ما زلنا نخضع لسياسة التجهيل - الثورة التي أفشلت مخططات التقسيم-طلال عوكل

لا وقت أمام الفلسطينيين.. بقلم طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

لا وقت أمام الفلسطينيين.. بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا من المصدر.

في ضوء نتائج الانتخابات للكنيست الإسرائيلي الخامسة والعشرين، لا بدّ من الاعتراف بأن صعود “اليمين الفاشي” إلى سدّة الحكم في إسرائيل، وبضمن تكتل يميني متطرف، يشكّل بداية مرحلة جديدة.

الحديث عن مرحلة جديدة لا يتصل بالتطورات السياسية في إسرائيل، فما يجري تتويج لسياق طويل من التحولات الاجتماعية والاحتلالية المستمرة، ولكن مثل هذا الحديث والاستنتاج هو برسم السياسات الفلسطينية والعربية التي لا تزال تتمسك باستراتيجية البحث عن السلام، مع دولة “تخجل” من الحديث عن السلام ولو لأسباب تتعلق بالعلاقات العامة.
في الواقع، وحتى في غياب الاعتراف الفلسطيني الرسمي وكذلك العربي فإن ميدان الصراع يؤكد موضوعياً هذا الاستنتاج، ما يشير إلى أن الشعب الفلسطيني تجاوز فعلياً المستويات السياسية العليا.

الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية، تشير بوضوح إلى حصاد فعاليات الميدان، فلقد سقط خلال هذا العام، وحتى تاريخه في الضفة الغربية وحدها مئة وتسعة وعشرون شهيداً مقارنة بستة وسبعين في العام المنصرم وعشرين في العام الذي سبقه.
وبحسب التوزيع الجغرافي للشهداء، فإن جنين دفعت تسعة وعشرين شهيداً، تليها نابلس بستة وعشرين شهيداً، وخمسة وعشرين في مناطق أخرى من الضفة.
هذا عدا مئات الجرحى، وربما يصل عدد المعتقلين إلى أكثر من ألف معتقل، فضلاً عن تصاعد عمليات نسف البيوت، إن كانت بدواعي الانتقام أو الردع.
هذه اللوحة تشير إلى أن إسرائيل تشن حرباً حقيقية لا تتوقف على الفلسطينيين، وتتركز في الضفة و القدس ، بينما تستقر معادلة الهدوء مقابل التسهيلات في قطاع غزة.

الوعد الأوّل لنتنياهو، هو أن حكومته ستعمل على بسط السيادة الأمنية الكاملة في الضفة الغربية، ما يعني أن الضفة ستشهد تصعيداً كبيراً خلال المرحلة التي نتحدث عنها، بصرف النظر عمّا إذا كان إيتمار بن غفير سيحصل على وزارة الأمن.
ثمة إشارة عملية على هذا التوجه، حين يقوم ثمانية من أعضاء الكنيست الجدد، ومن أحزاب “التكتل” باقتحام “قبر يوسف”، وكلهم يؤكدون أن هذا المقام والحرم الإبراهيمي، والمسجد الأقصى، لا يمكن إلّا أن تكون تحت السيادة الإسرائيلية.
هذه المرحلة لا تتعلق بمن يكون أو لا يكون في حكومة نتنياهو الذي يُعرف عنه أنه مستعد لأن يلحس تصريحاته ووعوده لحلفائه، لكنه لا يستطيع أن يخفي أو يخفّف من حقيقة الوزن الكبير الذي تحظى به “الصهيونية الدينية”، ما يثير مخاوف كبيرة من قبل نخبة واسعة من النشطاء السياسيين والكتّاب والمؤرّخين الإسرائيليين.

لا وقت أمام الفلسطينيين

نتنياهو معروف عنه أنه يستطيع التجوّل تحت المطر دون أن يصيبه البلل، وبالتالي فإنه يملك خيارات كثيرة سواء في التعامل مع الأوضاع الداخلية، أو الانتقادات والمخاوف الخارجية بما في ذلك التي تصدر عن حلفاء إسرائيل الدوليين.
التطور الأخير في إسرائيل يسجّل هدفاً قوياً في مرمى الفلسطينيين، فلقد نجح نتنياهو في تجاوز أزمة النظام السياسي، التي استغرقت ثلاث سنوات ونصف السنة، وشهدت أربعة انتخابات عامة.
بالعكس من ذلك، فشل الفلسطينيون في ترميم نظامهم السياسي وإنهاء انقساماتهم، رغم مرور أكثر من خمسة عشر عاماً، بما يترك لإسرائيل أن تقرر هي مصيرهم.

بالتأكيد سيواصل نتنياهو سياسته السابقة المعروفة تجاه الفلسطينيين، فهو صاحب نظرية “السلام الاقتصادي”، وهو صاحب نظرية “دولة غزة”، وهو الذي حرص كل الوقت على إفشال أي محاولة فلسطينية لإنهاء الانقسام، حتى قبل أن تبدأ أي محاولة.
خلال السنوات الأربع القادمة، من حكم “اليمين الفاشي” في إسرائيل وبقيادة نتنياهو، من المتوقع بل المرجّح أن تدفع إسرائيل الأمور واقعياً نحو تعزيز التوجه لـ”دولة غزة”، وأن تُخضِع الضفة لمخططات استيطانية مكثفة، وعدوان شرس.
سيكون الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين، من أي مرحلة سبقت، خاصة في ضوء احتمالات بعودة ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية وفي ضوء التطورات الدولية المتسارعة.

استمرار المراهنة على تطوّر في الموقف الأميركي، أمر محزن وشكل من أشكال الجهل السياسي، فالولايات المتحدة لم تنجح في إقناع حكومة يائير لابيد، من خفض التصعيد، رغم استمرارها في المطالبة بذلك فكيف حين يكون نتنياهو وحكومته الفاشية هي المعنية؟
هل تكون هذه المؤشّرات بداية صحوة فلسطينية وعربية، لقرب الجميع من الشعار الذي رفعته “قمة الجزائر” العربية؟
بصراحة، لا توجد مؤشرات لا من قبل الفلسطينيين ولا من قبل العرب، فالانقسام باقٍ، لا أفق لمعالجته، واهتراء النظام السياسي ظاهر للعيان، ولا تفكير بإصلاحه، والمحصلة أن الفلسطينيين بمجموعهم سيتعاطون شاؤوا أم أبوا مع حركة الأمر الواقع الذي تتحكم فيه وتدفع نحو إسرائيل.
الإرادة الفلسطينية غائبة، والكل يعمل من موقع رد الفعل، وفي أحيان كثيرة، لا يحصل رد الفعل المناسب بالمحتوى والشكل والتوقيت المناسب.

لقد تأخّر الفلسطينيون كثيراً في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي ودفعوا ويدفعون ثمن ذلك دون أي إنجاز يذكر.
الآن ثمة نوايا فلسطينية للتوجه نحو محكمة لاهاي بقرار أممي بشأن الاحتلال، الأمر الذي تحذر منه الأوساط الإسرائيلية، فهل ستواصل السلطة التحدّي أم أنها ستستخدم هذا القرار للمساومة، أو حتى التخلّي عنه دون مساومة تحت ضغط من إسرائيل والولايات المتحدة؟
ينبغي أن يحذر الفلسطينيون في الهرم السياسي والفصائلي إزاء تصاعد دور الشباب الفلسطيني، الذي يعبّر كل يوم عن عدم ثقته بالأداء السياسي، ويعمل على الأرض لتجاوز كل منظومة العمل السياسي الرسمي وغير الرسمي، إن كان الأمر يتعلق بمرحلة جديدة، فإن ذلك يقتضي استراتيجية فلسطينية جديدة تتجاوز أخطاء وخطايا المرحلة السابقة، وتصحّح مسار النضال الوطني التحرّري، وإلّا فإنّ التاريخ سيعطي حُكمه وإن تأخّر قليلاً.

أقرأ أيضًا: حماس بين الماضي والحاضر بقلم طلال عوكل

Exit mobile version