كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" (The Lancet) أن مضادات الاكتئاب لا تؤثر فقط على الحالة النفسية، بل تُحدث أيضاً تغيرات جسدية متفاوتة تشمل الوزن وضغط الدم ومعدل ضربات القلب، تختلف بحسب نوع الدواء المستخدم.
وأوضحت الدراسة، التي جمعت بيانات من 151 تجربة سريرية و17 تقريراً لإدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) شملت أكثر من 58 ألف مشارك، أن الفروق بين الأدوية قد تصل إلى أربعة كيلوجرامات في الوزن خلال ثمانية أسابيع من العلاج.
فقد أظهر العقار "أجوميلاتين" (Agomelatine) قدرة على تقليل الوزن بمعدل 2.5 كيلوجرام، بينما ارتبط دواء "مابروتيلين" (Maprotiline) بزيادة تقارب كيلوجرامين. كما بيّنت النتائج أن بعض الأدوية، مثل "أميتريبتيلين" (Amitriptyline)، قد تسبّب زيادة في الوزن لدى نحو نصف المرضى، في حين ساعدت أخرى على فقدانه لدى أكثر من نصف المستخدمين.
وامتدت الاختلافات لتشمل معدل ضربات القلب وضغط الدم، إذ أظهرت التحليلات أن مضادات الاكتئاب يمكن أن تُحدث فروقاً تصل إلى 20 نبضة في الدقيقة بين دواء وآخر. فمثلاً، يُخفض "فلوفوكسامين" (Fluvoxamine) معدل النبض بنحو 8 ضربات، في حين يرفعه "نورتريبتيلين" (Nortriptyline) بنحو 14 ضربة في الدقيقة. كما يمكن أن تتراوح التغيرات في ضغط الدم بين انخفاض 7 مليمترات زئبق وارتفاع 5 مليمترات تبعاً لنوع الدواء.
وأشار الباحثون إلى أن هذه الفروق الجسدية لا تعني أن مضادات الاكتئاب غير آمنة، بل تبرز الحاجة إلى تخصيص العلاج بحسب الحالة الصحية لكل مريض، خصوصاً لدى من يعانون أمراضاً مزمنة مثل السكري أو ارتفاع الضغط أو اضطرابات القلب.
وأكدت الدراسة أن معظم الأدوية لم تُظهر تأثيرات ضارة على وظائف الكبد أو الكلى أو انتظام ضربات القلب، لكنها شددت على ضرورة إجراء أبحاث طويلة المدى لرصد ما إذا كانت هذه التغيرات مؤقتة أم تراكمية.
ويرى الباحثون أن تباين الاستجابات الجسدية يرجع إلى اختلاف آليات عمل الأدوية داخل الدماغ، حيث تتفاعل بعض العقاقير مع "السيروتونين"، بينما تؤثر أخرى في "النورأدرينالين" أو "الدوبامين"، وهي اختلافات تنعكس على الشهية والأيض والنوم.
كما شدد معدّو الدراسة على أن الهدف من البحث ليس التحذير من استخدام مضادات الاكتئاب، بل رفع الوعي بأهمية الموازنة بين الفوائد النفسية والتأثيرات الجسدية، مشيرين إلى أن هذه الأدوية لا تزال من أكثر العلاجات فاعلية للاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة.
ودعا الباحثون إلى تحديث الإرشادات العلاجية لتأخذ في الاعتبار الاختلافات الفردية بين المرضى، وتبني مفهوم الطب الشخصي في الطب النفسي، مؤكدين أن نهج “الوصفة الواحدة للجميع” لم يعد مناسباً في ظل التباين الواسع في استجابات الأجسام لمضادات الاكتئاب.
وفي ختام الدراسة، أوصى الفريق بضرورة التعاون الوثيق بين الطبيب والمريض لاختيار الدواء الأنسب ومتابعة التغيرات الجسدية أولاً بأول، معتبرين أن الصحة النفسية والجسدية وجهان لا ينفصلان في رحلة العلاج.