عملية التفكك الخفية التي تجري في هذه الأيام

أقلام- مصدر الإخبارية

جاكي حوجي – معاريف

ترجمة: معاوية موسى

في الشهر الماضي فقط ، أحيت وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرى مرور 20 عاما على عملية السور الواقي، الحملة العسكرية التي خرجت إليها المؤسسة الأمنية بعد شهر دامي ورهيب بشكل خاص ، في ذروة الانتفاضة الثانية هذه الانتفاضة، كانت على العكس من سابقتها الشعبية ، كانت مواجهة بين عدوين عسكريين، فصائل فلسطينية مسلحة قاتلت إسرائيل كجيش عصابات تحت مظلة قائدها ياسر عرفات.

خليفة عرفات فعل العكس منه بدلا من أن يقاتل إسرائيل ، جعلها اقرب إليه . سوية معها قاتل الفصائل المسلحة وجلب الهدوء في كلا الطرفين . بشكل منهجي وعلى مر سنوات طويلة دمرت إسرائيل والسلطة الفلسطينية الذراع العسكري لحماس والجهاد الاسلامي في الضفة.

نتائج ذلك يمكن رؤيتها هذا الاسبوع في جنين ، نابلس والخليل . حين تصدى للجيش الإسرائيلي متظاهرين ومجاميع ولكن ليس منظمات، في نهاية حياته يعلم ابو مازن وهو ابن ال 86 عاما أن رهانه قد فشل . لقد راهن على تقريب إسرائيل منه كثيرا على امل الحصول على تنازلات دراماتيكية منها . لم يضيع حلم ابو مازن في دولة مستقلة فقط إنما تلاشى أيضا النظام القديم.

طبيعة التطورات السياسية ، التي تكون بعيدة عن الأنظار أحيانا، واحدة منها تحدث في هذه الأيام أمام أعيننا ليس لها اسم ، ومن المشكوك أن يكون . تأتي على شكل تحطيم قواعد اللعبة الدولية المعروفة ، حيث يتم تقويض الشرعية الدولية . تشكيل من القوى الكبرى أو القوى المهمة ، هو الذي منح عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية الإطار العملي الذي قامت بداخله.

على سبيل المثال الرباعية، هذه الرباعية الدولية التي أنشأت خصيصا للقناة الفلسطينية من ممثل عن البيت الأبيض ، الكرملين ، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة يصادف هذا العام مرور ثلاثة عقود على بدء أنشطة الرباعية ، التي ولدت في مؤتمر مدريد عام 1991 . أنشأت الرباعية كفكرة من قبل مهندسين سياسيين، الولايات المتحدة ارادوها بسبب تأثيرها الكبير على إسرائيل ومكانتها كقوة عظمى . الروس بفضل قربهم من الفلسطينيين والدول العربية.

الاتحاد الأوروبي جرى ضمه لغايات التمويل ، والأمم المتحدة لإضفاء الشرعية القانونية الدولية على كل اتفاق أو خطوة يتوصل إليها الإسرائيليون والفلسطينيون . عملوا جميعا كوحدة واحدة هدفت أن تكون عنوانا لكل الأطراف ، نوعا من المرساة أو الحمام ، تجري فيه مباحثات السلام على أساس حل الدولتين لشعبين . في ذلك الوقت كانت الآمال تعانق السماء ، وايضا القادة عرفوا كيف يتخذون القرارات بعيدة المدى . في نظرة إلى الوراء يتبين أن تلك الأيام كانت الذروة في عملية السلام . منذ تلك اللحظة فصاعدا بدلا من الاقلاع بدأت في الهبوط ، وفي العقد الماضي كانت تحتضر . حكومة نتنياهو رفضت التفاوض مع السلطة وإضعفتها ماليا وسياسيا.

خليفته نفتالي بينت استبعد القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال . فيما ينشغل الأمريكيون بقضايا استراتيجية كبيرة مثل الصين ، مشاكل المناخ ، والصراع مع روسيا ، وقد تضاءل اهتمامهم بصراعنا كثيرا . كما اثر الغزو الروسي لأوكرانيا سلبا أيضا على القضية الفلسطينية.

موسكو في هذه الأيام محاصرة ومعزولة ولن يطلب احد وساطتها في الصراع مهما كانت أهميته . أوروبا قللت اهتمامها بالفلسطينيين منذ بعض الوقت، شأنها شأن واشنطن يأست من عملية السلام وتفرغت لمشاكلها الداخلية . وماذا عن الضلع الرابع في الرباعية – الأمم المتحدة.

هي الأخرى نفوذها يتراجع ويضعف خاصة في العام الأخير عمل مبعوث الأمم المتحدة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حتى وقت قريب وسيطا رئيسا في جهود وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل أو طلب منه انشاء آلية للتفاهمات بين إسرائيل والفلسطينيين.

يشغل منصب المبعوث الخاص منذ عام ونصف نور فوسلاند . على الرغم من أن الدبلوماسي النرويجي يتمتع بخبرة كبيرة في الصراع وعلى الرغم من الوقت الذي مضى الا انه لم يستطيع انشاء مكانة قوية له بين اللاعبين الاقليميبن . يذكرنا الاهتمام القليل الذي تظهره غزة ورام الله بقصة البيرو دي سوتو . فقد تم تعيين الدبلوماسي البيروفي مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني في ايار من عام 2005 . بعد عامين على وصوله المنطقة تبين له أنه غير ذي صلة وقرر الاستقالة . جاء ذلك بعد فوز حماس في الانتخابات البرلمانية ، وفي خضم سيطرتها على قطاع غزة. قبل مغادرته أراد دي سوتو وداع رئيس السلطة الفلسطينية رسميا . لم يعطي مكتب ابو مازن ردا على طلبه وجففت المبعوث الخاص حتى النهاية.

أدرك دي سوتو أنه غير مرغوب فيه في رام الله ، وعندما شعر بالعجز طلب مساعدة من أرسله . اتصل بالامين العام كوفي أنان وطلب منه أن يقنع رام الله باستقباله لوداع أبو مازن . اتصل أنان فعلا بالرئيس وطلب منه بأدب استقبال البرو دي سوتو للقاء قصير . رد ابو مازن ” بكل سرور ” ” لكن ذكرني من هو ” .

30 عاما كانت الرباعية بمثابة الرجل العاقل المسؤول وحبة المسكن في نفس الوقت، اذا كانت هناك صعوبات في محادثات السلام ، أو جمود ، أو اندلعت حرب كان لدى جميع الأطراف عنوان موثوق . البيت الأبيض ، الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ، سوية أو كل واحد على حدة عملوا على منح الأطراف الشعور بأن شيئا ما يتقدم مع ذلك.

الهدف كان اعطاء الامل للجماهير وخاصة الفلسطينيين ، في أن النافذة لم تغلق . في بعض الأحيان كان ذلك وهما ، لكن الشخص العاقل المسؤول الذي دفع عربة السلام إلى الأمام حتى لو كانت تتحرك بصعوبة ، كان له تأثير مهدئ على الشارع . هذا المبنى ينهار أمام أعيننا وانهياره يخلق تاثير التلاشي . مع اختفاء الأفق السياسي قد تبرز في مكانه ظروفا جديدة، الجماهير ولو مضطرين سيرون بحماس أو قطر على سبيل المثال نموذج يتعلقون به.

منحت اتفاقات ابراهام إسرائيل علاقات علنية مع الدول العربية المهمة . هذا تطور مرغوب ومرحب به لكن فيه شيئا مضللًا أيضًا، أنه يسبب لنا عمى العشاق . في خضم هذه الاحتفالات تم تنحية القضية الفلسطينية جانبا ، ومعها الوسطاء على اختلافهم . في مكانهم عينت إسرائيل ربما من غير قصد دولا عربية في منصب المساعد والمراقب، بعض هذه الدول أدارت ظهرها للفلسطينيين وفقدت الثقة بهم مثل الامارات والسعودية . أخريات قاموا باحتضانهم مثل مصر وقطر . لكلا الدولتين دور حيوي في كبح التوتر ، لكن لكل واحدة منهم مصالحها وسياساتها التي تخضع لتغييرات حادة . في داخلها عميقا تختفي نواة تنظر لإسرائيل باعتبارها عدو ، والفلسطينيين باعتبارهم كيس الملاكمة للأمة العربية . بشكل غير رسمي هذه هي الآلية التي حلت مكان الرباعية والقوى الغربية الكبيرة . يوم الاثنين من هذا الأسبوع اعترف زياد النخالة قائد الجهاد الإسلامي في لقاء متلفز بمحنة الفلسطينيين . وقال ببساطة ” للأسف الشديد ‘” ، ” لقد تخلى العرب عنا ” . النظام القديم ترك الفلسطينيين في مواجهة مصيرهم . لكن الشرعية الدولية سواء بواسطة الأمم المتحدة أو القوى الغربية ليست امتيازات خاصا بهم فقط . إسرائيل أيضا تحتاج في بعض الأحيان جهة موثوقة في أوقات الأزمة . في عصر تكون فيه إيران نووية وحزب الله يقوم بتسليح نفسه ، وحماس يصعب كسرها ، قد تجد اسرائيل نفسها في حاجة لهم أكثر . في ذلك الوقت بالذات قد لا تجد أحدا تتحدث معه.