دولة الاحتلال ورواية التهديدات المستمرة

أقلام – مصدر الإخبارية

دولة الاحتلال ورواية التهديدات المستمرة، بقلم الكاتبة الفلسطينية تمارا حداد، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:

بُنيت دولة الاحتلال الإسرائيلي على أنها حالة استثنائية وأن شعبها تم حرقه وقتله واستغلت هذه الرواية حتى اللحظة الحالية من أجل استعطاف المجتمع الدولي والأوروبي لتقديم الدعم المالي والعسكري والاستخباراتي المستمر الذي لم ولن يتوقف طالما أن دولة الاحتلال قامت على رواية الخوف والتهديدات المستمرة لأمنها القومي.

إن الاحتلال الصهيوني بُني على مشروع الهيمنة والسيطرة وهذا المشروع قائم على استغلال رواية البُعبع والخوف وان الجميع يُهدد أمنه القومي وبالتحديد ان دولة الاحتلال مُحاطة بشعوب عربية مسلمة لم تتقبل يوماً الوجود الصهيوني حتى اللحظة وهذا ما تستغله إسرائيل إيجابياً لروايتها نحو العالم الخارجي بأنها مُهددة أمنياً، لذلك نرى أن أغلب التصريحات المشار إليها من قبل قيادات الجيش العسكري الصهيوني تؤكد على خطاب التهديد المستمر من قبل الغير واستخدام لغة الامن لتعزيز روايتها أمام العالم الغربي بأن الجميع ضدها لإبقائها كرأس الحربة للعالم الغربي في منطقة الشرق الأوسط من أجل خلق الحروب والقَلاقل.

لذا فإن الاحتلال أكثر ما يُهدد أمنه فعلياً ليس كما يُشاع من قبله بانه محاط بتهديدات مستمرة من المحيط الخارجي هذا غير صحيح، الذي يُهدد وجود كيان الاحتلال هو “عملية السلام” لأن الاحتلال يعلم تماماً أن السلام مع الدول العربية يعمل على تذويبه وهضمه واحتوائه امام الاعداد الكبيرة من المسلمين والعرب، وان الاحتلال يعلم تماماً ان منطلق السلام يبدأ من القضية الفلسطينية لذلك دائماً يرفض عملية السلام مع الجانب الفلسطيني حتى لا يتم تذويبه من خلال انهاء حالة الصراع الفلسطيني_ الإسرائيلي الذي يعتبرها التهديد الأمني له، وما يريده الاحتلال استمرار التهديد السلمي غير المُؤذي لأمنه القومي حتى يُشعر الغرب بخوفه الدائم ولإبقاء الدعم المالي والعسكري مستمراً له من قبل الجانب الأمريكي والدولي بحجة روايته المستمرة بأنه شعب مظلوم.

إن استمرار الاحتلال في جرائمه يأتي بشكل مُتعمد حتى تبقى حالة التصعيد مستمرة لكن التهديد الفعلي لأمنه هي “المقاومة الصادقة” و”العمليات الفردية” لذلك يسعى الى معرفة بؤر المقاومة وانهائها بشكل تام والتي تهدد أمنه فعلياً وليس إعلامياً لذا يعمل على اجتثاثها والتي هدفها انهاء الاحتلال، أما المقاومة السلمية يحتاجها الاحتلال لتنفيذ مشروع روايته انه تحت التهديد المستمر غير المؤذي وانه شعب مسكين تم حرقه وما زال مظلوم.

التفكير الصهيوني مختلف تماماً عما يُفكر به الفلسطينيين هو تفكيرٌ إحلاليْ بُني على فكرة الحروب والفتن لا يتقبل وجود هوية أخرى على ارضه وهي الهوية الفلسطينية وخوفه من الديمغرافية الفلسطينية التي تعمل على تذويب المحتل، لذا يسعى الاحتلال نحو التملُص دوماً من خيارات السلام بعكس الجانب الفلسطيني السياسي الذي ما زال يُراهن على فكرة السلام وهي ذاتها التي يرفضها الاحتلال لأنها ستهضمه ويهضم مشروعه الاحلالي الفتنوي.

وان قام الاحتلال الصهيوني بعمليات ضمن مسار التطبيع هو يقوم بها ضمن شروطه وليس شروط الدول المُطبعة لأن التطبيع اذا كان لتذويب دولة الاحتلال واحتوائه يأتي بشكل سلبي على الاحتلال لذا يرفضه، وإن كان التطبيع ضمن شروط الاحتلال وإبقاء الهيمنة فان ذلك ينعكس سلبياً على الدول المُطبعة، لذلك الاحتلال يسعى الى تطبيع ضمن مصالحه حتى يبقى حاكم المنطقة في الشرق الأوسط.

لذا نلحظ ان الاحتلال خلال الآونة الأخيرة يشير في بياناته الإعلامية أن التهديد الأساسي له هو وصول إيران إلى العتبة النووية ولم يبقَّ إلا أسابيع لتعلن عن انهاء برنامجها النووي وهذا الامر يستغله الاحتلال لصالحه ضمن روايته المستمرة بانه دولة مهددة امنياً، لذا يقوم الاحتلال خلال الآونة الأخيرة بتجنيد دولاً ضد ايران لشن حرب عليها بشكل مباشر أما على ارض سوريا أو على ارض ايران من خلال ضربها الصواريخ أرض أرض من شمال العراق وشرق نهر الفرات لذلك قام وزير الدفاع الأمريكي اوستن بزيارة شمال العراق وشمال سوريا لتفقد قواعده الامريكية تجهُزاً لحرب مستقبلية.

وهذا فعلياً يستغله الاحتلال إعلامياً لترويج سياسة انه مُهدد أمنياً لإبقاء الدعم وإبقاء مهامه الوظيفية في منطقة الشرق الأوسط لان الاحتلال يعلم تماماً ان وقف الدعم له يعني انهاء وظيفته وتحرر الأرض الفلسطينية، لكن بقاء رواية الخوف والبعبع والإبقاء على سياسة الحروب والصراعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط دون سلام او تطبيع يسعى إلى تذويبه واحتوائه، لذا استمرار حالة الصراع الداخلي الإسرائيلي بسبب التغيرات في الإصلاح القضائي والذي سيتم الاستمرار في عملية الإصلاح بشكل متعمد لإبقاء حالة الفوضى والتهديد وتصدير ذلك الى الخارج أما حرب على قطاع غزة أو ايران، وباعتقادي ان نتنياهو يريد تحقيق هدف اكبر لتوحيد الشعب الإسرائيلي لذا سيتوجه لحرب من المحتمل ان تكون على ايران لأن ذلك سيطيل الصراع والفوضى والاستنزاف في المنطقة لسنوات طويلة، وهذا يُبقي الوجود الصهيوني في المنطقة بشكل أطول في المنطقة بعكس تفكير البعض بان التهديد سيخرجه بل العكس ان التهديد هو الأساس القائم لقيام دولة الاحتلال ضمن الهيمنة والسيطرة وليس ضمن عمليات السلام لأنه القاتل الأكبر للاحتلال والتهديد الأكبر له هو السلام الحقيقي والتطبيع المعاكس لمراده.