حزب الله وملالة إسرائيلية

إسرائيل وحزب الله… تصعيد مستمر وتجاوز للخطوط الحمراء والزرقاء

بقلم: ياسر عرفات الخواجا

لقد مرت مراحل التصعيد في منطقة الجنوب اللبناني بين حزب الله و”إسرائيل” بمراحل عديدة من أبرزها:

1. مرحلة أزمة استخراج الغاز من منصة كاريش، وما رافقها من خلاف على الحدود الإقليمية على ساحل المتوسط، تلك الأزمة التي دارت بيت لبنان و”إسرائيل” شابها حالة من التفاوض والتعنت الذي لم يؤدِّ إلي نتيجة تتوافق مع المطالب اللبنانية، ثم ما تلاها من الدخول في مرحلة التهديد الجدي والعملي من خلال إرسال طائرة مسيرة قامت بالتصوير من فوق المنصة، وقد تزامن ذلك حينها بتهديد حقيقي من قبل حزب الله في بضرب منصة كاريش إذا لم يتم تحقيق المطالب اللبنانية من خلال المفاوضات.

2. مرحلة تفجير مجدو، وذلك في مارس آذار الماضي، حيث تسلل مقاوم من جنوب لبنان ليصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في منطقة مجدو وقام بتفجير قنبلة عالية التقنية والتصنيع عند مفترق مجدو، حيث ساد التعتيم الإعلامي على العملية من قبل الرقابة العسكرية الاسرائيلية، وتعددت الروايات الأمنية في حينها؛ وذلك لخطورة الحادثة من الناحية الأمنية، وفى نفس السياق صدر بيان مشترك عن الجيش والشاباك والشرطة الإسرائيلية بأنه يجرى التحقيق حول ما اذا كان لحزب الله علاقة وصلة بالحادث، وخلص التقرير حينها إلي ان حزب الله ليس له علاقة بالحادثة، لكن ورغم ذلك كانت هناك أصوات في الحكومة الإسرائيلية تنادى بضرب وتحميل حزب الله مسؤولية تلك العملية.

3. مرحلة إطلاق الصواريخ عبر الحدود اللبنانية إلى الأراضي الفلسطينية الشمالية المحتلة؛ وذلك رفضاً لما يجرى في القدس من حالة تهويد واعتداء مستمر على المسجد الاقصى، حيث كانت تنظر إسرائيل إلي ذلك الحدث بخطورة عالية، وذلك بسبب فرضية فتح جبهة جديدة تهدد الأمن الإسرائيلي، وعلى إثر ذلك وبرغم من تأكيد الجانب الإسرائيلي بأن حزب الله ليس له علاقة بالحادثة، إلا أنها هددت برد هجومي عسكري لضرب مواقع منظمات في المخيمات الفلسطينيةـ وذلك بعد إعلان جهات فلسطينية مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، فكان الرد من حزب الله علي لسان الأمين العام “نصر الله” بأنه سيتم الرد فورًا علي أي تجاوز إسرائيلي يمس الجغرافية اللبنانية، سواء بضرب أهداف أو اغتيال لشخصيات، فما كان من القيادة الإسرائيلية إلا الانصياع لتهديدات “نصر الله”، ولم يتم تنفيذ أي من التهديدات الاسرائيلية.

4. مرحلة المناورة الأخيرة التي قام بها حزب الله، والتي تمركزت حول مشاركة قوات النخبة “الرضوان”، والتي تحاكي عمليات اقتحام وتسلل للمستوطنات الشمالية في منطقة الجليل. هذه القوات التي جاء بها حزب الله من العمق اللبناني إلي المنطقة الحدودية هي بمثابة خلق واقع جديد، وهي تهديد واضح، وفيها دلالة علي الجهوزية القتالية العالية، والاستعدادات المتقدمة لمواجهة أي اعتداء مفاجئ من قبل جيش الاحتلال، الأمر الذي اعتبره الأخير أبعد من ذلك علي الصعيد الميداني، وفيه نوع من عملية استدراج لدولة الاحتلال المؤقتة للدخول في دائرة رغبة حزب الله للقتال، والانجرار لمعركة علي عكس الاستعدادات والحسابات الإسرائيلية، وذلك بسبب التعقيدات المحلية والإقليمية وحتى الدولية، الأمر الذى سيفقدها مزيدًا من قوة الردع وهيبة الأمن القومي دون تحقيق لي من أهدافها، والتي من أهمها منع التهديدات العسكرية والأمنية للمنطقة الشمالية.

5. مرحلة نصب الموقعين المتقدمين الذين نصبهما حزب الله مؤخراً، متجاوزًا بذلك الخط الأزرق الذى تم وضعه من قبل الأمم المتحدة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية من جانب واحد عام (2000م)، ويعد هذا الحدث هو الأبرز والأكثر تحدياً من قبل حزب الله في مراحل التصعيد الأخيرة؛ لذلك تستمر التهديدات الاسرائيلية ضد لبنان، في ظل مساحة ضيقة لم تتسع إلا لصدام مقبل لا محالة، وهذا ربما ما تظهره تطورات الأحداث الميدانية بين الطرفين، فقد قدمت “إسرائيل” عبر شكوى قدمتها للأمم المتحدة مفادها أنه إذا لم يخل حزب الله الموقعين العسكريين فإن الجيش الإسرائيلي سيبادر إلى إخلائها بالقوة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التهديد الإسرائيلي والتلويح بالقوة لم يكن وليد الحدث الأخير، وإنما سبقه جملة من الأحداث التي استخدم فيها الاحتلال منطق التهديد، لكنه في كل مرة كان يقف عند حدود التهديد الأجوف دون أي فعل على الأرض يستطيع من خلاله منع تحركات حزب الله نحو جره لحرب واسعة بدءًا من كاريش وصولاً بعملية التسلل وعبوة مجدو وإطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية وليس انتهاء بإقامة موقعين خارج نطاق الخط الأزرق الدولي، ورغم ذلك فإن الاحتلال لا زال مستمراً بسعيه في إنهاء التوتر بالطرق الدبلوماسية من خلال عدة وساطات، والتي كان من أبرزها الوساطة الأمريكية والفرنسية، ولكن هذه المساعي حتى اللحظة لا زالت تصطدم برفض تام من حزب الله لإخلاء الموقعين وتفكيكهما، بل عمل الأخير على تعزيز الموقعين من خلال ضخ مزيد من التواجد العسكري والأهلي، وفرض واقع ميداني جديد، محذراً في نفس الوقت قيادة الاحتلال بقوله: “إن على إسرائيل أن لا تخطئ التقديرات والحسابات وترتكب أي خطأ في أي بلد في المنطقة؛ لأن ذلك سيفتح بالضرورة حربًا إقليمية كبرى ومتعددة الجبهات والاتجاهات”.

والسؤال الاهم هنا: هل ستقوم “إسرائيل” وفى حال استمر حزب الله بموقفه الرافض بتنفيذ تهديداتها؟، أم أن حزب الله سيبقى ينتصر في الحرب التصعيدية دون خوض المعارك كما جرى سابقًا في كاريش وغيرها؟! أم أن “إسرائيل” باتت غير قادرة على اتخاذ قرار الحرب الشاملة والموسعة والمتعددة الجبهات والمليئة بحسابات المصالح الأمنية المعقدة؟؟.

والأمر المؤكد أن حزب الله لن يخلى الموقعين، فهو لم يقم بهذه الخطوة من أجل أن يخليها، وأن الأمر لن يقف عند حدود الموقعين، والحزب يدرك جيدًا ما يقوم به، بل سيستمر في ذلك إلى أن يعيد دوره في تحرير الأراضي اللبنانية (مزارع شبعا وإذلال كفار شوبا)؛ اعتقادًا منه بأن الظروف الحالية هي الأكثر مواتية، وأنها الفرصة الأكثر نضوجًا لقطف ثمار التحرير لتلك الأراضي، فحزب الله على كل الأحوال بات متجهزًا ومتأهبًا لتوسيع دوره كمقاومة، وما زال يحصر دور الاحتلال في زاوية العجز بما يفرضه عليه من تحديات معقدة، فقد استطاع حزب الله أن يفرض نفسه كقوة لا يستهان بها؛ مستغلاً بذلك البيئة السياسية والميدانية والإقليمية والدولية

الخلاصة:

“ريشت كان” إذاعة الاحتلال تقول: “حزب الله يرفض إخلاء الموقعين، ويرسل رسالة حازمة إلى “إسرائيل” مفادها: إذا لم تكن مهتماً بالحرب اصمت”.. هذه الرسالة تظهر مدى التحدي والاستعداد من محور المقاومة للمعركة القادمة، وتظهر حالة العجز الكبيرة وعدم القدرة على الرد التي تعيشها قيادة الاحتلال رغم عدم التكافؤ في القدرات والإمكانيات العسكرية.

Exit mobile version