في القدس والأقصى الصلاة مقاومة والرباط صمود والعربية هوية

أقلام – مصدر الإخبارية

في القدس والأقصى الصلاة مقاومة والرباط صمود والعربية هوية، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

يدرك الفلسطينيون أن الحرب اليهودية على القدس والمسجد الأقصى حربٌ مفتوحةٌ، وهي حربٌ ضروسٌ طاحنةٌ، مستمرةٌ أبداً، ومستعرةٌ دوماً، لا تخبو نارها ولا ينطفئ جمرها، ولا تتوقف فصولها ولا تنتهي أشكالها، ولا يتورع العدو الإسرائيلي خلالها أن يستخدم كل أسلحته القاتلة وأدواته القذرة، ولا يمتنع أبداً عن اللجوء إلى وسائله الخبيثة وأساليبه الخشنة للوصول إلى أهدافه المرسومة وغاياته القديمة المعلومة، فهو يريد السيطرة على القدس وما حولها كما فلسطين كلها، ولا يريد أن يرى فيها أهلها ولا أن يعيش فيها أبناؤها، ويعمل على هدم مسجدها وتدمير أقصاها وطمس هويتها واستبدال صورتها، ليبني مكانها هيكله المزعوم وكنيسة الخراب المشؤومة.

ينبري الفلسطينيون جميعاً بقوةٍ وحماسةٍ، وجرأةٍ وشجاعةٍ، وصدقٍ وإخلاصٍ، للقيام بواجبهم ولا يترددون، ويتصدون للعدوان الإسرائيلي أياً كان شكله وحجمه، ويشتركون جميعاً في محاولات صد المستوطنين ومنعهم، وثني حكومتهم ومسؤوليهم عن قراراتهم التعسفية، أفراداً وعائلات، مسلمين ومسيحيين، مقيمين وزائرين، ومقدسيين وغيرهم، ليقينهم أن هذه الأرض كلها والقدس ومقدساتها هي للفلسطينيين، وهي ملكٌ لهم ولأجيالهم التي سبقت وتلك الآتية إلى يوم القيامة، وهي تستحق التضحية والفداء، وتستأهل المقاومة والنضال، وتهون من أجلها المهج والأرواح.

وأمام الهجمات الصهيونية المسعورة، ومحاولات الاقتحام اليهودية المتكررة، وجرائم الانتهاك العنصرية المقصودة، يلجأ الفلسطينيون جميعاً إلى مختلف الوسائل الممكنة للدفاع عن مدينتهم المقدسة ومسجدهم الأقصى المبارك، ولا يدخرون وسيلةً تغيظ العدو وتزعجه، وتعطل مشاريعه وتربكه، وتفشل مخططاته وتحبطه، إلا ويلجأون إليها ويركزون عليها، ولا يقصرون على وجه العموم والمقدسيون منهم على وجه الخصوص في الدفاع عن حقوقهم وحرماتهم، بل يتداعون من كل المشارب والفئات العمرية والجنسية، ومن كل المناطق الفلسطينية التي يستطيعون الخروج منها والدخول إلى القدس.

الصلاة فرض وهي عبادةٌ، والرباط شكلٌ من أشكال الاعتكاف وهو مندوبٌ، ولكنها في القدس والمسجد الأقصى ظاهرةٌ مختلفة، فهي جهادٌ ومقاومةٌ، وصمودٌ ومواجهةٌ، وقد حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا أمته إلى شد الرحال إليها والصلاة في مسجدها، وعَدَّ الصلاة فيه بخمسمائة صلاةٍ في غيره أجراً ومثوبةً ومنزلةً وفضلاً، وجعل خير المرابطين من أمته فيها، ووصفهم بأنهم على الحق ظاهرين، وعلى موقفهم ثابتين، ولا يظهرهم ما يصيبهم من اللأواء في سبيلها، وبشرهم بالتمكين والنصر وأعداءهم بالهزيمة والدحر.

علم الفلسطينيون أثر الصلاة في المسجد الأقصى على العدو الإسرائيلي فحرصوا على أدائها فيه رغم الصعوبات والعقبات، فشد مئات الالاف من الرجال والنساء والصبيان الرحال إليه للصلاة فيه في أيام الجمعة، وهو ما اعتادوا عليه سنين طويلة، لكن ما أغاظ العدو أكثر وأشعره بالضعة والمهانة والضعف أمام الفلسطينيين، هي صلاة الفجر العظيم، التي اعتاد أداءها آلاف الفلسطينيين ممن يستطيعون الوصول إلى القدس والدخول إلى المسجد الأقصى.

شكل الفلسطينيون في أيام الفجر العظيم تظاهراتٍ ضخمةً ومسيراتٍ حاشدة، تغذُ الخطا بهمةٍ وعزيمةٍ، وأملٍ ويقينٍ، إلى المسجد الأقصى المبارك، يؤمهم العلماء والشيوخ، والنخب العلمية ورجال الدين، وعامة الفلسطينيين وخاصتهم، وحذا حذوهم ملايين المسلمين في كل مكانٍ، يقلدونهم ويحتذون بهم، تأييداً لهم ومساندة، وتضامناً معهم ودعماً لهم، الأمر الذي أغاظ الإسرائيليين أكثر، وأكد لهم أن القدس خطٌ أحمر، وأن الأقصى فتيل انفجار وبركان لهب، وأن الاقتراب منه سيفجر حرباً شاملةً ومواجهةً داميةً قد لا يقوى عليها، وسيصعب عليه السيطرة عليها أو الانتصار فيها.

وكما كانت الصلاة سلاحاً ومقاومة، فقد كان الرباط في المسجد الأقصى والثبات في القدس، والصمود في مواجهة الطغيان الإسرائيلي، وإثبات الطابع العربي للمدينة المقدسة وإبراز هويتها العربية الحضارية، مقاومةً أخرى، حرص الفلسطينيون على إظهارها والقتال بها والإصرار عليها، فذاك سلاحٌ جديدٌ لا تهدده الآلة العسكرية الإسرائيلية، ولا توقفه العربدات اليهودية، ولا يحد منها أو يمنعها، أو يفت فيها ويضعفها، صلفُ العدو وطغيانه، وجرائمُ القتل المتعمدة والإعدامات الميدانية ومئاتُ حالاتِ الاعتقال اليومية.

يدرك الفلسطينيون أن القدس يحفظها أهلها، ويبقي على هويتها سكانها، ويثبت وجودهم فيها أبناؤها، فتراهم رغم الصعوبات والعقبات، والتحديات والاستفزازات، والسياسات والقرارات، يتمسكون ببقائهم فيها، ويحافظون على وجودهم في بلداتها، ويدفعون جنى عمرهم وحصاد سنواتهم ضرائب لبلدية القدس لتسمح لهم بالبناء والترميم، والحصول على الخدمات والاستفادة من التسهيلات التي يتمتع بها المستوطنون اليهود ويحرم منها المواطنون الفلسطينيون، وهم السكان الأصليون والمُلَّاك الحقيقيون.

ويعرفون أن العدو الصهيوني يريد اقتلاعهم من أرضهم، ونفيهم من بلادهم، وطردهم خاصةً من القدس ومن فلسطين كلها عامةً، وحرمانهم من حقهم في الحياة فيها، والصلاة في مسجدها، إنه يريد الخلاص منهم كلهم وإلى الأبد، طرداً وإخراجاً أو قتلاً وموتاً لا فرق، المهم أن تخلو البلاد منهم، ولا يكونون في فلسطين معهم أو شركاء لهم، فهم يؤمنون أن هذه الأرض لا تتسع لشعبين، ولا تجوز لديانتين، والفلسطينيون يؤمنون أن اليهود يحلمون ويتمنون، ويبنون أحلامهم على أساطير وخرافات، وأماني وخيالات، ولكن شيئاً من أحلامهم لن يتحقق، وإن بدا لهم أنهم يملكون ويسيطرون، ويعلون ويقوون، ولكنه علو السقوط وقوة الانتحار إن شاء الله.

أقرأ أيضًا: سياسة تسكين الجبهات وتسخين القدس والضفة

سياسة تسكين الجبهات وتسخين القدس والضفة

أقلام – مصدر الإخبارية

سياسة تسكين الجبهات وتسخين القدس والضفة، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

كثرت في الأيام القليلة الماضية التهديدات الإسرائيلية بقصف إيران واستهداف لبنان وتأديب قطاع غزة، واستعرضت قيادة الأركان الإسرائيلية قوة جيشها وجاهزيته على حدود قطاع غزة تارةً وعلى الحدود الشمالية لفلسطين تارةً أخرى، وأعلنت عن حالة استنفارٍ شاملةٍ، شملت مختلف قطاعاتها العسكرية، وعمدت إلى عقد اجتماعات أمنية وعسكرية موسعة، أعلنت عن بعضها وكشفت عنها، وحافظت على سرية كثيرٍ منها، وأوحت اجتماعاتها المتعددة المستويات إلى احتمال قيامها بتنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ ما، قد تكون مختلفة عن عملياتها المستمرة في سوريا، التي تواظب عليها على شكل غاراتٍ سريعةٍ ومباغتةٍ، إلا أنها لا ترقى لأن تكون حرباً أو معركةً مستمرةً.

بالغ المسؤولون الإسرائيليون في تصريحاتهم وأكثروا من تهديداتهم، وبدت الساحة السياسية الإسرائيلية وكأنها على أعتاب جبهة قتالٍ حقيقية، هيأت لها جبهتها الداخلية وأشعرت بها دول الجوار والإقليم، بالإضافة إلى الإدارة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، وزاد من مستوى التهديدات وعزز جديتها، المناورة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، التي تحاكي القتال على عدة جبهات، وتستهدف في وقتٍ واحدٍ أكثر من عدو، ويستخدم فيها جيش الاحتلال مختلف أنواع الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية، معتمداً على أسطول الطيران الحربي الحديث الذي يملكه، والترسانة العسكرية التي يتميز بها عن دول المنطقة.

لكن عين العدو الإسرائيلي الخبيث الماكر ليست موجهة إلى الخارج وإن بدت كذلك، فهو أضعف من أن يشن حرباً على المقاومة الإسلامية في لبنان، وأجبن بكثير من أن يقصف إيران أو أن يعتدي عليها، ولعله أعقل من أن يكرر تجاربه الفاشلة مع قطاع غزة، التي لا تضعف مقاومتها، ولا يتراجع رجالها، ولا يفت في عزيمة أهلها كثرة ضحاياها، وإنما أراد بتصريحاته وتهديداته المعلنة أن يعمي على أهدافه الحقيقية، وأن يبعد الأضواء عن سياساته الفعلية، فلسانه في مكانٍ وعيونه على مكانٍ آخر، وقد ظن أنه سينجح في مكائده، وستمكن من بالخديعة والمكر من تحقيق أهدافه.

ربما كانت نوايا العدو الإسرائيلي على العكس تماماً مما أظهرها، فهو يريد لهذه الجبهات القوية أن تهدأ وتسكن، وأن تبرد ولا تتوتر، وألا تتهيأ مقاومتها أو تتحرك قواها، إذ لا ينوي إثارتها ومهاجمتها، أو الاعتداء عليها واستفزازها، خشية ردود فعلها التي قد تكون شديدة وعنيفة، ومفاجئة وصادمة، لكن هدفه الحقيقي كان ولا يزال هو القدس والضفة الغربية، فهو يريد أن يستفرد بهما ويشغل الجبهات الأخرى عنهما، ويتطلع إلى ابتلاعهما وتهويدهما، وطرد أهلهما وتغيير معالمهما، والسيطرة عليهما والتحكم فيهما، فهما حسب ادعائهم حلم الدولة اليهودية، وقلب ممالكهم القديمة، وموطن أنبيائهم وأجدادهم التاريخية.

تلك هي الحقيقة التي يجب أن نعيها وننتبه لها، وأن نجتهد في التصدي لها ومواجهتها، فالإسرائيليون يركزون على منطقة القدس والضفة الغربية، وينشغلون فيها ويركزون العمل في كل أنحائها، ولا يترددون في قضمها وتعجيل تهويدها، ولا يخفون مخططاتهم الجديدة فيها ولا أحلامهم القديمة في ممالكها، فأطماعهم فيها لا تنتهي، وخوفهم منها أيضاً لا يتراجع، ولهذا نراهم يقتلون المقاومين، ويغتالون القادة، ويعتقلون المئات من أبنائها، وينسفون بيوتها، ويطردون أهلها، ويصادرون ممتلكاتهم، ويبنون المزيد من المستوطنات على أراضي القرى والبلدات الفلسطينية، ولعله لا يكاد يمر يومٌ واحدٌ في القدس والضفة الغربية دون عمليات اقتحامٍ للمسجد الأقصى وانتهاكٍ للمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية.

ربما تظن الحكومة الإسرائيلية أنها تستطيع ذر الرماد في العيون الفلسطينية والعربية، وإشغال المقاومة في جبهاتٍ بعيدةٍ ومعارك غير متوقعة، واستنزاف قدراتها وشل قواها وصرف أنظارها، لكن المقاومة الفلسطينية تدرك حقيقة النوايا الإسرائيلية، وتفهم مخططاته وتتابع تحركاته، وترفع الصوت عالياً تحذر به الأمة العربية والإسلامية من مخاطر الصمت عن الممارسات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، وتطالبها بسرعة التحرك الجاد لحماية القدس والمسجد الأقصى، واستنقاذ ما بقي من الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وعدم السماح للعدو بأن يستفرد بالقدس والضفة الغربية ويعزلهما عن بقية الوطن فلسطين.

تعلم المقاومة الفلسطينية أن السبيل الوحيد للتصدي للعدو الصهيوني ولجمه، ومنعه من مواصلة سياسة الاستفراد بالقدس والضفة الغربية، وإجباره على التوقف عن عمليات الاستنزاف المستمرة التي تستهدف المواطنين الفلسطينيين، ودفعه لتبريد جبهاتها والكف عن العدوان عليها، والإقلاع عن سياسة الغش والخداع، والكذب والتمويه، ليس إلا القوة المسلحة والمقاومة القادرة، وتنسيق الجهود ووحدة الساحات وتسخين مختلف الجبهات، وتعدد أشكال القتال، ليشعر بجدية المواجهة، وجاهزية المقاومة، وارتفاع كلفة العدوان، فهذا عدوٌ لا يردعه إلا الدم، ولا يوقفه عند حده سوى خسارة الأرواح وتلف الأبدان، إذ ما عادت لديه عقيدة تدفعه، ولا قيم مشتركة تجمعه، ولا أحلام توراتية تحرضه، ولا قادة تاريخيين يقودونه ويكونون لمستوطنيه قدوةً ومثالاً.

الحرب الدولية على النكبة سياسة مقصودة وأهداف معلومة

أقلام – مصدر الإخبارية

الحرب الدولية على النكبة سياسة مقصودة وأهداف معلومة، بقلم الكاتب الفلسطيني يوسف اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

كأنه لا تكفيهم النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني، وما لحق به من شتاتٍ وضياعٍ ولجوءٍ وفقدٍ وحرمانٍ، وما نزل به من المحن والابتلاءات والحروب والكوارث، ولا يعنيهم الظلم الفادح البَيِّن المبين الذي وقع عليه والعدوان الذي يمارسه العدو الصهيوني ضده كل يومٍ، وعمليات القتل والإعدام والاعتقال والمصادرة والتضييق والحصار والعقاب الجماعي، وغيرها من الممارسات العدوانية العنصرية البغيضة التي يمارسها ومستوطنوه ضد الفلسطينيين في عموم وطنهم المحتل، وضد مقدساتهم وحرماتهم وقبورهم وتاريخهم وتراثهم وحضارتهم، وكأن الفلسطينيين ليسوا شعباً ولا ينتمون إلى أمةٍ، وليسوا بشراً ولا يستحقون العيش الكريم شأنهم شأن غيرهم من الأمم والشعوب التي تنعم بالحرية وترفل بالعافية وتتمتع بالاستقلال.

تلك هي مجموعة من الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يوالون الكيان الصهيوني ويقفون معه، ويؤيدون سياسته ويدعمون دولته، ويشجعون حكوماته ويصمتون عن جرائمه، ويساندونه في بغيه وعدوانه، ويمدونه بالمال والقوة والسلاح وتقنيات القتل والإبادة، قد تكاتفوا وتعاونوا، وتعاضدوا واتفقوا، ووقفوا معارضين للفلسطينيين ومن تضامن معهم، وتصدوا لهم وفضوا جمعهم، وأصدروا قراراتٍ تمنعهم وأخرى تعاقبهم، ورفضوا أن يحيوا في بلدانهم ذكرى النكبة الأليمة التي لحقت بالأمتين العربية والإسلامية، وأن يستعرضوا معاناة الشعب الفلسطيني، ويذكروا المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والإنسانية تجاه شعبٍ شُرِّدَ ووطن أُحتُلَ ومقدسات دُنِست وحرمات انتُهكت.

عارضت مجموعة الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا والبرتغال، أي نشاطٍ يتضامن مع فلسطين وأهلها، أو يذكر بها وبشعبها، ويحرض على تحريرها واستعادتها، وتطهير مقدساتها وعودة أبنائها، ووقفت ضد أي فعاليةٍ تنظم، وحذرت القائمين عليها والمنظمين والراعين لها وتوعدتهم، واعتبرت أي نشاطٍ يقومون به شكلاً من أشكال الفوضى وخرق القانون، وحذرت بمحاسبة المخالفين ومعاقبتهم، فيما يبدو أنه عملية ترهيب سافرة ضد أصحاب الحق المضطهدين المظلومين، حيث رفعت حكومات بعض الدول الأوروبية سيف قوانينها الجائرة ضد الفلسطينيين، وهددت باتخاذ قراراتٍ أكثر شدةً وحزماً ضدهم.

غريبٌ موقف هذه الدول الأوروبية التي تدعي الديمقراطية والحداثة، وتتظاهر بالحضارة والتمدن، وتدعو إلى احترام حقوق الإنسان والحفاظ على كرامة الشعوب، كيف تقف ضد شعبٍ يُظلم أمام عيونها كل يومٍ، ويُقتل أبناؤه ويُعتدَى عليه على مرأى ومسمعٍ من سفاراتهم وقنصلياتهم ووسائل إعلامهم، وكيف تصنف الكيان الصهيوني القاتل الباغي والمعتدي الظالم، الذي لا يحترم حقوقاً ولا يلتزم نظاماً، ولا يعترف بالقوانين ولا يؤمن بالشرائع، بأنه كيانٌ ديمقراطي ينبغي أن يُعترف به ويُحترم، وأن يُقدر ويكرم، وأن تصان حدوده وتحفظ حياة سكانه، وأن يعيش بأمنٍ وسلامٍ على أرض شعبٍ طرده واستولى على دياره وممتلكاته.

إنهم بسياستهم المستنكرة ومعاييرهم المزدوجة يساندون الظلم ضد العدل، والهمجية ضد الإنسانية، والكراهية ضد السماحة، والعدوان ضد السلام، والجريمة ضد القانون، ولا يترددون في إظهار صورتهم الحقيقية التي ساهمت في خلق الكيان الصهيوني القاتل، رغم أنهم يتحملون مع المجتمع الدولي جزءً كبيراً من المسؤولية عن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، وعليهم يقع عبء التكفير عن هذه الجريمة التي اقترفها آباؤهم وتمسك بها خلفهم، فإن كان صمتهم عن العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني جريمةً، فإن منعهم الفلسطينيين من الشكوى والاعتراض، ومن التظاهر والتضامن، هو شراكة في العدوان، ومسؤولية كاملة عن الانتهاكات.

ألا ترون أن الدول الأوروبية التي تمنع إحياء ذكرى النكبة تتساوق وتتماهى مع الكيان الصهيوني الذي شرع قوانين تمنع إحياء ذكرى النكبة، وأصدر قراراتٍ اعتبر بموجبها أن أي فعالية تضامنية مع الفلسطينيين في يوم النكبة جريمة يحاسب عليها القانون، فهو يعتبر أن يوم النكبة هو يوم فرحةٍ عنده، فهو يمثل يوم الاستقلال وإعلان تأسيس الدولة، والدول الأوروبية التي تحرم الفلسطينيين من الجأر والشكوى والصراخ، والتظاهر والرفض والاعتراض، تهنئ الكيان الصهيوني في هذا اليوم بمناسبة “الاستقلال”، وترسل لحكومته رسائل تهنئة ومباركة، وتشارك سفارته في عواصمها في احتفالاته بهذه المناسبة.

إنهم والكيان الصهيوني يريدون أن يشطبوا التاريخ ويتجاوزوا الماضي، وأن يتحللوا من الجريمة ويتخلصوا من الخطيئة، وأن يطمسوا العقول ويغيروا المفاهيم، ويتعمدون محاربة الفلسطينيين في ذكرى نكبتهم لتنسى أجيالهم بلادها، وتتخلى عن أحلامها بالعودة إلى وطنها واستعادة حقوقها، ويأملون أنهم بأفعالهم الشنيعة هذه يستطيعون شطب الحقوق الفلسطينية، وتشريع الاغتصاب الصهيوني، وخلق وقائع جديدة تنسي الفلسطينيين ماضيهم، وتفصلهم عن تاريخهم، وتجعلهم يقبلون بالواقع الحالي، ويسكتون عن المطالبة بتغييره والعودة إلى الأصول الأولى التي كانوا عليها في وطنهم الحر وعلى أرضهم المباركة، إلا أن ذاكرة الفلسطينيين لا تشطب، وأجيالهم لا تنسى، وأبناؤهم لا يفرطون، وعن حقوقهم مهما طال الزمن لا يتخلون ولا يتنازلون.

أقرأ أيضًا: نحن إلى القدس أقرب وهم عنها أبعد

نحن إلى القدس أقرب وهم عنها أبعد

أقلام – مصدر الإخبارية

نحن إلى القدس أقرب وهم عنها أبعد، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:
قديماً… ربما كان الإسرائيليون أقرب إلى تحقيق الحلم اليهودي بتهويد مدينة القدس، وشطب هويتها العربية والإسلامية، وتحويلها إلى مدينة يهودية خالصة، وتبديل أسماء شوارعها وميادينها وساحاتها إلى أسماء يهودية قومية ودينية، وإطلاق أسماء توراتية وتلمودية عليها كأسماء ملوكهم وأنبيائهم وقادة جيوشهم وزعماء أحزابهم، وربما كانت خطواتهم حينها متسارعة وناجحة، ومنظمة ومنسقة، ومبرمجة ومتدرجة، وقد استطاعوا خلال سنواتٍ قليلةٍ، وبسهولةٍ كبيرةٍ، تحقيق الكثير من الإنجازات التي كانوا يحلمون بها، مدفوعين بحلم استعادة ممالكهم القديمة، التي يعتقدون أن “أورشليم” كانت عاصمتها، و”يهودا والسامرة” كانت أقاليمها، وأنهم بعودتهم إليها وسيطرتهم عليها يستعجلون زمان إعادة بناء هيكل سليمان الثالث.

فقد أعلن الإسرائيليون القدس عاصمةً أبديةً موحدةً لكيانهم، ونقلوا إليها مقرات كيانهم السيادية، وحاربوا كل سيادةٍ وهويةٍ وأصولٍ عربيةٍ فيها، وأقنعوا عدداً من الدول بالاعتراف بها عاصمةً، وطلبوا منها نقل سفارتها إليها، وضيقوا على الفلسطينيين فيها، وهدموا بيوتهم ومساكنهم وطردوهم منها، وصادروا ممتلكات الغائبين والموجودين، وحرموا المواطنين من مشاريع التوسعة والترميم، والصيانة وتقديم الخدمات، وسهلوا إجراءات اقتحام المسجد الأقصى تحت ستار الزيارة، وسمحوا لليهود بأداء الطقوس الدينية فيها، وجعلوا من وجودهم في باحاته والتجوال في ساحاته أمراً طبيعياً عادياً، تألفه العيون وتقبل به النفوس ولا يعترض عليهم أحد.

ساعدهم في العقود السابقة على تحقيق أحلاهم وتنفيذ مخططاتهم، الواقعُ العربي البئيس المشرذم الضعيف، وعجز الأنظمة العربية عن الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وانشغالها بنفسها عن القضية الفلسطينية، وإهمالها للواجب المكلفة به تجاهها دينياً وقومياً وإنسانياً، والتزامها بالسياسة الأمريكية وخضوعها لها، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عليها الاعتدال في مواقفها، وعدم الإنجرار إلى مواقف متطرفة وسياساتٍ متشددة في مواجهة المخططات الإسرائيلية، والعمل على تهدئة الشعوب الإسلامية من خلال مؤسساتٍ رسمية تعنى نظرياً بشؤون القدس والمقدسيين، بينما تقف عاجزة عملياً عن الدفاع عن المدينة وسكانها ومقدساتها التي كانت تتهاوى أمام معاول الهدم والتخريب الإسرائيلية.

وقد نجحت السياسة الأمريكية التي تعمل لخدمة الكيان الصهيوني وتسعى لتأمين احتياجاته المختلفة، في تهدئة ردود الفعل العربية الرسمية، وضبطها ضمن سياسات الإدانة والاستنكار والمعارضة الشكلية، والاكتفاء بإصدار بيانات تدين وتستنكر خروج الكيان الصهيوني بإجراءاته الاستفزازية ضد القدس والمسجد الأقصى عن الوضع التاريخي للمدينة، ومخالفته للاتفاقيات والتفاهمات الدولية، القاضية بالحفاظ على الوضع التاريخي للمدينة ومقدساتها، والإبقاء عليها تحت رعاية المملكة الأردنية الهاشمية.

وبموجب هذه السياسة المضبوطة امتص العرب والفلسطينيون حرق المسجد الأقصى المبارك عام 1969، وسكتوا عن الاعتداء على قبة الصخرة المشرفة عام 1982، وغضوا النظر عن الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى، وعن عمليات البحث والتنقيب والتخريب، وبناء الجسور وصيانة الأدراج وغلق البوابات وفتح بعضها أمام الزوار اليهود، وغير ذلك من الإجراءات التي اعتاد العرب على تجرعها والقبول بها، والاستهانة بها وعدم الرد عليها، بينما كانت تصب جميعها في خدمة المشروع الصهيوني.

شعرت حكومات الكيان الصهيوني أنها حققت ما تريد، ونالت ما تمنت، وظنت أن مدينة القدس قد أصبحت لهم وحدهم، بعد أن زرعوا فيها عشرات المستوطنات، وجلبوا للعيش فيها عشرات آلاف المستوطنين، وقاموا بتوسيع حدودها على حساب أراضي رام الله والخليل وبيت لحم، وبدأوا في تنفيذ أحزمة القدس الكبرى، وبناء الحدائق والمنتزهات العامة، وشق الطرق وتوسيع الشوارع، وذلك بالاعتداء على حقوق المواطنين الفلسطينيين في مختلف قرى وبلدات مدينة القدس، التي أصبحت أرضها مستباحة للحكومات الإسرائيلية ولغلاة المتطرفين اليهود، الذين اعتادوا على الاعتداء على حقوق وممتلكات الفلسطينيين في المدينة، وهم يخططون وقد زاد عدد المستوطنين اليهود في المدينة عن 300 ألف مستوطنٍ، إلى الخلاص بكل الطرق من الإنسان الفلسطيني واقتلاعه منها، وسحب هويته وإنهاء إقامته ومنعه من الحياة فيها.

لكن طمأنينة الكيان الصهيوني لم تدم طويلاً، وإحساسه بالأمن والاستقرار لم يطل كثيراً، إذ انطلقت مقاومة فلسطينية قوية فتية صلبة عنيدة، واثقة مطمئنة وتعتقد أنها على الحق، ولديها اليقين أنها ستنتصر على عدوها، وستتمكن من هزيمته وتفكيك كيانه، وستطرده من فلسطين كلها، وستطهر مقدساتها منهم، فطفقت تقوم بعمليات تجهيز وإعداد وتدريب وتأهيل، حتى أصبحت تمتلك القوة التي تقلق بها العدو وتزعجه، وتهدد أمنه وتعرض مشاريعه للخطر، وامتلكت القدرة والجاهزية لقصف مدنه، واستهداف قلبه قبل أطرافه، فهددت مشاريعه، وأفسدت خططه، وأخافت المستوطنين ودفعت عشرات الآلاف منهم للهجرة أو الهروب من مناطق الحدود إلى الوسط الذي بات لا يحميهم إذ وصلته صواريخها ودكته.

أمام تنامي قدرات المقاومة، وبعد الحروب والمعارك الفاشلة التي شنها العدو على المقاومة الفلسطينية، وفشله في تحقيق أهدافه، ووقوفه مذهولاً أمام الشعب الفلسطيني وأجياله الجديدة الواثقة بالنصر والمصرة على التحرير، والمتمسكة بالحقوق والثوابت، وأمام سيل عمليات المقاومة وتنوعها، وإقدام الشباب وتنافسهم، واندفاعهم نحو الشهادة بثباتٍ ويقين، بات الإسرائيليون يدركون أنهم يبتعدون عن مشروعهم، ويخسرون إنجازاتهم، وتتبدد أحلامهم، وتغور أمانيهم، ويتفكك مجتمعهم، وتتصدع جبهتهم، ويهرب مستوطنوهم، بينما يقترب الفلسطينيون من تحقيق حلمهم واستعادة أرضهم وتحرير وطنهم، ويصبحون يوماً بعد آخر أقرب إلى النهوض واستعادة الحقوق، وتفكيك المشروع الصهيوني وإجبار من بقي منهم على المغادرة والرحيل، وسيكون هذا اليوم قريباً بإذن شاء الله، نعد فنحن على أعتابه نتجهز له ونستعد، ويترقبه العدو ويتوقعه.

أقرأ أيضًا: يوم النكبة إعداد واستنهاض وتحريض واستنفار

يوم النكبة إعداد واستنهاض وتحريض واستنفار

أقلام – مصدر الإخبارية

يوم النكبة إعداد واستنهاض وتحريض واستنفار، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

كفانا بكاءً وعويلاً ووقوفاً على الأطلال ونحيباً، وحزناً على ما مضى وأسفاً على ما كانَ، ونشيجاً على ما ملكنا وشدواً على ما جمعنا، فلا البكاء يعيد المجد ولا الأسى يبنى الأوطانَ، ولا الذكريات تشفي القلوب ولا الأماني تعالج الجراح، ولا الآهة تحيي الموتى ولا الصراخ يبعث جديداً، ولا المفاتيح الصدئة تفتح أبواباً، ولا الأوراق البالية تعيد حقوقاً، فهذه الدنيا تؤخذ غلاباً، القوي فيها باقٍ والخائر فيها ضائعٌ، ولا مكان فيها لباكٍ أو متسولٍ، ولا تقدير فيها لضعيفٍ أو ساكنٍ، ولا بقاء فيها لمن هانت نفسه وخضعت روحه وخارت قوته، ولا عودة لمن استعظم عدوه وخاف قوته، وخشي بأسه وهرب من مواجهته.

تكفي خمسٌ وسبعون سنةً من التيه والضياع، ومن التشرد واللجوء، ومن النزوح والحرمان، ومن التشتت والحيرة، والغربة والهجرة، والطرد والإبعاد، فلم يعد هناك متسعٌ لسنين أخرى نضيفها، ولا لهوانٍ آخر نتجرعه، ولا لشتاتٍ آخر نجربه، أو نزوحٍ جديدٍ نكابده، فما ذاقه الفلسطينيون على مدى خمسة وسبعين عاماً من عمر النكبة يكفيهم، وما عانوه طوال محنتهم يفوق قدرتهم ويتجاوز استطاعتهم، فما من بقعةٍ في الأرض إلا وفيها بعض منهم، وما من دولةٍ إلا وتستضيف على أرضها بعضاً منها، حتى غدوا في أقاصي الأرض وجهاتها الأربع، يسكنونها رغماً عنهم، ويعيشون فيها محرومين من وطنهم وبعيداً عن ديارهم.

تكفي خمسٌ وسبعون سنة من الموت والشهادة، ومن السجن والاعتقال، ومن الفقد والثكل، ومن المعاناة والألم، فقد استشهد عشرات آلاف الفلسطينيين في سني المواجهة وأثناء سنوات القتال والمقاومة، وتعرضوا لمذابح دموية ومجازر حقيقية، واستهدفهم العدو بالطرد والاستئصال والنفي والإبعاد، وتوفي بحسرةٍ وأسى بعيداً عن الوطن عشرات آلافٍ آخرين، وقد كانوا يتوقون إلى العودة ويتطلعون إلى استعادة حقوقهم وتحرير وطنهم، ولكنهم دفنوا كما عاشوا غرباء في منفاهم، بعيداً عن وطنهم، وغير مسموحٍ لهم أن يعودوا أمواتاً إليه، ولا أن تحتضن الأرض أجسادهم، أو يبقى لهم فيها ذكرٌ أو أثر، وعلامةٌ أو قبرٌ.

لا ينسى الفلسطينيون على مدى سنوات النكبة الأليمة التي نطوي اليوم ذكراها الخامسة والسبعين، ما يزيد عن المليون معتقلٍ وأسير، الذين عانوا في السجون والمعتقلات الإسرائيلية صنوف العذاب الشتى وأشكال الاضطهاد العديدة، وحرموا لعشرات السنوات من أسرهم وعائلاتهم، ومن زوجاتهم وأولادهم، وقد استشهد في الأسر وخلف القضبان الكثير منهم، وعانى من خرج منهم من أمراض مستعصية ومشاكل صحية وأخرى نفسية جراء التعذيب والحرمان وسوء المعاملة.

تكفي كل تلك السنوات المريرة وهذه المعاناة الطويلة، فلن نسمح لسنواتٍ أخرى أن تمر ونحن على هذا الحال، ولن نقبل من المجتمع الدولي أن يغض الطرف عن معاناتنا، أو أن يسكت على محنتنا ويرضى بنكبتنا، ولا أن يكيل العدالة بمكيالين ويكافئ الغاصبين ويقف معهم، ويؤيدهم ضدنا وينصرهم، فما تعرضنا له يفوق ما تعرض له أي شعبٍ آخر عبر التاريخ، وقد آن الأوان لتغيير الحال وتصحيح المسار، واستعادة الحقوق وتحرير الأرض، وعودة اللاجئين وتعويض المتضررين، ولن نقبل بإحياء ذكرى النكبة مرةً أخرى، بل سنعود إلى ديارنا ونحرر وطننا، ونطرد المحتلين من بيوتنا، ونستعيد حقوقنا التي كانت، ونطهر مقدساتنا التي ما زالت.

لكن هذه الأماني الجميلة والطموحات الكبيرة لا تتحقق دون تغيير حقيقي في الرؤية والمنهج، وفي الهوية والنظرية، وفي الغاية والهدف، وفي العمل والممارسة، وفي النضال والمقاومة، وفي الإعداد والتجهيز، وفي التعبئة والتحريض، وفي القيادة والمرجعية، وفي المحيط والحاضنة، وفي مواجهة العدو والتعامل مع المجتمع الدولي، وإلا فإن سنين أخرى ستمضي، وأجيالاً أخرى ستذهب، وسيذوي شعبنا وتذوب آماله وتتلاشى أحلامه، وسيتمكن اليهود في أرضنا أكثر، وسيجلبون المزيد من المستوطنين إلى بلادنا، وسيطردون من بقي فيها من أهلنا صامداً في أرضه وثابتاً على حقه.

لن تنتهي سنوات النكبة وتداعياتها الأليمة، ولن تصبح أيامها من ذكريات الأمة المريرة وصفحاتها السوداء المشينة، ولن نتخلص من نتائجها المرة وظلالها المقيتة، ما لم نطوِ صفحات الفرقة والانقسام، ونقضِ على مظاهر الخصومة والخلاف، ويتحد شعبنا وتتفق قواه، وتتلاقى قيادته وتجتمع كلمته، وتكون يدنا واحدة وصفوفنا متحدة، ورؤيتنا واضحة وطريقنا معروف، ونهجنا مقاوم وسلاحنا حاضر، وعمقنا معنا وحاضنتنا تؤيدنا، وشعبنا يحبنا وأمتنا تساندنا، ولا يكون فينا ولا معنا متخاذلٌ أو متعاون، ولا منسقٌ أو متخابرٌ، فهذه قضيةٌ مباركةٌ ومقاومةٌ شريفة، لا يشارك فيها إلا الطهور، ولا ينتمي إليها ويعمل فيها إلا المخلص الصدوق.

لكن ذلك كله لا يكون ولا يتحقق، رغم الشعب الجسور والمقاومة القوية، والأمة الواعية والإرادة الحاضرة، ما لم تكن لنا قيادةٌ رشيدة قويمة، حكيمةٌ رشيدة، مخلصةٌ صادقة، مضحيةٌ متفانية، سباقةٌ معطاءةٌ، تكون لشعبها نموذجاً ولأهلها مثالاً، وتتصف بالرحمة عليهم وبالشدة على عدوهم، وتعيد إلى العمل ميثاق منظمتها وثوابت نضالها، وتتفق على حقوق شعبها وحرمة الاعتراف بعدوها، وإلا فإن النكبة ستعود علينا أعواماً مجيدة وسنين مديدة، وسينعم العدو في بلادنا سنواتٍ أخرى كثيرة.

أقرأ أيضًا: يوم النكبة الفلسطينية .. 72 عاماً والفلسطينيون ينشدون العودة والحرية

مؤتمر فلسطينيي أوروبا يحفظ الهوية ويحمي القضية

أقلام – مصدر الإخبارية

مؤتمر فلسطينيي أوروبا يحفظ الهوية ويحمي القضية، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

يظنون أنه لا وجود لهذا الشعب ولا هوية له، ولا تاريخ يربطه بأرضه ولا ذكريات له في وطنه، ولا مقدساتٍ يتوق إليها ولا أمجاد له فيها، ولا انتماء يتمسك به ولا أصول يصر عليها، ولا آباء قاتلوا من أجله، أو أجداد غرست أجسادهم في أرضه، ولا ما يشده إلى ماضيه أو يربطه بمجده، فقد أنكروا وجوده، ورفضوا تمثيله، وتمنوا شطبه، وعملوا على زواله، وتآمروا عليه وعملوا ضده، واحتالوا عليه واتحدوا ضده، ولم يقصروا في حربه والاعتداء عليه ومحاولة خلعه، لكن مساعيهم كلها قد خابت، وباءت جهودهم كلها بالفشل، واستعلى الشعب الفلسطيني وسما، ونقش اسمه على هام الزمان ومضى، وسجل مجده على صفحات التاريخ وسنا.

فهذا الشعب الضاربة جذوره في عمق الزمن وعلى مدى التاريخ، الثابت رغم الصعاب، والباقي رغم التحديات، والمصر على العودة، يأبى الشطب، ويرفض الذوبان، ولا يقبل بالتهميش، ولا يرضى بالركن أو يستسلم للحصار ويموت بالخنق، بل ينتفض ويثور على محاولات الإساءة والتضييق، ومساعي التعمية والتزييف، وأماني التخلي والنسيان، ويصر على كرامته، ويضحي من أجل حريته، ويتفانى في قتال عدوه، ولا ييأس في معركته، ولا يخاف من مواجهته، ويبتكر وسائل جديدة لقتاله، ويبتدع سبلاً مختلفة لمقاومته.

الفلسطيني حيث يكون يمثل وطنه، ويعيش قضيته، وينوب عن شعبه، ويعبر عن ألمه، ويكون خير سفيرٍ لبلده، وأصدق رائدٍ مع أهله، ومهما كان بعيداً فهو إلى وطنه أقرب، وإليه يحن، ومن أجله يعمل، وفي سبيله يقدم ويضحي، ويعطي ويمنح، ويجود ويسخو وخير ماله يبذل، وهو لا ينتظر داعياً يحثه، ولا محرضاً يدفعه، ولا غيوراً يشجعه، ولا عملاً يستفزه، ولا حوافز تغريه، أو مكافئاتٍ ترضيه، ذلك أنه يؤمن أن فلسطين وطنه، وأن تحريرها واجب، واستنقاذها فرضٌ، واستعادتها حقٌ، وأن القدس أمانةٌ، والأقصى آيةٌ، والمسرى عقيدةٌ، ولن تكون الأمة بخيرٍ ما لم تستعد فلسطين وتسترجعها، وتعود إليها حرةً عزيزةً مستقلةً.

لهذه المبادئ السامية والمفاهيم الوطنية الصادقة، والثوابت العقدية الخالصة، والشعارات التاريخية الخالدة، يعمل مؤتمر فلسطينيي أوروبا، وينظم مؤتمره السنوي للسنة العشرين على التوالي، دون كللٍ أو مللٍ، أو يأسٍ وقنوط، رغم حملة التحريض ضده، ومحاولات تشويه دوره وتلويث هدفه، حيث يؤمن منظموه أن الفلسطينيين القاطنين في أوروبا يستحقون بذل الجهد من أجلهم، والعمل معهم، وتنسيق الجهود وإياهم، وتوجيه طاقاتهم وترشيد اهتماماتهم.

فهم في أوروبا باتوا عشرات الآلاف، وقد غدو في دولها طاقاتٍ فاعلةً، وكفاءاتٍ علميةً مميزة، وقدرات اقتصادية كبيرة، وكثيرٌ منهم يتمتع بجنسياتٍ أوروبية، تحميهم وتقويهم، وتمنحهم الفرصة أكثر للعمل من أجل بلادهم، والتضامن مع شعبهم، والمطالبة برفع الظلم معهم، ومساندتهم في قضيتهم وتأييدهم في نضالهم، وكلهم يرغب في أن يكون له دورٌ في النضال وسهمٌ في القتال، أياً كان شكل المقاومة ونوعها، فقد غدت المقاومة صنوفاً وأنواعاً، ولم تعد سلاحاً فقط وقتالاً في الميدان.

تلك هي المفاهيم التي يعمل مؤتمر فلسطينيي أوروبا على بعثها وإحيائها، وتكريسها وتثبيتها، وتطويرها وتنويعها، وقد شعر الفلسطينيون المقيمون في أوروبا، أن هذا المؤتمر يمثلهم ويعبر عنهم، ويعكس رغباتهم ويترجم مشاعرهم، فلبوا نداءه، واستجابوا إلى إعلانه، وأخذت أجيالهم تتوافد عليه منذ عشرين عاماً، واشترك أبناؤهم على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية وفئاتهم العمرية في كل المؤتمرات السابقة، التي حرص منظموه على أن يعقد دورياً في دولٍ مختلفة، ويطوفون به على كل العواصم الأوروبية، ليتسنى لجميع فلسطينيي أوروبا المشاركة فيه، والمساهمة في فعالياته، علماً أنهم يشاركون على نفقتهم الخاصة، ويأتون إليه من أقاصي أوروبا، يتكبدون المشاق، ويلاقون الصعاب، ويأخذون الإجازات، ويضحون بالوظائف والأعمال، بل ويقدمون ويتبرعون، ويساهمون في تغطية نفقات الانعقاد وبرامج العرض والتقديم.

مؤتمر فلسطينيي أوروبا مَكَّنَ الفلسطينيين المنسيين في أوروبا، والمهمشين قديماً من مرجعياتهم، من أن يكون لهم دورٌ وعملٌ، وساعد في تسليط الضوء على قدراتهم وإمكانياتهم، وكشف عن مواهبهم وطاقاتهم، وأظهر أنهم يستطيعون أن يساهموا في المقاومة وخدمة شعبهم ودعم صمودهم وترسيخ ثباتهم.

وساعد المؤتمر في حماية الهوية الفلسطينية، والدفاع عن الحقوق الوطنية، فبات العدو يخشاهم ويخاف منهم، فهم أقوياء في طرحهم، وصادقون في قضيتهم، ويحسنون التعبير عن معاناة شعبهم، وبيان مدى الظلم الواقع على أهلهم، وهم يتقنون اللغات الأوروبية، ويتمتعون بجنسيات بلادها المختلفة، وكثيرٌ منهم يتبوأ أعلى المناصب الحكومية والوطنية، وأفضل المراكز الاقتصادية وأكثرها تأثيراً وفعاليةً، وأصبحوا في المجتمعات الأوروبية صوتاً عالياً وعاملاً فاعلاً فيها، يؤثر سياسات حكوماتها، ويصوب قراراتها، ويدفعها لممارسة الضغط على الحكومات الإسرائيلية.

غريبٌ أمرهم ومستنكرٌ فعلهم، وفاضحٌ قولهم ومشينٌ نصحهم، وعيبٌ سعيهم ومشبوهٌ جمعهم، أولئك الذين يعترضون على مؤتمر فلسطينيي أوروبا، ويصفونه تارةً بأنه مؤتمر ضرار، وأخرى بأنه فتنة سياسية وانقلابٌ وانقسامٌ وشرذمةٌ، ويرفضون غيرة منظميه على قضيتهم، ويشككون في انتمائهم، ويتهمونهم في وطنيتهم، ويعيبون عليهم أنهم يهتمون بشؤون أهلهم، ويقلقون على مستقبل أجيالهم في أوروبا، ويصرون على حقهم في العودة إلى ديارهم، في الوقت الذي أهملوا فيه شعبهم، ولم يهتموا بشؤونه، وتركوه سنين طويلة وحده، وقد كان حرياً بهم، وهم يدعون أنهم المرجعية والممثل، أن يولوا أهلهم في دول أوروبا وغيرها الاهتمام المطلوب، لئلا تنحرف أجيالهم، ويضيع أبناؤهم، وتنحرف بوصلتهم، وتضل مجتمعاتهم.

مؤتمر فلسطينيي أوروبا أداةٌ نضالية وطنية جديدة، فهو منبرٌ متقدمٌ، ومنصةٌ عاليةٌ، وبرلمانٌ مفتوحٌ، وفسحةٌ دولية، وفرصة سانحة للتعبير عن الموقف الوطني الفلسطيني وتحصينه، وبيان هويته وحماية قضيته، وهو هيئةٌ وطنيةٌ جامعةٌ لشتات الفلسطينيين في أوروبا، تحافظ عليهم، وتثبت موقفهم، وتصون وحدتهم، وتوجه بوصلتهم، وتنظم جهودهم، وترفع صوتهم عالياً أمام المجتمع الدولي ومؤسساته السياسية والحقوقية والإنسانية.

والفلسطينيون في أوروبا يرونه خير من يعبر عنهم ويصون حقوقهم، ويدافع عنهم وينطق باسمهم، فهو لا يصنف المنتسبين إليه والمؤمنين به، ولا يفرق بينهم ولا يقصي أحداً منهم، ولا يحرم فريقاً أو يخون ويجرم طرفاً، بل يمنح الحرية للجميع ضمن الثوابت الوطنية، فلا يحتكر منبراً ولا يخمد صوتاً، ولا يصادر رأياً، فهل نتعاون معه ونساعده، ونؤيده ونسانده، أم نتعامل معه كما تعامل المشركون مع نبي الله إبراهيم عليه السلام فهلكوا ونجا، “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّار إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”.

أقرأ أيضًا: الموت أثناء الاستجواب شبهة وخلال التعذيب جريمة

الموت أثناء الاستجواب شبهة وخلال التعذيب جريمة

أقلام – مصدر الإخبارية

الموت أثناء الاستجواب شبهة وخلال التعذيب جريمة، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تستوقفني دائماً حوادث “الوفاة” داخل السجون الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وأشعر بالكثير من الحزن والأسى لوقوعها، وهي للأسف باتت حوادث كثيرة ومتكررة ومحزنة ومؤلمة، ومثيرة للسؤال والاستغراب، وغالباً تطال الموقوفين أثناء التحقيق، وتحديداً خلال الأيام الأولى لتوقيفهم، وأحياناً بعد ساعاتٍ قليلة من دخولهم السجن، وقَلَّ أن تحدث وفيات بين المحكومين الذين تجاوزوا مراحل التحقيق والاستجواب.

إلا أنني –وغيري كثير- لا أصدق التقارير الصادرة عن الجهات الرسمية في المنطقتين، أو أشكك في صدقيتها وموضوعيتها ومهنيتها، ولا أقبل بها ولا أسلم بمبرراتها، حيث تتشابه التقارير الطبية التي تصدرها جهات الاختصاص الصحية، التي تعزو الوفاة غالباً إلى تعرض الموقوف لأزمةٍ قلبيةٍ مفاجئة، نتيجة انسداد شريانٍ أدى إلى توقف القلب، أو نتيجة لجلطة دماغية أو ذبحة قلبية، وغير ذلك من أسباب “الوفاة” المفاجئة، التي تشخصها اللجان الطبية وتصادق عليها وزارة الصحة، وتعتمدها السلطات الرسمية، الأمنية والسياسية.

كما أنكر على الجهات الرسمية مطالبتها وإلزامها أهل “المتوفى” خاصةً والشعب عامةً وهيئات حقوق الإنسان، واللجان والمؤسسات الحقوقية، بتصديق الرواية الرسمية الصادرة عن هيئاتها المختصة، واعتماد نتائجها وتعميمها وعدم التشكيك بها، وتستنكر إدانتها وتوجيه اللوم لها، وتعيب على من ينتقدها ويعارض فعلها، وترفض أن توجه أي اتهاماتٍ لها أو لعناصرها الأمنية التي أوقفت المتهم، أو لضباط التحقيق الذين أشرفوا على الاستجواب والتحقيق، أو للجهات الإدارية المشرفة على مراكز التوقيف ورعاية الموقوفين وحمايتهم.

لعله من الخطأ الجسيم السكوت على مثل هذه الحوادث، والقبول بها والتسليم بعفويتها، أو المساهمة في تضليل الناس وطمس الحقائق وإخفاء المعلومات عنهم، والتعمية على المتسببين بها والتستر عليهم وإعلان براءتهم، سواء كانوا عامدين وقاصدين، أو حدثت الوفاة قدراً خلال التوقيف، بل أرى أنه من الواجب علينا أن نسلط الضوء عليها إقراراً للعدالة، وصوناً للحقوق، وحفظاً لكرامة مواطنينا، وحماية للمقاومة، ومنعاً للتغول، ومحاربةً للظلم، وكفاً للظالم، وضرباً على أيدي المتجاوزين للقوانين والمعتدين على كرامات الناس وحقوقهم، وإلا فإن الكثير من هذه الحوادث ستتكرر، وستترك آثاراً كبيرةً على وحدة مجتمعاتنا وتماسكها، وستقود إلى تمزيق صفوفنا، وضعف حاضنتنا، وتخلي الكثير عن مقاومتنا.

فنحن جميعاً نعيب على العدو الإسرائيلي، الذي يحتل أرضنا ويغتصب حقوقنا ويدنس مقدساتنا ويعتدي علينا ليل نهار، إقدامه على قتل أسرانا وإعدامهم بوسائل شتى، ونتهمه بتعمد قتلهم أو الإهمال في علاجهم ومتابعة حالتهم الصحية مما يؤدي إلى وفاتهم، أو المبالغة في تعذيبهم والتضييق عليهم، وندين استخدامه وسائل خشنة وقاسية خلال عمليات التحقيق معهم، ونحمله والمجتمع الدولي كامل المسؤولية عن حياة أسرانا وصحة معتقلينا، ونعتبر أن ما يمارسه بحقهم جريمةً ضد الإنسانية، ينبغي أن يحاسب ويعاقب عليها.

مما لا شك فيه أنني لا أقارن بين الحالتين، ولا أدعي التشابه بينهما، فالفرق كبيرٌ جداً والمقارنة بينهما باطلة وفاسدة، فذاك عدو نتوقع منه دوماً الأسوأ والأقسى، ولا ننتظر منه مودةً ولا رحمةً، ولا يفرق في عدوانه ضدنا بين فلسطينيٍ وآخر، بل كل الفلسطينيين هم أعداؤه، أياً كان انتماؤهم وولاؤهم، وهو يتعمد المبالغة في تعذيب الأسرى والمعتقلين عموماً، ولا يعنيه أبداً إن هم قتلوا جراء التعذيب وأثناء التحقيق، أو نتيجة الإهمال الطبي والمعاناة من الأمراض المستعصية.

لكننا نعيب وبشدة على السلطات الفلسطينية، التي تدير شؤون الناس وتعنى بهموم المواطنين، وتقود الشعب وتنظم شؤونه وتدعي المسؤولية عنه، قبولها بمثل هذه الحوادث التي لا يراها الشعب عادية، ولا ينظر إليها على أنها طبيعية، ونستنكر استخفافها بالعقول وتبسيطها للحوادث، فحالات الوفاة في أغلبها ليست عادية أو نتيجةً لأسباب طبيعية، بل هي قطعاً نتيجة التعذيب الشديد والضرب العنيف، وقد ثبت أن بعض الموقوفين قد توفوا نتيجة ضربهم بعتلاتٍ حديدةٍ وبسلاسل معدنيةٍ ثقيلةٍ، وبسياطٍ مغلظةٍ، فضلاً عن الضرب بالعصي والهراوات والأدوات الحادة، التي تصيب مناطق حساسة من الجسد في الرأس والصدر والبطن، ما يؤدي إلى حدوث حالات وفاة سريعة.

أمام هذه الوقائع المتكررة والحقائق الثابتة، نرى أن على السلطات الحاكمة، وهم أولياء الأمر، أن تقف عند مسؤولياتها، وأن تكون أمينة على حياة شعبها ومصالح أبنائها، وأن تضبط بقوةٍ وحزمٍ أداء الشرطة وعمل الأجهزة الأمنية، وأن تعاقب المتجاوزين، وتحاسب المخالفين، وأن تخضع العاملين في قطاع السجون ومراكز التحقيق والاستجواب إلى دوراتٍ خاصةٍ، تؤهلهم فيها إنسانياً بنفس القدر الذي تؤهلهم فيها مهنياً، وأن تلجأ في عمليات التحقيق إلى وسائل أخرى، دقيقة وحازمة ومضبوطة، تتوخى من خلالها الوصول إلى الحقيقة، في الوقت الذي تحفظ فيه كرامة الإنسان، وتصون حياته، وتحفظ سمعة وشرف وماء وجه أهله.

وعلى السلطات الحاكمة أيضاً أن تسهل عمل لجان الرقابة والتفتيش، وأن تسمح للجان حقوق الإنسان والمؤسسات المدنية، بإجراء تحقيقاتٍ مستقلة، وتوجيه مساءلة قانونية للمتورطين في مثل هذه الحوادث، وينبغي عليها ألا تكون لينة أو متساهلة مع كل من يتجاوز القانون، أو يفرط في استخدام القوة، أو يلجأ إلى ممارسة التعذيب الشديد، فبعض المسؤولين مهوسون أمنياً ومرضى سيكولوجياً، ويظنون أنهم يحققون مع عدوٍ، ويستجوبون جواسيس وعملاء، مع التأكيد على مبدأ المهنية في التحقيق، والعدالة في الإجراءات، والإنسانية في التعامل مع أي موقوفٍ أياً كانت تهمته وجريمته، إلى أن يحال إلى المحكمة التي يؤمل فيها أن تصدر في حقه الحكم المناسب والجزاء العادل.

إلا نقوم بذلك ونحرص على الحق والعدل، والمساواة والإنصاف، ومحاسبة المخطئين ومعاقبة المتورطين، وإقصاء الفاسدين، وإبعاد المرضى والمهوسين، فإننا نغضب الله عز وجل ونستحل لعنته، ونخسر شعبنا، ونفقد حاضنتنا، ونضعف قاعدتنا، ونفض الناس من حولنا، ونؤسس للحاقدين علينا والكارهين لنا، ونمكن للعدو فينا، فنحن أقوياء بطاعتنا لله عز وجل وصدقنا معه سبحانه وتعالى، وبعدالة قضيتنا، وقدسية بلادنا، وطهر مقاومتنا، ووحدة شعبنا، وصفاء نفوسنا، وتواضعنا لبعضنا، وذلتنا فيما بيننا وعزتنا على عدونا.

أقرأ أيضًا: داخلية رام الله تُعلن وفاة أحد الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية

يوم الاستقلال قلق الوجود وشكوك البقاء

أقلام – مصدر الإخبارية

يوم الاستقلال قلق الوجود وشكوك البقاء، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

حاول الكيان الصهيوني في الذكرى الخامسة والسبعين لما يسمى بـــ”يوم الاستقلال” استعراض قوته، وإبراز تفوقه، والكشف عن أسلحته، وإظهار قدراته القتالية العالية وإمكانياته الهجومية المتطورة، في ظل أجواء عصيبة لا تقوى على إخفاء القلق، وتبديد الخوف، وطمس الحقائق الجديدة، وإلغاء التحديات المتزايدة، ولا تتمكن من طمأنة المستوطنين الذين بات ينتابهم قلقٌ شديدٌ على مستقبل وجودهم، ومدى بقائهم في “أرض الميعاد”، التي كانوا يظنون أنها ستكون لهم إلى الأبد أرض المن والسلوى وبلاد والسمن والعسل، يسودها الأمن وتتمتع بالسلام، لكنهم وبعد مضي خمسٍ وسبعين سنة لم يتمكنوا من جلب الأمن لهم، ولا خلق الاستقرار لكيانهم، وعجزوا عن رد القتل عن أنفسهم، ودفع الخوف عنهم.

حاول الكيان الصهيوني المهزوزة حكومته والمرتبك أعضاؤها، والمتورط رئيسها، والمرتعش جيشه والعاجزة قيادته، أن يرسل من خلال استعراض القوة الجوية والكشف عن الأسلحة المدمرة وتقنيات الحرب الحديثة، مجموعة من الرسائل المتعددة الاتجاهات والمختلفة العناوين، ظاناً أنه يستطيع من خلال الاستعراضات البهلوانية والأسلحة الخلبية ومجموعات المحتفلين المتناثرة، التي اشتبكت فيما بينها، وتبادلت السباب والشتائم، ورددت شعاراتٍ متناقضة، أن يذر الرماد في العيون، وأن يعميها عن رؤية الحقائق وقراءة الواقع، وأن يخدع الجميع بقوته وقدرته، وتفوقه وتطوره، وأن يظهر ثقته بنفسه واطمئنانه إلى إمكانياته.

ربما كانت رسالته الأولى موجهة إلى مستوطنيه الذين باتوا يظهرون خوفهم، ولا يقوون على الوقوف على أقدامهم، ولا تشجعهم الظروف الجديدة على الاستمرار في مشروعهم والثبات في مستوطناتهم، فالتحديات باتت أكثر من قدرتهم على الإحساس بالأمن والاستقرار والاستمتاع بالدعة والسلام، فالخطوب باتت تحدق بهم من الداخل والخارج، وتهدد وجودهم ووحدتهم، فلا استقرار سياسي يطمئنهم، ولا حكومة عاقلة ترشدهم، ولا رئيس حكومةٍ صادقٍ يقودهم، ولا جيش متفوق يطمئنهم، ولا رخاء اقتصادي يغريهم أو استقرار مالي يشجعهم، الأمر الذي أخذ يجعلهم يشكون في أنفسهم، ويقلقون على مستقبلهم، ويخشون على مصيرهم وعاقبة أمرهم.

لكن المستوطنين الإسرائيليين الذين تفضحهم الدراسات والاحصائيات، وتكشف عن حقيقتهم الاستبيانات والاستقراءات، تؤكد أن قرابة مليون مستوطنٍ منهم يعيشون خارج الكيان، وأن الكثير منهم لا يفكرون في العودة، ولا يخططون للمستقبل في كيانهم، ولا يطمئنون فيه على مستقبل أبنائهم، بل يفعلون جنسياتهم الأصلية، ويبنون المشاريع في بلادهم الأم التي منها هاجروا وآباؤهم، وهذا الأمر لا يقتصر على المستوطنين فقط، بل يمتد ويطال قادتهم وزعماءهم الحزبيين والعسكريين والسياسيين، ولعل رئيس حكومتهم الأسبق نفتالي بينت أوضح مثالٍ على ظاهرة فقدان الثقة في كيانهم، فهو أول الراحلين عملاً واستثماراً وربما استقراراً لعائلته في الولايات المتحدة الأمريكية التي منها جاء إلى فلسطين غازياً ومستوطناً.

كما تظهر الدراسات أن ملياراتٍ من الدولارات هربت من الأسواق التجارية ومن البنوك وبيوت المال، وأن مئات المشاريع الاقتصادية قد أغلقت، والكثير من البرامج والخطط قد جمدت، وأن البنوك باتت تشتكي وتظهر قلقها ولا تخفي مخاوفها من تداعيات الأزمات العديدة التي تعصف بالكيان، فهروب الرساميل الكبرى، ورحيل كبار المستثمرين، وتفكك الشركات المتعددة الجنسيات، والمخاوف المتزايدة من انهيار النظام القضائي وضعف الرقابة الاقتصادية مقابل تغول السياسيين، برلماناً وأحزاباً، بات رعباً يلاحق الإسرائيليين عموماً، ويقلق أرباب المشروع الصهيوني، فرأس المال اليهودي الذي لعب دوراً رئيساً في حياة الإسرائيليين، هو أحد أهم ركائز المشروع الصهيوني.

أما رسالة يوم الاستقلال الإسرائيلي الأخرى فقد كانت موجهة للمحيط القريب والجوار البعيد، ولقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعربية عموماً، بقصد إرهابها وتخويفها، وردعها وصدها، ودفعها لليأس والقنوط، وعدم التفكير في مقاومة كيانهم وتهديده، فقد أرادوا القول لهم أن كيانهم أقوى من التهديد، وأثبت من المقاومة، وأعمق جذوراً في الأرض من أن تقتلعه قوة أو تفكك بنيانه دولة أو جماعة.

وأن مناؤيه يخسرون أمامه، ولا يستطيعون مواجهته، وأنهم سيدفعون الكثير من حياتهم ومن مستقبل أجيالهم، قبل أن يحققوا أهدافهم أو يصلوا إلى غاياتهم، ولهذا فإن عليهم أن يكونوا عقلاء منطقيين، يحكمهم العقل ويضبطهم الرشد، وتسيرهم المصلحة وتقودهم المنفعة، ويسلمون بالأمر الواقع ويقبلون بالكيان ويعترفون بشرعيته، ولا يعاندون الواقع ولا يواجهون القوة، وإلا فإنهم سيخسرون ما بقي بين أيديهم، وسيحرمون مما تعدهم به حكوماته وتمنحه لهم سلطاته.

لا يبدو أن احتفالات يوم الاستقلال المبالغ فيها، ومظاهر القوة الزائفة، واستعراضات العظمة الكرتونية، تستطيع أن تطمئن الإسرائيليين وتريحهم، أو تتمكن من تبديد خوفهم واستكانة نفوسهم، أو أنها ترقى لأن تهدد المقاومة وتضعفها، أو تخيفها وتربكها، أو تكوي وعيها وترعبها، فهذه الرسائل قد فقدت مضمونها وأخطأت عنوانها، وهي لن تفي بالغرض ولن تؤدي المطلوب، ولعلها حققت نتائج مغايرة وأخرى غير مرجوة، فلا كيانهم استقر، ولا مستوطنوهم أمنوا، ولا حلفاؤهم عليهم اطمأنوا، ولا المقاومة خافت، ولا أصحاب الأرض وحملة السلاح، والثابتون في الأرض والمتمسكون بالحق، قد جبنوا وخافوا، وسلموا واعترفوا، بل خسر الأوائل وانكفأوا، وتراجعوا وضعفوا، ونهض الأواخر واستعلوا، وكسبوا وتفوقوا، وتضاعفت قوتهم وتعمقت مقاومتهم، واتحدت ساحاتهم واتفقت جبهاتهم.

أقرأ أيضًا: التضييق على المصلين وحرمانهم من مسجدهم سياسة إسرائيلية ثابتة

التضييق على المصلين وحرمانهم من مسجدهم سياسة إسرائيلية ثابتة

أقلام – مصدر الإخبارية

التضييق على المصلين وحرمانهم من مسجدهم سياسة إسرائيلية ثابتة، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

يخطئ من يظن أن الفلسطينيين كانوا على مدى العقود الماضية، يعيشون في ظل سياسات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك أياماً ورديةً وسنواتٍ زهريةً، وأنهم كانوا يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية والدينية في المدينة والمسجد، وكانوا يدخلون المسجد دون عقبات، ويصلون فيه دون إزعاجٍ، ويعتكفون فيه متى أرادوا، كيف لا وحكومات الكيان الصهيوني تعلن دائماً أنها دولة ديمقراطية، وأنها تحترم الأديان، وتحرص على حرية العبادة، وتحافظ على الوضع القانوني والتاريخي لمدينة القدس والمسجد الأقصى، ولا تسعى لتغييرهما، أو فرض وقائع جديدة فيهما، وترفض محاولات المساس بحرية المصلين أو التدخل في طقوسهم الدينية.

الحقيقة هي غير ذلك تماماً، فمعاناة الفلسطينيين في مدينة القدس والمسجد الأقصى لم تبدأ هذا العام فقط، ولم تفرض عليهم هذه الشروط القاسية في ظل هذه الحكومة بالذات، التي تشارك فيها الصهيونية الدينية بقطبيها المتشددين، اللذين لا يترددان في التعبير عن مواقفهما العدوانية والتصريح عن سياساتهما المتطرفة تجاه الفلسطينيين عموماً، علماً أنهما، بن غفير وسموتريتش، يعبران عن سياسة الحكومة كلها، ويمثلان رئيسها الذي يؤمن بأفكارهما ويتبنى سياستهما، ويدعم من خلال المصادقة على اتفاقياته معهما ما يقومان به من إجراءاتٍ قاسية بحق الفلسطينيين، بل ويشجعهما عليها ويدافع عنهما ويحميهما.

فالشعب الفلسطيني يعاني منذ احتلال الشطر الشرقي لمدينة القدس، ودخول جيش العدو إلى باحات المسجد الأقصى عام 1967، من ممارسات سلطات الاحتلال القاسية بحقهم، التي لم تُخفِ منذ اليوم الأول لدخولها المدينة والمسجد، نيتها توحيد مدينة القدس، وإعلانها عاصمة أبدية موحدة لكيانهم، وعزمها طرد الفلسطينيين منها، وحرمانهم من حقهم في الإقامة والعمل فيها، وفي المقابل باشرت بمصادرة أراضيهم وبنت عشرات المستوطنات عليها، وضاعفت أعداد المستوطنين فيها، وخططت لبناء مدينة القدس الكبرى على حساب الأحياء العربية فيها، ونقلت إليها كافة مؤسساتها السيادية، وطالبت دول العالم المختلفة بنقل سفاراتها إليها.

لم يشعر الفلسطينيون يوماً منذ الاحتلال حتى اليوم بأي شكلٍ من أشكال الراحة والاطمئنان في مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، فهم دائماً يعانون من ممارسات الجيش والشرطة، ويتأذون كثيراً من استخدامها للقوة المفرطة ضدهم، فقد قتل على أيديهم مئات الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال في باحات المسجد الأقصى وعلى بواباته، قبل وبعد أن عدلت الحكومة الإسرائيلية من ضوابط استخدام القوة ومعايير إطلاق النار على الفلسطينيين، حيث أصبحت عناصر الشرطة وجنود الجيش يطلقون النار ببساطةٍ ودون وجود مبررات ومسوغاتٍ لذلك، ما أدى إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين، وترك المصابين منهم على الأرض ينزفون لساعاتٍ طويلة، دون السماح بتقديم أي إسعافاتٍ لهم، مما يؤدي غالباً إلى استشهاد العديد منهم.

كما يشتكي الفلسطينيون من استفزازات المستوطنين وغلاة المتشددين، الذين لا يتوقفون عن محاولات اقتحام المسجد وانتهاك حرمته، وتدنيسه وتأدية طقوسهم فيه، وهم لا يكتفون بالزيارة التي يدعون، بل باتوا يطالبون باقتطاع أجزاء منه، والصلاة فيه، وأداء السجود الملحمي، وأخيراً باتوا يخططون إلى تقديم القرابين وذبح “السخلان” فيه، وخلال عمليات الاقتحام التي يرعاها الجيش وتحميها الشرطة وتنظمها الحكومة، لا يترددون في إطلاق النار على الفلسطينيين، بحجة تعرضهم للخطر، أو اشتباههم بأن بعضهم يحملون سلاحاً أو أدواتٍ حادةً قد تعرض حياتهم للخطر.

ويتألمون كثيراً من ممارسات سلطات الاحتلال التي لا تسمح لهم بحرية الدخول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه، رغم علمهم أنه يعتبر في دينهم الإسلامي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأن القرآن الكريم قد نص عليه، وأن رسول الله صلّ الله عليه وسلم قد حض على شد الرحال إليه، بياناً لمكانته وتأكيداً على قدسيته، ورغم ذلك فإنهم يتعمدون وضع العراقيل أمامهم، وفرض الشروط عليهم، والحيلولة دون وصولهم إلى مدينة القدس تمهيداً للدخول إلى المسجد.

علماً أن المصلين لا يشكلون خطراً عليهم، ولا يحملون سلاحاً يهددهم، ولا يغادرون صحن المسجد أو باحاته، إلا أن سلطات الاحتلال تتهمهم وتحاربهم في طقوسهم الدينية السلمية، وتضيق عليهم وتمنعهم من أدائها، وتعتدي عليهم بالضرب والإساءة، وتهين المصلين، وتركل الساجدين، وتدوس على أجسادهم، وتطلق عليهم قنابل الغاز المسيلة للدموع، التي تكاد تخنقهم بالنظر إلى أن المسجد مغلق، والغاز المسيل للدموع يبقى فيه مركزاً وقد يخنقهم.

يدرك الفلسطينيون أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تريد انتزاع المسجد الأقصى منهم، وتتطلع إلى أن تستولي عليه وحدها دونهم، فهم يرونه جبل الهيكل، والمكان الأكثر قدسيةً بالنسبة لهم، ولعلها غير نادمة على حرقه بل تتمنى زواله، وهي وإن كانت تعلن أنها تسعى إلى تقسيمه مكانياً وزمانياً، فهي تتطلع إلى أخذه بالكامل والسيطرة عليه كلياً، ولكنها تريد أن تتدرج في الأهداف، وأن تمهد لها خشية الصدمة وردود الفعل العنيفة من الفلسطينيين خصوصاً ومن العرب والمسلمين عموماً.

لكن هبة الفلسطينيين وصمود المقدسيين، وردود فعل العرب والمسلمين، وموجات الغضب المتصاعدة، وتزايد عمليات المقاومة، والتهديد بقصف الكيان وفتح الجبهات المتعددة ضده، وحدها التي ستدفع حكومة الكيان إلى التراجع والانكفاء، حيث لا يردعه شيءٌ كالقوة، ولا يجبره شيءٌ على التراجع سوى ارتفاع الكلفة، ولا يدفعه إلى تحريك الوسطاء وطلب المساعدة سوى إحساسه أن المقاومة جادةٌ، وأن قرارها ناجزٌ، وأن سلاحها جاهزٌ وقادرٌ.

الحرس الوطني الإسرائيلي الهوية والمهمة والمرجعية

أقلام – مصدر الإخبارية

الحرس الوطني الإسرائيلي الهوية والمهمة والمرجعية، بقلم الكاتب الفلسطيني سري القدوة، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

منذ أن بدأت مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية، واليمين الإسرائيلي يتحدث عن المصادقة على تشكيل قوة عسكرية ضاربة جديدة تحمل اسم “الأمن الوطني”، وتتولى مهاماً عسكرية وأمنية جديدة، وتأخذ جزءً من صلاحيات الجيش والأجهزة الأمنية، لكنها لا تخضع لهما ولا تلتزم بسياستهما، وإنما تتبع لوزير الأمن القومي، وتنشط في المناطق الفلسطينية كافةً، ولا يقتصر عملها في الضفة الغربية فقط، وإنما يمتد ليشمل المدن والبلدات الفلسطينية في الأرض المحتلة.

وكان ثنائي الصهيونية الدينية بن غفير وسموتريتش قد اشترطا على نتنياهو قبل الدخول في ائتلافٍ معه، التوقيع على عشرات الاتفاقيات، وتمرير العديد من القرارات في الكنيست الإسرائيلي، ومنها الموافقة على تشكيل “الحرس الوطني”، وإلحاقه بوزارة الأمن الداخلي بعد تغيير اسمها إلى وزارة “الأمن القومي”، وإخضاعها إلى إيتمار بن غفير، الذي يخطط لاستخدامها ضد الفلسطينيين، واستغلال صلاحياتها في محاصرتهم والتضييق عليهم، وقمعهم ومنعهم من التوسع والبناء، وممارسة الضغوط القصوى ضدهم.

فما هي هذه القوة الجديدة المسماة “الحرس الوطني” وما هي مهامها، وكيف ستتشكل وأين ستعمل، وكم عدد عناصرها وما هو عتادها ونوعية تجهيزاتها، وهل ستخضع لإدارة الجيش وستلتزم بسياسته، أم أن لها برامج مختلفة وأهداف خاصة، وهل سيخضع لسياستها المستوطنون الإسرائيليون، أم أنها ستمارس سلطاتها ضد الفلسطينيين فقط، وهل هو نفسه الأمن الوطني الذي صادق على تشكيله رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت، على أن يتبع حرس الحدود وجهاز الشرطة العام، لتمكينهما من أداء مهامهما، والتعويض عن غياب وعدم قدرة الشرطة عن القيام بواجبها، فضلاً عن قمع العنف وفض التظاهرات في الأوساط العربية.

ولماذا يعترض معسكر المعارضة على تشكيلها ويطالبون نتنياهو وحكومته بعدم الموافقة عليها، أم أنهم يرفضون تشكيل أي قوة عسكرية خارجة عن سلطة الجيش، ويعتبرون التشكيل الجديد مليشيا بيد وزيرٍ غير ذي صفةٍ.

أم أنهم حريصون على المصالح الفلسطينية، ويخشون تغول “الحرس الوطني” عليهم واعتدائه على حقوقهم وممتلكاتهم، خاصةً أنه سيكون تحت سلطة وزير متطرف.

أم أنهم يخشون على صورة كيانهم، ويخافون على مستقبل وجودهم، ويرفضون الصورة النمطية المتطرفة التي يرسمها المتطرفون لكيانهم، ويرون أن اليمين الإسرائيلي الحاكم يقود كيانهم نحو الهاوية، ويعجل بصناعة الخاتمة، التي باتت تبدو لهم قريبة، لكنها ستكون دموية، إذ ستخالطها دماءٌ يهودية، وستصاحبها هجرة معاكسة، لا تقتصر على المستوطنين فقط، بل ستسبقها هجرة الأدمغة ورجال الأعمال ورؤوس المال.

يتشكل الأمن الوطني الإسرائيلي من مدنيين وأمنيين وعسكريين متقاعدين، ويتبع وزارة الأمن الوطني، ويتلقى منها ميزانيته السنوية، التي قدرت للتأسيس لمرةٍ واحدة بقيمة 32 مليون دولار، وسنوياً بقيمة 17.5 مليون دولار، على أن تراعي الوزارة الحاجات المستجدة للتشكيل الجديد، سواء المتعلقة بالتجهيزات والمعدات، أو الخاصة بالعناصر والعاملين، ويتميز المنتسبون إلى الحرس الوطني وهم عدة آلاف من المتطوعين، بالكفاءة العالية، والخبرة والتجربة، والقدرة على الانتقال السريع، والعمل في وقتٍ واحدٍ على أكثر من جبهة، والقدرة الفائقة على ضبط الأمن والتصدي للعنف وفض المظاهرات.

قد لا يشكل الحرس الوطني خطورةً جديدةً أو إضافية على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، فجيش الاحتلال وشرطته لا يقصران أبداً في قمع الفلسطينيين والتضييق عليهم، بدليل الإحصائيات الرسمية التي تبين حجم الشهداء وعدد الإصابات، وحالات الاعتقال والمداهمة، وعمليات الاقتحام وهدم البيوت ومصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان.

لكن الحرس الوطني الجديد، بقيادته المتطرفة المنفلتة من عقالها، قد يشكل خطورةً كبيرة على أهلنا في القدس وفي النقب وفي المدن والبلدات والتجمعات الفلسطينية، حيث سيعمل في هذه المناطق بتعليماتٍ مباشرةٍ من بن غفير، كما عمل في العام 2021 في مدينة اللد، وواجه المواطنين الفلسطينيين فيها وقتل وجرح العديد منهم، وكما عمل إثر تشكيل الحكومة في النقب خلال زيارة بن غفير لمدنه وبلداته، ومن الواضح من خلال تصريحات بن غفير وأنصاره، أن هذا الجهاز العسكري سيكون عنيفاً وقاسياً ومتطرفاً، ولن يتردد في استخدام القوة المفرطة والعنف الأقصى ضد الفلسطينيين.

الأمن الوطني الإسرائيلي هو صورة منظمة وشرعية عن العصابات الصهيونية القديمة، شتيرن والهاغاناة والأرجون، التي عاثت فساداً في أرضنا الفلسطينية فقتلت وهجرت، ودمرت وخربت، وصادرت ونهبت، وارتكبت المذابح ونفذت أبشع المجازر ضد شعبنا الفلسطيني، ثم أصبحت فيما بعد جزءً رئيساً من الجيش الإسرائيلي، وغدا قادتها وزراء ورؤساء حكومة، وكأن التاريخ يعيد نفسه ويكرر ذاته.

وهو لا يعبر عن سياسة بن غفير وسموتريتش فقط، فهما لم يؤسساه أصلاً إذ تشكل قبل انضمامهما إلى الحكومة، ولكن بن غفير تبنى فكرته وطور نظرية عمله، إلا أن أغلب الأحزاب الإسرائيلية والحكومات السابقة تتبناه وتؤيد تشكيله، وتدعم فكرة عمله، ولا تعارض انتشاره في المناطق الفلسطينية، لكنها تريد أن تخضعه بالكامل لسلطة الجيش أو الشرطة، وألا يكون بإمرة وزيرٍ يستخدمه للعمل وفق أفكاره الخاصة.

إنه مليشيا مسلحة، وعصابة صهيونية منظمة، وهي جزءٌ من الدولة، وتتلقى ميزانيتها منها، ومهمتها الوحيدة قمع الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة، وعناصرها هم من غلاة المتطرفين والمتشددين، ومن دعاة طرد الفلسطينيين وترحيلهم، ومن أقطاب المستوطنين وفتية التلال ومجموعات تدفيع الثمن وغيرهم، ممن يؤمنون بأن فلسطين هي “أرض إسرائيل”، وأنها لهم وحدهم خالصةً من دون العالمين، وأنه لا ينبغي أن يشاركهم فيها أحد، فهم مُلأَّكها الأصليون وأهلها الشرعيون، وأما الفلسطينيون فهم بزعمهم ليسوا شعباً، وفلسطين ليست لهم وطناً، وليس لهم فيها جذور ولا تاريخ، ولا أصول ينتمون إليها ولا آثار تدل على عيشهم فيها.

Exit mobile version