من المسؤول عن ضعف السلطة؟

أقلام – مصدر الإخبارية

كتب طلال عوكل مقالاً بعنوان: من المسؤول عن ضعف السلطة؟

حوّارة من جديد، وحوّارة دائماً، ودائماً كلّ المدن والمخيّمات الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي قلبها القدس .

يوم كانت الوفود في العقبة الأردنية، تناقش ملفّ التصعيد الإسرائيلي الخطير في الضفة، وتضع على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي التزامات، لمنع تدهور الأوضاع في الضفة، كان المستوطنون يرتكبون مجزرة في حوّارة، وكان الجيش هناك، أيضاً، الصراخ الإسرائيلي الذي لا يتوقّف مُحذّراً من انتفاضة شاملة ومُسلّحة في الضفة، مُجرّد ذريعة لارتكاب المزيد من الجرائم، لتحضير الميدان، الذي تتوقع وتسعى إسرائيل لحسم الصراع فيه وعليه.

ينشغل الإسرائيليون منذ بداية العام في صراعٍ حول التعديلات القضائية، التي ستحوّل إسرائيل إلى دولة ديكتاتورية وتعمّق منهجها العنصري الفاشي، لكن لا تسمع من أيّ حزبٍ أو مسؤول تصريحات تعارض سياسة الحكومة والمستوطنين تجاه الفلسطينيين.

بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع يدعو الحكومة والجيش لاستعادة الردع في الضفة، وكأنّ الفلسطينيين في الضفة هم الذين يتحمّلون المسؤولية عن تآكل الردع الإسرائيلي.

ويدعو سموتريتش الجيش لاستعادة المبادرة نحو الهجوم وكأنّه يلتزم سياسة الدفاع تجاه مقاومين فلسطينيين يملكون أسلحة خفيفة، لكنهم يملكون إرادة قويّة دفاعاً عن حقوق الشعب.

في الحقيقة فإنّ ثمّة دوراً يلعبه الجيش من موقع الدفاع، لكنّه دفاع عن المستوطنين والمستوطنات، دفاع عن الاحتلال، وسياساته المجرمة والعنصرية، وهو دفاع عن العنصرية في مواجهة القوانين والقيم والقرارات الدولية.

الجيش الإسرائيلي مبني أساساً على العدوانية، والهجوم وتدمير الآخر، وارتكاب كلّ أشكال جرائم الحرب، والجرائم الإنسانية ضدّ الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، والتاريخ على ذلك يشهد.

لا فائدة من المُراهنة على اجتماعات قد تتكرّر، بعد «العقبة» و»شرم الشيخ»، لمحاولة تخفيض التصعيد، وتقوية السلطة الوطنية، فبالرغم ممّا تمّ الاتفاق عليه، فإنّ الولايات المتحدة لم تمارس أي مستوى من الضغط على حكومات نتنياهو.

كانت الإدارة الأميركية قد طلبت من حكومة نتنياهو، تقديم تسهيلات من أجل تقوية السلطة ودورها، وتمكينها من احتواء ما يُسمّونه الفوضى، لكن ذلك لم ينجح، ومن غير المحتمل أن تحصل السلطة على مثل هذه الفرصة.

الأصل في الموضوع هو أنّ إسرائيل بسياساتها، وإرهابها، ودعمها للمستوطنين، وتشجيعهم على حمل السلاح، وممارسة العدوان المتكرّر على الفلسطينيين هي المسؤولة حصرياً عن إضعاف السلطة.

السلطة تعاني أزمة مالية متفاقمة، سببها القرصنة الإسرائيلية الرسمية على أموال المقاصة، ولا أحد عربياً أو أجنبياً مستعد لأن يعوّض هذه الأموال المسروقة.
ربّما لا تحتاج السلطة إلى تعويضات تسدّ الثغرة الكبيرة التي تتسبّب بها القرصنة الإسرائيلية لو أنّ ثمّة إمكانية لعدالة دولية قادرة على استرجاع الحقوق، ولكن في غياب هذه وتلك، سيظلّ الحديث عن «تسهيلات» إسرائيلية كلاماً فارغاً.

إيتمار بن غفير وقبله سموتريتش يقرّر اعتماد 120 مليون شيكل لدعم الاستيطان في القدس، والحكومة تقرّر «خطّة خمسية» من أجل السيطرة على العاصمة الفلسطينية، فهل لهذا الأمر حساب في الحديث عن ضعف السلطة أو قوّتها.

نفهم ونتفهّم تماماً أبعاد السياسة التي تضمّنها خطاب الرئيس محمود عبّاس في اجتماع الأُمناء العامين في مدينة العلمين الجديدة، ونفهم ونتفهّم أن تغيير هذه السياسة، بما تستدعيه السياسة العنصرية، والإرهابية الإسرائيلية، أمر لا يتم بهذه السرعة والسهولة.

ونفهم ونتفهّم أن التزام السلطة بهذه السياسة، يؤدّي إلى تحسين صورة فلسطين على الصعيد الدولي، وربّما يحقّق المزيد من الإنجازات الدبلوماسية والحقوقية لفلسطين، وأنّ مثل هذه الإنجازات تشكّل انتصارات بالنقاط على الاحتلال، حتى لو كان سيواصل مقاومة كلّ قرار أو جهد دولي بالخصوص.

ولكن هل يمكن تفهُّم أنّ السلطة هي الأخرى، تعتبر المقاومة في الضفة، السبب أو سبباً رئيساً في ضعف دورها.

إسرائيل تريد تقوية السلطة أمنياً، بما أنّها تواصل «التنسيق الأمني» ومحاولة احتواء المقاومة، ولكنها أي إسرائيل تعمل على ألا يتجاوز دور السلطة، دور أي هيئة محلية، لا بعد سياسياً لها.

واقع الحال يشير ويؤكّد على أنّ لا قمع الاحتلال ولا اعتداءات المستوطنين ولا محاولات احتواء المقاومة، من شأنه أن يُحجِّم هذه المقاومة طالما أنّ الاحتلال يُمعن في إرهابه ويُوسّع دائرة قمعه للفلسطينيين.

التجربة الملموسة تقول: إنّ «كتيبة جنين» كانت قبل نحو عامٍ تغرّد وحدها، فما الذي أدّى إلى نشوء «كتائب» في نابلس وقلقيلية، وأريحا، وطولكرم، و بيت لحم ، والأرجح أنّ بقيّة المدن والقرى والبلدات الفلسطينية ستنضمّ هي الأخرى لمسيرة «الكتائب».

ليست السلطة هي من يتحمّل المسؤولية عن توسُّع دائرة المقاومة، ولا هي إيران أو « حماس ».. أو غيرها، وإنّما هي إسرائيل ومن يقف خلفها هم من يتحمّل المسؤولية عن تصاعد المقاومة.

ليس علينا كفلسطينيين أن نتوقّع تغييراً في البرامج السياسية للقوى الفاعلة فلسطينياً وإن كنّا نأمل ذلك، ولكن ثمّة إمكانية وضرورة لتحقيق توافق وطني شامل بشأن تصعيد المقاومة ولو من باب الدفاع عن النفس.

اقرأ أيضاً:محللون: إقالة محافظي السلطة استمرار بالتفرد وخطوة للبحث عن بدائل أكثر ولاء

الانتخابات: دوافع ومؤشّرات

مقال- طلال عوكل

انتهى اجتماع الأمناء العامين في مدينة العلمين الجديدة المصرية نهاية الشهر المنصرم إلى صفر نتائج، استناداً إلى الهدف الذي وقف خلف الدعوة وهو إنهاء الانقسام، وتحقيق توافق وطني لإجراء الانتخابات.
وإذا كانت الأحكام لا تستند إلى النوايا، وهو أمر ينطبق على الكل، فإن الرئيس محمود عباس هو الوحيد الذي حقّق هدفاً يبدو أنه سعى إليه، وهو تأكيد شرعيته، أمام العالمين العربي والدولي.
الكل تقريباً استجابَ إلى دعوته للقاء، وترأس وفداً لمنظمة التحرير الفلسطينية، بمعزلٍ عن وفد حركة فتح، وظهر بأنه أبُ الجميع، والذي يختم الاجتماع بالطريقة التي يُريد.
فشلُ “اجتماع العلمين” تركَ الأسئلة الحائرة مفتوحةً على من يتحمّل المسؤولية عن الفشل، وبدا وكأن الجميع، خصوصاً حركتي “فتح” و” حماس ” متساوون في المسؤولية.
ربّما كان هذا واحداً من الأسباب التي دفعت “حماس” لدعوة الفصائل ومنظّمات المجتمع المدني، وعديد الشخصيات العامة والكتّاب لبحث موضوع الانتخابات المحلية في قطاع غزة .
كان ذلك مهمّاً، لإظهار استجابة “حماس” لمطالبات ممثلي المجتمع الفلسطيني في قطاع غزّة، وكان بإمكانها أن تعلن موقفاً وحدها مشفوعاً بالموقف ذاته، من قبل “لجنة متابعة العمل الحكومي”.
تدرك “حماس” مدى عمق المأساة التي يعاني منها سكّان القطاع المحاصر وهي من موقفها المسؤول عن إدارة شؤون القطاع لا تستطيع أن تصم آذانها عن مطالبات المواطنين، وفي الحدود التي تستطيع الحركة القيام به لإظهار الجدّية.
حراك “بدنا نعيش” الذي جاب شوارع القطاع بالتزامن مع “اجتماع العلمين”، قدّم مُؤشّراً، لا يمكن تجاهل مطالبه، لا بدّ من ملاحظة الجُرأة التي تمتّع بها شباب الحراك، الذي كان سيعاود التحرّك مرّة أخرى، لولا أنّ الأجهزة الأمنية والشرطية اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع التجمُّع، حتى لا تضطر الحركة لقمعه أو تركه بما يتسبّب في فوضى عارمة في القطاع.
تعامل “حماس” مع “بدنا نعيش” كان هو الآخر مفاجئاً من حيث المرونة التي اتّبعتها الشرطة في التعامل مع الحراك، ودون أن تسجّل أي حالة من الاعتقال السياسي، خلال أربع وعشرين ساعة، كانت الشرطة قد أفرجت عن كافّة المعتقلين وكل ذلك بخلاف التوقّعات والمواقف المسبقة التي اعتقدت أن أجهزة الأمن والشرطة ستقوم بقمعٍ شديد للشباب.
مباشرة، اتّخذت الأجهزة الحكومية في غزة، جملةً من الإجراءات القليلة، استجابةً لمطالب الحراك، ولذلك فإنّني أعتقد أنّ دعوة “حماس” الفصائل للاجتماع، والاتفاق على إجراء الانتخابات المحلية تأتي في سياق محاولات الحركة لتحسين واقع الحال، وتحسين صورتها في القطاع وأمام الرأي العام.
على أنّ فكرة القبول بإجراء الانتخابات كانت سابقة على الحراك وعلى “اجتماع العلمين”، ولكن تداولها كان دون مستوى اتّخاذ القرار. من بين أطراف عديدة سياسية ومجتمعية تابعت “الهيئة المستقلّة” ملفّ الانتخابات الطلّابية والمحلّية، من موقع المسهل لتحقيق توافقات وطنية جامعة بهذا الخصوص.
الهيئة في القطاع أجرت عشرات اللقاءات والاجتماعات مع الفصائل، والكتل الطلّابية وإدارات الجامعات، وتكلّلت جهودها بالنجاح في تحقيق اتفاقٍ شامل لإجرائها في الفصل الثاني من العام الدراسي القادم.
اتّفق الجميع على كلّ التفاصيل المتعلّقة بهذا الموضوع، سواء ما يتعلّق بحرّية النشاط الطلّابي، أو إجرائها على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، أو الخارطة الزمنية لإجرائها في الجامعات، خصوصاً “الأزهر” و”الإسلامية” وسواهما.
بالرغم من ذلك لا تزال بعض الأطراف والشخصيات تشكّك في مصداقية الاتفاق، وتستند إلى النوايا والمواقف المُسبقة، للتشكيك في إمكانية إجرائها.
يبحث هؤلاء عن عظامٍ في الكرشة، ويتحدّثون عن إمكانية تعطيلها من خلال بعض التفاصيل، التي تعوّد النّاس أنّ الأطراف تحتفظ بها كـ”استدراكات”، بهدف التهرُّب من الالتزام.
“المستقلة”، أيضاً، تابعت موضوع الانتخابات المحلّية، ودائماً كانت تسمع آراء ومواقف إيجابية، وبالتالي فإنّ موافقة كافّة الأطراف على إجراء الانتخابات المحلّية في القطاع، تشكّل حالة نضج لا أعتقد أنّها مُعرّضة للارتداد.
لا بدّ من ملاحظة مُؤشّرات التغيير لدى حركة حماس إزاء الانتخابات، فلقد امتنعت سابقاً عن إجراء المحلّية منها، بدواعي ارتباطها بالانتخابات العامّة. لكن هذه الانتخابات لم يعد بالإمكان إجراؤها.
حاولت “حماس” إشراك أطراف أخرى في إدارة البلديات عَبر التعيين لكنها فشلت في ذلك، ولم يعد أمامها من خيارات سوى مواصلة التعيين، أو إجراء الانتخابات.
معلومٌ أنّ الانتخابات البلدية، لا تنطوي على أبعادٍ سياسية ذات علاقةٍ بالانقسام، والمصالحة، لكنها مُؤشّر على مصداقية الخطاب، الذي يتحدّث عن الاستعداد للشراكة، واحترام حقوق المجتمع في الاختيار.
وفي الواقع فإنّ البلديات في القطاع، باستثناء بلدية مدينة غزة، لم تعد قادرة على تلبية احتياجات المجتمع، كونها بلديات تابعة لـ”حماس”.. وبالتالي فإنّها لا تحظى بأيّ تمويلٍ خارجي.
إنّ إجراء هذه الانتخابات بعد سنواتٍ طويلة من غيابها في القطاع، والمُداومة على إجرائها في الضفة الغربية، ي فتح أملاً ولو محدوداً، بشأن تحسين واقع الحال في القطاع.
الآن الكرة في ملعب الحكومة برئاسة د. محمد إشتية، فإذا كان الكلّ جاهزاً للمشاركة، وإذا كانت لجنة الانتخابات المركزية جاهزة هي الأخرى، فإنّ الأمر ينتظر صُدور قرارٍ من الحكومة، حتى تكون الانتخابات جزءاً من التزام الحكومة، وليست معزولةً عن الانتخابات المحلّية في الضفة.
ستبقى الأسئلة المتشكِّكة مرفوعة إلى أن يصدر قرار الحكومة، وبدء الإجراءات العملية لتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه.

محلل سياسي: حديث قادة الاحتلال عن استعادة الردع يؤكد تهشمه

غزة- مصدر الإخبارية:

قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إن حديث قادة الاحتلال الإسرائيلي عن مصطلح استعادة الردع يدلل على أن “الردع” تهشم.

وأضاف عوكل في تصريح إذاعي، أن “تهشم الردع يقود قادة الاحتلال، نحو وجود حاجة لاستعادته وإعادة رسم صورة الجيش الذي لا يُقهر حسب وصفهم”.

وتابع أن “فعل حزب الله المقاوم على الحدود مع لبنان يُضعف هيبة جيش الاحتلال والحكومة الاسرائيلي تبحث عن حل سياسي”.

وأشار إلى أنه “من المؤكد أن الاحتلال في حال فكر في خوض معركة مع حزب الله فسيدفع الثمن غاليًا، وصورة جيشه ستتهشم أكثر فأكثر”.

وأكد أن “ما يحدث داخل دولة الاحتلال أكبر مما يمكن وصفه بأنه حالة اضطراب أو عدم استقرار، وهذه أزمة عميقة ذات أبعاد تاريخية تشكل فرصة مهمة للفلسطينيين ينبغي النظر إليها من هذه الزاوية”.

وشدد على أن “الجانب الفلسطيني أن يعرف كيف يوظف أدواته لاستغلال أزمة إسرائيل الداخلية بفعل الخلافات بشأن الإصلاحات القضائية”.

واستطرد أن دولة الاحتلال تعاني حالياً بالإضافة إلى ملف الانقلاب القضائي من انقلاب في صلاحيات النيابة العامة والشرطة، ما يُفقد النائب العام صلاحياته ويضع الشرطة في المستويات العليا، ما يدلل على عدم القدرة على العودة الوصول إلى حل بشأن الأزمة الداخلية والذهاب نحو الاستقرار والتوافق”.

ولفت إلى أن أزمة الاحتلال تفتك بأدوات الاحتلال، “فهناك الكثير من الاستقالات ومظاهر التمرد داخل أروقة الحكومة والجيش والجهاز الطبي ولدى الطيارين إضافة إلى اشتداد المظاهرات حتى باتت الشرطة تستخدم خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيلة للدموع”.

ونوه إلى أن “ما يحدث سيؤثر على طبيعة علاقة الاحتلال مع الولايات المتحدة وغيرها من الأنظمة حول العالم، وربما يتسع إلى نطاق الرأي العام وتغيير توصيف الاحتلال بأنه عنصري، ويقود نحو انهيار المشروع الإسرائيلي”.

ورأى عوكل أنه “عندما تنهار الجبهة الداخلية تصبح القوة العسكرية هشة وغير قادرة على حماية الداخل الصهيوني”.

ونبه إلى أن “الاحتلال يعتمد مبدأ شن عدوان وخوض معركة خارجية لتصدير الأزمة وحل الاشكاليات الداخلية، لكن حتى وإن فعل ذلك فإن المعركة ستنتهي وتعود الإشكاليات كما هي وربما تتعمق أكثر”.

اقرأ أيضاً: الآلاف يتظاهرون في إسرائيل ضد الإصلاحات القضائية

 

مُوجِبات الخروج من حالة الجمود والإحباط.. بقلم طلال عوكل

أقلام-مصدر الإخبارية

العين السليمة لا تخطئ رؤية الدخان والبارود الذي يغطّي سماء فلسطين، والمحيط الإقليمي، ولم تكن جنين استثناءً، فهي وإن كانت في عين العاصفة، فإنّ كلّ الأرض المحتلة تقع هي الأخرى في عين العاصفة.

إسرائيل المحتلّة تركب أعلى أمواج الجنون الفاشي العنصري. كالثور الهائج انفلت الإرهاب الإسرائيلي بكلّ قوة، ومن دون حساب في حربٍ مفتوحة على الحقوق والقوانين والأرض والبشر والشجر.

الحديث عن الحرب البشعة المفتوحة لا يصدر فقط عن محلّلين، أو فصائل، بل إنّه يصدر عن مسؤولين في السلطة الوطنية الفلسطينية.

ثمة إدراك شامل من قبل الشعب الفلسطيني وفصائله ونُخبه السياسية والاجتماعية لأبعاد وأهداف هذه الحرب المسعورة، لكن هذا الإدراك لا يُترجم بإجراءات وسياسات فلسطينية تعظّم حالة المقاومة وتؤكد وحدة الكلّ الفلسطيني.

بسرعة ولأبسط الأسباب تندلع موجات الاتهامات، والاتهامات المضادّة، التي تعكّر الدم الفلسطيني النازف.

الحديث عن إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والوحدة، أصبح حديثاً مملّاً ويدعو للإحباط، فالهوّة لا تزال تتّسع، والإرادة غائبة، والاحتلال لا يزال يحرّض ويعبث بالعلاقات الفلسطينية الداخلية.

لا يمكن تبرير حالة الجُمود في الواقع الفلسطيني سواء على مستوى الاختلافات السياسية، أو على مستوى النظام السياسي، أو على مستوى الاختلاف بشأن كيفية وأساليب مواجهة الإرهاب الصهيوني الذي لا يتوقّف.

اقرأ/ي أيضا: كيف لهذا المخيم أن يُهزم؟

عبث العودة لخطاب مُطالبة الفصائل بالحوار وإنهاء الانقسام، وعبث الحديث عن الانتخابات العامّة، وعن إستراتيجيات مُوحّدة أو عن مخارج لهذا الوضع المزري.

إسرائيل دمّرت “اتفاقيات أوسلو”، وقطعت الطريق على أيّ إمكانية لتحقيق السلام، عَبر المفاوضات، وتعمل على تجريف كلّ إمكانية أو مؤشّر، لتحقيق “رؤية الدولتين”، وهي تدفع الصراع نحو دولة واحدة، محكومة لقوانين العنصرية، التي ترى الفلسطيني ضيفاً ثقيلاً ينبغي التخلُّص منه.

هذا يعني أنّ المشروع الوطني، الذي يقوم على هدف إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967، وعاصتها القدس الشرقية وحلّ قضية اللاجئين، هذا المشروع لم يعد واقعياً، أو قابلاً للتحقيق ما يوجب إعادة تعريف هذا المشروع على أساس واقعي.

الواقعية، تستند إلى رؤية تقوم على تقييم للمشروع الصهيوني وأهدافه، وليس على ما يصدر عن المجتمع الدولي من خطابٍ ومُطالبات، محض كلامية، وأحياناً تستخدم كغطاء لتبرير سياسات مُنحازة للاحتلال ومُتواطئة معه.

هي عودة إلى الأُصول، وجُذور الصراع، فإذا كان الاحتلال الصهيوني العنصري الفاشي، لا يكفّ عن الإعلان عن ذلك فإنّ هذا يستدعي من الفلسطينيين، أن يعملوا على أساس ذلك، والأصحّ أنّ يُعلنوا عن ذلك، ويُحمّلوا إسرائيل تبعات هذا التطوّر الجذري الخطير مع ما يستدعي ذلك من إجراءات وتغيير في الهدف والأدوات.

لا أعرف سبباً وجيهاً، في ظلّ استمرار الانقسام، لبقاء منظمة التحرير الفلسطينية على ما هي عليه برنامجاً، وتكويناً، ودوراً.

في الواقع، لم تعد منظمة التحرير قائداً فعلياً للشعب الفلسطيني، ولم تعد إطاراً ائتلافياً حقيقياً على الأقلّ للفصائل التي لا تزال كما كانت تنتمي للمنظمة، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

المنظمة غائبة عن الفعل، وعن الدور، وعن الحضور، وأراهن أنّ كثيراً من الناس بمن في ذلك المتابعون للشأن الفلسطيني، لا يعرفون أسماء أو حتّى عدد أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة.

قد يجد البعض مُبرّراً، لتراجع دور المنظمة، خلال العقود السابقة منذ توقيع “اتفاقية أوسلو”، لصالح تقدم دور السلطة الوطنية باعتبارها نواة الدولة، ولكن الأحداث والمتغيّرات، وفشل تحوّل السلطة إلى دولة، ينبغي أن يُعيد العِجْل إلى بطن أُمِّه.

المنظمة غائبة عن الفعل، إذ بالكاد تعثر على دورٍ لها في مخيّمات الشتات والمهاجر، بعد أن تكسّرت أذرعها، وتحوّلت مكاتبها وسفاراتها إلى هياكل تقليدية محكومة للعمل الدبلوماسي أكثر من العمل الكفاحي، وقد تصلّبت شرايينها إلى الحدّ الذي عطّل قلبها، وحوّلها إلى مؤسسة أقرب إلى مؤسسات المجتمع المدني.

إذا كان ثمة من يعتبر الانقسام قَدَراً على الأقلّ إلى حين، ويرى أنّ حركة حماس، تعمل على مشروع “دولة غزّة”، وهذا أمر يحتاج إلى نقاش، وأنها لا تزال تقدّم نفسها بديلاً للمنظمة مع أنّ هذا، أيضاً، يحتاج إلى فحصٍ ونقاش، فلماذا لا يتمّ التوجُّه نحو لملمة صفوف فصائل المنظمة؟
ولماذا لا تُجرى الانتخابات للمجلس الوطني، وتجديد هيئاتها ومفاصلها وقياداتها، وإعادة بناء دورها القيادي للشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد أن أصبح كلّ الشعب الفلسطيني (خارجاً وداخلاً)، منخرطاً في مشروع وطني واحد، حتى لو لم يتمّ تعريفه بجرأة وواقعية حتى الآن؟

لا يستدعي ذلك، بالضرورة، العودة لمناقشة وجود واستمرار السلطة أو حلّها، أو حتى إعادة النظر بوظيفتها، مع أنّ ذلك يشكّل استحقاقاً يتبع إعادة بناء المنظمة ودورها فربّما كان من الضروري إجراء عمليات التغيير المطلوبة على نحوٍ متدرّج.

غير أنّ الخطوة السابقة على موضوع منظمة التحرير، ينبغي أن تبدأ من حركة فتح، التي يترتّب عليها، استعادة دورها القائد للحركة الوطنية الفلسطينية، ذلك أنّها العمود الفقري والمُحرّك الأساسي للنظام السياسي بما في ذلك المنظمة.

حركة فتح معنية بلملمة صفوفها، واستعادة دورها في السلطة والمنظمة، وعلى صعيد العلاقات الفلسطينية، وهي بحاجة لتجديد قياداتها، وآليات عملها، والتكيُّف مع أشكال النضال التي يفرضها الميدان، وطبيعة الحرب التي تشنّها إسرائيل.

الثورة التي أفشلت مخططات التقسيم

أقلام – مصدر الإخبارية

الثورة التي أفشلت مخططات التقسيم، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

عشر سنوات مرّت على الثلاثين من حزيران، يوم الخروج العظيم للشعب المصري، ليملأ شوارع القاهرة، ليعلن سقوط مرحلة وبداية أخرى.
كنت هناك في ذلك اليوم، حيث مررت بالقاهرة في طريقي إلى دولة الإمارات المتحدة، في زيارة اجتماعية.
خلال اليومين اللذين قضيتهما في القاهرة، كنت أُبادر السائقين العُموميين الذين ساعدوني في التنقّل مع العائلة، لتفقّد شوارع العاصمة، وحالة مؤسّساتها، وأهلها.
الكثير من السائقين، وربّما معظمهم كانوا من ذوي اللحى ولم تكن اللحية، لتدلّ على أنّ صاحبها، ينتمي لأيّ حركةٍ إسلامية سياسية.
أسئلتي كانت تبدأ بشيءٍ من التحفُّظ، تحسُّباً لأن يكون السائق منتمياً لـ «جماعة الإخوان المسلمين».
أعتقد أنّ هذا التحفُّظ يشكل واحداً من سلوكيات أهل غزّة الذين يمرُّون إلى مصر، فالأمر يتعلّق بالخشية من أن تظهر عليك علامات انتماء أو انحياز سياسي، قد تكلّفك إدراج اسمك في سجلّات الممنوعين من دخول مصر.
أهل غزة ، مُنتمون إلى مصر، يحفظون تاريخها ومواقفها وأدوارها المُشرّفة، تجاه القطاع، فلعلّ جيل الكبار هم الأدرى، فقد تعلّموا تاريخ القومية العربية، وأكملوا دراساتهم في الجامعات المصرية مجّاناً، بالإضافة إلى القضية الأساس التي تتّصل بالدور التاريخي المجيد لمصر جيشها وشعبها في القضية الفلسطينية.
لم يختلف هذا الموقف لشعب مصر وجيشها رغم اختلاف الأنظمة السياسية، واختلاف الظروف، ومُرور الكثير من العقود.
شعب مصر لديه ثأر كبير تجاه إسرائيل يعود إلى سنوات الصراع، ثم: حرب 1948، حرب السويس 1956، حرب حزيران 1967، وما بعدها «حرب الاستنزاف» 1968 – 1970 وحرب أكتوبر 1973.
آلاف الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى والمفقودين من المصريين، جعلت إمكانية فوز إسرائيل بتطبيع علاقاتها مع شعب مصر، تصل إلى مستوى الصفر، رغم مُرور أكثر من أربعين عاماً على توقيع «اتفاقيات كامب ديفيد».
السائقون ذوو اللحى، لم يكونوا ليتردّدوا في الإجابة عن أسئلتنا حول الوضع، وكان ذلك بالعموم يعكس مزاجاً ليس جيداً، في ظلّ حكم «جماعة الإخوان المسلمين».
قبل ثلاثة أشهر أو أكثر قليلاً من تلك الزيارة، كنت قد ذهبت إلى القاهرة، مرّتين: الأولى، ضمن وفد من الكتّاب ونشطاء العمل السياسي والاجتماعي، التقينا خلالها بالمجموعة المسؤولة عن الملفّ الفلسطيني في جهاز المخابرات العامة، وكان يترأس القسم اللواء نادر الأعصر.
أكثر من لقاء، ثم ترتيب لقاء مع وزارة الخارجية المصرية، كان الموضوع الأساسي يتعلّق بفلسطين، وكيفية مواجهة تداعيات الانقسام الذي كان وقع قبل نحو خمس سنوات وأدّى إلى سيطرة « حماس » على السلطة في غزة.
ومع أنّ الموضوع الفلسطيني استحوذ على النقاش، إلّا أنّ الحديث كان يمتدّ ليشمل وضع مصر، والمخاطر الإستراتيجية التي تواجهها.
كان الحديث صريحاً، في معالجة القضايا المطروحة بما في ذلك ما يتعلّق بمصر، وتخلّل ذلك تقديم بعض الأفكار والاقتراحات التي لاقت ارتياحاً لدى الطرفين.
في المرّة الثانية كنت في زيارة للقاهرة لحضور اجتماع مجلس أُمناء مؤسسة الشهيد ياسر عرفات. الاجتماع عادةً لا يستغرق أكثر من يومٍ واحد، ويتمّ في جامعة الدول العربية.
وكالعادة كان يحضر تلك المناسبة بعض قيادات منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة الوطنية، حيث يشكّل الاجتماع فرصة لإجراء لقاءات وحوارات بين الحاضرين من الفلسطينيين، وأيضاً مع الأشقّاء المصريين.
وكالعادة، أيضاً، كان القائمون على جهاز المخابرات المصرية يحرصون على زيارة فندق سمير أميس الذي يقيم فيه أعضاء المجلس.
خلال تلك الزيارة، حضر إلى الفندق مسؤول الملفّ الفلسطيني اللواء نادر الأعصر، فالتفّ حوله، عدد من الحضور يحملون أسئلة مرتبكة تتعلّق بالأوضاع في مصر الكبيرة ومآلات الأمور.
اللواء الأعصر، مثل رجال المخابرات، يتحفّظون في العادة إزاء الحديث الصريح والمفتوح حول البلاد، فهم يفضّلون الاستماع أكثر ممّا يتحدّثون، وحين يتحدّثون فإنهم يكتفون بتعليقات وردود قصيرة ومتحفّظة. ذلك اللقاء كان مختلفاً، فلقد استفاض اللواء الأعصر، في تحليل الأوضاع في مصر، وكان واثقاً في تحليله من أنّ مصر الكبيرة، لا يمكن أن تسقط، ذلك أنّ أجهزة «الدولة العميقة»، لا تزال بخير، وهي قادرة على حماية مكتسبات الشعب المصري.
كان حديثه مَدعاة للاطمئنان، والثقة في المستقبل، بالرغم ممّا أحدثته تطوّرات ما عُرف بـ «الربيع العربي»، وهو التعبير المتفائل، لمؤامرة «الفوضى الخلّاقة»، و»الشرق الأوسط الجديد».
وسائل الإعلام المصرية، التي خاضت المعركة الداخلية والخارجية بكلّ قوّة، كانت تعكس إدراكاً عميقاً لطبيعة المخطّطات التي تديرها القوى الخارجية لتحييد مصر، من خلال تقسيمها إلى ثلاث دول كحدّ أدنى، وخمس كحدّ أقصى.
فوز «الإخوان المسلمين» في انتخابات العام 2012، لم يكن ليحسم الموقف من تلك المخطّطات، أو هكذا كان المزاج الشعبي، وكثير من النخب السياسية المصرية.
كان الخوف على مصر يسيطر على المشتغلين في السياسة والمجتمع، إلى أن وقعت الثورة الثانية في الثلاثين من حزيران، بعد عامٍ واحد من انتخابات العام 2012.
في الثلاثين من حزيران، خرج ثلاثين مليون مصري إلى الشوارع، يفرضون إرادتهم، ويفرضون عملية التغيير عَبر استفتاءٍ شعبي عارم، زاد المشاركون فيه عدد الذين انتخبوا الرئيس الراحل محمد مرسي.
في ذلك اليوم المجيد، نجت مصر، ونجت الأمّة العربية، ووضعت مصر سدّاً عظيماً أمام نجاح مخطّط «الفوضى الخلّاقة» التقسيمي التدميري لتدخل المنطقة في مرحلة جديدة تؤشّر على مستقبلٍ مختلف.

أقرأ أيضًا: ما زلنا نخضع لسياسة التجهيل.. بقلم طلال عوكل

ما زلنا نخضع لسياسة التجهيل.. بقلم طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

ما زلنا نخضع لسياسة التجهيل، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

ثلاثة عشر عاما هو عمر السلطة الوطنية الفلسطينية، التي سبقت الانقسام، وستة عشر عاماً منذ أن وقع الانقسام الكبير، ولا يزال الوقت مفتوحاً على مزيدٍ من السنوات، دون أن يعلم أحد متى وكيف يمكن أن ينتهي هذا الانقسام.
لم يعد ثمة أهمية لتوصيف ما وقع في الرابع عشر من حزيران 2007 إن كان ذلك انقلاباً، أم حسماً، أم استعادة بالقوة لحقوق فرضتها صناديق الاقتراع قبل ذلك بأكثر من عام.
ولم يعد ثمة أهمية للحديث عن الشرعيات، التي سقطت بسبب مرور الكثير من الوقت، وغياب آليات تحقيق الشرعية، وترك الميدان لسلطات الأمر الواقع، في غياب أيّ بوادر شعبية، أو توافقات فصائلية على تغيير ذلك الواقع المؤلم، الذي ذهب البعض لوصفه بنكبة أخرى تُضاف إلى النكبات التي حلّت بالشعب الفلسطيني.
عشرات اللقاءات والحوارات، وعديد الاتفاقيات التصالحية التي لم تُعمّر طويلاً، وانتهت بمراكمة المزيد من خيبات الأمل، واستعادة لغة وخطاب التشكيك والاتهامات والصراع.
العدو الإسرائيلي الاحتلالي العنصري لم يعد على الأبواب، وإنّما أصبح داخل البيت بكلّ فاشيّته، وأوهامه، وأهدافه الاستعمارية ومزيد من الضحايا والجرائم والتحكُّم في مصير الفلسطينيين، دون تحفيز الفلسطينيين على تجاوز انقسامهم واختلافاتهم وصراعاتهم، ومخاوفهم من بعضهم البعض.
فشلت إسرائيل في تفتيت هويّة الشعب الفلسطيني، وخلق هويّات مناطقية، ينشغل كلّ منها بهموم خاصّة يرتّبها الاحتلال، فلقد أكّد الشعب الفلسطيني وحدته، ووحدة قضيته، وصموده، ونضاله من أجل التحرّر، رغم ضخامة الأعباء الحياتية، ورغم انقسام فصائله وطبقته السياسية.
واقعياً، يبدي الشعب الفلسطيني وعياً وتحمُّلاً للمسؤولية يتفوقان على قيادته السياسية والفصائلية، وعليه تقوم المراهنة لتجاوز الضعف والانقسام، والمخاطر الناجمة عن ذلك.
خلال السنوات الـ16، فشلت الفصائل في تجاوز حساباتها الفئوية وفشلت كل محاولات القوى السياسية والمجتمعية الرافضة للانقسام، والتي حاولت مراراً، لكنها هي الأخرى فشلت بامتياز في أن تنظّم لنفسها إطاراً تنسيقياً أو وحدوياً على هدفٍ واحد هو إنهاء الانقسام، بالتأثير والضغط على أطرافه.
ثمة غياب للإرادة، وغياب حتى لمقاومة حقيقية فاعلة تعمل على تجاوز واقع الانقسام، وبدا أن كلّ فريق فرح بما لديه، كلّ في ميدانه، عينه على «المعارضة» في مكانه، لا يسمح لها بالتأثير على هذه السلطة أو تلك.
يبدو أن الفلسطينيين عموماً بما في ذلك الشعب، والنخب السياسية وغير السياسية قد تطبّعت مع الأمر الواقع، وأخذت تتعامل معه، وكأنّه الخيار أو المسار الصحيح.
القاهرة شهدت، مؤخّراً، زيارة لرئيس الحكومة الدكتور محمد إشتية، وعدد من وزراء حكومته، ولقاءات مصرية مع وفود رفيعة المستوى من حركتي « حماس » والجهاد»، وزيارة لـ»رئيس لجنة العمل الحكومي في غزة ».
لقاءات شتّتت أذهان المواطن الفلسطيني والصحافيين، والكتّاب، والمحلّلين، حتى لم يعد أحد يعرف الحقيقة أو شيئاً منها.
يحتكم البعض إلى التكهُّنات والشائعات، لتقديم آراء محكومة لخلفيات ومواقف مسبقة، ويواصل أحكامه القاطعة بشأن مآلات الوضع وأهداف القوى الفلسطينية الفاعلة.
بعض آخر لا يجد أخباراً من مصادر فلسطينية، ولا يجد أمامه إلّا الأخبار التي تصدر عن مصادر إسرائيلية.
كثير الحديث عن تفاهمات بل اتفاقيات، تشير إلى التوصُّل لـ»هدنة» تمتد من خمس إلى سبع سنوات، تحت ضغط الوسطاء، تنفيها تصريحات من قبل ممثلين عن «حماس» و»الجهاد»، ولكن هذا النفي لا ينطوي على مصداقية بالنسبة للمشكّكين سواء أكانوا محقّين أم لا.
مصادر إسرائيلية، أشارت إلى اتفاق، من ثمانية بنود تتركّز كلها على تسهيلات تتعلّق ب معبر رفح ، واستخدام مطار العريش، وتوسيع دائرة الصيد إلى عشرين كيلومتراً، بالإضافة إلى مزيدٍ من العمّال ودخول بضائع، مقابل الموافقة على «الهدنة» المزعومة.
ليس من مسؤولية الأشقّاء في مصر، تقديم المعلومات الصحيحة حول ما يجري في القاهرة من لقاءات، وما تستهدفه، وما إذا كانت توصّلت إلى تفاهمات أو اتفاقية.
وإذ لا يمكن الثقة، والاعتماد على المصادر الإسرائيلية فإنّ مسؤولية إطلاع الجمهور الفلسطيني، هي مسؤولية حصرية لدى الأطراف الفلسطينية التي شاركت في اللقاءات أو التي تطلع على مجرياتها.
ثمة غموض اعتاد عليه المواطن الفلسطيني، بما يدلّ على أن المستويات السياسية والفصائلية، قد فقدت الثقة بالشراكة، مع المواطن الذي يشكّل مصدر السلطات، ومصدر الشرعيات.
يتم التعامل مع الجمهور الفلسطيني كقطيعٍ خاضع لمستويات سياسية فقد الثقة بها، بعد أن فقدت الثقة به وبدوره وبالشراكة معه.
الجمهور الفلسطيني بالنسبة لهؤلاء، ضحيّة، عليه أن يدفع ثمن الانقسام والخلافات، وثمن العدوانات الإسرائيلية باهظة التكاليف، حتى دون أن يحقّ له الصراخ.
على المواطن الفلسطيني أن يفقد بيته، ومصلحته ومؤسسته، وأحبّاءه، دون أن يتذمّر، فإن فعل ذلك، فإنّ تضحياته لا تغفر له فيتعرّض للقمع أو التهميش.
وبالرغم من أنّني مثل الكلّ لا أمتلك أيّ معلومات موثوقة ومن مصادر فلسطينية مسؤولة، فإنّني لا أعتقد أنّ الأمر يتعلّق بمصالحة واتفاقيات لإنهاء الانقسام، رغم أنّ الحديث يكثر حول اتفاق على تشكيل «حكومة وحدة»، وتتم تسمية المرشّح لرئاستها، وتفاصيل أخرى حول طبيعة مشاركة الفصائل فيها.
الأقلام تُركّز أكثر على موضوع «الهدنة» طويلة الأمد، ولا أملك معلومة مؤكّدة سوى ما أدلى به ممثّلون عن «حماس» و»الجهاد»، غير أنّ وجود أو غياب معلومات بهذا الصدد بالذات، أجّج مشاعر البعض وحرّك لغة الاتهامات والتشكيك، وتأكيد الحديث عن «دولة غزّة» وإقصاء قوى فاعلة عن البعد الوطني.
السؤال هو: هل يمكن لمثل هذه «الهدنة» أن ترى النور، حتى لو أنه تمّ الاتفاق عليها، مقابل أيّ «تسهيلات»؟
التقييم الموضوعي يشير إلى أن إسرائيل ليست دولة التزام، ويشير، أيضاً، إلى أن طبيعة ومحتوى سياسة الحكومة الاحتلالية العنصرية الفاشية القائمة في إسرائيل، لا تتيح مجالاً لتحييد أيّ مواطن فلسطيني وليس فقط الفصائل.

أقرأ أيضًا: في ذكرى النكبة الثانية.. بقلم الكاتب طلال عوكل

في ذكرى النكبة الثانية.. بقلم الكاتب طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

في ذكرى النكبة الثانية، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

ستّة وخمسون عاماً مرّت على حرب حزيران العام 1967، ولا يزال البعض يتحدث عن نكسة، بالرغم من نتائجها التي ترقى إلى مستوى نكبة كبرى، نكبة أخرى تضاعف ما تسبّبت به النكبة الأولى التي وقعت العام 1948.

كان الرئيس والزعيم الراحل جمال عبد الناصر هو من أطلق عليها هذه التسمية، وكأنّه يريد أن يقول إنها ليست نهاية المطاف، وإنّ مصر والعرب سيتابعون تحقيق المشروع التحرّري لما وقع بحق الأمّة العربية.

إذاً، فالتسمية كانت مرتبطة بمشروع تحرّري حمل لواءه زعيم الأمّة العربية من دون منازع حتى وفاته، فهو الذي خبر ما قامت به العصابات الصهيونية في فلسطين، وهو الذي يعلم يقيناً الأهداف التي تقف خلف المشروع الصهيوني الاستعماري.

لم يكن لزعيم مثل عبد الناصر أن ينسى المذابح التي تعرّض لها الفلسطينيون والشهداء الذين سقطوا من الجيش المصري خلال حرب 1948، ولا أن ينسى العدوان الثلاثي الغاشم الذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر العام 1956.

الصانع والمصنوع، عادوا بعد ثمانية أعوام من النكبة الأولى لكي يتابعوا مشروعهم الاستعماري بإسقاط المشروع القومي العربي التحرّري الذي رفع لواءه الزعيم عبد الناصر.

كانت مرحلة ما بعد نكبة العام 1967، قد بدأت بـ »لاءات قمّة الخرطوم» الثلاث: لا للتفاوض، لا للصلح، لا للاعتراف بإسرائيل، ثم اعتمد الرئيس عبد الناصر أسلوب «حرب الاستنزاف» التي استمرت حتى بعد وفاته.

تستلهم «حرب الاستنزاف»، محتوى استراتيجية الثورة الفلسطينية التي رفعت شعار التحرير عَبر أسلوب «حرب التحرير الشعبية» التي استلهمتها بدورها من تجارب الشعوب التي خاضت حروباً تحرّرية من الاستعمار.

لقد شكّلت الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها العام 1965، مرحلة جديدة لتحقيق هدف التحرير الكامل لكلّ أرض فلسطين التاريخية، ووضعت الشعب الفلسطيني في مقدمة الشعوب العربية وحركتها التحرّرية، فضلاً عن أنها عبّرت عن فشل الجيوش النظامية في مواجهة احتلال استعماري مدعوم من قبل قوى استعمارية عالمية.

لقد تزعزعت ثقة الجماهير العربية بقدرة الجيوش النظامية على مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني، ولكن الثورة الفلسطينية لم تسقط دور تلك الجيوش من حساباتها، حيث كانت ترى لها دوراً رديفاً لدور الثوّار، لكنها لم تدرك، أنّ مجريات الأحداث اللاحقة ستبين فقد دور الجيوش النظامية.

خلال النكبة الثانية الكبرى، احتلّت إسرائيل كامل الأرض الفلسطينية ومساحة تزيد على أربعة أضعاف مساحة فلسطين التاريخية، لكن هذه لم تكن القضية الوحيدة التي تفسر النتائج الكارثية التي ترتّبت على حرب حزيران 1967.

كانت الضربة الأولى للمشروع التحرّري الفلسطيني والعربي قد وقعت إثر الصدام بين مقاتلي الثورة والجيش والنظام الأردني العام 1970، وانتهى إلى خروج الثورة قيادات وقواعد من الأردن، وفقدها ساحة المواجهة الأطول، والأهمّ للاحتلال الصهيوني، ومع خروج المقاتلين من الأردن، فقدت الثورة الفلسطينية عمقاً شعبياً واسعاً حيث يتواجد في الأردن أكثر من مليوني فلسطيني آنذاك، ووضعت الثورة في حالة تناقض وصراع مع النظام الأردني.

ثم جاء الانهيار الكبير والاستراتيجي إزاء دور الجيوش النظامية «حرب أكتوبر ــ تشرين» البطولية العام 1973، التي أبلى فيها الجيش المصري بلاءً تُرفع له القبعة، كانت الضربة القاضية التي أقصت نهائياً دور الجيوش العربية.

تقدم الجيش المصري، وأصبح يهدد الكيان الصهيوني، بعد أن حقّق المفاجأة، وكان من المتوقع لو أنّ الحرب استمرت، أن يحرز المزيد من التقدم، بموازاة تقدم تحرزه الجيوش السورية والعراقية، لكن الحرب توقفت لأنها كان يجب أن تتوقف عند الحدود التي بلغتها، لأنّ الهدف كان تحريك العملية السياسية، من خلال إنجازٍ ميداني كبير.

صحيح أنّ ثمة تدخّلا أميركيا واستعمارياً أوروبياً لصالح إسرائيل، وأنّ الحرب لو استمرت لفترةٍ أطول وبلغت حدّ تهديد وجود دولة الاحتلال لكان التدخّل الأميركي والاستعماري مباشراً وقوياً، ولكن هذه ليست كلّ الحقيقة في زمن النظام الدولي ثنائي القطبية.

دخلت مصر بعد سنوات من المفاوضات الماراثونية التي قادها الداهية هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق، إلى أن تمّ توقيع «اتفاقية كامب ديفيد» العام 1979، وأدّت إلى استعادة سيناء بشروط وخروج مصر الكبيرة من دائرة الصراع المباشر أو هكذا بدا الأمر.

خلال هذه الفترة منذ حرب «أكتوبر ــ تشرين» حتى اللحظة غاب دور الجيوش العربية عن مسرح الصراع المباشر مع الاحتلال، بالرغم من استمرار العمل لإعادة بناء وتقوية وتجهيز الجيش المصري، على خلفية عدم الثقة بالاحتلال وأهدافه التوسّعية، ومخطّطاته التي ظلّت تستهدف مصر الكبيرة وتهدّد أمنها الإستراتيجي عَبر وسائل أخرى.

حين أقرّت القمة العربية في الرباط، حصرية منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، وقد كان ذلك إنجازاً، لكن النوايا على ما يبدو لم تكن سليمة فلكّأن العرب يريدون التخلّي عن القضية الفلسطينية وإلقاء أحمالها على الفلسطينيين ولعلّ الوقائع اللاحقة جاءت لتؤكّد ذلك.

وقعت «الحرب الأهلية» في لبنان، وكانت الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية هدفاً. ثم وقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، وما نجم عنه من مذابح ومن خروج لمقاتلي المنظمة، دون أن يحرّك العرب ساكناً، حتى حين احتلّت إسرائيل العاصمة بيروت، ظلّ الموقف العربي متفرّجاً رغم كثرة التصريحات فارغة المضمون.

هكذا يمكن القول، إنّ الأنظمة التي دخلت جيوشها فلسطين وقيل إنها خاضت الحرب ضد العصابات الصهيونية، تتحمّل المسؤولية عن كلّ ما وصل إليه الصراع في المنطقة، إلى الوضع الحالي الذي يشهد على التراجع الكبير في مكانة القضية الفلسطينية، وتراجع الدعم العربي، المادي والسياسي للشعب الفلسطيني، وانحياز العرب لمصالحهم القطرية.

لا يعني ذلك تبرئة الفلسطينيين وفصائلهم من المسؤولية، إزاء ما وقع خلال النكبتين الأولى والثانية، وما عاناه الشعب الفلسطيني جرّاء الخيارات والسياسات والمراهنات السابقة.

الفلسطيني سيظلّ يفخر بانتمائه للأمّة العربية وينتظر صحوتها الأكيدة.

أقرأ أيضًا: فوز أردوغان وحسم الخيارات.. بقلم الكاتب طلال عوكل

فوز أردوغان وحسم الخيارات.. بقلم الكاتب طلال عوكل

أقلام – مصدر الإخبارية

فوز أردوغان وحسم الخيارات، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بعد تفكُّك الاتحاد السوفييتي العام 1989، وانهيار المنظومة الاشتراكية، كتب فوكوياما المفكّر الأميركي الياباني الأصل، أن سقوط الاشتراكية وحواملها العالمية هو نهاية التاريخ.

وفق فوكوياما فإنّ هزيمة الاشتراكية، وما أعقب ذلك من إعلان الرئيس جورج بوش الأب العام 1991، من الكويت، عن ولادة «النظام العالمي الجديد» بزعامة الولايات المتحدة، يعني أنّ النظام الرأسمالي قد أكد صلاحيته المطلقة لإدارة مجتمعات تستحقّ الحياة وأنه سقف التطور الاجتماعي.

أكثر من ثلاثة عقود مرّت على ذلك الإصدار الذي حظي باهتمام واسع، وعلى الإعلان عن «النظام العالمي الجديد»، كانت حافلة بالمتغيرات الدولية، حيث ظهرت نماذج هجينة من النظم الاجتماعية، التي أحدثت تغييراً في التسلسل التقليدي للنظم الاجتماعية.

قدمت الصين نموذجاً جديداً يجمع بين الشمولية وآليات السوق، في ظل استمرار سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على إدارة هذا النموذج، الذي يتقدم بسرعة نحو تهديد مكانة الولايات المتحدة والنظام الدولي، والنماذج الرأسمالية ويكشف عوراتها البنيوية.

إذا كان النظام الاجتماعي الصيني يلفت النظر بقوة، نحو تفوق العقل البشري الاجتماعي، فإنّ تركيا تقدم نموذجاً آخر، ينطوي على قدرٍ مهمّ من الفردانية والتميز.
إذا كان النموذج الصيني، يقتحم أنظمة الرأسمالية «الغربية» أساساً، ويقدم بديلاً ناجحاً لتجاوز الرأسمالية، فإنّ النموذج التركي يقتحم «تابوهات» الفكر الإسلامي، وأنظمة الحكم التي تستند إليه عَبر نماذج هجينة بين أنظمة الوراثة، والقبلية، والقومية والإسلام، ويقدم نموذجاً يجد حلولاً للتناقض بين القومية والعلمانية والديمقراطية، وبين «الإسلام السياسي» و »نظام الخلافة».

بعد فوزه في انتخابات ديمقراطية عامة، يشهد الجميع بنزاهتها وللمرّة الثالثة، يؤكد رجب طيّب أردوغان، نجاح النموذج التركي بحصوله على ثقة الأغلبية في مجتمع إسلامي.

ثمة أهمية خاصة لهذا الفوز، في دولة كبيرة، يتجاوز تعداد سكانها المئة مليون، وتحظى بمكانة جغرافية متفرّدة، بين «الشرق» و»الغرب»، وإمكانيات هائلة، تقوم على إرثٍ تاريخي إمبراطوري، وإرثٍ إسلامي تحكمه الخلافة لمئات السنين.

المرشّح المعارض، الذي نافس أردوغان في مرحلة الإعادة، كليتشدار أوغلو، كان كقومي متطرف، يحلم بأن يقوم في حال فوزه، بإعادة تجربة مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك، الذي اعتمد معادلة تقوم على التعارض بين الإسلام كدينٍ للمجتمع، وبين الحداثة والديمقراطية.

كان أتاتورك يحلم بسلخ تركيا المسلمة عن تاريخها، ليؤسّس لها هوية جديدة تنتمي إلى العالم «الغربي»، وهو مؤسّس اللغة التركية الجديدة التي اعتمدت الأحرف اللاتينية بدل العربية، وجاءت خليطاً بين هذه وتلك بخصائص تركية خالصة.

النموذج التركي، يقول إن ثمة جدوى وأهمية لفكّ التعارض بين الإسلام وبين العلمانية والديمقراطية، وإنّ الديمقراطية ليست وصفة للمجتمعات «الغربية» دون غيرها.

إدارة الدولة بحزب إسلامي هو «حزب العدالة والتنمية»، شيء يصب في خدمة الطابع العلماني الديمقراطي للبلاد.

تؤكد تجربة «العدالة والتنمية» أن الدين ينبغي عليه أن يكون في خدمة الدولة والتقدم الحضاري والحداثي.

حاول أردوغان، ومن قبله النظام البرلماني، الذي تزعّمه، أيضاً، «العدالة والتنمية»، إجراء عمليات تكيف واسعة ولسنوات طويلة، أملاً في قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، لكن كل ذلك لم يحقق الهدف.

لم يشفع لتركيا، انضمامها المبكر لـ «حلف الأطلسي» ووجود قواعد عسكرية أميركية في البلاد، فلقد ظل «الغرب» يتعامل بتوجُّس إزاء التحاق تركيا بحضارة «الغرب» الرأسمالي، وربما كان ذلك ينطوي على أبعاد عنصرية.

هذا الفشل، جعل تركيا تحسم أمرها بين خياري الاندماج في «الغرب الرأسمالي»، والبحث عن مصالحها في «الشرق»، حيث ينتمي مجتمعها وإرثها التاريخي، وحيث يمكن لتركيا أن تحقق الكثير من المصالح والمنافع.

أردوغان كان محكوماً لتطلعاته الطموحة في أن يحقق لتركيا مكانة متقدمة بين الدول الأكثر قوة وتقدماً على الصعيد العالمي، ما أملى على السياسة التركية الدخول من بوابات الصراع على المصالح في المنطقة ونقصد الشرق الأوسط.

دخلت تركيا من باب حماية وحدتها القومية، وتطلعاتها التوسعية في المستنقع السوري، وقاتلت ولا تزال لمنع قيام دولة أو هوية كيانية للأكراد، في سورية والعراق، وحيث إنّ العدد الأكبر من الأكراد يتواجد في تركيا.

وبحثاً عن المصالح، أيضاً، تطلّعت إلى ثروات البحر المتوسط، وذهبت إلى ليبيا، وانخرطت في الصراع هناك، في ظل انخراطها بالأزمة السورية، ودورها في شمال العراق.

غير أنّ الانخراط والتورّط في أزمات كبرى وفي ظل ظواهر الصراع والاستقطابات الأجنبية، والإقليمية، عادت لترتيب أوراقها وعلاقاتها مع دول الإقليم.

تقيم تركيا علاقة متوازنة وهي قديمة مع إسرائيل من ناحية ومع الفلسطينيين من ناحية أخرى، وتدخل عالم المصالحات الذي دشّنته السعودية مع إيران، فتعيد صياغة علاقاتها مع مصر، والسعودية، وقبلهما قطر، وهي بصدد عقد مصالحة، وتغيير الدور، في سورية مع نظام بشار الأسد.

وعلى نطاقٍ أوسع، وإذ تسعى تركيا لتعزيز دورها في الشرق الأوسط، بعد الانسحاب الأميركي، يسعى أردوغان، لإقامة علاقة متوازنة بين «الأطلسي» ودوله، وبين المحور الروسي الصيني الواعد.

فوز أردوغان، مهمّ جداً، رغم الآثار الضخمة الناجمة عن الزلزال وحالة التضخم، والانخراط في أزمات وملفات معقّدة في المنطقة، لكنه يدرك أنه لا يمتلك الكثير من الخيارات الاستراتيجية بعد أن فشل في الانضمام للاتحاد الأوروبي، ما يشكّل حافزاً لتركيا، لتحقيق طموحاتها ومعاقبة «الغرب» الذي يرفض احتضانها.

أقرأ أيضًا: لا يمكن الاستمرار هكذا.. بقلم الكاتب طلال عوكل

مقاومة القوة الناعمة بحاجة إلى الدعم

أقلام – مصدر الإخبارية

مقاومة القوة الناعمة بحاجة إلى الدعم، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

لا يرغب المجتمع الدولي في أن يرى إسرائيل، وهي تخلع أقنعة التجميل، التي تستخدم كوسيلة ليس أكثر، للادّعاء بأنّ دولة الاحتلال تنتمي إلى عالم قيم الديمقراطية.
الدول الحليفة لإسرائيل ظلّت تعمي شعوبها عن الحقيقة، بالقول، إن هذه الدول الصنيعة، هي واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وذلك لتبرير التدفقات المالية والعسكرية لدولة تحتل أرض شعب آخر، وفق القرارات الدولية.
على أن التطور الطبيعي لدولة الاحتلال، يدفعها بقوّة نحو إزالة كافة الأقنعة التي تتستّر بها، وتبرر تلقيها الدعم من حلفائها لكي ينكشف الأمر واقعياً على دولة عنصرية فاشية لا تنسجم إطلاقاً مع قيم الديمقراطية.
بعد إقرار قانون القومية الذي يشكل الأساس القانوني لنظام عنصري، واصلت الحكومات المتعاقبة اتخاذ جملة من القوانين والإجراءات التي تؤكّد الطابع العنصري للدولة.
وبعد وصول الائتلاف “اليميني” الحاكم منذ بداية هذا العام إلى الحكم كشفت سياسات الحكومة عن طبيعتها الفاشية، وبذلك تكون قد أكسبت النظام السياسي للدولة، خصائص تعكس طبيعتها وتقدم نفسها للعالم، على أنها تشكل تهديداً للأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط، وبأنها دولة مارقة على التاريخ وعلى القانون الدولي.
حكومة بنيامين نتنياهو تتابع ما كانت تفعله الحكومات التي سبقت والتي وضعت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والإسرائيلية في المهداف.
كانت الحكومة السابقة قد أخرجت ستّ منظمات فلسطينية من بينها منظمات حقوق إنسان، عن القانون.
لم تتراجع إسرائيل عن إجراءاتها بحق تلك المنظمات، رغم الانتقادات والاحتجاجات الكلامية التي صدرت حتى من حلفائها الأميركيين والأوروبيين.
كان سلوك الحكومة الإسرائيلية، مؤشرا قويا على مدى الضيق الذي تتسبّب به لها منظمات المجتمع المدني، وخصوصاً منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية أساساً والإسرائيلية، أيضاً.
إسرائيل وظّفت إمكانيات مادية، وسياسية ودبلوماسية هائلة في ملاحقة منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية على المستوى الدولي، وقد ساعدتها في ذلك الولايات المتحدة. منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية الكبرى: “مركز الميزان”، و”الحق”، و”المركز الفلسطيني”، خضعت لعمليات تحريض واتهامات، بدعم الإرهاب لتحريض الدول الأوروبية المانحة على وقف دعمها لتلك المنظمات، وقد وجدت عمليات التحريض آذاناً صاغية من بعض الدول الأوروبية التي بدأت تفكر في تجنب هذا الصراع بتقليص تمويلها، وتحويله إلى قطاعات أخرى.
ما تقوم به إسرائيل لتجفيف التمويل عن منظمات حقوق الإنسان يشكّل شهادةً قوية لصالح الدور الكبير والتاريخي والفاعل الذي تقوم به تلك المنظمات في فضح الممارسات الإسرائيلية، ونحو تقديمها لـ”العدالة الدولية”.
لكبح هذا الدور الكبير، بادرت الحكومة الإسرائيلية لتقديم اقتراح قانون للكنيست يقضي بفرض ضرائب بمعدل 65% على التبرّعات التي تقدمها كيانات أجنبية بما في ذلك هيئات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للمنظمات غير الربحية الفلسطينية والإسرائيلية.
لا يخرج هذا التفكير من قبل حكومة نتنياهو عن نهجها الذي يؤدي بالضرورة إلى نزع كافة الأقنعة عن الديمقراطية الزائفة، إذ انه يكمل المحاولات الجارية لتحقيق الأهداف التي تقف خلف ما يُعرف بالانقلاب القضائي.
“المعارضة” الإسرائيلية التي تعود إلى الشارع من جديد، لا تختلف مع حكومة نتنياهو إزاء هذا العنوان، فهي كانت قد شنّت حرباً على منظمات المجتمع المدني، خصوصاً منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية.
وحتى لو أن “المعارضة” الإسرائيلية أدركت أبعاد مشروع القانون الجديد، بما أنّه جزء من الانقلاب الديمقراطي فإنها لا يمكن أن تقف ضد مشروع القانون لكونه يستهدف الفلسطينيين.
مشروع القانون الجديد، أثار ضجّة كبيرة، واعتراضات مهمّة من قبل الإدارة الأميركية، ودول من الاتحاد الأوروبي، وذلك انطلاقاً من رؤية هؤلاء للدور المهمّ الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في الدول التي تنتسب لمنظومة الديمقراطية.
تُقدّم ردود الفعل الأميركية والأوروبية على مشروع القرار الذي يتصل بمنظمات المجتمع المدني، دلالةً واضحة وأكيدة على قدرة هذه الدول، في التأثير على السياسات الإسرائيلية حين ترى ذلك ضرورياً، ما يعني أنّها متهمة بالتواطؤ والتستُّر ودعم سياسات وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي.
تضطر حكومة نتنياهو لتأجيل تقديم مشروع القرار أمام الضغط الأميركي، الذي تعترف إذاعة الجيش الإسرائيلي بمدى أهميته.
تقول إذاعة الجيش، “سَلّم كبار المسؤولين في البيت الأبيض الأميركي رسائل إلى مكتب رئيس الوزراء نتنياهو مفادها.. إذا كنت مهتماً بالقدوم إلى اجتماع في واشنطن مع جو بايدن وكنت مهتماً بمساعدة من الرئيس لتعزيز (التطبيع) مع السعودية فقُم بإزالة مشروع القانون الذي من شأنه أن يُلحق الضرر بأنشطة المجتمع المدني من جدول الأعمال”.
تأجيل تقديم مشروع القانون، لا يعني إلغاءه، ولا يعني العودة عن الفكرة والهدف، ما يعني أنّ إسرائيل ستعود له في وقتٍ لاحق وظروفٍ مناسبة.
على الجانب الآخر، ينبغي على السلطتين في رام الله و غزة ، وأيضاً على فصائل العمل الوطني، أن تفهم الدرس، وأن تعيد النظر في سياساتها وإجراءاتها، التي تضيق مساحات العمل أمام منظمات المجتمع المدني.
لقد تعرّضت مؤسسات المجتمع المدني ومنها منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية إلى اتهامات لا أساس لها، وألقيت عليها، حجارة من الوادي الفلسطيني، وجرت محاولات لاحتوائها، أو خلق بدائل منافسة لها.
تحتاج منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية إلى الدعم السياسي والمادي والمعنوي، وهي تتابع هذه الأيام مبادرة لإنشاء تحالف دولي بما في ذلك منظمات حقوقية إسرائيلية، لتوسيع دائرة العمل دولياً لمحاصرة السياسات الإسرائيلية، وفضحها، وتعزيز التحولات من الرأي العام العالمي، وصولاً إلى تقديم مرتكبي الجرائم إلى منصّات العدالة.

أقرأ أيضًا: لا يمكن الاستمرار هكذا.. بقلم الكاتب طلال عوكل

الاعتراف بالنكبة اعتراف بالحقوق التاريخية

أقلام – مصدر الإخبارية

الاعتراف بالنكبة اعتراف بالحقوق التاريخية، بقلم الكاتب الفلسطيني طلال عوكل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

للمرّة الأولى منذ خمسة وسبعين عاماً، يصحُو الضمير العالمي ويعترف بحقيقة ما جرى العام 1948، ويتبنّى إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني في توقيت وقوعها كلّ عام.

ابتداءً من هذا العام، سيتمّ إحياء ذكرى النكبة ، بعد تخصيص يوم من كلّ عام للتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته.

مُجرّد أن تعترف الأُمم المتحدة، بأغلبية أعضائها، بتبنّي يوم لإحياء النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، فإنّ ذلك يعني ضمنياً وصراحةً، تبنّي الرواية التاريخية الفلسطينية وإنكار الرواية الإسرائيلية المزيّفة.

كان متوقعاً ومعلوماً أنّ اتخاذ مثل هذا القرار، الذي يصيب في القلب الرواية الإسرائيلية لن يُرضي الدول التي ساهمت مباشرةً في وقوع النكبة، وخلقت الكيان الصهيوني المزيّف، وان ثمة أتباعا آخرين ممّن يقعون تحت هيمنة الدول الاستعمارية، سيقفون ضد القرار، وسيمتنعون عن حضور الفعالية، وخطاب الرئيس محمود عبّاس.

خطاب الرئيس جاء شاملاً، وجريئاً في تسمية الأمور بمسمّياتها وجاء ليُعيد الاعتبار للرواية الفلسطينية بكلّ أبعادها التاريخية ما يستلزم مباشرةً إعادة اعتماد خارطة فلسطين التاريخية دون التقسيمات الجغرافية التي درج الفلسطينيون عليها منذ اتفاقية أوسلو.

ربّما جاء قرار الأمم المتحدة في وقته، من حيث تولّدت قناعة عامّة لدى الرأي العام العالمي، بأنّ إسرائيل التي تتنكّر لقرارات الشرعية الدولية، ورفضت وترفض تلبية شروط الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة العام 1948، هي دولة احتلال عنصري فاشي وأنها دولة إرهاب ترفض السلام، وتسعى للسيطرة على كلّ أرض فلسطين التاريخية.

إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك فإنّ السياسة الفلسطينية ينبغي أن تغادر خطاب ومسعى البحث عن سلامٍ لن يأتي، وعن دورٍ ترعاه إسرائيل لن يأتي، ذلك أن الإقرار بوقوع النكبة هو إقرار بالظروف التي أدّت إليها والدول التي ساهمت في وقوعها.

لقد حان الوقت لسحب الاعتراف بإسرائيل، والسعي للتخلُّص من آثار ونتائج اتفاقية أوسلو، حيث أمكن ودون التضحية بما تَحقّق من مكتسبات إن كانت موجودة.

وقد حان الوقت، أيضاً، للسعي الجدّي والمسؤول لإنهاء الانقسام بعد أن أكدّ الشعب الفلسطيني وحدته، بالرغم من استمرار الانقسام الفوقي على المستوى السياسي.

خلال العدوان على الشعب الفلسطيني في غزّة، الأسبوع المنصرم، كان الكلّ مُوحَّداً، من موقع المواجهة للعدوان، كلّ بأسلوبه وكلّ وفق رؤيته وأدواته التعبيرية.

والشعب الفلسطيني كلّه وفصائله وقياداته مُوحَّد في مواجهة العدوانات المستمرة على الضفة الغربية و القدس ، فلقد وحَّدت العنصرية الفاشية الصهيونية كلّ الشعب الفلسطيني رغم ما يبدو من خلافات واختلافات في الأداء والخطاب.

من غير المنصف ولا المفيد أن تنساق النُّخَب الثقافية والسياسية، خلف الأسئلة التي تشكّك في هذا الفصيل أو ذاك، أو تداول خطابات ومنطق التبرير، أو التشفّي أو التهرُّب من المسؤولية، ذلك أن بشاعة الاحتلال، لا تدع مجالاً لخطابات الانقسام، ولأن مصلحة إسرائيل تكمن في خلق وتعميق الانقسام وإدامته.

الشعب الفلسطيني لا يشبه أبداً مجتمع اللقطاء، فهو شعبٌ مُوحَّد مُتجذّر من جين واحد، لا مكان له سوى هذه الأرض بينما مجتمع الاستعمار الاستيطاني، يتكوّن من جينات كثيرة مختلفة، من السهل وقوع الانقسام بينها، وعودتها إلى حيث أتت.

الواقع الراهن في دولة المستوطنين يقول ذلك صراحةً، حيث يعاني من أزمةٍ عميقة لا حلّ لها، ألا بتفكّك المجتمع وأدواته، مجتمع تعلو فيه لغة الأنا، والمصلحة الشخصية والخاصة، مجتمع قد لا يكون بعيداً من حيث الوقت عن اندلاع حرب أهلية بشّر بها، كثير من المسؤولين بمن في ذلك الرئيس إسحق هيرتسوغ.

في هذا اليوم الخميس، تُقدّم إسرائيل عَبر حكومتها، ومستوطنيها صورتها الحقيقية البشعة مخالفةً بذلك كلّ قرارات الأمم المتحدة، ومخالفةً بذلك، أيضاً، تحذيرات حُماتها الأميركيين، وغير الأميركيين.

تُحضّر إسرائيل، لإقامة “مسيرة أعلام” صاخبة، استفزازية، تستهدف رسم مشهدٍ انتصاري بعد ورطتها مع المقاومة في قطاع غزة والضفة، ولتأكيد وترسيم سيطرتها على القدس درّة التاج، ومحور الصراع.

أربعة وزراء حتى، يوم أمس، أعلنوا مشاركتهم في المسيرة، إلى جانب ألفي شرطي، وثلاثة آلاف جندي تم نشرهم في القدس، لحماية عشرات آلاف المستوطنين مع إصرار على أن تتّخذ المسيرة، خطَّ سيرٍ من باب العامود إلى الحيّ الإسلامي، فحائط البُراق نهاية باقتحام المسجد الأقصى.

ثمة إصرار إسرائيلي على ارتكاب حماقة كبرى، فثمة نفير فلسطيني يبدأ من المقدسيّين، ويُشارك فيه عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة وأراضي 1948.

تعتقد إسرائيل، دون أن تظهر تراخياً، أنّ المقاومة في غزة، لن تدخل على خطّ المواجهة، لإفشال ” مسيرة الأعلام ” فهي أصلاً شنّت العدوان على غزّة في الأسبوع الماضي، لظنّها أنّها ستكون استنزفت المقاومة مسبقاً، بحيث لا تقود ولا ترغب في أن تخوض مثل هذه المواجهة خلال أيام قصيرة.

إذا كان الشعب الفلسطيني في القدس والضفة، وأراضي 1948 مستنفرا بكلّ قواه، وفئاته، فإنّ الشعب الفلسطيني في غزة، لا يمكن أن يكون خارج هذا الحساب.

الناس، المواطنون في غزة، بالرغم من جراحهم يتساءلون منذ أن توقّف إطلاق النار يوم السبت، أوّل هذا الأسبوع، إذا ما كانت نهاية الأسبوع ستشهد جولةً أخرى من المواجهة.

فضلاً عن ذلك، فإنّ فصائل المقاومة، حذّرت هي الأخرى بصريح العبارة من تمادي إسرائيل في الاستفزاز، والكلّ يعرف أنّ الفصائل لا تزال بألف خير، ولا تزال تمتلك القدرة على المجابهة انتصاراً للحقّ والقدس والأقصى.

أقرأ أيضًا: لا يمكن الاستمرار هكذا.. بقلم الكاتب طلال عوكل

Exit mobile version