موسم شهر رمضان تحت نير القيد

مقال- ثائر حلاحلة

يأتي شهر رمضان المبارك كل عام على المسلمين في كل المعمورة، ويستعدون لاستقبال ضيفهم العزيز المعشوق بكل دقائقه وثوانيه وأيامه وساعاته وليله ونهاره، فيما يكون له معنى اَخر في عالم القيد والأسر ونكهة خاصة ذات طقوس وأجواء مميزة رغم كل الظروف والمعيقات التي تفرضها إدارة السجون خاصة بعد تسلم الإرهابي بن غفير ما يسمى الأمن القومي.

ورغم ذلك إلا أن الأسرى يحيون أيام رمضان كخلية نحل متحركة من خلال عمل البرامج الدينية الروحانية والتعبدية المتمثلة بأداء الصلوات المفروضة جماعة في داخل الغرف أو في ساحة الفورة أو في داخل الزنازين وكذلك صلاة التراويح حيث يتقدم للصلاة أصحاب الأصوات الجميلة والندية والحافظين من القران الكريم، إضافة إلى قيام الليل والتنافس في قراءة القراَن الكريم والإكثار من الاستغفار والتسابيح والدعاء والذكر.

إن هذه اللحظات الرمضانية رغم القيد والبعد عن الأهل والشوق للأحبة والأعزاء هي من أجمل اللحظات في الأسر فعندما يحين موعد أذان الإفطار واجتماع الأسرى في الفورة أو في الغرف أو في الزنازين، حيث نبقى حتى نتمكن من أداء صلاة المغرب في ساحة الفورة، كنوع من التحدي وإثبات الذات أمام إدارة السجون، حيث تذكرنا هذه اللحظات في الإفطار الجماعي والصلوات في المساجد وزيارة الأرحام والأقارب والأصدقاء واجتماع الأهل. ولا يخلو في بعض الأحيان من افتعال مشاكل من إدارة السجن بضرب صافرات الانذار “الأزعقاة” لتعكير الأجواء.

وعلى الصعيد الثقافي يتم تنظيم وعمل المسابقات اليومية التي تشتمل على موعظة دينية قصيرة يتخللها شرح لأحاديث نبوية شريفة عن رسول الله “صلى الله عليه وسلم” تحث فيه على الأخوة والألفة والتعاون والأخلاق وتهذيب السلوك وزرع معاني التصالح والتسامح والخير في نفوس المؤمن ويرافق هذه الموعظة الواضحة والمركزة التي تقرأ بعد الركعات الأربعة الأولى من صلاة التراويح يتبعها السؤال الرمضاني التفاعلي الثقافي المتنوع من الزوايا الإسلامية والوطنية والجهادية، وعن حياة الشهداء وعوائلهم وشخصياتهم ويتم وضع الأسئلة في كل قسم وسجن عبر الزنازين أو في الفورة، ويتم توزيع الجوائز المتواضعة للفائز أو للغرفة، والجائزة تكون من المتوفر عندنا مثل قطعة حلوى، أو عصير، أو ما نشتريه من الكانتين، وهذه الجوائز تدخل للأسرى الفرحة والابتسامة، وتثير التفاعل في البحث عن الإجابة.

وتكون الأجواء في ساعات النهار الأولى في هدوء تام، والعديد من الأسرى يتخذ زوايا في القسم ليصلي النوافل والضحى وقراءة القراَن الكريم والأذكار، وبعد صلاة العصر تعود الحياة للأقسام والسجون من خلال التفاعل وتتحول لخلية نحل، فهذا يلعب ضمن دوري تنس، وهناك من يجهز مائدة الإفطار، كما يبدع الأسرى في صناعة الكنافة من بقايا قطع الخبز.

شهر رمضان مميز ورائع رغم قهرهم لنا وسرقة أعمارنا والمعاناة والام الفراق، ويظهر ذلك خلال تبادل صحون الأطعمة والحلويات فيما بينهم او بين الغرف فيكونون كالجسد الواحد، كما تظهر حالة التضامن مع الأخوة الذين فقدوا أحبابهم وأعزاءهم.

وتتواصل التفتيشات والتضييقات حتى في شهر رمضان وهتك حرمته من إدارة السجون وعدم احترام خصوصية الأسرى، وكلنا أمل أن يأتي رمضان القادم، ونحن أحرار لنصلي ونصوم معاً بين الأهل والأحبة ونصلي في المسجد الأقصى محرراً من دنس الغرباء المستعمرين، وتفتح وتبيض كل السجون والمعتقلات ليعود الأبطال لأحبابهم.

إن في السجون أخوة أسرى مر عليهم أكثر من أربعين رمضاناً وأعياداً، وشهر رمضان في الغرف مختلف عنه في الأقسام، ومختلف جداً عمن يصوم وهو على كرسي التحقيق وفي العزل الانفرادي وفي الزنازين، ويكون صعباً حين لا يعلم الأسير كم الساعة ولا يعرف مواعيد الإفطار والإذان، فهو في عالم لا يسمع فيه إلا أصوات أقفال الزنازين، حيث يدخلها معصوب العينين ويخرج منها مقيد اليدين والقدمين، وهنا نتذكر الشيخ خضر عدنان المضرب لحوالي 60 يوماً رفضاً لاعتقاله وهو صائم لا يفطر.