قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.. برميل بارود قابل للانفجار

أقلام – مصدر الإخبارية

قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.. برميل بارود قابل للانفجار، بقلم الكاتب في الشؤون العسكرية والسياسية أحمد عبد الرحمن، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

شهد شهر نيسان/أبريل من هذا العام نسبة إقبال متدنّية للغاية على صعيد التحاق جنود الاحتياط بوحداتهم القتالية في “الجيش” الإسرائيلي، وبلغت النسبة أقل من 7%، في مقابل 90% في الأوقات العادية.

كان لافتاً منذ بداية العام الحالي حجم الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة ضد ما سُمي بخطة “الإصلاح القضائي” في “إسرائيل”، التي يسعى من خلالها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم إلى مزيد من السيطرة على الجهاز القضائي، وإلى تعزيز نفوذهم على معظم الهيئات التشريعية والتنفيذية في “الدولة”.

وكان لافتاً أيضاً حجم المشاركة في تلك الاحتجاجات، ولا سيما من منتسبي وحدات الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي، التي هدد مئات من جنودها وضباطها ممن يخدمون في سلاح الجو وأجهزة الاستخبارات والوحدات الخاصة بالامتناع عن الالتحاق بوحداتهم القتالية في حال تنفيذ نتنياهو خطته المثيرة للجدل.

وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فقد شهد شهر نيسان/أبريل من هذا العام نسبة إقبال متدنّية للغاية على صعيد التحاق جنود الاحتياط بوحداتهم القتالية، وبلغت النسبة، بحسب الصحيفة العبرية، أقل من 7%، في مقابل 90% في الأوقات العادية.

ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة أسباب تلك الاحتجاجات المشار إليها آنفاً، ولا نسعى لقراءة التداعيات المتوقّعة التي يمكن أن تنتج منها، وخصوصاً في ظل استمرارها حتى يومنا هذا، ولكننا سنقوم بإلقاء الضوء على قوات الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي، التي تُعتبر عموده الفقري، والتي يُعتمد عليها في أوقات الطوارئ من حروب وأزمات، ويتم الاعتماد على جزء منها بشكل دائم خلال السنوات الأخيرة.

إضافةً إلى ذلك، من دون هذه القوات، يفقد “الجيش” في “إسرائيل” قوامه الأساسي الذي تتكوّن منه معظم الوحدات المقاتلة التي يناط بها تنفيذ أغلب المهام القتالية والاستخبارية واللوجستية خلال فترات الحرب والطوارئ.

نظرة عامة
يتم النظر إلى مؤسسة “الجيش” في كيان الاحتلال بشيء من “القداسة”، إذ يُعتبر أكبر وأهم مؤسسة فيه، بسبب نفوذه القوي في السياسة والاقتصاد والثقافة وباقي مناحي الحياة، وهو المجال الوحيد الذي لا يجوز الاختلاف فيه أو عليه، ويتوجّب على جميع الإسرائيليين، بغض النظر عن عرقهم ولونهم وجنسهم، أن يدعموه ويساندوه، وأن يبذلوا كل ما باستطاعتهم ليبقى قوياً ومتماسكاً، فمن دون هذا “الجيش” ستنهار “إسرائيل”، وستصبح عرضة لأن يتناهشها أعداؤها من كل اتجاه.

ومن المهم أن نلفت الانتباه هنا إلى أن الخدمة العسكرية في “إسرائيل” إجبارية لمن هم فوق سن 18 عاماً، إذ يتوجّب على الذكور أداء 3 سنوات من الخدمة النظامية، فيما تؤدي الإناث الخدمة لمدة سنتين فقط.

وينظر الكثير من الشباب الإسرائيلي إلى هذه الخدمة بصفتها “واجباً أخلاقياً” تجاه “الوطن”، فيما يراها آخرون ضرورية لبناء علاقات اجتماعية بنّاءة قد تساهم في تأمين مستقبل مهني أفضل.

ولا يتم في العادة منح إعفاءات من هذه الخدمة إلا للضرورة القصوى. هذا الأمر تحديداً يُثار حوله جدل كبير في الأوساط الإسرائيلية، ويتم النظر إلى من يحاولون الحصول على هذا الإعفاء بأنهم جبناء وخونة، بل يتحوّلون في كثير من الأوقات في حال لم يغادروا البلاد إلى منبوذين اجتماعياً. وفي بعض الأحيان، يتم سجنهم في حال تبين أن الذرائع التي ساقوها للحصول على الإعفاء كانت كاذبة وغير حقيقية.

بعد الانتهاء من الخدمة الإلزامية، يتحوّل الجنود تلقائيّاً إلى قوات الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي الذي يبلغ قوامه نحو 750 ألف جندي، منهم 560 ألفاً من جنود الاحتياط، يُنظر إليهم بأن ذوو قيمة خاصة في صفوفه، نظراً إلى المهارات الفائقة التي يكتسبونها خلال خدمتهم الإلزامية أو التي يحصّلونها في فترات استدعائهم المختلفة في أوقات الطوارئ أو الحروب، وخصوصاً أولئك الذين يخدمون في وحدات نوعية وحسّاسة، مثل الوحدات الخاصة وأجهزة الاستخبارات وسلاح الجو.

الاحتياط وعقيدة الأمن القومي
عندما تم إقرار مبادئ نظرية الأمن القومي للكيان الصهيوني في عهد ديفيد بن غوريون مطلع خمسينيات القرن الماضي، تم وضع تصوّر يفيد بأنّ “إسرائيل” بحاجة إلى ما سُمّي حينها بـ”جيش المواطن”، وخصوصاً أنها تعيش في جغرافيا معقّدة ومحيط رافض لوجودها، ولا تملك عمقاً أمنياً واستراتيجياً يمكن أن يحميها من المخاطر المتعددة التي تحيط بها من كل اتجاه، إضافةً إلى عدد “السكان” المحدود قياساً بجيرانها من الدول العربية والإسلامية.

وقد ترجمت “إسرائيل” هذا الشعار من خلال نظرية “التجنيد الشامل” التي تمت الإشارة إليها في بعض النشرات بعبارة “الأمة تحت السلاح”، وهو ما سمح ببقاء كل الإسرائيليين ضمن الخدمة الإلزامية، ومن ثم الانتقال بعد ذلك إلى الخدمة ضمن صفوف قوات الاحتياط حتى عمر متقدم.

وبحسب العديد من الدراسات الصادرة عن مراكز البحث في الكيان الصهيوني، فإن عقيدة الأمن القومي الإسرائيلية قامت على العديد من الفرضيات التي حاولت الإجابة عن الكثير من الأسئلة التي واجهت القادة السياسيين والعسكريين في “إسرائيل”.

إحدى هذه الفرضيات، وأهمها في تلك الفترة، كانت تشير إلى أن “إسرائيل” ستواجه صعوبات جمّة في محاولة مجاراتها الأعداد الكبيرة من القوى البشرية ذات الصبغة العسكرية في البلدان العربية المحيطة بها، والتي تشكّل تهديداً وجودياً لها، وبالتالي يجب وضع حلول مناسبة لمواجهة تلك الأزمة، بما يمنع تفكك “الدولة” أو انهيارها أو تحوّلها إلى ساحة للقتال المستدام الذي سيؤدي في النهاية إلى سقوطها بفعل النقص الواضح في العامل البشري الذي يمثّل خزان الإمداد للقوات المقاتلة.

وبناء عليه، تم إقرار النظرية المشار إليها أعلاه “أمة تحت السلاح”، بحيث يتحوّل كلّ الشعب إلى مقاتلين عند الضرورة من دون الحاجة إلى تجنيد جديد قد لا تسمح به الظروف المحيطة. هذا الأمر تم النظر إليه حينها بأنه سيساهم في تحقيق الأهداف القومية لـ”إسرائيل”، المتمثلة في الدفاع عن مصالحها و”الحفاظ على أراضيها” والذهاب باتجاه تعزيز هذا الأراضي عبر احتلال مساحات كبيرة من أراضي دول الجوار.

وبناء عليه، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تم العمل على نقل أكبر عدد ممكن من اليهود من بلاد الشتات إلى “إسرائيل”، وقيام لجان مختصة بجهود حثيثة لدمجهم داخل أطر المجتمع الإسرائيلي، من دون النظر إلى الاختلافات العميقة بينهم وبين المستوطنين الأوائل على مستوى الثقافة واللغة واللون والطائفة والعادات الاجتماعية، إضافةً إلى اعتماد المؤسسات التعليمية في الكيان الصهيوني على التعليم المدني الذي سعى لتجاوز تأثيرات التنوّع الشديد بين مستوطني “الدولة” والمهاجرين إليها من شتى بقاع الأرض.

قوات الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي
تماشياً مع نظرية “أمة تحت السلاح” المُشار إليها أعلاه، على جميع الرجال والنساء في “إسرائيل” التجنّد في صفوف “الجيش” وأداء الخدمة العسكرية النظامية، باستثناء بعض الأقليّات، كالعرب واليهود المتدينين.

وبعد انتهاء هذه الخدمة، ينتقل الجنود ليصبحوا ضمن قوات الاحتياط التي يتم استدعاؤها عند الحاجة، ويمكن لنا أن نلحظ أن “الجيش” في “إسرائيل” يتكوّن من 3 أطر تنظيمية رئيسية تحافظ على استقراره وتساهم في أدائه مهامه بالطريقة المثالية.

أولى هذه الأطر التي يقع على عاتقها التصدي لجملة من التهديدات التي تواجهها “الدولة” في ما يُعرف بـ”المستوى الطبيعي” للمخاطر الذي لا تخوض فيه الدولة حرباً عسكرية أو مرحلة الحرب المنخفضة المستوى، هو الجيش النظامي الذي يخدم فيه نحو 180 ألف جندي يعملون في كل التخصصات، ويستمرون في الخدمة لمدة 3 سنوات متواصلة للذكور، ومدة سنتين للإناث.

أما ثاني هذه الأطر، فهو قوات الاحتياط التي يبلغ قوامها، بحسب آخر إحصائية، نحو 560 ألف جندي من كلا الجنسين -تمثّل النساء نسبة 18% من قوات الاحتياط- الذين يخدمون في وحدات قتالية وخدمية ولوجستية حتى سن 51 عاماً، عندما يتم استدعاؤهم لذلك.

وبحسب بعض الدراسات، فإن أكثر من 65% من الوحدات القتالية التي تنفذ المهام العملياتية لـ”الجيش” تكون من وحدات الاحتياط التي يتم استدعاؤها للخدمة، بحسب القانون الإسرائيلي، مرة واحدة في السنة، لمدة 26 يوماً للجنود، و24 للضباط، ما عدا أوقات الطوارئ التي تُستدعى فيها القوات بشكل فوري بحسب الحاجة، ومن دون النظر إلى الفترة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها الحالة الطارئة.

يُشار إلى أن الوحدات القتالية الاحتياطية تركز جهودها في كل الأوقات على المحافظة على قدرات الجنود ومهاراتهم القتالية في أوقات ابتعادهم عن الخدمة، حتى يكونوا لائقين جسدياً ومعنوياً للمشاركة في أي نشاط قتالي قد يُدعون إليه في لحظة معينة، علماً أن معظم جنود الاحتياط الذين يتجاوزون 35 عاماً يتم تحويلهم من الوحدات التي ترابط في خطوط الجبهات إلى وحدات الدعم اللوجستي، ما عدا أولئك الذين يتمتّعون بقدرات خاصة ويملكون خبرات واسعة قد تكون مفيدة في التعامل مع الأزمات والمخاطر التي تواجهها القوات في ميادين القتال.

الإطار الثالث الذي يتكوّن منه “جيش” الاحتلال الإسرائيلي هو القوات المحترفة أو الخاصة، التي تُعنى بتنفيذ المهام الحسّاسة والمعقّدة، سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها.

بنية قوات الاحتياط في “الجيش” الصهيوني
تكاد بنية قوات الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي تكون مختلفة عن مثيلاتها في معظم دول العالم، إذ إنَّ هذه البنية تتشكّل من الغالبية العظمى من مستوطني “إسرائيل” الذين يُستخدمون في أوقات كثيرة لتنفيذ مهام عسكرية على أساس نظامي، ويُعتبرون في أوقات الحرب الكتلة الرئيسية التي تقوم بالجهد الأساسي للعمليات القتالية، ويتفوّقون في نسبة المشاركة في الجهد القتالي على نظرائهم من الجنود الذين يخضعون للخدمة النظامية الإلزامية.

ويمكن أن نتعرّف إلى الاختلاف المشار إليه آنفاً بين قوات الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي وقوات الاحتياط الأخرى في دول كبيرة على مستوى العالم من خلال إجراء مقارنة سريعة لنعرف حجم الفرق بين البنيتين.

وقد توصلنا إلى نتيجة مفادها أن كل شيء في “إسرائيل” يختلف عن مثيله في باقي العالم، بسبب الأوضاع غير الطبيعية التي تعيشها هذه “الدولة” الهجينة التي تعاني عدم استقرار على الكثير من المستويات، رغم قوتها العسكرية والاقتصادية الكبيرة، وهذا ما يجعلها في حالة تأهّب واستنفار في كل الأوقات.

ولو نظرنا مثلاً إلى قوات الاحتياط في الولايات المتحدة الأميركية، التي تُعتبر أكبر قوة عسكرية في العالم، لوجدنا أن مساهمة قوات الاحتياط في دعم العمليات القتالية الرئيسية لا تتجاوز نسبة 33%، فيما يساهم الحرس الوطني بنسبة 24%، وتتحمّل القوات النظامية النسبة الباقية التي تصل إلى نحو 43%.

أما في كندا، فتعدّ خدمة جنود الاحتياط تطوّعية لمن أراد ذلك، ولا يسمح القانون بإجبار الجنود على أداء أي عمل قتالي أو لوجستي، حتى في أوقات الطوارئ، ولا توجد كذلك أوقات معينة يمكن أن يُستدعى فيها جنود الاحتياط للقيام بتدريبات معينة، ولو على سبيل استعادة لياقتهم البدنية أو مراجعة بعض المعلومات الخاصة بمهامهم العسكرية التي كانت منوطة بهم في أوقات خدمتهم الإلزامية.

هذا الأمر يختلف تماماً عندما يتعلّق بقوات الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي، التي تتحمل أكبر عبء من مجموع المهام القتالية، كما أشرنا سابقاً، سواء في أوقات الطوارئ أو أثناء خدمتها السنوية ضمن الوحدات النظامية، وهي، كما يصفها غادي آيزنكوت رئيس أركان “الجيش” الإسرائيلي السابق، بيضة القبّان التي تحافظ على استقرار القوات المسلحة في الكيان الصهيوني، و”جيش” الاحتلال لا يمكنه أداء مهامه من دون الاستعانة بخدماتها.

انقلاب الصورة
لا بد من الإقرار بأن الدور العسكري في حياة المستوطنين الإسرائيليين الذين يتميزون من خلاله عن معظم سكان العالم خلق شريحة كبيرة وواسعة من الجنود المتمرّسين والخبراء، وهو ما سمح بتكوين مجموعة مهمة من الوحدات القتالية المتميزة وذات الكفاءة العالية، لا سيما تلك التي يشكّل جنود الاحتياط قوامها الأساسي، والتي تمثّل الغالبية العظمى من القوة العسكرية التابعة لهيئة أركان “الجيش” الإسرائيلي، كما أشرنا سابقاً.

ولكنَّ هذا الدور بدأ يخبو خلال السنوات الأخيرة، وهو ما ألقى بظلال قاتمة على كفاءة القوات الإسرائيلية وقدرتها، وأدى في كثير من الأحيان إلى إخفاقات أثرت بشكل مباشر في سمعة هذه القوات، ودقّت ناقوس الخطر لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية التي تنظر بخطورة بالغة إلى هذا التراجع الخطر.

في الجزء المقبل، سنناقش أسباب هذا التراجع على صعيد استقرار أهمّ كتلة في “الجيش” الإسرائيلي، وهي “قوات الاحتياط”، والجهود التي تحاول القيام بها الجهات المختصة لتجاوز هذا الفشل والإخفاق، مع نظرة مستقبلية تتعلّق بالتأثيرات المحتملة للانقسام الحاد الذي يضرب المجتمع الإسرائيلي في هذه القوات.

أقرأ أيضًا: إسرائيل وخيار الذهاب نحو السور الواقي 2.. بقلم أحمد عبد الرحمن