حرائر فلسطين يستغثن الأمة فهل من معتصم؟!

أقلام – مصدر الإخبارية

حرائر فلسطين يستغثن الأمة فهل من معتصم؟!، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

مؤلمةٌ جداً تلك المشاهد التي سجلتها عدسات المصورين، وتناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للمرأة الفلسطينية التي تعرضت لاعتداءٍ صارخٍ ومُهينٍ من جنديٍ إسرائيلي لئيمٍ ومَهينٍ، في أحد أزقة مداخل المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلة، وقد ظهر الجندي وهو يركل السيدة الفلسطينية بقدمه بحقدٍ بادٍ ولؤمٍ لا يخفى، إذ واصل ركلها بعنفٍ مقصودٍ على مرأى ومسمعٍ من بقية الجنود والمارة في الزقاق من الفلسطينيين والمستوطنين على السواء، وقد حاول الفلسطينيون الدفاع عنها ورده ومنعه من الاعتداء عليها، في الوقت الذي وقف فيه المستوطنون يتفرجون عليها، يؤيدون الجندي ويشجعونه على النيل منها، وعدم الإصغاء إلى الداعين لوقف الاعتداء عليها وتركها لسبيلها ومواصلة طريقها.

كما آلمتنا مشاهد اعتقال سليلة عائلة البرغوثي المقاومة، وابنتها الثائرة السيدة حنان البرغوثي، الشامخة بكبريائها والعظيمة بثباتها، والقوية بصبرها، التي لم تخف من طوابير الجنود الذين التفوا حولها واقتربوا منها، ولا من الذين اقتحموا بيتها وحاولوا ترويعها، ومضت تمشي بينهم برأسٍ مرفوعٍ وقامةٍ منتصبةٍ وشموخٍ عالٍ، غير مباليةٍ بجموعهم التي تكالبت عليها ككلابٍ ضالةٍ وضباعٍ ضاريةٍ، تريد أن تنهشها وتنال منها، لكنها جبنت وخافت من ثباتها، وتراجعت أمام إقدامها، وخشيت من وقع أقدامها الواثقة ومن نظرات عيونها الثاقبة، وهي المقيدة اليدين المعصوبة العينين.

كما تؤلمنا كل يومٍ وتحز في نفوسنا وتدمي قلوبنا، قصص أخواتنا الخمس وثلاثين، الأسيرات في سجون العدو، اللاتي يعانين ويقاسين الويلات في المعتقلات الصهيونية، ويواجهن بأجسادهن الضعيفة سياسات بن غفير العنصرية وحكومته اليمينية، ويتحدين بصلابةٍ إرادة السجان، ويقفن كما الرجال في وجوههم، ويرفضن الإنصياع إلى أوامرهم، ويخضن مع إخوانهن الأسرى معارك الإضراب عن الطعام، ويصممن مهما كان الثمن على كسر إرادة العدو، وإجباره على التراجع عن قراراته، وإعادة الامتيازات التي سحبها منهن، والحقوق التي حرمهن منها، وهن اللاتي تركن وراءهن أسرهن وأطفالهن، وتخلين في سبيل وطنهن وشعبهن عن متع الدنيا ونعيم الحياة، وبعضهن حاملاتٌ ومرضعاتٌ، وأخرياتٌ يعانين من أمراض مستعصية ومشاكل صحية مزمنة، ويتعرضن للضرب والأذى، ويشتكين من القمع والبطش، ورغم ذلك فإنهن يقفن بجرأةٍ وبسالةٍ، صفاً واحداً متضامناتٍ في مواجهة سلطات الاحتلال.

ولا ننسى صور الجنود الإسرائيليين الذين أطلقوا كلابهم المفترسة على نسائنا، تنهشهن وتحاول عضهن وتمزيق ثيابهن، وأخرى تتكرر دائماً لجنودٍ آخرين يتهكمون عليهن ويحاولون التحرش بهن وإيذائهن، فضلاً عن عشرات النساء اللاتي قتلن برصاص جنود جيش الاحتلال على المعابر والحواجز الأمنية، وفي الطرقات والشوارع، بحجة الاشتباه بهن وادعاء أنهن يحملن أدواتٍ حادةً ويخططن للقيام بطعن الجنود والاعتداء عليهم، وممن قضين برصاص جنود الاحتلال سيداتٌ مسناتٌ وأُخرُ أمهاتٌ لأطفالٍ صغار، وشاباتٌ وطالبات مدارس، ممن يصادف مرروهن على الحواجز أو قريباً من الدوريات العسكرية.

تلك هي مشاهدٌ يوميةٌ تواجهها المرأة الفلسطينية وتعاني منها، وأخرى غيرها كثيرٌ مما يعجز القلم عن وصفها والإحاطة بها، فالعدو ينظر إلى المرأة الفلسطينية بكرهٍ وحقدٍ شديدين، ويتمنى قتلها قبل غيرها، فهو يرى أنها تربي الأجيال الفلسطينية وتنشئهم على حب فلسطين والتضحية في سبيلها، وترضع أطفالها حليب المقاومة والصمود والثبات والإباء، وهي تحرضهم على تنفيذ عملياتٍ عسكرية ضد الاحتلال ومستوطنيه، وتشرف على تدريبهم وتواكب عملهم وتجهزهم بسلاحهم، وتودعهم بلا ضعفٍ، وتستودعهم أمانتها بقين، وتفرح إذا وصلها نبأ استشهاد ابنها ولا تجزع، وتستقبل المهنئين بشهادته وتفرح، وترفع صوتها بالدعاء له والرضا عليه، وتشهد الله عز وجل أنها عنه راضية.

تصبر المرأة الفلسطينية على كل ما تواجه، ولا تشكو ولا تتأفف، ولا تضيق ذرعاً ولا تيأس، ولا تستسلم لعدوها ولا تخضع، ولا تبكي شهداءها ولا تجزع، بل تحتسب عند الله عز وجل كل ما تلاقي، وترتضيه في سبيل وطنها ومن أجل شعبها.

لكنها ترنو بعيونها إلى أمتها وتتطلع إليها، وتأمل منها وترجو أن تنصرها وشعبها، وأن تقف معها وأهلها، وأن تستجيب لها وتدافع عنها، وأن تساند قضيتها وتؤيد حقوقها، وألا تتركها وحدها في مواجهة هذا العدو الغاشم، الذي طغى عليهن وبغى، وقتل أولادهن واعتدى، وأساء إليهن وقسا.

فهل من ناصرٍ ينصرهن، أو معتصمٍ يغار عليهن، أو ثائرٍ يغضب لهن ويهب واقفاً لنجدتهن والثأر لهن، أو غيور تغلي الدماء في عروقه غيرةً عليهن وتضامناً معهن، أو قائدٍ يسمع صراخهن ويسير الجيوش كرامةً لهن، فإنهن والله يستحقن من الأمةٍ نصراً، وينتظرن منها غوثاً، ويأملن فيها خيراً.

أقرأ أيضًا: الضفة الفلسطينية تكسر القيد وتشب عن الطوق

الضفة الفلسطينية تكسر القيد وتشب عن الطوق

أقلام – مصدر الإخبارية

الضفة الفلسطينية تكسر القيد وتشب عن الطوق، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لم تعد مهمة سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مدن وقرى القدس والضفة الغربية سهلة، رغم كثافة وجوده وقوة سلاحه وتطرف حكومته، ولم يعد باستطاعة جيشهم الذي يدعي القوة والتفوق أن يدخل إليها ويخرج منها متى يشاء، وهي التي اعتاد اقتحامها في الليل والنهار بسهولةٍ ويسرٍ، وبعددٍ قليلٍ من الجنود والعربات العسكرية، ودون قوات تعززه وطائرات تتابعه وأجهزة توجه، وبلا عرباتٍ مصفحةٍ وأخرى كاسحةٍ للألغام، دون أن يتوقع خطراً أو يتهيب من المواجهة أو يخاف من المقاومة، الأمر الذي جعل دخوله إلى المناطق الفلسطينية مهمة سهلة ووظيفة مأمونة وعملاً اعتيادياً، بل كان بعض جنوده يلتقطون الصور التذكارية لأنفسهم، ويرسلونها إلى أسرهم وعشيقاتهم وكأنهم في رحلةٍ أو نزهةٍ وليسوا في مهمة قتالية وعملية عسكرية.

لكن الحال اليوم قد تغير وتبدل، ولم تعد الأوضاع كما كانت، وأصبحت مهام جيش الاحتلال التي كانت اعتيادية وطبيعية مهاماً صعبة وخطرة، وفيها مغامرة ومقامرة، ويتطلب القيام بها تدريباً وتأهيلاً، واستعداداً وتجهيزاً، وتحشيداً للقوى وتسخيراً للطاقات والإمكانيات، وزجاً بالطائرات الحربية والطوافة والمسيرة، واستخداماً للصواريخ الموجهة والقذائف المدمرة، وغير ذلك من الأسلحة والمعدات التي لم يكن جيش الاحتلال يستخدمها أو يلجأ إليها، ولم يعد جنوده يظنون أنهم في نزهة وجولة، وأنهم بعد ساعاتٍ سيعودون إلى بيوتهم وأسرهم، دون ضررٍ يصيبهم أو قتلٍ يطالهم.

الاعتقالات والاجتياحات والمداهمات والدوريات التي كانت تتم بهدوءٍ وسهولةٍ، وبصحبة عددٍ قليل من ضباط المخابرات والجنود والآليات، بات يتطلب تنفيذها قوات كبيرة، واستعداداتٍ كثيرة، ويلزمها قرارات مسؤولة وحسابات دقيقة، فما من مهمةٍ أصبحوا يقومون بها إلا وجدوا دونها مقاومةً فلسطينية كبيرة، وتأهباً وجاهزية عالية من كل القوى والفصائل، التي باتت تترقب دخول الجيش واقتحامه، وأصبحت تراقبه وتتابعه، وتعرف الأوقات التي يدخل فيها والطرق التي يسلكها، وتنسق فيما بينها وتتقاسم الأدوار فيما بين قواها المنتشرة وعناصرها المجهزة، الذين يعرفون جيداً المسالك والطرق، والمعابر والمداخل والحواجز والكمائن.

أهلنا الأبطال في القدس والضفة الغربية قرروا أن يدفعوا سلطات الاحتلال ثمن عدوانه، وأن يجرعوه مرارة جرائمه، وأن يزيدوا من كلفة سياساته، وأن يعلموه دروساً بليغةً في المقاومة والصمود، والتصدي والمواجهة، وأن يقولوا له أننا لن نسلم لك رقابنا بسهولة، ولن نمكنك من اعتقال أبنائنا ببساطة، ولن نسمح لك باغتيال رجالنا وقتل أبطالنا والتنزه في شوارعنا دون أن تدفع الثمن غالياً وكبيراً من دماء جنودك وأمن مستوطناتك، وفشل جيشك وإحباط قيادتك، ولن يكون باستطاعة مجموعاتك المستعربة وفرق النخبة التي تفخر بها وتتيه، الدخول إلى مناطقنا وتنفيذ مهامها والانسحاب بسلامٍ وأمانٍ.

بات أهلنا في القدس والضفة الغربية يقظين منتبهين، حذرين واعين، يراقبون ويرابطون، ويتابعون ويستقصون، ويحرسون ويتناوبون، ويحتاطون دائماً لئلا يؤخذوا من عدوهم ليلاً أو نهاراً على حين غرة، فكمنوا له في الشوارع والطرقات، وفي الزوايا والمنعطفات، وفوق الأسطح والبنايات العالية، وجهزوا أنفسهم ببنادق حديثة وذخيرة كافية، ومن قبل بعزمٍ وإرادةٍ صلبةٍ، وقنصوا جنوده وضباطه، وزرعوا الأرض عبواتٍ ناسفةً، وأعدوا له الكثير من المتفجرات والمفاجئات، وعما قريب قد يكون لديهم ما لدى قطاع غزة وجنوب لبنان، وهو ما يخشاه العدو ويخاف منه، وقد حذر كبار قادته ومسؤولوه العسكريون من خطورة امتلاك المقاومة في القدس والضفة الغربية لمثل هذه الأنواع من الأسلحة الفتاكة.

لم يعد أهلنا يستسلمون للعدو بسهولة، ويخضعون لأوامره وينفذون تعاليمه، فيسلمون أنفسهم للاعتقال دون مقاومة، ويرضون بالقيد والأسر والاقتياد إلى مراكز التحقيق بسهولة، بل باتوا يرفضون ويقاومون، ويعصون ويخالفون، وأصبح المطلوبون منهم مطاردين، يحملون سلاحهم ويلاحقون العدو ويتربصون به قبل أن يتربص بهم وينال منهم، وكثيرٌ منهم خاض ضد جنوده معارك شديدة، ورفضوا الاستسلام له قبل أن تنفذ ذخيرتهم أو يستشهدوا، وغدت قصص بطولتهم ومشاهد صمودهم ملاحم يرويها أهلهم ويقتدي بها شبابهم، ويخشى من تكرارها والعمل على مناولها عدوهم.

إنها فلسطين الأبية ورجالها الشم الأباة، الأبطال الكماة، أبناء جنين القسام ونابلس جبل النار، وقدس الثوار، وخليل الرجال، وبيت لحم مهد المقاومة، ورام الله الأبية، وقباطية السارية وطولكرم العصية، وطوباس رافعة العلم شديدة المراس، التي طغى فيها العدو وبغى، وظن أنه باقٍ فيها مخلداً، وما علم أن فلسطين إنما هي لأهلها وشعبها، وأصحابها وسكانها، الذين رووا ترابها بدمائهم، وسكن في ثراها آباؤهم وأجدادهم، وضحى في سبيلها أبناؤها ورجالها، وأنه قد كسرت قيدها وشبت عن طوقها واستنسرت، فلا نظن أنها ستكون بعد اليوم للعدو زبدةً طريةً يقطعها بسكينة، ولا أرضاً رخوةً يجتازها بسهولةٍ، ولا لقمةً سائغةً يستمتع بابتلاعها، بل ستكون عليه لعنةً وله قبراً وفي حلقه شوكة، وسينجو منهم من حكم عقله وآثر الرحيل، فهذه الأرض تلفظ الغرباء وتطرد الدخلاء وتستأصل من الجذور كل المستوطنين والغازين، وتمحق كل الأعداء والمتآمرين.

أقرأ أيضًا: وصفة بن غفير للقضاء على المقاومة وتأديب الفلسطينيين

وصفة بن غفير للقضاء على المقاومة وتأديب الفلسطينيين

أقلام – مصدر الإخبارية

وصفة بن غفير للقضاء على المقاومة وتأديب الفلسطينيين، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا:

لا ينفك وزير الأمن القومي الإسرائيلي المدعو إيتمار بن غفير، المتحدر من كهوف مئير كهانا الظلامية، والمتشبع بأفكاره العنصرية ومفاهيمه الصهيونية، والطامح إلى إعادة إحياء مشاريع الترانسفير والطرد القسري الجماعي، يتبجح ويدعي أنه القادر على لجم الفلسطينيين وتأديبهم، وإنهاء مقاومتهم ووأد انتفاضتهم وإطفاء جذوة نضالهم، ومنعهم من تنفيذ عملياتٍ عسكرية ضدهم، وصرفهم عن التفكير في تهديد وجودهم وسلب أمنهم، وإنهاء فعالياتهم الوطنية وأنشطتهم اليومية المستفزة، وعلاج الصداع المزمن الذي يسببونه، وفرض قواعد جديدة للتعامل معهم بما يليق بهم ويناسبهم، وبما يضع حداً نهائياً لطموحاتهم وأحلامهم، وبما يجبرهم على الصمت والقبول بواقعهم، وعدم المغامرة برفضه والعمل على تغييره.

وقد دأب عندما كان نائباً في الكنيست الإسرائيلي عن المعارضة، على توجيه اللوم والنقد للحكومة العاجزة عن توفير الأمن للمستوطنين، وضمان السلامة لهم ولمصالحهم، وكان لا يتورع عن التهكم والاستهزاء بهم، وقد اعتاد التوجه إلى أماكن تنفيذ العمليات العسكرية، وإطلاق التصريحات العنيفة والتهديدات الشديدة من مكان الحادث، واتهام الحكومة بالعجز والضعف، وأنها لا تقوم بواجبها المطلوب منها، وكانت وسائل الإعلام تسلط عليه وتبرز تصريحاته، وتركز على مقترحاته القمعية ووصفاته الأمنية لتحقيق الأمن، وفرض الهدوء والاستقرار في المناطق.

أما عندما أصبح وزيراً للأمن القومي الإسرائيلي فقد ظن أنه يستطيع أن ينفذ وعوده، وأن يفرض قواعده الخاصة على الفلسطينيين، وأن يرغمهم بالقوة على الخضوع له والخوف منه، فعصاه غليظة، وسياسته حازمة، وجرأته أكيدة، وجديته حقيقية، وأفكاره معروفة، ومؤيدوه في الكنيست وبين المستوطنين كُثرٌ، وظن أن المسألة سهلةٌ، وأنه لن يجد صعوبة في إقناع حكومته وفرض سياسته، ولن يلقى من الفلسطينيين مقاومةً تذكر، فطفق يعرض أفكاره الجهنمية على رئيس حكومته بنيامين نتنياهو وأعضاء مجلس الوزراء الأمني المصغر “الكابينت”، محاولاً إقناعهم بأنه يملك الوصفة السحرية للخروج من الأزمة، ويعرف الدواء الشافي لهذه المعضلة المستعصية، وأن جُلَ ما في الأمر أن يطلقوا يديه وألا يعترضوا طريقه أو يعارضوا سياسته، وأن يتعاونوا معه في تنفيذ التوصيات والالتزام الدقيق بها.

فما الذي كان يدور ولا زال في خلد بن غفير ويعشعش في رأسه من مخططاتٍ وأفكار، ويجعله يتوهم أنه يستطيع تنفيذها، وأنه سينجح في تجاوز أزماته وكيانه، علماً أنه لم يخف ما يفكر به ويخطط له، ولم يكن يحاول أن يلطف منها أو أن يخفف من حدتها، بل كان يطرحها ولا يزال كما هي خشنةً قاسيةً، صريحةً واضحةً، مستفزةً صادمةً، عدوانيةً صارخةً.

فهو يدعو إلى مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتشريع البؤر الاستيطانية، وإخضاع المنطقة المصنفة “c” إلى إدارته بالكامل، وإخراج الفلسطينيين منها وهدم بيوتهم فيها، وعدم السماح لهم بالعودة إليها والبناء فيها، وسحب أي تراخيص سابقة قد منحت لهم، سواء بالسكن أو العمل، وحرمانهم في المناطق الأخرى من الاستفادة من خدمات المنطقة “c” ، فلا يستفيدون من طرقها وشوراعها، ولا من بنيتها الداخلية وخدماتها الصحية، ولا يستفيدون من من شبكاتها الكهربائية والهاتفية أو مجاريها ومياهها، وفي الوقت نفسه يستمتع المستوطنون فيها بكل الخدمات المذكورة وما يجد منها ويوسع.

كما يدعو المستوطنين إلى حمل السلاح وعدم التردد في استخدامه ضد المشتبه فيهم من الفلسطينيين، ويدعو القضاء والأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى الكف عن ملاحقة نشطاء المستوطنين، والتوقف عن محاسبتهم ومحاكمتهم على خلفية إطلاق النار على الفلسطينيين، واعتبار هذه الأعمال أعمالاً مشروعة، وتندرج في إطار الحماية والدفاع عن النفس.

ولا ينسى في وصفته الأمنية دعوة الجيش والأجهزة الأمنية إلى اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج، وملاحقة النشطاء والفاعلين وإطلاق النار عليهم، ومحاسبة المحرضين والتشدد عليهم، وتحميل قطاع غزة وحركة حماس التي تدير شؤونه، المسؤولية الكاملة عن كل ما يتعرضون له، والقصاص منهم بقصف مواقع المقاومة ومنشآتها، وقتل قادتها وعناصرها، ورفض سياسة قصف المناطق الخالية والمواقع المهجورة.

وفي الوقت الذي باشر فيه التضييق على الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، قدم إلى الحكومة الإسرائيلية لائحة طويلة بسلسلة من العقوبات والإجراءات القاسية بحقهم، والتزم بالمباشرة في تنفيذها كون هذا الملف ضمن صلاحياته ويخضع لسلطاته، علماً أنه لجأ منذ يومه الأول في وزارته إلى التشديد على الأسرى والتضييق عليهم، وحرمانهم من حقوقهم وسحب العديد من الامتيازات التي حصلوا عليها بتضحياتهم، وكان قد دعا إلى إعدام الأسرى وهدم بيوتهم وطرد عائلات منفذي العمليات العسكري، والامتناع عن تسليم جثامين الشهداء، سواء كانوا أسرى أو غيرهم.

وهو لا يتوقف عن تحريض رئيس الحكومة ووزير الحرب وقائد الجيش، لشحن حملة عسكرية واسعة في الضفة الغربية تشبه عملية السور الواقي، على أن تكون حملة شديدة ومتواصلة، وعنيفة وقاسية، وألا تتوقف إلا بعد التأكد من تحقيق أهدافها، والوصول إلى غاياتها الموضوعة، وألا تصغي الحكومة والجيش لدعوات التهدئة ووقف العملية العسكرية ما لم تحقق الحملة أهدافها المرجوة.

تلك هي بعض أفكار ومخططات بن غفير، ولا شك أن عنده غيرها وأسوأ منها، ولا يبدو أنه سيتخلى عنها أو ينساها، فهناك في حكومته من يعينه ويشجعه عليها، ويظن أن الظروف الدولية والإقليمية تساعده عليها، لكنه نسي أو تناسى أن غيره كثيرٌ قد سبقوه وحملوا ذات أفكاره وسعوا إلى تنفيذ نفس مخططاته، لكنهم ذهبوا وتبخرت أفكارهم وتبددت أحلامهم، وبقي الشعب الفلسطيني على مواقفه ثابتاً، وبحقوقه متمسكاً، وبمقاومته مؤمناً، ولأهدافه العليا ساعياً مهما كانت التضحيات، وأياً كانت التحديات والصعاب.

أقرأ أيضًا: الخيارات الإسرائيلية لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية

إبراهيم النابلسي رفع الله قدره وأعلى مقامه

أقلام – مصدر الإخبارية

إبراهيم النابلسي رفع الله قدره وأعلى مقامه، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لم يكن يعلم أن اسمه سيكون ملء سمع الدنيا وبصرها وإن كان ابن أسيرٍ، وأنه سيكون حديث الناس كلهم وإن كان مطارداً ولسلطات الاحتلال مطلوباً، وأنهم سيحفظون اسمه رمزاً، وسيرون صورته بطلاً، وسيعرفون عمله مقاوماً، وسيتحدثون عنه طويلاً وسيقدرونه كثيراً، وأن وصيته المحدودة الكلمات العظيمة المعاني ستحفظ أمانةً وستتلى فرضاً، وستكون لمن بعده عهداً ووعداً، وأنه سيصبح للمقاومين مثالاً وللشبان نموذجاً، وأن الكثير من بعده سيحذون حذوه، وسيتشبهون به أو سيكونون مثله، وسيكونون على العدو وبالاً وعلى مستوطنيه لعنةً إلى أن يهزم وعن بلادنا يرحل.

كما لم يكن يعلم أن أمه من بعده ستكون مدرسةً للأمهات، ومعلمةً للأجيال، وملهمةً لأمهات الشهداء، وأن كلماتها في رثائه ووداعه ستكتب بماء الذهب، وستغدو للفلسطينيين سفراً ونبراساً، منها يتعلمون وبنورها يهتدون، وستبقى صورتها العظيمة التي رسمت ملامحها بكلماتٍ خالداتٍ إلى جانبه دوماً، يذكرها الفلسطينيون إذا ذكروا صبر الأمهات، وعظمة الفلسطينيات، وصمود المقاومات، فما من بيتٍ فلسطيني وربما عربي إلا ودخلته أم إبراهيم عزيزةً كريمةً، وأصبحت فيه وجهاً بالشموخ مألوفاً ولساناً بالعزة ناطقاً، إذ أعادت بكلماتها رسم صورة المرأة العربية الأبية الصابرة، الأصيلة المجيدة، المقاتلة الشجاعة، المضحية المعطاءة.

ظن إبراهيم النابلسي نفسه مغموراً لا يعرفه أحد، ومجهولاً لا يتهم به الناس، وعابراً سيطويه النسيان، ونسياً ستبليه عاديات الأيام، ولن يذكروه بعد استشهاده إلا قليلاً، ولكنه نسي أن الله عز وجل هو الذي يختار الشهداء من بيننا، وأنه سبحانه وتعالى ينتقيهم من بين عباده وينتخبهم من خلقه، وأنهم خير خلقه وأنبلهم، وأحبهم إليه بعد الأنبياء والرسل، ولعله سيكون لإبراهيم عند الله عز وجل وعند الناس بصموده وثباته، وبكلماته وإصراره شأنٌ عظيمٌ ومكانةٌ ساميةٌ، لا تبلى مع الأيام ولا تبهت، ولا تتراجع منزلته ولا يندثر أثره.

ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي، كان الشهيد إبراهيم النابلسي يتحصن في أحد مباني البلدة القديمة بمدينة نابلس، الذي لجأ إليه بسلاحه، واحتمى فيه بنفسه، حاملاً بندقيته، ومستعداً بذخيرته، يتهيأ للمواجهة، ويوطن نفسه على الصمود والثبات، ويعدها بالنيل من العدو وإصابته، أو الفوز بالشهادة واللحاق بالركب الطاهر، وقد آثر المواجهة على الاستسلام، وأصر على الثبات رغم كثافة النيران، وصمد رغم لجوء العدو إلى قصف المبنى بالقذائف الصاروخية المضادة للدروع، إلا أنه استمر ممسكاً ببندقيته، وقاتل وهو يتحدث مع أمه ويخاطب شعبه، ويوصيهم بأن يتمسكوا بالبندقية، وألا يتخلوا عنها أو يفرطوا فيها، فهي الشرف وهي الكرامة، وهي التي تحمي وتصنع العزة، وهي التي يخشاها العدو ويخاف منها.

قد أغاظ إبراهيم النابلسي العدو حياً وشهيداً، وأرغم أنفه مطارداً، وأذل بزته العسكرية مقاتلاً، ولاحقته كلماته الخالدة شهيداً، فقد لاحقته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أكثر من سنةٍ، وجهدت في البحث عنه طويلاً، وحاولت اغتياله وتصفيته مراراً، فهي تشهد له بالجرأة والشجاعة، والقوة والاقتحام، فقد استدرج قواتهم واصطاد جنودهم، واخترق هواتفهم وهدد ضباطهم، وانتفض لدماء غزة وانتصر لأبطالها، ونقل البندقية من نابلس إلى محيطها، ونظم المجموعات ودرب المقاتلين، وأقسم معهم والبندقية بين أيديهم على مواصلة المقاومة، والحفاظ على البندقية، وقد كان له ولإخوانه ما أرادوا.

وهاي أمه التي ذاع بصبرها صيتها وانتشر بكلماتها اسمها، تتابع مسيرته، وتسير على خطاه، تشحذ الهمم، وتحث الشعب على المقاومة، وتؤكد على وصية ابنها وتصر عليها، وتسبق الجميع إلى بيوت الشهداء، تواسي أمهاتهم، وتصبر عائلاتهم، وتحتضن أطفالهم، وترفع الروح المعنوية عاليةً لدى شعبهم، وتخاطب العدو محذرةً أن في فلسطين مثل ابنها آلافٌ يتبعهم آلافٌ، يحفظون الوصية، ويتمسكون بالهوية، ويواصلون المسيرة، وأنهم سينالون منه يوماً، وسيوجعونه ألماً، وسيجبرونه على العودة والانكفاء ندماً.

إبراهيم النابلسي الذي رفع الله بالشهادة قدره وأعلى مكانته، واحدٌ من جيل المقاومة الجديد، شابٌ يقظٌ غيورٌ، عنيدٌ صلبٌ جسورٌ، مقدامٌ مغامرٌ جريء، تحدى جنود الاحتلال ولاحقهم، وكمن لهم وقنصهم، وأعد الكمائن لهم وأوقعهم، وخاطب قادتهم وكبار ضباطهم وهددهم، ونجا مراراً من محاولات تصفيته، وأفشل العدو خلال ملاحقته، واستطاع رغم سنه اليافع وخبرته القصيرة أن ينسج للمقاومة أثواباً من نور وقصصاً من خيالٍ، يعتز بها الفلسطينيون ويفتخرون، فهذا ابنهم، بل واحدٌ من أبنائهم، الذين أقسموا على الله عز وجل إما النصر وإما الشهادة، وصدقوا ما عاهدوه عليه، فإن كان إبراهيم قد سبق ونال الشهادة وفاز بالجنة، فإن من بعده بإذن الله سيفرحون بنصر الله واستعادة الأرض وبناء الوطن وعودة الشعب ورفع الراية والعلم.

أقرأ أيضًا: الخيارات الإسرائيلية لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية

الخيارات الإسرائيلية لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية

أقلام – مصدر الإخبارية

الخيارات الإسرائيلية لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لم تبق وسيلة لمواجهة الشعب الفلسطيني وقمع انتفاضته، وإخماد مقاومته وإسكات صوته، وتشتيت صفه وإضعاف كلمته، وحرف مقاومته وتشويه صورته، وإخضاعه وكي وعيه، وتركيعه وكسر إرادته، وغير ذلك من الوسائل المكشوفة والخفية، والمباشرة والملتوية، التي يتفتق عنها ذهن الجلادين ويبتدعها عقل العتاة المجرمين، إلا لجأ إليها الاحتلال الإسرائيلي واستخدمها، واعتمدها سياسةً واتخذها منهجاً، ظاناً أنه يستطيع بها أن ينهي مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن يتخلص من عناده وثباته، وأن ينهي وجوده ويحارب بقاءه، وأن يمرر على الفلسطينيين عموماً سياساته ونظرياته، ويسلبهم حقوقهم ويطردهم من أرضهم، ويجتث من عمق الأرض جذورهم، فلا يبقي لهم فيها اسماً ولا في قلبها أثراً، ولا تعود عندهم قوة يقاومون بها ولا وجود لهم فيها يشرع مقاومتهم ويعزز مكانتهم ويقوي موقفهم، أو يهدد أمن وسلامة مستوطنيهم، ويعرض كيانهم للخطر ومصالحهم للضرر.

فقد مارس العدو الإسرائيلي على مدى أكثر من سبعة عقودٍ ضد الشعب الفلسطيني مختلف أشكال القهر والإرهاب، واعتمد كل خيارات الحرب والعدوان، وجرب ضده ما أنتجه جيشه المجرم وأجهزته الأمنية القمعية، وما جادت به الأنظمة الاستعمارية الكبرى التي تعادي الفلسطينيين وتتحالف مع الكيان، فزودته بخبراتها وأطلعته على تجاربها، وساهمت معه في تطبيقها، وسهلت له حرية العمل في بلادها، ونفذت في الخارج خاصةً بالنيابة عنه أو بالتعاون معه بعض المهام، وتكلفت بتنفيذ العديد من العمليات، أو تقوم إكراماً له وتعاوناً معه بطرد العديد من الفلسطينيين من بلادها، وحرمانهم من حق الإقامة فيها، أو تسحب جنسيتهم المكتسبة وتحرمهم من أي امتيازاتٍ أو ضماناتٍ تحميهم.

أما جيشه الذي تدرب وتأهل، وأجرى المناورات وحاكى العمليات، فقد داهم واجتاح، واقتحم واخترق، وغار وقصف، واحتل واستوطن، وهدم ونسف، وخرب ورّوَّعَ، واغتال وقتل، وأصاب واعتقل، وطرد وأبعد، وصادر واغتصب، وسرق ونهب، وحرق الأشجار واقتلعها من جذورها، وأتلف المحاصيل وخرب الحقول، وسمَّمَ مياه الشرب وأغرق الأراضي الزراعية بالمياه العادمة، وألحق أضراراً بالمنتجات الزراعية وتسبب في تلفها ومنع تصديرها، ومن قبل كانت قيادته قد سمحت للجنود باستخدام القوة المفرطة، والمباشرة في إطلاق النار على أي هدفٍ يشتبهون فيه، وهو الأمر الذي أشاع جرائم الإعدام الميدانية والقتل في الشوارع والطرقات، بعد أن سمحت وزارة الحرب الإسرائيلية للمستوطنين بحرية إطلاق النار على الفلسطينيين، شأنهم شأن الجيش، الذي لا يسأل عن فعلته ولا يحاسب على جريمته.

ولم يبق جيش الاحتلال في ترسانته العسكرية سلاحاً لم يستخدمه في حربه وعدوانه على الشعب الفلسطيني، إذ استخدم الطيران الحربي والطوافات على أنواعها، وأدخل سلاح المسيرات والقذائف الموجهة الحارقة المدمرة، وقصف البيوت السكنية والمخيمات المدنية بالصواريخ، وطوع في حربه وعدوانه الوسائل التقنية العالية والتكنولوجيا المتطورة، وتحالف مع الدول الكبرى والولايات المتحدة الأمريكية، ونسق مع مختلف الأجهزة الأمنية الصديقة وغيرها، البعيدة عنه والقريبة منه، التي لا تتأخر في تحديث منظوماته وتغذية منصاته، وتعويضه عن أي نقصٍ في الذخائر والقذائف والعتاد العسكري عموماً.

كما تقوم أجهزته الأمنية بالتضييق على المواطنين الفلسطينيين عامةً، تستدعيهم وتعتقلهم، وتحتجزهم وتمنع سفرهم، وفي السجون تعذبهم وتقسو عليهم، وتعاقبهم وتحرمهم، وتجردهم من حقوقهم وتصادر انجازاتهم، وفي مدينة القدس على وجه التحديد تخنقهم وتضيق عليهم، وتطبق عليهم قوانين قاسية بقصد طردهم وإخراجهم من المدينة، إذ تفرض عليهم ضرائب باهظة، وتهدم بيوتهم وتصادر عقاراتهم، وتمتنع عن منحهم تراخيص بالبناء أو الإعمار، وتجيز للمستوطنين بالقوة أو عبر محاكمهم العسكرية طردهم من بيوتهم والاستيلاء عليها والإقامة فيها.

أما المستوطنون وعصاباتهم، والمتشددون ومجموعاتهم، والمتدينون وتشيكلاتهم، فهم لا يتوقفون عن اقتراف الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، ولا يترددون في إطلاق النار عليهم وقتلهم، بعد أن شرعت قوانينهم العسكرية وأنظمتهم الداخلية امتلاك السلاح وترخيصه، وحرية استخدامه بحجة حماية أنفسهم أو الدفاع عن بعضهم، ومن قبل سكتت عن قيامهم بدهس الفلسطييين وسحلهم، أو حرق بيوتهم وتخريب ممتلكاتهم، وأجازت لهم إقامة حواجز متنقلة، وإيقاف الفلسطينيين ومصادرة مركباتهم أو إعطابها وحرقها، وسكتت عن قيامهم بالسيطرة على بيوتهم وأرضهم، وإخراجهم بالقوة منها وبناء مستوطناتٍ مكانها، واعتبرت أعمالهم مشروعة ومقاومتهم جريمة، حيث يعمد الجيش غالباً إلى مرافقتهم وحمايتهم، وتأمين سلامتهم ومنع الفلسطينيين من الاعتداء عليهم.

أما الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تنفذ ضد الفلسطينيين سياسات الاحتلال بكل شدةٍ وقسوةٍ، ولا تتردد في إخضاعهم لها بالقوة، وإجبارهم على تنفيذها أياً كانت طبيعتها، فقد استنفذت ضدهم أغلب وسائل الضغط والخنق، والعزل والحصار، والتجويع والحرمان، والتحريض والتأليب، والعقاب والحساب، وتدخلت قسراً في شؤون حياتهم اليومية، وسمت قراراتها على قراراتهم الوطنية فيما يتعلق بالسجلات المدنية والمواليد والوفيات والمواريث والممتلكات، وكل ما يمس الحقوق الفردية والشخصية للإنسان الفلسطيني.

لا نعتقد أنه بقي في جعبة هذا المحتل الغازي، المستوطن المعادي، شيئاً لم يستخدمه ضد الشعب الفلسطيني، فقد فرغت جعبته وخلت كنانته، ولم يعد يملك شيئاً جديداً يجربه ضد الفلسطينيين ليخضعوا ويستسلموا، ويقبلوا ويرضوا، ويتنازلوا ويعترفوا، ويفرطوا وينسوا، فهذا الشعب العظيم العنيد، الثابت الصلب، الصادق الأصيل، قد تكسرت على صخرة صموده كل الوسائل والأدوات، وفلت إرادته كل الأسلحة والمعدات، وردت عنه كل السهام والمؤامرات، وهزم أبناؤه كل السياسات والمخططات، فلا يحلمن هذا العدو أنه سينجح في احتلاله، وسيهنأ في مقامه، وسيطيب له العيش في بلادنا، وليدرك يقيناً أن هذا الشعب سيهزمه، وهذه الأمة ستطرده، وهذه البلاد ستلفظه.

أقرأ أيضًا: الكيان وكابوس وحدة الساحات والحرب متعددة الجبهات

الكيان وكابوس وحدة الساحات والحرب متعددة الجبهات

أقلام – مصدر الإخبارية

الكيان وكابوس وحدة الساحات والحرب متعددة الجبهات، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

رغم التفوق العسكري المهول الذي يتمتع به الكيان الصهيوني، والمخزون الضخم الذي تزخر به ترسانته العسكرية من الأسلحة المتنوعة، كالصواريخ والقنابل الاستراتيجية والتكتيكية، والتقليدية والنووية، والتقنيات العلمية الكبيرة في المجالات الإلكترونية والتكنولوجية الحديثة، واعتماده على الفضاء والأقمار الصناعية والسايبر في خوض معاركه الصغيرة وحروبه الكبيرة، وتحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمده بالسلاح والعتاد والتقانة والمال، وتقف إلى جانبه في كل معركةٍ وحرب، وتعوضه عن كل نقص، وتزوده بما يحتاجه فلا يشكو من عجزٍ أو ضعفٍ أو شحٍ في الذخائر والقذائف ومختلف أدوات القتال.

إلا أنه بات يدرك أن هذه القوة المهولة والأسلحة المريعة لا تستطيع حمايته، ولا تمكنه من تحقيق النصر الحاسم أو النجاح في تنفيذ أهدافه الموضوعة، إلا إذا كانت حربه تقليدية، كتلك الحروب التي اعتاد أن يخوضها ضد الجيوش العربية النظامية، والقوى الدولية قبل العام 1982، حيث كان يعمد إلى تطبيق نظرياته الاستراتيجية في الحروب، كأن تكون على أرض “العدو” وداخل حدوده، وأن تكون على جبهةٍ واحدةٍ فقط، وضد عدوٍ واحدٍ، وأن يسبقها قصفٌ مكثفٌ بالطيران الحربي، الذي كان يتميز به كثيراً، ويعتبره ذراعه الطويلة التي تستطيع أن تصل بقدراتها وصواريخها إلى أي مكانٍ بسهولةٍ، ودون أن تلقى مقاومة أو عقباتٍ تحول دون وصولها إلى أهدافها، وإصابتها إصابة مباشرة.

اليوم وفي الذكرى السنوية الأولى لحربه على قطاع غزة ضد حركة الجهاد الإسلامي، التي أطلقت عليها اسم “وحدة الساحات”، بات العدو يدرك أن هذا الاسم لم يعد شعاراً فقط، أو تهديداً شكلياً خالياً من المضمون الفعلي، وغير قابلٍ للتطبيق العملي على الأرض، بل غدا استراتيجية حقيقية وبرنامجاً عملياً لكل قوى المقاومة العربية والفلسطينية، التي أصبح لها غرفة عملياتٍ مركزية مشتركة، تخطط وتنسق، وتدرس حالة الساحات وحاجة الجبهات، وأوضاع العدو وظروفه، وتحدد نقاط ضعفه وعوامل قوته، وتدرس خيارات التعامل معه ومواجهته، وتحدد الأسلحة التي يلزمها لقتاله والتصدي له.

يعرف العدو أنه محاطٌ من كل الجهات بأعداءٍ شرسين، ومقاومين أشداء، وبقوى منظمة وجيوشٍ مدربة، وهم ليسوا فقط في الجوار القريب، وإنما في الجوار والمحيط وفي القلب وداخله وفي الإقليم بعيداً عنه، ويقول كبار قادته العسكريين أن “محور المقاومة” قد طوقهم بأكثر من مائتي ألف صاروخٍ، ومثلها من الطائرات المسيرة، وهي صواريخ حديثة ودقيقة، وتستطيع أن تتسبب لكيانه بأمطار صاروخية وأسراب من الطائرات المسيرة، بما يعقد كثيراً من عمل القبة الفولاذية ومنظومات الصواريخ المضادة المختلفة، التي ستكون عاجزة عن مواجهتها والتصدي لها، وقد كشفت الحروب السابقة أن صواريخ المقاومة الصغيرة والقصيرة المدى تستطيع أن تربك عمل منظومات القبة الفولاذية وتشتتها وتحبط فاعليتها.

ولما كان العدو يدرك أن استراتيجية “وحدة الساحات وتعدد الجبهات” لم تعد شعاراً فقط، بل أصبحت خطراً حقيقياً يهدده، واحتمالاً فعلياً عليه أن يواجهه، فقد خصص مناورته العسكرية الأخيرة، التي أطلق عليها اسم “اللكمة القاضية”، والتي وصفت بأنها المناورة الأكبر في تاريخه، لمثل هذه الحرب التي لم يعتد عليها، حاكى فيها حرباً على أكثر من جبهةٍ وضد أكثر من عدوٍ، وأجرى مناوراتٍ حقيقية ضد قوى متماسكة، تمتلك أسلحة قوية وفتاكة، دقيقة الإصابة وشديدة الأثر وبعيدة المدى، ولديها الجاهزية يومياً لإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة، وعندها إحداثيات لآلاف الأهداف التي تستطيع الوصول إليها وتدميرها، أو إلحاق أضرارٍ بالغةٍ فيها، بما يعطلها أو يخرجها عن الخدمة.

كما يعرف العدو تماماً أن قوى المقاومة التي تتطلع إلى مواجهته وقتاله، وتصمم على خوض الحرب ضده ومنازلته قوى عقائدية وقومية، تضحي بحياتها ولا تفرط في أهدافها، ولا تدخر في قتالها وسيلةً ولا تتردد في خوض أي معركة، وتقاتل حتى النهاية، وتستخدم كل ما لديها من أسلحة، ومقاتلوها مدربون جيداً، وعندهم الأهلية الكافية والتجربة الكبيرة في القتال، وهم ينفذون الأوامر ويطيعون القيادة، التي تتميز عن غيرها بأن قرارها حاضرٌ وحرٌ، وجاهزٌ ومستقل، وجديٌ وفوريٌ.

وهي قوى تعد لهذا اليوم وتهيأ له، وتعتقد يقيناً بأنه قادمٌ لا محالة، وتعتقد أن معركتها الحقيقة هي ضد العدو الإسرائيلي، وأن أي معركة ضد غيره باطلة وغير مشروعة، وتؤمن أن النصر حليفها، وأن هزيمة العدو مؤكدة، فهو لن يستطيع الصمود والثبات على عدة جبهاتٍ وفي كل الساحاتٍ ولأيامٍ طويلة، مما سيجعل هذه الحرب هي الخاتم والنهاية، التي يتفكك فيها الكيان وينتهي، ولعل العدو يخاف هذه الحرب ويخشاها، ويدرك أنها ستكون فعلاً حرب النهاية، ولهذا يطلق عليها اسم “الحرب الكبرى”.

ولعل أكثر ما بات يخشاه العدو هو جبهة المقاومة الداخلية وساحاتها الوطنية التي أصبحت متحدة وقابلة للانفجار في أي لحظة، بينما جبهته الداخلية أصبحت مفككة ومتصدعة وآيلة للسقوط، في ظل عدم ثقتها بالجيش الذي بات مردوعاً وغير قادر على الحسم وتحقيق النصر، بعد أن فقد هيبته وتراجعت قدرته، وحتى تصبح وحدة الساحات وتعدد الجبهات سلاحاً جديداً وفاعلاً بين يدي المقاومة، يجب الاستمرار في العمل والاستعداد، والمراكمة والمشاغلة، واستنزاف العدو وزعزعة جبهته الداخلية، وصولاً إلى اليوم الموعود والحرب الأخيرة، التي نسأل الله سبحانه تعالى أن تكون هي حرب العودة والتحرير، ومعركة النصر وتحديد المصير.

أقرأ أيضًا: الإدارة الأمريكية تذر الرماد في عيون الفلسطينيين

رسائل شعبية فلسطينية صارمة إلى العدو عَلَّه يَعِي ويفهم

أقلام – مصدر الإخبارية

رسائل شعبية فلسطينية صارمة إلى العدو عَلَّه يَعِي ويفهم، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

رغم الحملات العسكرية الإسرائيلية المسعورة والمتواصلة عليهم، التي بدأت بالسور الواقي ولم تنته بكاسر الأمواج، واستمرت بعمليات الاقتحام والاجتياح والقتل والاغتيال والاعتقال، والمصادرة والحرق والتخريب والنسف والتدمير، وحملات الترويع والترهيب والتهديد والوعيد التي يطلقها السياسيون المتطرفون، ويمارسها اليمينيون المتشددون، وينفذها المستوطنون المجرمون، وترعاها الحكومة ويحميها الجيش، ويسكت عنها المجتمع الدولي وتشجع عليها دولٌ عظمى وتؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية.

ينجح الفلسطينيون دائماً في القدس والضفة الغربية كما في غزة وعموم فلسطين وعلى حدودها الشمالية والجنوبية، في استهداف العدو ومباغته، والنيل منه ومواجهته، بجدارةٍ منقطعةٍ النظير، وجرأةٍ تحير وتربكُ، وتطورٍ في الوسائل والأدوات لافتٍ يثير الانتباه، وتفوقٍ صادمٍ يعطل المخططات، وينفذون ضده أقوى العمليات العسكرية وأكثرها دقةً وصعوبةً، وأعقدها تخطيطاً وتنفيذاً، ويصلون إلى أبعد المناطق ويطالون مختلف الأهداف، رغم التحصينات والإجراءات، ووسائل الحماية وأجهزة التنبؤ المبكر، وعمليات التنسيق والرصد والاستطلاع، والتنصت والتصوير والمراقبة من الجو والأرض، وعمليات التجسس بالمناطيد والطائرات المسيرة وأجهزة التنصت على الهواتف، وبرامج المتابعة على وسائل التواصل الاجتماعي وصفحات الانترنت.

تلك هي الرسائل الشعبية الفلسطينية الحرة للعدو الإسرائيلي، التي قد تكون مختلفة كلياً عن الرسائل الرسمية المقيدة التي تصله بترددٍ وعلى استحياء، وبخجلٍ أو خوفٍ، وتجبن عن رفع الصوت في وجهه أو التلويح ضده بالعصا، بل تداريه أحياناً وتجبن، أو تخنس وتسكت، وتصمت أو تهمس، مخافة غضبه والولايات المتحدة الأمريكية، ومراعاةً للظروف وخضوعاً للواقع.

ولكنها قد تهبط وتسقط، وترتكس وتنحط، فتثور له وتغضب، وتدين وتستنكر، وتتفهم مخاوفه وتبرر عدوانه، وتستجيب له وتنفذ مطالبه، وتنشغل عنه أو تعمل معه، وتغمض عيونها عن جرائمه وتساعده، فتلاحق المقاومين وتعتقلهم، وتضيق عليهم وتحاصرهم، أو تدل عليهم وتساعد في الوصول إليهم، وهو الأمر الذي يكشف سوأتها ويفضح عورتها ويشوه صورتها، ويظهرها أمام شعبها وأمتها بصورة المتآمرة على الحقوق الوطنية، والمتعاونة مع العدو ضد شعبها.

إلا أن الرسائل الشعبية الفلسطينية التي يصدرها عامة الفلسطينيين وغالبيتهم، رسائلٌ واضحةٌ وصريحة، وصارمة وحازمة، ودقيقة ومباشرة، وقوية وجريئة، وشجاعة وصادمة، ومتعددة الأشكال ومختلفة العناوين، يصرون فيها على حقوقهم، ويتمسكون فيها بأرضهم، ولا يتخلون عن وطنهم، ولا يفرطون بمقدساتهم، ولا يقبلون تدنيسها والإساءة إليها، ولا يترددون في سبيل الدفاع عن حياض وطنهم وحرمة مقدساتهم، أو التضحية في سبيله بحياتهم وأرواحهم، ويرون أن وطنهم جزءٌ من عقيدتهم وآية من كتاب ربهم، لا يجوز التفريط فيه أو التقصير في الدفاع عنه.

أغلب الرسائل الشعبية الفلسطينية التي تصل إلى العدو، ينفذها شبانٌ يافعون ومقاومون شجعان، وثائرون غاضبون، وغيرهم من الشيب والولدان، والرجال والنساء، رسائلٌ ممهورة بالدم ومذيلة بالشهادة أو موسومة بالاعتقال، وهي رسائلٌ محددة الهدف ومعروفة الهوية، وموجهة إلى العدو الإسرائيلي مباشرةً، مفادها أن الفلسطينيين رغم ما يواجهون ويلاقون، مصرون على مواصلة مقاومتهم، وتعزيز نضالهم، وتطوير عملياتهم، وتحدي كل الإجراءات التي يحاول العدو فرضها عليهم، لتحجيم مقاومتهم، ونزع سلاحهم، وتفكيك مجموعاتهم، وتجفيف منابعهم، تمهيداً للقضاء عليهم وإحباطهم، وكي وعيهم وقتل الأمل في قلوبهم.

يدرك الفلسطينيون أنهم يقاومون عدواً شرساً عنيداً واحتلالاً بغيظاً، مدججاً بالقوة ومحصناً بالحلفاء، وأنه يصارع من أجل البقاء ويقاوم ليحصن الوجود، لكنهم يصرون على مقاومته، والثبات في وجهه رغم عدوانه، ويثقون أنهم سينتصرون عليه وسيخرجونه من أرضهم، وسيطردونه من ديارهم، وما عملياتهم التي يقومون بها ويواظبون عليها، إلا رسائل له صارمة وعنيدة، عله يفهم ويعي، ويدرك أن هذه الأرض ليست له، وأن هذه البلاد ليست لمستوطنيه، وأنهم ليسوا إلا غزاةً مستعمرين، وغرباء وافدين، وأنهم شاءوا أم أبوا، وطال الزمن أو قصر، فإنهم سيخرجون وسيرحلون، ولكن بعد أن تسوء وجوههم، وينتقم الفلسطينيون منهم.

تلك هي سنة الشعوب ومسيرة الأمم التي يعيها الفلسطينيون ويؤمن بها المقاومون، وصفحات التاريخ على ذلك تشهد، فما من شعبٍ أحتلت أرضه إلا بالتضحية والفداء تحررت، وما من عدوٍ أو غازٍ مهما بغا وطغا وعلا واعتدى، إلا هزم واندحر، وطرد أو رحل، وهو ما يريد الفلسطينيون إثباته برسائلهم والتأكيد عليه بمقاومتهم، وليس أجرأ منهم جناناً وأصدق لهجةً وأقوى حجةً وأوضح بياناً.

لكن العدو الذي يراهن على القوة، ويتبجح بالغطرسة، ويتمادى بالظلم والعدوان، لا يدرك هذه السنة ولا يعيها، ولا يفهم التاريخ ولا يريد أن يدرس حقبه، ولا أن يتعلم من تجارب الشعوب أو يتعظ من مصائر الاستعمار، ورغم ذلك فإن غيه لن يطول، واستعلاءه لن يدوم، وكيانه سيتفكك ووجوده سيزول، ومصيره محتوم وخاتمه قريبة، وسيجد نفسه أمام إصرار الفلسطينيين خاضعاً، وفي مواجهة ثباتهم صاغراً، فهذا الشعب لا ينكس رأسه، ولا يحني قامته، ولا تهون عزيمته ولا تلين عريكته، ولا يعرف اليأس إليه طريقاً، ولا القنوط إليه سبيلاً.

أقرأ أيضًا: الإدارة الأمريكية تذر الرماد في عيون الفلسطينيين

الإدارة الأمريكية تذر الرماد في عيون الفلسطينيين

أقلام – مصدر الإخبارية

الإدارة الأمريكية تذر الرماد في عيون الفلسطينيين، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

تحاول الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن إقناع الفلسطينيين أنها معهم وتؤيدهم، وأنها تدعمهم وتساندهم، وأنها تحرص على مصالحهم وترفض التضييق عليهم، وأنها تدعم مشروع حل الدولتين، وتؤيد حق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة متماسكة وقابلة للحياة، وتصف الممارسات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية بأنها ممارسات عنفية مرفوضة، وتندد بعمليات الاقتحام والقتل والاعتقال المستمرة، وتحمل رئيس الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عنها، وتعتبر أن هذه الإجراءات تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وقتل فرص التوصل إلى سلامٍ دائمٍ وعادلٍ وشاملٍ بين الأطراف المتنازعة.

وتبدي الإدارة الأمريكية أنها تعارض سياسات الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتدين مصادرة الأراضي وبناء مستوطناتٍ جديدةٍ وتوسيع القديمة وبناء وحداتٍ سكنية جديدة فيها، وتتهم حكومة نتنياهو بأنها حكومة يمينية متطرفة، وتطالبها بالكف عن مواصلة الاستيطان، وترفض شكلياً على خلفية سياساتها التعاون الإيجابي معها، وتمتنع عن استقبال وزرائها في عاصمتها وترفض اللقاء بهم، وتتلكأ في تحديد موعدٍ لزيارة رئيسها بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، وهي الزيارة التي يتطلع إليها ويتمناها ويحتاج إليها ويريدها، ليجلو صورته، ويثبت حكومته ويعزز سياسته، ويتصدى لمعارضيه ويفكك معسكرهم.

قد يبدو للبعض عند الوهلة الأولى أن الإدارة الأمريكية منصفة في مواقفها، وصادقة في سياساتها، وموضوعية في أحكامها، وأنها فعلاً تدين الحكومة الإسرائيلية وتنظر بعين “العدل” للشعب الفلسطيني، وتريد إنصافه وتعويضه، والتخفيف عنه ومساعدته، وأنها بهذه المواقف لم تعد الحليف الأقرب والأصدق للكيان الصهيوني، الذي يستغل تأييدها له في الإيغال أكثر في سياسات العنف والتطرف ضد الفلسطينيين، ويضرب عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية، ويحرجها أكثر بسياساته وممارساته العنصرية التي تدمر لب مشروعها للحل في المنطقة.

صحيح أن الإدارة الأمريكية رفضت استقبال وزراء المالية الإسرائيلي سموتريتش، والأمن القومي بن غفير والخارجية كوهين في واشنطن، وما زالت ترفض تنظيم زيارة دولة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو ما جعل البعض يظن أن تغييراً حقيقياً في السياسة الأمريكية قد حدث، لكن الحقيقة أن أشياء كثيرة أخرى يجري تنظيمها ويقع العمل بها بصورة مشتركة، منها الخفي ومنها المعلن، فقد شاركت في مناورة اللكمة القاضية، وعرضت فيها قدراتها العسكرية التي من الممكن أن تكون جزءاً من أي حربٍ قادمة، وحافظت على مشاركة الكيان في أي مناورة أخرى تجري في المنطقة بالتعاون مع بعض الدول العربية.

أما البنتاغون فما زالت تفتح أبوابها لكبار الضباط والمسؤولين العسكريين والأمنيين لمناقشة تطورات الملف النووي، وسبل التعاون المشتركة لإحباط النوايا الإيرانية بامتلاك أسلحة نووية، وإفشال مشاريع تطوير مفاعلاتها وتخصيب اليورانيوم، وتنسيق الجهود الأمنية والعسكرية بهذا الشأن، علماً أن هذا الملف المشترك يفتح على عشرات الملفات الاستراتيجية الأخرى، التي تعزز آفاق التعاون العسكري والأمني والتقني والتكنولوجي بينهما، والتي لا تبدي فيها الولايات المتحدة الأمريكية أي ترددٍ في التعاون مع الكيان الإسرائيلي، باعتبار أن مشروعهما واحد، وأن قوتهما مشتركة، وأن أهدافهما واحدة، وأنهما ينوبان عن بعضهما البعض في تنفيذ المهام الأمنية والعسكرية على السواء.

وفي الأشهر القليلة الماضية ضمت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل إلى قيادة قوات المنطقة الوسطى، بما يجعل منها جزءاً من القوة العظمى ومستودعاً ضخماً للأسلحة الاستراتيجية الفتاكة، والعتاد العسكري اللازم للحروب والمعارك ومختلف أنواع العمليات في المنطقة، فضلاً عن مشاركتها في صناعة القرارات ورسم الخطط ووضع البرامج على مدى سنواتٍ قادمةٍ، وكانت قد عوضت قبتها الحديدية بعد الحروب الأخيرة على قطاع غزة مئات الصواريخ المضادة، نتيجة للنقص الفادح الذي أصاب منظومتها الحديدية.

بمقابل إغداق العطاءات وسخاء التقديمات للكيان الصهيوني، فإن الإدارة الأمريكية تلقي بالفتات من المساعدات للفلسطينيين، وتقوم بتوزيعها على بعض المؤسسات الصحية والتعليمة المحدودة، وتفرض عليها شروطها وتقوم بمراقبتها ومتابعتها، وأحياناً بمحاسبتها ومعاقبتها، وتكتفي بتقديم الدعم اللافت للأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تقوم بتقديم خدماتٍ مباشرة للاحتلال الإسرائيلي من خلال عمليات التنسيق الأمني المشتركة التي يشرف عليها ضباط أمريكيون كبار، ويصرون على الاستمرار بها وعدم تجميدها أو وقفها مهما كانت الأسباب.

أما زيارات المسؤولين الأمريكيين الكبار إلى الكيان الصهيوني فهي لا تتوقف، وتنفذ وفق برامج وخطط معدة مسبقاً، وهي زياراتٌ متعددة الأشكال والمستويات والتخصصات، يشارك في بعضها إلى جانب المبعوثين السياسيين إلى المنطقة، والمشرفين على مسار العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، ضباطٌ عسكريون وأمنيون كبار، منهم قادة قوات المنطقة الوسطى التي أصبحت إسرائيل جزءاً منها، إلا أن أحداً من هؤلاء الزوار الكبار لا يزور مقر المقاطعة الفلسطينية في رام الله، وفي حال قام بعضهم بزيارتها ولقاء رئيس السلطة الفلسطينية، فإن مدتها تكون قصيرة، وملفاتها محدودة، والتعهدات والوعود فيها قليلة، لكن الوصايا فيها كثيرة، والتحذيرات الموجهة إليها عديدة، لجهة محاربة العنف، وملاحقة النشطاء وتحييد الخطرين، وتفعيل التنسيق الأمني، والعمل على ضبط الأمن في المنطقة.

تلك هي الحقيقة التي يجب أن ندركها وألا نغفلها، فالولايات المتحدة الأمريكية، أياً كان ساكن البيت الأبيض فيها، لا تهمها سوى المصالح الإسرائيلية، ولا يعنيها الشأن الفلسطيني إلا بما يضمن الأمن للإسرائيليين ويحفظ وجودهم ويحقق سلامتهم، وفي مقابل ذلك فإنها تخدر الفلسطينيين بوعودٍ خلابةٍ كاذبةٍ، وتمنيهم بأماني معسولةٍ مخادعة، وتتعهد لهم بسلامٍ ذليلٍ وكيانٍ هزيلٍ، وتتعهد لهم بمشاريع لا تؤمن بها، أو تعجز عن تنفيذها، ورغم ذلك فإن البعض للأسف ما زال يؤمن بها ويثق، ويراهن عليها ويعتمد، وهو يعلم أنه لا يتوقع منها غير الرياح يحصدها والأشواك يجنيها.

أقرأ أيضًا: مناورات اللكمة القاضية تستخف بالنتائج وتستهين بالخسائر

إخراج غزة من الصراع غاية إسرائيلية ومساعي دولية

أقلام – مصدر الإخبارية

إخراج غزة من الصراع غاية إسرائيلية ومساعي دولية، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

شاعت في الأيام القليلة الماضية أنباءٌ متضاربة نفتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، حول مساعي التوصل إلى اتفاقية هدنة طويلة الأمد بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، ونشرت وسائلٌ إعلامية عديدة، بصورةٍ مقصودة ومتعمدة، ولغاياتٍ معلومةٍ وأهدافٍ محددة، تفاصيل الحوارات السرية التي تجري خلف الأبواب المغلقة حسب وصفها، وذكرت بأن القاهرة التي استضافت قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي عرضت عليهما اقتراحاً بعقد هدنة طويلة الأمد مع “الجانب” الإسرائيلي، وتباينت التقارير المسربة والمقالات المكتوبة حول مدة الهدنة بدءً من سبع سنواتٍ وصولاً إلى ثلاثين سنة، مقابل تسهيلاتٍ وعطاءاتٍ مختلفة يقدمها العدو الإسرائيلي، وتساهم في كثيرٍ منها الولايات المتحدة الأمريكية ودولٌ أوروبية وعربية بالإضافة إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها.

لعلها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن هدنةٍ طويلة الأمد بين الجانبين، أو تهدئةٍ متفاهمٍ عليها بين الطرفين برعايةٍ مصريةٍ ومباركةٍ أمريكيةٍ وإقليمية ودوليةٍ، فقد سبقتها عشرات التوقعات عن قرب التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار بمختلف الأشكال وعلى كل الصُعد والجبهات بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والعدو الإسرائيلي، إلا أن الحديث هذه المرة مختلفٌ نسبياً، كون هذه التسريبات لا تأتي خلال حربٍ أو إثر عدوانٍ إسرائيلي على قطاع غزة، وليست خلال موجة تصعيد عنفٍ وإطلاق صواريخ من قطاع غزة على مدن ومستوطنات الغلاف، فالأوضاع الآن شبه هادئة بعد انتهاء حرب الأيام الخمسة، ونجاح مصر في تثبيت وقف إطلاق النار بين العدو وحركة الجهاد الإسلامي.

أي أن الحديث عن الهدنة يأتي هذه المرة في ظل أجواء هادئة على الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، بما يشير إلى أن هناك من يفكر ويخطط للاستفادة من فترة الهدوء السائدة في فرض اتفاقٍ “أمني-اقتصادي” بين الجانبين، يطمئن العدو الإسرائيلي من خلاله على أمنه من الناحية الجنوبية، ليتفرغ للعمل على جبهاتٍ أخرى، تتجاوز القدس والضفة الغربية التي ينشط فيها ليل نهارٍ لتهويدها ومصادرة أراضي أهلها وبناء المزيد من المستوطنات فيها وتوسيع القديم منها، ومواصلة العمل على زيادة عدد المستوطنين القاطنين فيها إلى قرابة مليون مستوطنٍ، إضافةً إلى عمليات الاجتياح والمداهمة وقتل واعتقال نشطاء المقاومة فيها.

يتطلع العدو الإسرائيلي بتسكين جبهة غزة للعمل على جبهاتٍ أخرى يرى أنها خطرة جداً عليه، وأنها قنابل موقوتة قد تنفجر في وجهه في أي لحظةٍ، ويريد توجيه ضرباتٍ استباقية حاسمة ضدها، ويقصد بها الجبهات الشمالية في سوريا ولبنان، والجمهورية الإسلامية في إيران، التي يشكل مشروعها النووي وتطورها العسكري وتحالفاتها الإقليمية كابوساً مرعباً له، لهذا فهو يعمل على تنفيذ مخططاته لمواجهة إيران وتدمير مشروعها النووي داخل حدودها، أو التصدي لها واستهداف القوى المتحالفة معها والمنتسبة إليها خارج حدودها كحزب الله في لبنان، ومواصلة توجيه ضربات أمنية ضدها في أكثر من مكانٍ في العالم، أو عسكرية ضد أهدافٍ لها في سوريا.

أمام هذه الأجندة الإسرائيلية الضاغطة، وفي مواجهة الأخطار الداهمة ومعالجة الملفات الساخنة، وحتى يتفرغ لها ويركز عملياته ضدها، يريد العدو أن يُسَكِّنَ المقاومة في قطاع غزة، وأن يهدئ جبهتها، ويخلق حالة من الأمن المؤقت والسلام الكاذب فيها، ليس لأنه مطمئنٌ إليها ولا يريد أن يستهدفها ويقضي عليها، بل إنه يتمنى تقويضها وتفكيك قواها وتدمير قدراتها والقضاء على تهديداتها، والشفاء من الصداع المزمن الذي تسببه له، فهي تشكل عليه خطراً حقيقياً وكبيراً، كونها الأقرب إليه والأقدر على إيلامه وإرباكه، والأكثر استنزافاً له وإشغالاً لجيشه، وقد شن ضدها العديد من الحروب والمعارك، لكنه فشل وعجز عن إخضاعها وتحقيق أهدافه المرجوة بالقوة وبالمزيد من القوة ضدها.

إذن يريد العدو بخبثٍ ودهاء، ومكرٍ وخداع، أن يقصي قطاع غزة عن الصراع ويبعدها عن المواجهة، مقابل جزرةٍ مسمومةٍ يقدمها إليها وتسهيلاتٍ يعدها بها، ووعودٍ يطلقها ويتعهد بها، يعلم الجميع أنها وعودٌ كاذبة، وتعهداتٌ مؤقتة لا يلتزم بها ولا يحافظ عليها، ولا يقوى الوسطاء ولا الرعاة على إلزامه بها والضغط عليه للوفاء بشروطها وعدم سحبها والتراجع عنها، أو القيام بما يفسدها ويبطلها، فالسوابق التي تشهد على نكثه العهود كثيرة، وصفحاته السوداء ضد الفلسطينيين لا تحصى، وتجاربهم معه لا تنسى، ولسان حال الفلسطينيين يقول له “كيف أنساك وهذا أثر فأسك”، فالموت والدمار والخراب والجوع والحرمان والحصار يشهدون عليه ويؤكدون على عدم الثقة به والتسليم له.

أياً تكن التسهيلات الإسرائيلية والوعود الدولية والضمانات الإقليمية فهي عطاءاتٌ مسمومةٌ مؤقتة، ووعودٌ كاذبةٌ مبطنة، سرعان ما تنتهي وينقلب عليها العدو وينكثها، وإن سلمنا له وصدقناه، وآمنا به وعاهدناه، فإن دورنا سيأتي واستهدافنا سيكون قريباً وسريعاً، وبطشه بنا سيكون قاسياً، وإن التخلي عن الحلفاء والقبول بتسكين الجبهات والاستمتاع بالعشاء الأخير قبل أن تحز سكين العدو رقابنا، في تأكيدٍ لما ورثناه من حكمةٍ وتجربةٍ “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، سيكون قريباً وأكيداً، فلنحذر هذا اليوم، ولنتجنب وقوعه، ولنرفض مقدماته، ولنكن حذرين فطنين منتبهين، مخافة أن يصيبنا ما أصاب غيرنا، ويستفرد العدو بعد ذلك بنا.

أقرأ أيضًا: نحن إلى القدس أقرب وهم عنها أبعد

المصريون يغنون لابنهم محمد صلاح أنا أم البطل

أقلام – مصدر الإخبارية

المصريون يغنون لابنهم محمد صلاح أنا أم البطل، بقلم الكاتب الفلسطيني مصطفى اللداوي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

رغم ندرتها إلا أن دلائل عملية العوجا وإشاراتها وتداعياتها كثيرة جداً، وربما تتجاوز انعكاساتها وتأثيراتها السلبية والإيجابية مصر والكيان الصهيوني إلى المنطقة والإقليم، فقد ألقت بظلالها المختلفة على كل الأطراف في المنطقة، وتباينت ردود فعل أهلها وسلطاتها بين السخط والغضب، والحيرة والأسف، والفرح والاستبشار، والسعادة والرضا، واختلف المزاج الشعبي حولها، فبينما سخط المستوطنون وغضبوا، فرح العرب والفلسطينيون وابتهجوا، وتغنى المصريون وافتخروا.

قد لا تكون هذه العملية هي الأخطر على مدى أكثر من أربعين عاماً من “السلام”، إلا أن وقوعها بعد سنوات الصمت “السلم والأمن” الطويلة على جانبي الحدود، حيث تشهد الحدود المصرية مع الكيان الصهيوني هدوءً نسبياً ملحوظاً، لا يعكر صفوه حوادثٌ أمنيةٌ أو عملياتٌ قومية، اللهم إلا عمليات مكافحة تهريب المخدرات، ومحاربة الهجرة الأفريقية غير المشروعة، يجعل من الصعب على الطرفين التخفيف من نتائجها أو تبسيط تداعياتها، فهي عملية كبيرة وخطيرة جداً على مختلف المستويات، وليس من السهل تجاوزها أمنياً وعسكرياً، أو المرور عليها شعبياً ونفسياً دون التوقف طويلاً أمامها وأخذ العبر والدروس منها.

ربما يتمكن الإسرائيليون من تجاوز تداعيات العملية على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية، ويضبطون أداء المسؤولين ويلطفون من حدة التصريحات ومستوى الانتقادات الموجهة إلى وزير الدفاع المصري والسلطات المصرية عموماً، مخافة أن تتوتر العلاقات بينهما وتتدهور إلى مستوياتٍ يصعب ضبطها والسيطرة عليها، خاصةً أن الكيان الإسرائيلي حريصٌ جداً على أن تكون علاقتهم بمصر علاقة جيدة مضبوطة ومأمونة، ويعمل نتنياهو شخصياً على رعايتها وعدم المساس بها، ولهذا فقد حظر على المسؤولين الإسرائيليين توجيه انتقاداتٍ قاسية للحكومة المصرية، التي دعاها إلى التعاون في إجراء تحقيق سريع ومسؤول.

وقد تجري قيادة أركان جيش الاحتلال تحقيقاً مهنياً من طرفٍ واحدٍ، أو بالتعاون مع السلطات المصرية المختصة، للوصول إلى نتائج دقيقة تفسر العملية وتشرح أبعادها وتعرف أسرارها، وتحدد هوية منفذ العملية وانتماءه الحزبي وميوله السياسية، وغيرها مما يتعلق بفكره وسلوكه وقناعاته الشخصية، تمهيداً لمعرفة ما إذا كان منفذ العملية قد قام بها بنفسه، أو أن جهاتٍ ما ساعدته ووجهته، وأشرفت عليه وتابعته، أو كانت تعرف بنواياه فحرضته وشجعته.

وقد يتخذون قراراتٍ تأدبية وأخرى عقابية بحق عددٍ من المسؤولين الأمنيين والعسكريين، خاصة ضد أولئك الذين كانوا يخدمون في المنطقة ويشرفون على سير العمليات فيها، سواء من الجانب المصري أو الجانب الإسرائيلي، فتلك عملية بالنسبة للإسرائيليين لا يمكن السكوت عنها، خاصةً أن منفذ العملية قد حقق اختراقاتٍ كثيرة أظهرت عجز جيش الكيان وأجهزته الأمنية عن التنبؤ بها، أو سرعة التعامل مع منفذها، حيث تأخر المسؤولون الإسرائيليون في اكتشاف مقتل المجندين، ثم عجزوا عن استقدام طائرة هيليوكبتر لنقل أفراد وحدة اليمام، الذين وصلوا بعرباتٍ عسكرية إلى مكان منفذ العملية، الأمر الذي مكنه من الاشتباك مع أفراد الوحدة وقتل أحدهم وإصابة آخرين بجراحٍ.

لكن التداعيات الأكبر على الكيان الصهيوني التي سيصعب عليه تجاوزها، وسيعاني منها كثيراً، فهي تلك التي لمسها في الشارع المصري وعبر عنها المواطنون المصريون، فقد سادت حالة من الفرحة والابتهاج الشارع المصري، واحتفى المصريون بمحمد صلاح ورفعوا صوره وأعادوا نشر تغريداته، وأشادوا به وبما قام به، واعتبروه بطلاً قومياً يستحق التقدير والتمجيد، وغنوا له أغنيتهم الشهيرة “أنا أم البطل” مما دفع بالعديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى الصراخ بأن “المصريين يكرهوننا”، “إنهم لا يحبوننا”.

ولم يخفِ كثيرٌ من الإسرائيليين قلقهم من إمكانية تكرار مثل هذه العملية، التي يبدو أنها ستصبح أيقونة مصريةً، ومثالاً قومياً يمكن محاكاته وتقليده، وقد تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تحويل فعل محمد صلاح إلى ظاهرة مصرية عامة، تنتقم للقدس والمسجد الأقصى، وتساند الفلسطينيين وتدعم مقاومتهم، وتثأر من العدو الإسرائيلي الذي يتبجح من حينٍ لآخر بالجرائم التي ارتكبها جيشه ضد أسرى الجيش المصري، الذين تعرضوا للمجازر ودفن بعضهم أحياء في صحراء سيناء إبان حربي العام 1956 و1967.

عملية الشرطي المصري محمد صلاح ليست الأولى ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، ولن تتمكن أي قوةٍ من منع انتشار هذه الظاهرة وامتدادها، فإن كانت أكثر من أربعين عاماً من “السلام البارد” لم تستطع أن تقتل الحمية والغيرة لدى الشعب المصري، ولم تطفئ جذوة العروبة والإسلام فيه، فإن ظلم العدو الإسرائيلي وعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني وقدسه وأقصاه المبارك، كفيلٌ بأن يدفع كثيرين غير محمد، من مصر والأردن وغيرهما، للقيام بعمليات ثأرٍ وانتقامٍ من العدو الذي لا يفتأ يرتكب المزيد من الجرائم، فهذه الأمة الحرة الثائرة لا تنام على الضيم، ولا تقيم على الخسف، ولا تقبل بالذل، ولا ترضى إلا أن تعيش أبيةً عزيزةً، مرفوعة الرأس موفورة الكرامة، تصون مجدها بدمائها، وتحفظ عزتها بتضحياتها.

أقرأ أيضًا: في القدس والأقصى الصلاة مقاومة والرباط صمود والعربية هوية

Exit mobile version