هل الدولة الواحدة هي أمر واقعي؟.. بقلم: الكسندر يعقوبسون

مقال نشر في صحيفة "هآرتس" العبرية

أقلام – مصدر الإخبارية 

حل الدولتين مات وتم دفنه. تأييده تحول الى شعار وضريبة كلامية من اجل تهدئة الضمير. يجب الاعتراف بالواقع وتبني حل الدولة الواحدة – هذا الادعاء يسمع مؤخرا بين حين وآخر، وقد تحول بحد ذاته الى شعار، بطاقة عضوية في النادي الصحيح. ولكن الى جانب تبادل الاتهامات والشعارات بين النوادي السياسية، والى جانب النقاشات الايديولوجية المعروفة، هل حقا حل الدولة الواحدة واقعي اكثر من حل الدولتين؟ هذان الحلان غير واقعيين الآن. ولكن ماذا بشأن المدى البعيد؟

توجد عين ثاقبة لمن يؤيدون الدولة الواحدة، التي ترى جميع الفيلة التي توجد في غرفة الخصوم، لكنهم لا يرون على الاطلاق قطعان الماموت التي تملأ غرفتهم. حسب رأيي، الماموت الاكبر هو مجرد الافتراض بأن “الدولة الواحدة” يتوقع أن تكون ثنائية القومية، أو ما بعد القومية، أو كل هذا الخيال، وليس ما يقوله العقل السليم عما ستكونه: دولة مع اكثرية عربية – مسلمة (التي ستنتج بالضرورة في اعقاب تطبيق حق العودة) في وسط العالم العربي الاسلامي الذي فيه الدولة القومية العربية هي النظام الشرعي الوحيد، أي دولة عربية – اسلامية. يمكن بالطبع محاولة اقامة “دولة واحدة” بصيغة نظام أبرتهايد اسرائيلي مكشوف، دون حق الانتخاب للعرب. هناك من يحلمون بذلك (في احلام اليقظة حسب رأيي)، لكني لا اتجادل معهم في الوقت الحالي. الاعتقاد بأن دولة واحدة بين البحر والنهر يمكن أن تكون ثنائية القومية طوال الوقت هو اعتقاد يعطي سمعة سيئة للعمى الايديولوجي. ولكن سيكون هناك من يدعون بأن هذه الاقوال هي نفسها ايديولوجيا. اذا ما هي الاحتمالية الفعلية لدولة واحدة، دون صلة بمسألة طبيعتها المتوقعة؟

لقد تم الادعاء بأنه لا توجد احتمالية لدولة فلسطينية بجانب اسرائيل، لأنه لا يمكن اقناع الجمهور الاسرائيلي بالتنازل بإرادته عن الاحتلال وأن يمنح الاستقلال للشعب الفلسطيني. هل من الاسهل اقناع هذا الجمهور التنازل عن اسرائيل واستقلال الشعب اليهودي؟ في الحقيقة هذا الجمهور يرى موضوع “الدولة الواحدة” مثل التنازل عن اسرائيل. وحسب رأيي هو محق. ولكن حتى إذا افترضنا أن هناك شخص ما يخالف ذلك فهل هذا الشخص يعتقد أن لديه احتمالية لأن يقنع بذلك الجمهور الذي يعارض الآن الدولة الفلسطينية.

بخصوص الضغط الدولي، هل من المعقول أن المجتمع الدولي، الذي لا يضغط الآن على اسرائيل من اجل تطبيق اتفاق حل الدولتين الذي يدعمه بشكل كاسح، سيضغط عليها في الغد من اجل تطبيق اتفاق، الذي هو (باستثناء إيران) لا يؤيده أبدا؟ معروف أن الشعب يمكنه النضال على الاستقلال حتى بدون دعم دولي. فهل الشعب الفلسطيني ناضل في أي يوم فقط من اجل استقلاله، وليس ضد استقلال الشعب اليهودي – حول هذه المسألة يمكن التحاور. على أي حال، طالما أنه ليس بإمكانه أن يفرض على اسرائيل انهاء احتلال 1967 فما هي احتمالية أن يفرض عليها الكيان الاسرائيلي؟

رجال السلطة الفلسطينية يهددون بين حين وآخر اسرائيل بتبني خيار الدولة الواحدة. في الظروف الحالية هذا تكتيك مفهوم وحتى أنه شرعي، لكن من اجل تطبيق هذا التهديد فانه يجب حل السلطة، ورجالها يجب عليهم ادارة نضال من اجل حقوق المواطن في “الدولة الواحدة”؛ طالما أن السلطة قائمة فهي تعتبر بالنسبة لكل العالم دولة في الطريق. كم هو واقعي التوقع بأن نظام عربي سيتفكك من اجل أن يحول الرؤساء فيه والموظفين ورجال الشرطة فيه الى نشطاء لحقوق المواطن؟ للإنصاف يجب القول بأنه مشكوك فيه اذا كان مثل هذا الامر قد حدث في أي يوم في أي مكان. ايضا تفكك السلطة يمكن أن يحول رجالها ليس الى رعايا للاحتلال الاسرائيلي، بل رعايا لحماس.

المبرر الجدي ضد امكانية حل الدولتين هو ازدياد المستوطنات والمستوطنين، لكن يوجد حل لهذا العائق: اقلية يهودية في الدولة الفلسطينية وخاضعة لسيادتها. الآن هذا يظهر خيالي، لكن لأن مجرد السلام بين اسرائيل والفلسطينيين لا يبدو الآن واقعي. ولكن ما هو المبرر الموجود لدى مؤيدي الدولة الواحدة ضد هذا الحل؟ إذا لم يكونوا يؤمنوا بالإمكانية المبدئية لسلام حقيقي بين الشعبين، وبقدرة اليهود على العيش في ظل ظروف سلام، تحت حكم عربي، فكيف يستطيعون أن يقترحوا دولة واحدة؟

حل “الدولة الواحدة” هو ابعد احتمالية للتطبيق في المستقبل المنظور من حل الدولتين. هو يشكل، بصورة أكثر من الحل الآخر، شعار فارغ من المضمون وذريعة لعدم العمل. معظم اتباع هذه الفكرة هم ببساطة لا يؤمنون بأنه للشعبين في البلاد، وليس فقط للشعب الفلسطيني، يوجد حق في الاستقلال القومي. ولكن من يتنازل عن حل الدولتين لصالح الدولة الواحدة على أمل أن يجد طريقة فعلية للتخلص من الاحتلال في المستقبل المنظور فانه يعقد صفقة سيئة بشكل خاص.

اقرأ/ي أيضاً: السوق العربية المشتركة بين الواقع وآفاق المستقبل