أكتوبر الثاني

على هامش انقلاب النيجر…! بقلم أكرم عطا الله

أقلام-مصدر الإخبارية

كم عدد الانقلابات التي حدثت في أفريقيا في السنوات الأخيرة؟ لا زالت القارة السمراء تتربع على عرش البطولة في صراعات الجنرالات وطرد الرؤساء كلعبة استهوتها ولم تغادرها بعد، انقلابات في تشاد والسودان ومالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري وأخيرًا النيجر، حيث الشعوب الأكثر فقرًا والدول الأكثر اضطرابًا وإهمالًا، لكنها تبدو في سنواتها الأخيرة ميدانًا لصراعات خفية لدول كبرى.

هي القارة الغنية بالموارد الطبيعية الهائلة وخصوصًا النيجر، الدولة الرابعة في العالم في إنتاج اليورانيوم عدا عن مناجم الذهب الـ 79 التي تحتويها والألماس والفضة والنفط، إذ أن اعتماد فرنسا الذي يبلغ 70% من يورانيوم الدولة ما يجعلها تعتمد بنسبة 40% على إنتاج النيجر لتشغيل محطاتها لإنتاج الكهرباء.

ليس مهمًا هنا حجم الصراعات الدولية، صراعات الأغنياء على أرض الفقراء ومن هو الرابح والخاسر في لعبة الدومينو التي تتساقط تباعًا على أيدي الجنرالات الذين لا يتوقفون عن لعبتهم المسلية بالسلاح على وراثة الفقر ولا الرياح الجديدة التي تهب على القارة، وليس مهمًا هنا تفاصيل ما حدث من صراعات قوى بين الرئيس محمد بازوم وما تركه سلفه محمد ايسوفو من إرث ومحاولات بازوم بالسيطرة، ولا تاريخ الانقلابات المثيرة في هذا البلد، هذا جهد مراكز الدراسات التي ترصد دبيب المصالح وجهد المؤرخين الذين يسردون تاريخ البلاد.

لكن في الانقلاب الأخير ملاحظات تستدعي التوقف أمامها، فالرئيس بازوم الذي عزلته المجموعة المسلحة برئاسة قائد الحرس الجمهوري هو أول رئيس مدني منتخب في النيجر حيث حكم البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، عدد من الجنرالات بلا توقف سواء بالانقلاب أو بالانتخابات، فللمرة الأولى يحكم النيجر رئيس من خارج المؤسسة العسكرية.

اقرأ/ي أيضأ: هل الانقلاب في النيجر يهدد محطات الطاقة النووية في فرنسا؟

الملاحظة الثانية أن الرئيس الذي تم خلعه هو أول رئيس عربي يحكم النيجر، حيث ينتمي لعرب ديفا وهم قبيلة لا تتجاوز ما نسبته 1.5% من مجموع سكان البلاد البالغ عددهم 27 مليون، وكان هناك رفض لكونه عربي، حيث جرت محاولة انقلاب ضده قبل حلفه لليمين الدستوري، فرئيس مدني ومن الأقليات كان يعطي قدرًا من التفاؤل لبلاد غارقة في الجهل وحكم العسكر، لكن يبدو أن مجيئه كان حالة استثنائية لم تعكس هذا القدر من التقدم.

الأكثر إثارة أن النيجر باعتبارها دولة غنية جدًّا بالمواد الخام وخاصة اليورانيوم الذي زادت قيمته بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا كبديل للغاز والنفط الذي تتحكم روسيا بقدر كبير منهما، تُعتبر ثالث أفقر دولة في العالم بعد تشاد وجنوب السودان الذي انفصل عن السودان الأم في عهد الجنرال المخلوع عمر البشير، أي أن النيجر تأتي على رقم 189 في مستوى الفقر من بين 191 دولة في العالم، حيث يعيش 70% من سكانها في حالة فقر مدقع ويبلغ فيها مستوى دخل الفرد 533 دولارًا سنويًّا. كيف ولماذا؟

تلك المفارقة ربما تختصر آلاف الكتب عن الفساد وعدم الاستقرار ونموذج حكم العسكر والانقلابات وغياب المؤسسة ودول القانون، والأكثر غرابة هو العلاقة التاريخية مع فرنسا التي ظلت شبه مسؤولة عن النيجر تأخذ 70% من اليورانيوم تضاء بها فرنسا وتترك النيجر غارقة في الظلام دون مساعدتها في التنمية، ليكلفها الأمر خسارة آخر معاقلها في القارة، التي تعد منجمها الرئيسي، تصلح النيجر ودول أفريقيا الغنية بالموارد لكن يطحنها الفقر نموذجًا للتدريس عن الفساد والإدارة وتصلح أيضًا في جامعات ومؤسسات العالم العربي، فهل يستفيد من ذلك الدرس؟

Exit mobile version