جمال عبد الناصر والقضية الفلسطينية

في ذكرى وفاته الـ 53.. أسطر في سيرة جمال عبد الناصر وموقفه من القضية الفلسطينية؟

خاص – مصدر الإخبارية

في مساء 28 من سبتمبر (أيلول) 1970 توقف قلب الزعيم العربي المصري جمال عبد الناصر، بعد أن أوقف نزيف الدم الفلسطيني والأردني، واختتم قمة عربية جمع فيها القادة والزعماء العرب لمناقشة ايلول الأسود، وكأنه سلّم الدفاتر وسلم حياته معها، وفي تلك الدفاتر كُتب موقفه مع القضية الفلسطينية.

ثلاثة وخمسون عاماً مرت على وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي ترك بصمة له في القضية الفلسطينية، ووضع المنطقة العربية في موقع متميز على خريطة العالم، ورحل بعد اكتسب محبة الملايين، لما له من كاريزما غير عادية أسرت قلوب جماهير عربية كثيرة تتعطش لقيادة من هذا النوع، حيث لا تكاد تخلو بيوت من صوره.

حصار الفالوجة

تعود العلاقة التاريخية بين عبد الناصر والقضية الفلسطينية إلى عام 1948 في بلدة الفالوجا بقطاع غزة، عندما شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوماً وحشياً على سكان البلدة، وحاصرت لواءً مصرياً بقيادة سيد طه، وكان الرجل الثاني جمال عبد الناصر، ضمن كتيبة مصرية مستهدفة، وفيها استبسل الجنود المصريون في القتال فوق الأرض الفلسطينية.

وكان عبد الناصر شاهداً على نكبة فلسطين، وتقاعس الأنظمة، حيث أنه التحق بوحدات الجيش المصري التي كانت بغزة، بعد أن اتخذ قادة العرب قرار الحرب، قبل أسبوعين من نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين منتصف مايو (أيار) 1948، وأصبح قائداً للكتيبة السادسة للمشاة برفح، قبل أن يتنقل لعدة مواقع انتهت بالفالوجة.

وتؤكد جميع المصادر بطولة المصريين في الفالوجة، رغم جولات مستمرة من الهجمات والحرب النفسية عليهم، حيث رفضوا الاستسلام ولم يخضعوا لدعوات الاجتماع مع اليهود إلا بعد سقوط بعضهم.

وأُصيب عبد الناصر بجروح طفيفة في القتال يوم 12 يوليو، وبحلول شهر أغسطس، تمت محاصرة الفرقة من قبل الجيش الإسرائيلي، فرفضت الاستسلام.

وشارك عبد الناصر في الاجتماع الذي تواجد فيه ضباط مصريون وإسرائيليون، وتم التفاوض معهم على الاستسلام، إلا أن سيد طه رفض، وقال: “سأحارب حتى الرصاصة الأخيرة، والرجل الأخير في سبيل إنقاذ شرف الجيش المصري”.

واستمر حصار الفالوجة أكثر من 100 يوم، ولم تنتِه فصوله إلا بعد توقيع الهدنة بين الجانبين المصري والإسرائيلي في فبراير (شباط) 1949، وبعدها خرجت القوات المصرية المحاصرة بكامل معداتها العسكرية من القرية، إلا أن التفاوض أفضى بالتنازل عن الفالوجة.

واحتفت مصر بعودة الأبطال، رغم تحفظات الحكومة الي تعرضت لضغوطات من قبل الحكومة البريطانية لعدم الاستقبال، واستضافت المطربة المصرية أم كلثوم احتفال الجمهور بعودة الضباط.

واعتُبرت حادثة الفالوجة هي الشرارة الأولى للتفكير بالثورة المصرية، ولفت الانتباه للقضية الفلسطينية والمأساة التي يعيشها الفلسطينيون بسبب الاحتلال الإسرائيلي.

ومن وقتها، أصبح فلسطين محور اهتمام جمال عبد الناصر الأكبر خلال سنوات النضال، وحتى أصبح رئيساً، ليست فقط من ناحية أخوية وعاطفية، إنما دفاعاً عن الأمن القومي المصري والعربي.

وعن حصار الفالوجة، قال صحفي مخضرم يدعى إريك مارغوليس عن القوات المصرية وعبد الناصر: “لقد تحملت القصف العنيف في الفالوجة، رغم أنها كانت معزولة عن قيادتها، وأصبح المدافعون، بما فيهم الضابط جمال عبد الناصر أبطالاً وطنيين حينها”.

وضمن مواقفه ضد الاحتلال، أُرسل عبد ناصر كعضو في الوفد المصري إلى رودس في فبراير 1949 للتفاوض على هدنة رسمية مع “إسرائيل”، والتي وجد فيها شروطاً مهينة، ولم تكن محببة بالنسبة له، خاصة أن الإسرائيليين تمكنوا من احتلال منطقة إيلات بسهولة بينما هم يتفاوضون مع العرب في مارس 1949.

ومن أشهر مقولات عبد الناصر التي توثق وتؤكد اهتمامه بالقضية الفلسطينية، ما قاله في خطابه الشهير بذكرى ثورة يوليو، عام 1967: “رغم النكسة، فإن مصر لن تتخلى عن القضية الفلسطينية”.

وذُكر في سيرته، أنه عقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر 1947، عقد الضباط الأحرار اجتماعاً، واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد انتهاك الكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.

وهنا، توجه عبد الناصر إلى مفتى فلسطين الذي كان لاجئاً يقيم في مصر الجديدة، فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة كمدرّبين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها، إلا أنه المفتي لم يقبل العرض وقال: “لا أستطيع أن أقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية”.

وبعد بضعة أيام رفض العرض، فتقدّم عبد الناصر بطلب إجازة، ليتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبتّ في طلبه، أمرت الحكومة المصرية الجيش رسمياً بالاشتراك في الحرب، فسافر جمال لفلسطين في 16 مايو 1948، وهو برتبة رائد، والتي بعد كتبت تاريخ بطولة الجنود المصريين في الفالوجة.

وكان يكتب في يومياته، مفتخراً ببطولة الجنود المصريين والعرب واستبسالهم في القتال ضد العصابات الصهيونية، وحكايات عن معارك وشهداء وعلاقات بسكان القرى، وجلسات نقاش سمر تحت سماء فلسطين، وبين سطوره تجد نقمة واستهجاناً وسخرية من قرارات قيادية ساهمت عن قصد أو غير قصد بالهزيمة.

وتجسدت أدواره بالدفاع عن العروبة، حيث كان انحيازه واضحاً لأماني الشعب العربي في كل مكان، ووقف بشكل قوي ضد كل المحاولات التي سعت لتهميش الدور العربي في وجه الهيمنة والتسلط الاستعماري، والتآمر الإسرائيلي.

لقد أدرك عبد الناصر مبكراً، أن فلسطين قضية مصرية ترتبط عضوياً بالأمن القومي المصري، بعد كل ما رآه على أرض الواقع من تهديد في حال نفوذ القوة الإسرائيلية لمصر والعرب.

جمال عبد الناصر

وجمال عبد الناصر من مواليد 15 يناير 1918، وهو أحد قادة ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 التي أطاحت بالملق فاروق آخر حاكم من أسرة محمد علي، وكانت تلك الثورة التي حولت مصر إلى جمهورية رئاسية شغل فيها ناصر منصب نائب رئيس الوزراء في حكومتها الجديد.

وكان قائد الاتحاد العربي الاشتراكي الذي يدعو للوحدة العربية،و قبل الثورة، كان عضواً في حزب مصر الفتاة الذي كان ينادي بالإشتراكية.

قام عبد الناصر بعد الثورة بالاستقالة من منصبه في الجيش وتولى رئاسة الوزراء، ثم اختير رئيساً للجمهورية في 25 يونيو (حزيران) 1956، طبقًا لاستفتاء أجري في 23 يونيو 1956، ويعتبر ثاني رؤساء مصر.

وتعرض لمحاولة اغتيال على يد الإخوان المسلمين عام 1954م، وبعدها قام بحظر وقمع التنظيم، ووضع الرئيس محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية وتولى المنصب التنفيذي.

وتوفي عبد الناصر يوم 28 سبتمبر (أيلول) 1970، بعد قمة عربية دعا لها من أجل مناقشة أيلول الأسود، ووضع العرب، بنوبة قلبية مفاجئة، وجرت الأحاديث بأنها لم تكن صدفة، وجاءت الاتهامات بأنه تعرض للتسميم عمداً.

وبعد شيوع خبر الوفاة، امتلأت شوارع معظم العواصم العربية بجماهير باكية حزينة، بينما ارتاح كثير من زعماء العالم، وعلى رأسهم إسرائيل.

وكانت فلسطين من بين الدول التي تأثرت جداً برحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، حيث عزت كل البيوت عبد الناصر، الذي امتلأت بصوره.

اقرأ أيضاً: اشتية: مصر حاضنة للقضية الفلسطينية وعلاقتنا معها تاريخية

Exit mobile version