طريق الاتصالات مع السعودية كان ممهداً باتفاق أوسلو رغم كل عيوبه

أقلام- مصدر الإخبارية

ترجمة مصطفى إبراهيم لمقال تسفي برئيل في صحيفة “هآرتس” العبرية: تمر هذا الشهر 45 عاماً على توقيع إسرائيل ومصر على اتفاقيات الاطار التي أرست الأساس لاتفاقات كامب ديفيد، في الوقت نفسه استغرق التوصل إلى اتفاق أوسلو 15 عاماً، ومنذ ذلك الحين مرت 30 عاماً قبل أن يطفو على السطح موضوع اتفاق السلام بين إسرائيل والسعودية على مسرح التاريخ.

وحتى لو تم تنفيذ هذا الاتفاق، فإنه لن ينهي الصراع العربي الإسرائيلي. ولا تزال هناك دول عربية وإسلامية تنكر السلام مع إسرائيل.

ورغم ذلك فإن التطبيع مع السعودية يكتسب الآن مكانة وأهمية تاريخية ستطغى على كل الاتفاقيات الموقعة حتى الآن مع كل الدول العربية مجتمعة. ومن المهم أن نتذكر أن السعودية لم تعارض اتفاقيات كامب ديفيد فحسب، بل إنها قطعت أيضاً علاقاتها مع مصر وأيدت تجميد عضويتها في جامعة الدول العربية.

كانت حجتها أن مصر اتخذت خطوة أحادية، وهو ما يخالف قرارات الجامعة العربية. وبعد سنوات فقط، في عام 2018، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية ملفًا من الوثائق السرية، اتضح منه، على عكس الموقف العلني، أن السعودية دعمت اتفاقيات كامب ديفيد وتعهدت بعدم وقف المساعدات الاقتصادية لمصر.

وفي البرقية التي اختتمت اللقاء بين السفير الأميركي ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، عشية توقيع الاتفاقيات، أوضح الأخير أن السعودية تريد نجاح محادثات كامب ديفيد. إن نجاحهم يصب في مصلحة أهم حلفاء السعودية، الولايات المتحدة ومصر، وسنبذل كل ما في وسعنا للمساعدة وتوضيح موقفنا للعالم. كان تصريح فارغ. وبعد 9 سنوات جددت السعودية علاقاتها مع مصر، وعمليا تبقى اتفاقيات كامب ديفيد في السردية العربية خيانة لا تستحق الاقتداء بها.

كانت السعودية شريكاً في مؤتمر مدريد الذي عقد عام 1991، لكنها انسحبت من اتفاقيات أوسلو. وأيدت الاتفاق بين الأردن وإسرائيل الذي اكتسب شرعيته من اتفاقيات أوسلو. ثم دعمت حتى “صفقة القرن” التي طرحها الرئيس ترامب، والتي كانت بعيدة كل البعد عن أوسلو.

القدرة على التفاوض

على النقيض من الاتفاق مع مصر، فإن اتفاق أوسلو له وضع خاص. في أوسلو تلقت إسرائيل من المحتكرين للمشكلة الفلسطينية الاعتراف بوجودها، والقدرة على التفاوض معها. وهذا الاتفاق هو الذي أعطى الأردن الأساس الشرعي للتوقيع على اتفاق السلام وبالتالي التأهل والاعتراف العلني بالعلاقات القائمة بينه وبين إسرائيل منذ سنوات عديدة. حتى بعد توقيع الأردن، ظل متمسكاً بموقفه بأن السلام الشامل، أي السلام الذي يمكن للسعودية أن تدعمه بل وتكون جزءاً منه، لا يمكن أن يتحقق إلا عندما تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة.

الهدف من هذا الموقف هو توضيح، من بين أمور أخرى، أن منظمة التحرير الفلسطينية هي في الواقع “الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني” كما حددته قمم الجامعة العربية، ولكن المشكلة الفلسطينية ليست ملكا لها، وليس لديها القدرة على إجبارها على ذلك.

على الدول العربية وقف صراعها مع إسرائيل، أو التوقيع على اتفاقيات سلام معها، وفي ظاهر الأمر فإن هذا الموقف يشبه الموقف الذي اتخذته السعودية تجاه اتفاقيات كامب ديفيد، أي أن الفلسطينيين اتخذوا خطوة أحادية، وهي ضرورية، لكنها لا تزال غير كافية للدول العربية للتخلي عن مطالباتها، بما في ذلك تلك المتعلقة بمستقبل فلسطين.

حتى بعد توقيع اتفاقات أوسلو، اعتبرت الدول العربية، وخاصة السعودية، نفسها منذ ذلك الحين ملزمة بضمان تنفيذ اتفاقات أوسلو، وبأن تكون بمثابة شبكة أمان لمنظمة التحرير الفلسطينية ولاحقًا للسلطة الفلسطينية باعتبارها كياناً آمناً. أداة ضغط وتهديد لتحقيق طموحهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.

انتظرت اتفاقيات أوسلو 9 سنوات حتى قدمت السعودية العرض السياسي المذهل الذي أطلق عليه اسم “المبادرة السعودية”، والتي أصبحت المبادرة العربية في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002.

ووفقاً لها، في مقابل الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة، بما في ذلك مرتفعات الجولان والقدس الشرقية، ستعمل جميع الدول العربية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وبالتالي إنهاء الصراع الإسرائيلي العربي.

منذ ذلك الحين، أصبحت المبادرة العربية إحدى الركائز التي شكلت مواقف الدول العربية تجاه اتفاقات السلام مع إسرائيل، وكان موقفها، على الأقل في نظر السعوديين، هو نفس موقف القرارين الأمميين 242 و338.

مع ذلك، ومن خلال المبادرة، أوضحت السعودية مرة أخرى انها لا ترى في المشكلة الفلسطينية علاجا سحريا، وأن أي اتفاق سلام يتم توقيعه بين إسرائيل والدول العربية، مثل مصر والأردن، ومع منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكن أن يحل بدلا من الحل الشامل. المفهوم العربي الذي روجت له الرياض، والذي تم التعبير عنه في المطالبة بالانسحاب أيضاً من هضبة الجولان، وليس من الضروري أن نتذكر أن المبادرة السعودية قامت على الرغبة في إعادة تسمية المملكة بأنها دولة محبة للسلام وموالية للغرب. وهي دولة حليفة وثيقة للولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر التي وقعت قبل عام وكان معظم منفذيها سعوديين.

الذي كشف عن ميلاد المبادرة السعودية هو الصحافي في صحيفة نيويورك تايمز، توماس فريدمان. اكتشف فريدمان أنه خلال العشاء الذي تناوله مع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، الذي سيتوج ملكا بعد ثلاث سنوات، أخرج الأخير أساسيات المبادرة من درجه. لقد كان اكتشافاً صادماً، ومثل تغييراً تاريخياً في نهج المملكة العربية السعودية ومن ثم الدول العربية الأخرى. نشر فريدمان هذا الأسبوع مقالا مؤثرا دعا فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى عدم التوقيع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل، قائلا: “لا تدعا نتنياهو يحولكم إلى أغبياءه المفيدين، لا يمكنك التطبيع مع حكومة غير طبيعية”.

وكتب فريدمان: “لن تكون أبداً حليفاً مستقراً للولايات المتحدة أو شريكًا للسعودية”.

لا تحتاج السعودية إلى نصيحة فريدمان لتقرر ما إذا كانت ستوقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل، لكنها لا تزال ملتزمة بالمبادرة العربية التي صاغتها وبمكانتها كدولة رائدة في العالم العربي.

وعلى هذا النحو، استمعت قيادتها بعناية لمطالب الوفد الفلسطيني الذي زار الرياض هذا الأسبوع بهدف الحد من التطبيع غير المشروط. وبحسب مصادر فلسطينية، طالب ممثلو رام الله إسرائيل بنقل الأراضي من المنطقة (ج) إلى السلطة لسيطرتها الكاملة، وتجميد بناء المستوطنات، واعتماد المبادرة العربية لأي اتفاق مستقبلي بين إسرائيل والفلسطينيين.

هكذا يعود إلى الساحة السياسية اتفاق أوسلو الذي قسم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق سيطرة: أ، ب، ج، والمبادرة العربية التي تطالب في نهاية المطاف بإقامة دولة فلسطينية.

وهكذا، بينما انتقلت أوسلو في إسرائيل إلى ساحة المناقشة الأكاديمية، عندما كتبت آلاف الكلمات عن انهيارها، وعدم أهميتها وعيوبها الرهيبة، في واشنطن والرياض ورام الله، فإنها تظهر علامات الحياة التي، على الأقل، أجزاء منها. وقد يكون بمثابة أساس للمفاوضات بين إسرائيل والسعودية.

فرص نجاح أي مفاوضات إسرائيلية فلسطينية تقوم على تنفيذ مسار أوسلو، ناهيك عن النتيجة التي وعدت بها، أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة، تشبه فرصة إعادة أولئك الذين وقعوا عليها إلى الحياة. لا يوجد وزير واحد في الحكومة الإسرائيلية يرغب في نطق اسمه دون أن يبصق سبع مرات. ايضا في واشنطن وفي الرياض ايضا لا يجلسون حمقى وكانهم لا يفهمون الواقع.

في انتظار الوصيفه

لكن من يسعى إلى التوصل إلى صفقة سعودية إسرائيلية سيكون مطالباً بتقديم شيء في المقابل، وليس مجرد الاستجابة للمطالب الفلسطينية أو السعودية. عندما تُجمع مصطلحات “أوسلو” و”المبادرة العربية” و”التطبيع مع السعودية” في جملة واحدة وتقال في نفس الوقت، فإن هناك إمكانية معقولة لصياغة مخطط جديد، مهما كان ملتويا ومرنا، الأمر الذي سينتج عنه خارطة طريق جديدة، حتى لو لم تكن ذات صلة بفترة ولاية الحكومة الحالية.

المنطق الأمريكي لتطوير برنامج نووي وتوقيع اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة، التقارير حول موقف السعودية من القضية الفلسطينية غامضة وتأتي بشكل رئيسي من مصادر فلسطينية، فهل سيكون الفلسطينيين على استعداد لتقديم دعمهم للسلام السعودي الإسرائيلي؟ الاتفاق فقط مقابل مساعدات سعودية سخية، كما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال؟، هل تصر السعودية على أن تعلن إسرائيل على الأقل أنها تدعم حل الدولتين؟ هل ستفتح الرياض سفارة في فلسطين ولا تكتفي بتعيين قنصل فيها؟ في إسرائيل: لا توجد أجوبة أو ردود فعل رسمية على ذلك.

قلق الفلسطينيين، الذي يشغل الأردنيين والمصريين أيضاً، هو ما إذا كانت السعودية ستقرر أن مصالحها الاستراتيجية، التي تشمل علاقاتها مع واشنطن، لن تجعلها في نهاية المطاف تكتفي بمحادثات مهذبة مع الفلسطينيين، بل تقرر أن التطبيع مع الفلسطينيين لن يكون كافيا.

وإسرائيل أهم، حتى لو كان ذلك يعني إلقاء المبادرة العربية في السلة والتخلي عن القضية الفلسطينية.

لكن بين هذين النقيضين، الدعم الكامل للمطالب الفلسطينية والتخلي عن القضية الفلسطينية، لا تزال هناك مساحة واسعة للتفاوض. وفي هذا الفضاء، قد يلعب اتفاق أوسلو دوراً مهماً، لأنه في الوقت الراهن ليس فقط الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تنظم المبادئ الأساسية للعلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، بل هو الاتفاق الذي رغم عيوبه، لا طرف فيه، تجرأ على إعلان وفاته.

اقرأ/ي أيضًا: كتب محسن أبو رمضان.. ما العمل فلسطينيا لمواجهة التحديات ؟