كتبه: مصطفى إبراهيم – مصدر الإخبارية
نعيش وجع قلب يومي في فلسطين ، فقتل النساء يكاد لا يتوقف ومعه سلسلة جرائم عنف أسري ومجتمعي خلفت ذهولاً وصدمة.
الأسبوع الماضي قُتل رجل وابنه في جريمة بشعة، والاسبوع الذي سبقه لم يغيب مشهد الطفلة التي قُتلت والدتها (وفاء مصاروة) من مدينة الطيبة في فلسطين التاريخية وهي تجري هرباً في الشارع مذعورة تصرخ “أمي انقتلت، فالصغيرة شاهدت جريمة قتل أمها على يد ابيها وخرجت تصرخ لا تعلم ما تفعل.
صورة الطفلة هذه تكاد تختزل سردية الصمت المجتمعي والظلم والقهر الممارسان ضد النساء والاطفال في المجتمع الفلسطيني. يضاعف من أسى المشهد تكرار حوادث الانتحار من قبل شبان وشابات وجدوا أنفسهم في دائرة من القهر والصمت كسروها بإنهاء حياتهم.
في غزة قتل والد طفلته (آمال) وتبلغ من العمر 10 سنوات بجريمة بشعة. فالأب كان منع ابنته من رؤية والدتها التي طلقها وتكرر عنفه ضد الأبناء بحيث أنه ألقى ابنه من الطابق الثاني لكنه نجا من الموت رغم الكسور الهائلة التي أصابته. والعنف الممارس لم يجد رادعاً لا قانونياً ولا مجتمعياً إلى أن وصل الى حد قتل الابنة التي تعرضت ايضاً للاعتداء المتكرر.
المفجع أن الأم تقدمت بعدة شكاوى للشرطة ضد الأب بشأن اعتداءه على ابنته وابنه وفي كل مرة كانت الشرطة تكتفي بأن تجعله يوقع تعهداً بعدم الاعتداء من دون اجراءات عقابية أو رادعة فعلية بل الاكتفاء بالقبول بقوانين أحوال شخصية تنحاز الى الأب او الزوج رغم كل الظلامة المعلنة.
مصطفى إبراهيم: خيار الصلح العشائري في فلسطين يزيد الشروخ ويضاعف التفكك الأسري
ما يفاقم من المأساة هو انتشار خيار الصلح العشائري في حالات النزاع الأسري أو العنف، وهي وسيلة لم تنجح سوى في تثبيت موقع الرجل أو الزوج بصفته هو صاحب القرار مهما كان ظالماًَ أو عنيفاً تحت شعارات من نوع “الستر” وعدم تفكك الأسرة.
لكن في الحقيقة لم تنجح التدخلات العشائرية سوى في زيادة الشروخ بين العائلات ومضاعفة التفكك الأسري جراء الصمت على العنف وتكراره ومعه الصمت القسري للضحية وعائلتها امام العادات والتقاليد.
ليس مجازاً القول إنه عندما تقتل طفلة ولا تتخذ إجراءات قانونية ومجتمعية نكون كمن شرع قتل كل الأطفال، وعندما تقتل إمرأة ولا نلتفت إلى المسببات القانونية والثقافية الذكورية التي تقف خلف قتلها نكون كمن شرّع قتل كل النساء.
السلطة بدت كمن يريد تبرير نفسه أمام ضغط الجماعات الحقوقية فقالت إنها اعدت مشروع قانون للحماية لكنها تركت الامر للعشائر ورجال الدين كي يضعوا عليه حرماً عشائرياً ودينياً.
هنا، لا يكفي الشعور بالغضب والحزن والاستنكار والأسف، ولا تكفي احالة المجرمين للعدالة. ثقافة التماس الأعذار بحجج دينية وثقافية وعشائرية للمرتكبين تشرع استمرار ارتكاب المزيد من الجرائم وهذا ما يحصل.
مجتمعنا الفلسطيني يحتاج الى ثورة داخلية ضد التواطؤ وضد الصمت، ومجتمعنا يحتاج تفعيل الحماية والوقاية واتخاذ تغييرات جوهرية على المستوى القانوني والسياسي والاقتصادي والمجتمعي، لمحاولة تغيير النمط السائد في مقاربة قضايا العنف الأسري المرعية اجتماعياً.
هناك فئات من مختلف الأعمار تدفع الثمن يومياً جراء الانقسام السياسي في فلسطين والذي عكس نفسه على حالة حقوق الإنسان بحيث تضاعف ارتكاب الانتهاكات ضد الفلسطينيين والفلسطينيات على نحو يكرس عدم احترام الحريات العامة، ويكرس غياب القوانين الموحدة بين غزة والضفة. والظلم والقهر السياسي والاجتماعي تكرس بفعل السياسات السلطوية العقابية التي تزيد من ظلم وقهر الناس.
لا يكفي أن تقول السلطة أنها وضعت مسودة قانون حماية الاسرة من العنف المتزايد، الذي وقفت ضده العشائر وبعض المشايخ ممن ادعوا انه يدمر الاسرة الفلسطينية، وبسببه تعرضت اعلاميات وناشطات نسويات للتهديدبالاغتصاب، ونشطاء حقوق الانسان ومؤسساتهم للتهديد والتشويه، وظلوا بدون حماية. السلطة بدت كمن يريد تبرير نفسه أمام ضغط الجماعات الحقوقية فقالت إنها اعدت مشروع قانون للحماية لكنها تركت الامر للعشائر ورجال الدين كي يضعوا عليه حرماً عشائرياً ودينياً.
وفي نفس سياق استرضاء العشائر، كان لافتاً ما طالب به رئيس الحكومة محمد اشتية حين دعا العشائر الى التدخل لمواجهة وباء “كورونا” وتبني ميثاق شرف يمنع الاعراس والتجمهر للحد من تفشي الفايروس. فبطلبه هذا منح اشتيه الشرعية للعشائر التي تستخدمها السلطة وقت ماتشاء وفق مصالحها، في حين أنها لم تقدم الحماية لمؤسسات المجتمع المدني التي تتعرض للتهديد والملاحقة.
والسؤال، أي مجتمع مدني نريد وأي قوانين ستنفذ لحماية النساء والأطفال من العنف المتزايد. فالقصور في حماية الطفل والمرأة يجب أن يكون على رأس أولوياتنا بما في ذلك توحيد وتعديل القوانين وسن التشريعات التي تتوافق مع المعاهدات الدولية..