يصوّت مجلس الأمن الدولي، الليلة، على مشروع قرار أميركي يشكّل تطورًا لافتًا في المسار السياسي الخاص بالقضية الفلسطينية، إذ يتضمن للمرة الأولى صياغات تتحدث صراحة عن إمكانية بلورة طريق نحو تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية، وذلك بعد تنفيذ خطة إصلاح شاملة داخل السلطة الفلسطينية وإحراز تقدم ملموس في عملية إعادة إعمار قطاع غزة. ويقدّم النص الأميركي تصورًا لمرحلة ما بعد الحرب يقوم على مزيج من الترتيبات الأمنية والسياسية والإدارية، في سياق الجهود الهادفة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في إطار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتشير المسودة إلى أن الولايات المتحدة تعتزم إطلاق حوار مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين بهدف التوافق على أفق سياسي جديد يوفر بيئة يمكن فيها للطرفين التعايش بسلام وازدهار، فيما تستند الوثيقة إلى ما تسميه واشنطن "الخطة الشاملة لإنهاء النزاع في غزة"، التي أعلنت عنها في أيلول/ سبتمبر 2025، وتتضمن ترتيبات أمنية واقتصادية وإدارية بمشاركة دول عربية وإسلامية، وفي مقدمتها تركيا. ويتقاطع مشروع القرار مع ما ورد في الخطة الأميركية ذات البنود العشرين التي أعلنت في شرم الشيخ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وتقترح الولايات المتحدة إنشاء "مجلس السلام" باعتباره إدارة انتقالية تتمتع بصفة قانونية دولية واسعة، تتولى تنسيق تمويل إعادة إعمار غزة، والإشراف على تنفيذ مراحل الخطة، ومتابعة المتطلبات الأساسية للحكم المدني في القطاع. وتشمل الرؤية الأميركية تشكيل لجنة فلسطينية من شخصيات تكنوقراطية غير سياسية من أبناء غزة، تتولى إدارة الخدمات المدنية اليومية تحت إشراف الجامعة العربية، على أن تكون هذه اللجنة مسؤولة عن الجهاز الإداري المدني خلال الفترة الانتقالية، بينما يمتلك مجلس السلام صلاحيات اتخاذ إجراءات إضافية تتصل بإدارة شؤون السكان وإعادة تشغيل المرافق الحيوية وتنظيم آليات الإعمار.
وتطلب المسودة من البنك الدولي ومؤسسات مالية أخرى إنشاء صندوق دولي مخصصة أمواله لإعادة إعمار غزة، يعتمد على مساهمات طوعية من الدول المانحة، ويخضع لآليات رقابية دقيقة تضمن توجيه التمويل حصريًا لأغراض مدنية. وتشمل مهام الصندوق إعادة بناء المنازل والبنية التحتية، واستعادة الخدمات الأساسية، وإزالة آثار الدمار العسكري، وتنفيذ برامج اقتصادية وتنموية تتيح إعادة تشغيل المؤسسات المدنية. ويؤكد المشروع على ضرورة الاستئناف الكامل وغير المقيّد للمساعدات الإنسانية إلى غزة، وتسهيل وصول العاملين في المجال الإنساني إلى المناطق المتضررة، مع التأكيد على أن المساعدات لا يجب أن تُستخدم في أي أنشطة ذات طابع عسكري.
وتتضمن الوثيقة تفويضًا بإنشاء قوة دولية مؤقتة تحمل اسم "قوة الاستقرار الدولية" تعمل داخل قطاع غزة بالتنسيق مع مصر وإسرائيل، ووفق أحكام القانون الدولي، وتوكل إليها مهام دعم قوة شرطة فلسطينية موحدة ومدرّبة، وتأمين الحدود، والإشراف على تفكيك البنى العسكرية ونشاطات تهريب السلاح، وحماية المنشآت الحيوية، وتأمين نقاط توزيع المساعدات، ومرافقة عمليات إعادة الإعمار. ووفق النص، يمتد وجود القوة الدولية حتى نهاية عام 2027 على الأقل، مع إمكانية التمديد، فيما يحتفظ الجيش الإسرائيلي بدور أمني مؤقت داخل القطاع "عند الضرورة" لضمان عدم عودة التهديدات، وفق ما ورد في المسودة.
وتشدد المسودة على مجموعة من الترتيبات الأمنية الصارمة التي تشمل تفكيك الأنفاق ومرافق التصنيع العسكري، ومنع تهريب الأسلحة عبر الحدود، والتخلص من المخزونات الحربية، وتعزيز الرقابة على المعابر. وتمثل هذه الإجراءات عناصر أساسية تعتبرها الولايات المتحدة ضرورية لتهيئة المناخ الأمني قبل الانتقال إلى مرحلة الحكم الفلسطيني الكامل.
كما تمنح الوثيقة الدول المشاركة في مجلس السلام والقوة الدولية صلاحيات واسعة، من بينها توقيع ترتيبات انتقالية بالنيابة عن الهيئات المشاركة، وإدارة الاتفاقات التشغيلية، والاستفادة من امتيازات وحصانات قانونية، إضافة إلى حق الوصول إلى الوثائق والمعلومات اللازمة لمباشرة المهام الموكلة إليها. أما على الصعيد السياسي، فتشير المسودة إلى أن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة في السلطة الفلسطينية وتحقيق تقدم في إعادة الإعمار قد يهيئان لأول مرة "مسارًا موثوقًا" نحو تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية، فيما تتعهد الولايات المتحدة بإطلاق حوار سياسي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل التوصل إلى أفق يسمح بالتعايش السلمي والازدهار المشترك.
وتُلزم المسودة مجلس السلام والقوة الدولية بتقديم تقارير دورية نصف سنوية إلى مجلس الأمن حول سير تنفيذ الخطة، فيما يؤكد المجلس أنه سيواصل متابعة الملف إلى حين انتهاء المرحلة الانتقالية بكل تفاصيلها وترتيباتها.