بدران: ترك السلطة منفذي اغتيال الشاعر طلقاء تهديد للسلم المجتمعي

غزة – مصدر الإخبارية

قال عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” حسام بدران، إن “ترك السلطة منفذي محاولة اغتيال الدكتور ناصر الدين الشاعر طلقاء تهديدٌ للسلم المجتمعي”.

ورأى خلال بيانٍ صحفي، أن تقاعس السلطة عن القيام بدورها في ملاحقة منفذي محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء السابق والأكاديمي بجامعة النجاح الدكتور ناصر الدين الشاعر، أمرٌ مستهجن ينذر بتداعيات خطيرة، ويشي بمحاولة تملص السلطة من تعهدها بمحاسبة الجناة وإنفاذ القانون.

وأضاف، “بعد مرور أكثر من شهر دون تقديم السلطة أياً من منفذي محاولة الاغتيال الجبانة، ندعوها للوقوف عند مسؤوليتها دون تسويف أو تباطؤ، ويتم القبض الفوري على كل المتورطين بالجريمة، وإيقاع أشد العقوبات الرادعة بحقهم”.

ونوه إلى أن حالة التحريض التي سبقت محاولة اغتيال الشاعر من قبل أطراف تابعة للسلطة والأجهزة الأمنية، سبباً أساسياً في حدوث تلك الجريمة النكراء، وهو ما يجب أخذه بالحسبان خلال عملية التحقيق.

وحذر من مغبة الوصول إلى مشاكل عائلية تُهدد السلم المجتمعي في حال لم تتحقق العدالة، وفي ظل حالة انعدام الثقة بإجراءات التحقيق الحالية، مع بقاء المتورطين في محاولة الاغتيال طلقاء دون محاسبة.

وفي يوم الجمعة الموافق 22-7- 2022، أطلق مسلحون مجهولون، النار على محاضر في جامعة النجاح، أُصيب على إثرها بجراح حرجة، في مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة”.

وأفادت مصادر محلية بأن “نائب رئيس الوزراء الأسبق والمحاضر في جامعة د. ناصر الدين الشاعر بجراح برصاص مسلحين في قرية كفر قليل جنوب نابلس”.

وأشارت المصادر إلى أن “الشاعر مُصاب بعدة رصاصات في قدميه وتم نقله لمستشفى رفيديا لتلقي العلاج، ووضعه الصحي مستقر”.

وأعلن المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات، “إصابة الدكتور ناصر الدين الشاعر بعد إطلاق النار عليه من قبل مجهولين في نابلس”.

وأكد أن الشرطة والأجهزة الأمنية باشرت إجراءات البحث والتحري عن الفاعلين لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة وفق الأصول.

وأثارت محاولة اغتيال الأكاديمي ناصر الدين الشاعر، غضبًا واسعًا في الشارع الفلسطيني، مطالبين برفع الغطاء عن المنفذين وتوقيع أشد العقوبات بحقهم ليكونوا عِبرة لغيرهم.

أقرأ أيضًا: الغول يُطالب بمتابعةٍ جديّة لقضية الدكتور ناصر الدين الشاعر

الغول يُطالب بمتابعةٍ جديّة لقضية الدكتور ناصر الدين الشاعر

غزة- مصدر الإخبارية

طالب عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كايد الغول، مساء اليوم الأربعاء، بـ”متابعةٍ جديّة لقضية الدكتور ناصر الدين الشاعر“.

وشدد الغول على ضرورة “محاكمة كل من تثبت إدانته بغض النظر إذا ما كان منتميًا لهذا الفصيل أو ذاك، أو لجهةٍ حكومية، وأن يأخذ القانون مجراه على الجميع بغض النظر عن الصفة التي يحملها”.

وأشار إلى أنّ “الجبهة ترفض استخدام السلاح والعنف في مواجهة الرأي الآخر، وعلى هذه القاعدة تدين أي عنف من أي جهة كانت سواء من مؤسسات أو أفراد إزاء أي من الذين يبدون وجهة نظر مغايرة”.

وأكد الغول على أنّ “التهاون في ملاحقة من يرتكب الجرائم يوسّع من دائرة الانتهاكات والجرائم، ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية الفلسطينية، وبالتالي حدوث ردود فعل نحن في غنى عنها، وحالة فلتان يكون المتضرر الوحيد منها هو الشعب الفلسطيني”.

محاولة اغتيال الشاعر لحظة فاصلة‎‎ (مقال)

مقال- هاني المصري

يمكن أن تشكّل محاولة اغتيال الدكتور ناصر الشّاعر، التي أدّت إلى أضرار جسيمة في رجليه، بداية مرحلة جديدة، ولحظة فاصلة يمكن أن تنتشر بعدها الفوضى وشريعة الغاب إذا لم يتم القبض على الفاعلين وتقديمهم إلى العدالة، فقد تم التعرف إليهم بعد ساعات قليلة من ارتكابهم الجريمة، ودوافعهم معروفة تتعلق بالانتقام وبتداعيات ما حدث في جامعة النجاح، ومحاولة إسكات كل من يجرؤ على التعبير عن رأيه بصراحة، حتى وإن كان ذلك باعتدال وروح وحدوية كما يفعل الشاعر.

كما أن الجريمة تمّت في وضح النهار وأمام الناس، ووثقت الكاميرات الحدث بكل تفاصيله، وأصبح المجرمون معروفين ليس فقط للأجهزة الأمنية، بل للشاعر وأهله وأصدقائه والفصيل المحسوب عليه. لذلك، إذا لم تحرك السلطة ساكنًا للقبض عليهم كما حصل حتى كتابة هذه السطور، على الرغم من الإدانة القوية والسريعة للجريمة من قبل رأس السلطة، الذي قام بأسرع اتصال هاتفي مع الضحية الذي تربطه به علاقات أكثر من جيدة، ومن قبل كبار قادتها ومن حركة فتح، والالتزام منهم جميعًا بمعاقبة الفاعلين؛ فسيؤدي ذلك إلى ما لا تحمد عقباه؛ حيث ستنتشر أكثر وأكثر الجماعات والعصابات المسلحة، وتعيث في الأرض الفلسطينية خرابًا.

لماذا وصلنا إلى الاستنتاج الوارد في مستهل المقال؟ لأن الجريمة الجديدة لم تقع في سماء صافية، فهناك سلسلة لا حصر لها من الجرائم التي تتصاعد في ظل عجز السلطة دائمًا، وتواطئها أحيانًا، وارتكابها للجرائم أحيانًا أخرى، كما حصل في جريمة اغتيال نزار بنات، التي تراوغ السلطة في محاسبة مرتكبيها، وفي تحمل المسؤولية عنها، فهناك جرائم تجري باستمرار ولها خلفيات مختلفة عائلية وثأرية، أو خلافات على مصالح، أو صراع على مراكز القوى الذي اشتد في الآونة الأخيرة في ظل انتشار السلاح بكثرة؛ حيث هناك آلاف المسلحين، ووفق بعض المصادر عشرات آلاف المسلحين، والسلاح معظمه لا يمت للمقاومة بصلة، وفي أيدي مجرمين وعصابات، أو جماعة فلان أو علان.

كما ينتشر السلاح على خلفية التنافس على السلطة والمناصب والمراكز والخلافة التي لا يتم الاتفاق على حلها، سواء بشكل توافقي وطني، أو كما يجب عبر الاتفاق على إجراء الانتخابات في سياق متكامل ورزمة شاملة؛ لأن الانتخابات وحدها في ظل الانقسام وتحت الاحتلال من الصعب جدًا أن تجري، وإذا جرت لن تكون مدخلًا للحل وإنهاء الانقسام، وإنما قفزة للمجهول، أو نحو تعميق الانقسام وتشريعه وتأبيده، وتسريع تحوله إلى انفصال كامل.

شهدت الضفة الغربية خلال العامين الماضيين تصاعدًا ملحوظًا في استخدام السلاح خلال الشجارات العائلية، وفق تقديرات بوجود عشرات الآلاف من قطع السلاح غير الشرعية، مقابل 26 ألف قطعة متوفرة لدى الأجهزة الأمنية.

فقد قتل، خلال العام 2021، 25 مواطنًا في شجارات عائلية، فيما قتل، خلال النصف الأول من العام 2022، 21 مواطنًا، معظمهم في الخليل، وفق تقارير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إضافة إلى تصاعد ظاهرة إطلاق النار والاستعراضات العسكرية في الشجارات العائلية؛ ما ينذر بوضع خطير في ظل غياب المشروع الوطني والديمقراطية والانتخابات، وتغول السلطة التنفيذية وتحكمها بكل السلطات؛ ما أدى إلى وجود سلطة هشة بدأت تفقد زمام الأمور في مناطق متزايدة الضفة، حتى في المناطق الخاضعة لسلطتها، خصوصًا في المخيمات، وفي ظل استحواذ الاحتلال على المزيد من صلاحيات السلطة من خلال “الإدارة المدنية”.

وشهدت المدة الماضية حالات كثيرة من إطلاق النار على منازل وسيارات مواطنين، ورجال أعمال، ورؤساء بلديات وهيئات محلية، ومحامين … إلخ، وفي بعض الأوقات عن طريق الخطأ حيث كان المقصود عائلة أخرى كما حصل مع عائلة حجاب في نابلس التي تعرض الابن والأب لإصابات بالغة فيما أصيب عدد من البنات بالشظايا، إضافة إلى استخدام السلاح بكثرة في المناسبات، كالأعراس، والجنازات، والمسيرات الحزبية، وفي الانتخابات، خصوصًا بعد إعلان النتائج، سواء ابتهاجًا بالفوز أو غضبًا من الخسارة، وعقب كل شجار عائلي.

حتى الآن، يتسامح الناس ويقبلون ويتعايشون مع وجود السلطة على الرغم من كل بلاويها السياسية والاقتصادية؛ لأنها أساسًا وفرت قدرًا من الأمن والسلم الأهلي عبر احتكار السلاح إلى حد ما بسلاح واحد، فهي فشلت في حماية المشروع الوطني والتقدم على طريق تحقيقه وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، ولم تطرح إستراتيجيات جديدة قادرة على تجاوز المأزق المستعصي الذي وصلت إليه، وقد يتفهم البعض ذلك؛ لأن هناك اختلافات في البرامج والحسابات واختلالًا في موازين القوى لصالح الاحتلال، وبيئة عربية غير مواتية، ولكنهم لا يتفهمون أبدًا استمرار وتفاقم حالة الفلتان الأمني كما يحدث في السنوات الأخيرة، التي إذا استفحلت ستحرق الأخضر واليابس، فلن يرضى الناس بوجود سلطة تتساوق مع الاحتلال ومشروع السلام الاقتصادي والتعاون الأمني، ولا تقوم أيضًا بدورها في حماية الناس وتوفير الأمن ومعاقبة المجرمين، وتوفر – بما تقوم به وما تتجنبه – بيئة تساعد على الفوضى وانتشار السلاح، وأخذ الحق باليد عبر عدم محاسبة المجرمين نتيجة تواطؤ أو عجز، وهذا سيدفع كل فرد وكل عائلة وكل فصيل وكل شركة وصاحب مصلحة إلى اقتناء السلاح، سواء للدفاع عن نفسه، أو لأخذ حقه، أو ما يعتقد أنه حقه بيده.

وفي هذا المقال، أحذر من الفوضى والفلتان الأمني اللذين سيقودان إلى اقتتال لا ينتهي، فيما يد الاحتلال لن تكون بعيدةً، بل هي في صلب كل ما يجري، فالاحتلال هو الذي أجهض تحقيق المشروع الوطني، ويسعى إلى القضاء على الهوية الوطنية والكيان الوطني (منظمة التحرير)، وإلى استكمال تحويل السلطة إلى وكيل أمني بل أفق سياسي، وربما الى سلطات متنازعة كما فعل بتشجيع الانقسام بين الضفة والقطاع، وهو يغذي انتشار السلاح والجريمة للإمعان في تفتيت الشعب الفلسطيني إلى شظايا متصارعة مع بعضها البعض، بما يمكنه من فرض الحل الإسرائيلي الذي يتجاوز كل الحقوق الفلسطينية.

ولنأخذ مثالًا على ذلك ما يجري لشعبنا في الداخل من انتشار للسلاح والجريمة بكل أنواعها، لدرجة سقوط معدل 100 قتيل كل عام على خلفية الثأر وغيره؛ أي أعلى بكثير من معدلات الجريمة المماثلة لدى اليهود في إسرائيل، وأعلى من المعدل في الضفة والقطاع والأردن؛ لأن الشرطة الإسرائيلية لا تلقي القبض على معظم المجرمين الفلسطينيين في الداخل، بينما تلقي القبض على كل المجرمين الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم ضد اليهود.

إن ما أوصلنا إلى هذا الحضيض أن السلطة تهاونت مع من يطلق الرصاص على الخصوم السياسيين، خصوصًا من معارضي السلطة، كما حصل سابقًا مع عبد الستار قاسم، ونزار بنات، وحسن خريشة، وكذلك مع ناصر الشاعر الذي أُطلق الرصاص على بيته وبيوت أشقائه من شهرين، وهدده مسلحون أكثر من مرة بإصدار بيانات مصورة من دون أن تحرك السلطة ساكنًا.

كما يقال شر البلية ما يضحك، فإسرائيل غاضبة هي الأخرى من السلطة، فقد عبرت عن غضبها مرارًا، آخرها بعد تصدي أبطال المقاومة في نابلس لاقتحام قوات الاحتلال للبلدة القديمة؛ حيث استمرت الاشتباكات لساعات عدة، وكانت بسالة المقاومين وشجاعتهم واستعدادهم لافتة للنظر، فيتساءل الخبراء الإسرائيليون: أين السلطة؟ ولماذا لا تمنع المقاومين؛ حيث قدمت كتيبة جنين المثل، وشجعت كتائب أخرى على العمل في نابلس ورام الله وغيرهما من مدن الضفة؟ بينما يشيد وزير الداخلية الإسرائيلي بالتعاون المحدود من السلطة!

لا بديل من إحياء المشروع الوطني فهو القاسم الأعظم القادر على توحيد الفلسطينيين، وإفشال مخططات الاحتلال السياسية وإشاعة الفوضى والفلتان الأمني وتعددية السلطات، وهذا يتطلب إعادة النظر كليًا في السلطة، وتغيير وظائفها والتزاماتها وموازنتها؛ لتصبح سلطة في خدمة المشروع الوطني، وأداة بيد منظمة التحرير الموحدة بعد إعادة بنائها على أسس جديدة وطنية وديمقراطية لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي التي تؤمن بالمشاركة.

هذا هدف صعب التحقيق، نعم، ولكن عدم تحقيقه يقود إلى حضيض أسوأ، وهكذا … بلا نهاية ولن يكون هناك حد نهائي للتدهور.

“اللهم اشهد أنني قد بلغت”.

فَشِلَ الاغتيال ونجحت المحاولة!

أقلام – مصدر الإخبارية

فَشِلَ الاغتيال ونجحت المحاولة!، بقلم الكاتب والمحلل السياسي عبد المجيد سويلم، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

محاولة اغتيال الدكتور ناصر الدين الشاعر هي بكلّ المقاييس محاولة “ناجحة” حتى ولو فَشِلَ الاغتيال نفسه، أو لنقل إنها مرشّحة للنجاح.
“ناجحة” في التوقيت، و”ناجحة” في الشخصية المستهدفة، وهي “ناجحة” في الأهداف “الكبيرة” التي تقف وراءها مباشرة، أو في خلفية المسرح عند من يكون قد أعدّ لها بمكرٍ ودهاءٍ وخبثٍ مسموم.

وهي أكثر نجاحاً إذا ما كان الهدف، أو أحد أهدافها هو استخدام العملية للقياس عليها من حيث ردود الأفعال، ومن خلال جدّية التحرك في مواجهة نتائجها، والانتباه إلى ما يمكن أن يترتب عليها، وذلك لتحديد استراتيجية متكاملة لأعمالٍ مستقبلية من وجهة نظر من أعدّوا لها، وخطّطوا للقيام بها.

لو فصلنا التوقيت عن الشخصية المستهدفة، وعن الأهداف لما كان لهذه المحاولة “الأهمية” التي تنطوي عليها، ولما صلحت كمعيار “لنجاح” أعمالٍ كبيرة قادمة لا بدّ أنها جاهزة، ولا تنتظر سوى البدء بها بعد “التأكد” من حقيقة ردود الأفعال عليها، وبعد اختبار مدى جدّية الطرق والوسائل التي سيتمّ اللجوء إليها، بل ومدى تنبّه المجتمع الفلسطيني وكل قياداته ومنظماته وأحزابه وفصائله لخطورتها.
بل وأكثر من ذلك فإن الأرجح هو أن هذا التوقيت للشخصية التي تم استهدافها يشي بقوة بأنه سيكون (بالنسبة للمخطّطين الحقيقيين) هو منطلقهم نحو تنفيذ “استراتيجية” متكاملة لتفتيت الوضع الفلسطيني في الضفة تحديداً، تمهيداً لما يرونه قابلاً للتنفيذ، وصالحاً وفعالاً في هذه الاستراتيجية.

هذه ليست عملية فلتان أمني، وليست فوضى سلاح، ولا يتعلق الأمر بأي اعتبارات “محلية” أو عائلية أو اجتماعية، وليست ردود أفعال متهوّرة على أهداف خاصة سابقة، ولا يتعلق الأمر بأحداث الجامعة، ولا بتاريخ من الصراعات الغابرة أو البعيدة! بقدر ما أن هذه المحاولة هي استحضار لكل ما سبق ذكره أعلاه لكي يكون في واجهة المشهد بهدف “إخفاء” من هو في خلفيّته.
وهذا الاستحضار هو اختبار “ذكيّ” للغاية، لأن من شأن التغافل عنه أن يؤدي (حسب تخطيطهم) إلى “تمييع” ردود الأفعال، وإلى تشتيت الانتباه عن خطورة المحاولة، وعن الأهداف الكبيرة منها.
هنا نعود إلى جوهر الهدف.

باختصار، فإن “المطلوب” هو معرفة فيما إذا كانت الأرضية قد باتت ممهّدة بما يكفي لتحويل السلطة في الضفة إلى “سلطات” محلية، في المناطق المختلفة، ليس بهدف تقويض وجود سلطة واحدة فقط، وإنما بهدف تحويل هذه السلطة “الواحدة” إلى مجرّد “إدارة” لسلطات موزعة على المحافظات والمناطق، أو دخول هذه السلطة التي يُفترض أنها واحدة في صراعات مع “السلطات” المحلية، والدخول في “مساومات” معها لكي تصبح هذه السلطات (رسمياً) هي الجهة “الشرعية” للضبط الاجتماعي، وهو الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تحويلها بالتدريج إلى هياكل وبنى مؤسساتية “تتحكم” وربما تشرف، أيضاً” على “الضبط” الاقتصادي، بما في ذلك الجباية الضريبية أو أحد أشكالها المستحدثة، وبالتالي “التقاسم” مع السلطة “المركزية” (إذا جاز التعبير) الشأن السياسي بعد أن تكون فرضت نفسها في البعدين الاقتصادي والاجتماعي.
وهنا بالضبط يتدخّل الاحتلال بصورة سافرة ومكشوفة، ويصبح هذا التدخل هو الآلية التي تؤسس لخلق قيادات محلية لها الكثير من السمات العائلية والحمائلية، ولها الارتباطات والتشابكات في الاتجاهات، وفي المجالات المختلفة، وبذلك يتحول هذا التدخل من قبل الاحتلال إلى “الناظم” الفعلي لهذه العلاقات.

وهنا، أيضاً، وباختصارٍ، أيضاً، يبدأ مشروع التفتيت الذي سيؤدي إلى “إعادة البناء” على أساس مشروع “الولايات السبع” وبعد أن يكون الصراع الداخلي قد وصل إلى ما وصل إليه من صراعٍ مع الاحتلال إلى صراعٍ على “السلطات”.

أي بعد أن كنّا في حالة صراع بين سلطتين (لا سلطة فعلية لهما بين الضفة و غزة ) إلى صراعات جديدة في الضفة، وحيث إن قطاع غزة حُسِمَ أمر انفصاله تماماً عن الضفة، وحيث المشاريع الاحتلالية ستكون قد كرّست الانفصال التام للقدس بعد (المهلة الكافية) التي حصلت عليها إسرائيل من الرئيس الأميركي جو بايدن عندما أكد أن الحل القائم على أساس الدولتين بات مؤجّلاً ومفتوحاً في الزمن.

أي أن إسرائيل باتت طليقة اليدين لتحويل انفصال غزة إلى واقعٍ لا يمكن العودة عنه (إذ كيف سيكون ممكناً العودة عنه طالما أن الضفة تعيش ما يخطط لها من صراع السلطات، وكيف للقدس أن لا تكون منفصلة طالما أن الوقت المطلوب لانفصالها بات “متاحاً؟).

أيّ قراءة لا تضع في اعتبارها الأول وحسبانها المباشر أن محاولة اغتيال الشاعر هي الاختبار الأخير، والفرصة الأخيرة لمراجعة كامل نهج “السماح” بالانفلات، وانتشار فوضى السلاح، والتهاون في وجود نظام ديمقراطي يفرض وجود القانون في سلطة أو دولة القانون وقبل فوات الأوان هي قراءة غبية وفاشلة.

وكل محاولة “لتقزيم” حادثة المحاولة هي “مساهمة” مباشرة، وليس غير مباشرة في تكريس (ازدواجيات) السلطة في الحالة الوطنية. وأي تهاون أو تغافل، أو تساهل في التصدي الحازم والحاسم لما يجري على الأرض من فلتان وفوضى وتنامٍ من سلطاتٍ هنا وهناك، بهذه الذريعة أو تلك، وتحت هذا الغطاء أو ذاك هو في الواقع ليس سوى الفصل الأوّل في مشروع التدمير للحالة الوطنية، وهو الفصل الأخير في حياة الحركة الوطنية الفلسطينية كما عرفناها وعايشناها، وهو عنوان “الرحيل” المؤلم لقوانا السياسية ومنظماتنا الوطنية، وفصائلنا السياسية التي تصدّرت وقادت العملية الوطنية على مدى السنوات الخمسين الأخيرة في نضالنا الوطني.

لا يتعلق الأمر بخصوصية محاولة الاغتيال بقدر ما يتعلق بالدلالة، وما تؤشّر عليه وتعكسه من تردٍّ كبيرٍ في الواقع الوطني، خصوصاً وأن إسرائيل تمعن في اغتيال المقاومين، وتستبيح دماء النشطاء الذين يحملون السلاح في وجه الاحتلال بإجرامٍ منظّم ومجازر علنية في نابلس وجنين تمهيداً لاكتمال خارطة المشهد في كل مكان من الضفة.
إذا لم يتمّ فوراً وبسرعة تدارك أهداف محاولة الاغتيال فالمحاولة قد نجحت حتى ولو فَشِلَ الاغتيال.

أقرأ أيضًا: أزمة الحُكم في إسرائيل بقلم عبد المجيد سويلم

Exit mobile version