القائد الألمعي … عماد العلمي

القائد الألمعي ... عماد العلمي

بقلم/ د. محمد فايق عزيز

ما إن تقع عليه عيناك حتى يدخل قلبك بلا استئذان وتسري في روحك نفحة نورانية شفيفة، تدفء ما أصاب النفس والقلب من جزع في هذه الحياة، وما أن يرتد إليك طرفك حتى تصحو على وقع الكلمات التي تنحدر من فيه الشريف كحبات اللؤلؤ ممزوجة بأنفاسه الطاهرة كمسك يتضوع مشعشعاً بشغاف القلب، لا يحتاج لكثير حديث أو مهارات في الاقناع، فيكفي أن يتحدث حتى يقع في نفسك ما في نفسه من إخلاص وتجرد ونكران للذات، فهو الأخ والأب والصديق الصدوق يتكيف مع مستوى من يخاطبه أياً كان مستواه حتى لا يشعره بالنقص والعجز، هنا لا أتحدث عن مآثره رضي الله عنه، فهي أكبر وأكثر مما تحصى، ولكن حسبي أن أقتطف من بستانه زهراتٍ جميلة من سيرته العطرة، ولعل أكثر ما تميز به شيخنا رحمه الله أن لسانه كان ذاكراً على الدوام فتكاد المسبحة لا تفارق أصابعه لحظة واحدة، أعلى ذكر الله في نفسه؛ فأعلى الله ذكره بين عباده، زهرة أخرى نقتطفها من بستانك سيدي ما حباك الله به من قبول بين الناس وسيرة عطرة فما رآك أحد إلا أحبك، الخصوم قبل الأصدقاء، كيف لا وأنت صاحب مبدأ الستر على الآخرين وعدم التشهير بمن يخطئ والمواقف في ذلك كثيرة، فكلنا ابن آدم ومن منا لا يخطئ…

ومضة أخرى من سيرة شيخنا، أنه كان شديد البر بأمه رحمها الله على كبر سنها، ولعل هذا السر لا يعلمه الكثير من الناس، أن وجود والدته كان سبباً رئيساً في عودته إلى غزة براً بها، وطلباً لرضاها، كيف لا وهي الملكة هكذا كان يخاطبها رحمه الله، لقد كان شيخنا كذلك مدرسة في منهج التحقيق والتدقيق والمتابعة، فكان صاحب مبدأ حق اليقين وليس علم وعين اليقين، كان يصر أن يتأكد ويتابع كل أمرٍ صغيرٍ أو كبير بنفسه، حتى يكون قراره مبنياً على هدىً وعلم، وهذا سلوك القائد الرباني، وإن رزقه الله بطانة صالحةً ناصحة، أما عن بذله وعطائه وصدقاته؛ فلا حدود لها، فقد كان كالغيث الهطال ومن حرِّ ماله صدقةً وتفريجاً لكربات المكروبين، ما سبق غيض من فيض فمهما خطت أقلامنا ونزفت محابرنا؛ لن نفيك سيدي جزءاً من حقك علينا، فأمام روحك الطاهرة تتقزم الكلمات وتنحني الهامات، ستظل سيدي حاضراً في أرواحنا ونفوسنا مهما تطاولت السنين، رحمك الله وجزاك عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..