السنة الأكثر هدوءًا في غزة الأكثر عصفًا في الضفة

أقلام- مصدر الإخبارية

ترجمة عبد الكريم أبو ربيع

قبل حوالي شهر، احتفلت حماس في مهرجان مثير للانطباع بالذكرى الـ 35 على تأسيسها.

ينظر التنظيم إلى الوراء بكثير من الفخر والتفاؤل: خلال ثلاثة عقود ونصف العقد، تحولت مجموعة الجمعيات الخيرية والخلايا العاملة في أزقة مخيمات اللاجئين المسلحة بالسكاكين والبلطات، لتصبح صاحبة السيادة في غزة وتحكم بما يشبه الجيش، وتحظى باعتراف متزايد على الساحات العربية والدولية، وتشرئب عيناها إلى سلب المنظومة الفلسطينية من يد السلطة الفلسطينية.
حماس تمثل تحديًا خادعًا أمام إسرائيل: من جهة، هناك هدوء في غزة، نابع من بين كثير من الأمور، من تقدم الخطوات المدنية غير المسبوقة تجاه قطاع غزة؛ لكن من الجهة الأخرى فإن الضفة الغربية تغلي بطريقة لم تشهدها قبل أكثر من 20 عاما.

ثمة علاقة بين الوضعين.

حماس التي تحرص على الحفاظ على الهدوء في غزة، تلعب دورًا مهمًا في إشعال الضفة؛ حيث تؤسس بنى تحتية “إرهابية” تقوم بتنفيذ العمليات، وتدعم المنظمات “الإرهابية” المستقلة مثل “عرين الأسود”، وتقوم بالتحريض الجامح وتشجع عرب الداخل (فلسطينيي 48) على السعي إلى تخريب الدولة. بكلمات أخرى؛ حماس تُملي على إسرائيل التفرقة، المبدأ نفسه، الذي اتبعته الأخيرة وطبقته تجاه الفلسطينيين منذ صعود التنظيم إلى سدة الحكم في غزة.

الهدوء في غزة ليس نتاج اتفاق سياسي أو انتصار عسكري كاسح، إنه بمثابة معضلة استراتيجية في القضية الفلسطينية، ونتاج فوضى سياسية تجعل من الصعب بلورة سياسة منتظمة على المدى البعيد.

الهدوء الحالي بمثابة هدوء افتراضي بالنظر إلى طبيعة البدائل الأخرى السيئة، ومن بينها التصعيد المستمر، الذي ينغص حياة سكان الجنوب أو احتلال غزة، السيناريو المتطرف، الذي سيكلف إسرائيل ثمنًا استراتيجيًا باهظًا.

إسرائيل بحاجة إلى أن تنظر في شكل واقعي إلى الواقع في غزة؛ الهدوء تستغله حماس بهدف تقوية ذاتها قبيل مواجهة مستقبلية وتعزيز حكمها، مع إلغاء إمكان أن تعود السلطة إلى غزة.

سلوك حماس يقوم على أساس المبدأ الإسلامي “الصبر”، والاستعداد لعقد “هدنة” مع العدو بهدف تحصيل القوة، وضربه في شكل مفاجئ في المستقبل، مع خرق الاتفاقات الموقعة سابقاً.

التحسن الاقتصادي يُمكن أن يسهم في الاستقرار الموقت، لكن ليس بمقدوره أن يُخضع أيديولوجيات، أو يوجد ثمن خسارة وضغط شعبي يمنع المواجهات في المستقبل، عندما يتقرر أن الوقت قد حان للنهوض.

عدا عن الحفاظ على الهدوء، الذي تستمد منه حماس كثيراً من المزايا، التنظيم ليس بحاجة إلى تنازلات كبيرة، فهو يواصل تعزيز قوته العسكرية، وتوجيه “الإرهاب” من داخل غزة نفسها (هناك مجهود تشارك فيه تنظيمات الأخرى مثل الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية)، يمتنع في بعض الأوقات عن فرض قيود على الفصائل الأخرى (الأمر الذي أرغم إسرائيل على التحرك ضد الجهاد الإسلامي في عملية بزوغ الفجر)، ويواصل إظهار موقف صلب في قضية الأسرى والمفقودين، التي عرضت مع انتهاء عملية “حارس الأسوار” على أنها شرط للتقدم بخطوات مدنية تجاه غزة.

الحكومة (الإسرائيلية) الجديدة تقبل بالهدوء في غزة على أنه إرث، على رغم عيوبه الكثيرة؛ نوصي بالحفاظ عليه، فلا يجب أن نخوض من جديد جولات مواجهة، وبالطبع ليس عندما تقف إسرائيل أمام تحديات كبيرة أخرى من الداخل والخارج.

مع ذلك، من الضروري تغيير قواعد المعادلة، التي تمليها حماس، يجب أن نوضح في شكل خاص أن توجيه “الإرهاب” من داخل غزة من خلال الاستغلال القبيح لخروج العمال إلى إسرائيل للقيام بالعمليات والتجسس. سيتسبب في تقليص العطايا المدنية تجاه غزة.

فيما بعد، نوصي أن نطرح بإصرار أكثر من الماضي بكثير مطلب الثمن في موضوع الأسرى والمفقودين مقابل العطايا المدنية.

الإصرار والصلابة نفسها، التي تبديها الحكومة الجديدة تجاه السلطة، من الجدير أن تنتهجها أيضًا، بل وفي شكل أكبر، تجاه حماس.

الحكومة الجديدة تحتاج، بالتالي، إلى بلورة استراتيجية منهجية في الموضوع الفلسطيني، تدرس عميقاً، في سياقها، العلاقة بين الضفة الغربية وغزة، والانعكاسات بعيدة المدى للهدوء الحالي.

من أجل ذلك، نوصي بتقليل التعامل بخطوات ذات بعد رمزي، وعلى رأسها استعراضات القوة في المسجد الأقصى وعمليات إنزال علم منظمة التحرير (رغم أن هناك من يرى فيها مواضيع أساسية ذات أهمية كبيرة)، وتعميق معالجة قضايا جوهرية، تؤثر في تصميم المستقبل، وفي صميمها الخلط المتزايد بين الضفة وإسرائيل، الذي من شأنه أن يقودنا إلى واقع الدولة الواحدة، من دون إرادة منا أو تخطيط.

د. ميخائيل غولديشتاين

القناة 12 العبرية

نقلًا عن أطلس للدراسات

اقرأ/ي أيضًا: للسلطة الفلسطينية سلام