الجيش الإنجليزي وميليشيات الهاجاناه كما استولوا على مخازن سلاح هذه الميليشيا وآلياتها الثقيلة، وتعرّضت البلدة لقصف عنيف متكرر في عشرينيات القرن العشرين وبداية الثلاثينيات.

6. يذكر إسحاق رابين رئيس وزراء الاحتلال الهالك في مذكراته أن خطتهم للاستيلاء على القدس عام 1948 كان مفتاحها السيطرة على شمال القدس، ولا ينسى رابين ولا بن غوريون وعصابات الهاجانا ما جرى لكتيبة “موريا” التابعة للواء “عتصيوني” يوم أن فتح عليها المناضلون نيران كمينهم في 24 مارس 1948 عند مدخل شعفاط أثناء توجههم إلى مستوطنتي النبي يعقوب وعطروت من جبل المشارف، إذ فجروا فيهم ناقلة جند بلغم أرضي، وتبعها إطلاق نار كثيف ومولوتوف على شاحنة مصفحة، وكان أكبر قتلاهم المجرم أبراهام غولدبرغر الذي ارتكب مجازر بحق الثوار في ثورة 1936م، ولمّا حاول العدوّ إرسال الإمدادات تقاطرت القرى العربية من المزرعة الشرقية وترمسعيا وعناتا وحزما ومزارع النوباني وشعفاط أيضاً بثوارها، وكانت معركة مشهودة جندلت 14 هاجانيّاً وأصابت منهم 11 وتركت فيهم عضّة غائرة تسببت في تأخير احتلال قرى شمال القدس نحو 19 عاماً؛ ولولا تدخّل الجنرال ماكميلان قائد القوات البريطانية في فلسطين، والفريق غلوب باشا البريطاني رئيس أركان حرب الجيش الأردني الخاضع للانتداب البريطاني آنذاك لكان للأمر ما بعده، فقد كان للجيش الأردني دور في نجاح هذه العملية، وكان نايف الحديد من عشائر البلقاء هو قائد السرية المساندة في كتيبة المشاة الثانية المشاركة في معركة القدس (شعفاط) عام 1948.

7. ولحساسية الموقع الاستراتيجي لهذه البلدة في حماية القدس اتخذها الجيش الأردنيّ معسكراً قرب خربة الرأس، وتجد هناك هيكلاً إسمنتياً لم يكتمل لقصر تابع للملك حسين ملك الأردن، إلا أن الموقع سقط بيد الاحتلال عام 1967 بعد معركة جوية وبرّيّة شرسة مع السرية الأردنية المتمركزة في التلة وقوتها المدرّعة وسرية المشاة فيها.

8. وفي حربي 48 و67 تعرّضت الكثير من بيوت شعفاط للهدم والتخريب، وكثيراً ما نزح أهلها خاصة من النساء والأطفال، لكن فرسان شعفاط كانوا يرابطون فيها ويشرفون على عودة النازحين وتأمينهم إليها؛ ويتحدث الصهاينة بامتعاض كيف رفضت شعفاط الاستسلام بعد القصف العنيف الذي تعرضت له بمدافع الهاون من عيار 3 إنشات عام 48 فأسقطت مشروع احتلال القدس كلها.

9. ومع أن شعفاط كان لها اتصال بأراضي القرى الفلسطينية المقدسية حولها مثل بيت حنينا وعناتا وحزما ولفتا والعيسوية وبيت اكسا إلا أن المستوطنات المقامة على الأراضي المصادَرة من الفلسطينيين قد قطعت تواصلها مع محيطها، وعزلتها بين مستوطنات دموية شريرة مثل رامات شلومو للمتدينين الكنديين، والتلة الفرنسية وبسغات زئيف ورامات أشكول… وهي التي تخرج منها أدوات القتل والحرق والكائنات المضفّرة المسعورة ذات القبعات السوداء؛ وهم الذين خطفوا الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير وأحرقوه حياً في 2014 في شعفاط.

10. وفي شعفاط مخيّم صعب العريكة شرس المواجهة متراصّ المنازل ضيق الشوارع نشأ عام 1965-1966 بمبادرة من وكالة الأونروا لإيواء اللاجئين من مخيم للّاجئين في حارة الشرفا قرب حائط البراق في القدس وكانوا آنذاك ربع سكان البلدة القديمة، وتحوّل اسم حارة الشرف إلى حارة اليهود بعدهم، وستجد أيضاً في المخيم اللاجئين المهجّرين قسراً من القدس والرملة ويافا، وقرى عمواس وبيت نوبا ويالو، وهو المخيم الوحيد التابع الآن لبلدية القدس الخاضعة للاحتلال؛ وهو المخيّم الذي تشكّل إزالته أولوية لأي رئيس بلدية “إسرائيليّ”، ويمكنك أن تعرف سبب ذلك بالتجوال على الشعارات المكتوبة على جدران المخيم، وأكوام الحجارة المتراصة في مواقعها استعداداً لقذف جنود الاحتلال بها.

11. سياسات بلدية القدس التي تديرها سلطات الاحتلال والتي تتبع شعفاط لها خنقت هذا الحي المقدسيّ ومخيّمه المكتظّ المتكدّس بالفلسطينيين في ظروف قاسية وجدار عازل وحواجز مجنونة وضرائب باهظة وبنية تحتية شبه معدومة وحرمان شامل من الخدمات، ومنع للتمدد الطبيعي لأي كتلة بشرية سكانية، وتعقيد لجميع أشكال رخص البناء والسكن، والتهديد المتواصل بالهدم، وارتفاع قيمة الأراضي والشقق إلى معدلات مستحيلة… ويكفي أن تعلم أن كل طفل فلسطيني في شعفاط ذاق مرار المحتل، وشاهد مناظر دمويته واقتحاماته واعتقالاته، وسمع صراخه وشتائمه وتهديده.

12. في شعفاط ومخيمها نفَسٌ قتاليّ قديم توارثوه عن أجدادهم، وهم أهل شغف بالنضال، وخبرة في الصدام، وتميز في طول النفَس، ومهارة ساخرة في استدراج العدو ومغافلته، ولو استمعتم إلى قصصهم في استنزاف مشروع القطار الاستيطاني الخفيف وتدمير مواقفه ومحطاته ومنع مروره لأشهر، وحكاياتهم الطولية مع جنود حاجز شعفاط الشهير، والمعلّقات التي سطّرها الأسرى منهم لكتبتم مجلدات في مرويّاتهم، ولصنعتم مشاهد عظيمة لسينما عالمية تصرف نظرها عنهم عمداً.

13. شعفاط اليوم – كما كانت من قبل- شوكة فولاذية حادة ملتوية مدببة الأسنان تعرف كيف تغرز أشواكها الناريّة في عيون المحتلين وأعوانهم، وكلما أطلّ مستوطن من نافذة مستوطنته فإنه سيرى شعفاط ومخيمها ناراً تتوقّد في عينيه الخائفتين.

أقرأ أيضًا: العمليات الفدائية في القدس (شعفاط) .. زلزلت حسابات الكيان المهزوم

Exit mobile version