وين بدنا نروح هاجس النازحين في رفح حيث الملاذ الوحيد المهدد بغزوٍ وشيك

خاص- مصدر الإخبارية

تعدّ مدينة رفح ملاذ النازحين وأكثر المناطق في قطاع غزة اكتظاظًا، فمنذ بداية العملية البرية الإسرائيلية على القطاع في الـ27 من تشرين الأول “أكتوبر” الماضي، طلب جيش الاحتلال من المواطنين التوجه من شمال ووسط القطاع إلى الجنوب، بزعمه أنها “مناطق آمنة”، لكنها لم تسلم من القصف استشهد على إثرها المئات من المواطنين، كما أن قوات الاحتلال تستعد حاليًا لتنفيذ عملية برية فيها، ومن المرجح أن يكون لمثل هذه العملية عواقب وخيمة على أكثر من مليون شخص محصورين في مساحة تبلغ 63 كيلومترًا مربعًا عقب موجات متتالية من التهجير الجماعي.

وقد وضعت “إسرائيل” أنظارها مؤخرًا على رفح، الملجأ الأخير المتاح لسكان الساحل الأكثر اكتظاظًا بالعالم، فصعدت من هجماتها على المدينة الواقعة في أقصى جنوب غزة، وهددت بغزو بري وشيك.

وتحت تهديد المزيد من الدمار الشامل والموت، وبسبب الافتقار إلى الخيارات، بات السؤال عن المكان الذي سيؤويهم “وين بنا نروح”؟ أكثر ما يقلق السكان والنازحين، حول مصيرهم المقبل والذي لازال الجواب عنه “ضبابيًا”.

بعد رفح.. لا رفاهية للاختيار!

على باب مدرسة القدس، يجلس الحاج محمد سعيد على إحدى كراسي المدرسة ويده على خده تظهر عليه ملامح العجز والقهر على ما يحدث بعد تهديد الاحتلال بالدخول البري إلى رفح يتساءل: “وين بدنا نروح نزحت ثلاث مرات منذ بداية الحرب على غزة”.

يقول الستيني لـ “شبكة مصدر الإخبارية”: ” أنا نزحت من مخيم جباليا شمال غزة مع عائلتي وأحفادي إلى خان يونس جنوب القطاع بعد أن طلب الجيش النزوح إلى الجنوب الذي ادعى بأنه آمن ولكن مع القصف المستمر نزحنا إلى النصيرات لأننا لم نستطيع إيجاد منزل للعيش فيه”.

ويضيف أنّه بعد شهر وأكثر طلب الجيش مرة أخرى النزوح إلى دير البلح وسط قطاع غزة؛ لأنه يريد دخول المنطقة بريًا لاستكمال عمليته العسكرية عقب الشمال.

يستكمل الحاج أبو تامر قصة نزوحه المرّة التي أنهكت جسده الذي يُعاني من عدّة أمراض منها الضغط والسكر، قائلًا: “بطل فيا طاقة أنا متحمل عشان أولادي كل يوم بكابر على حالي لأني أنا الأب والمسؤول عنهم جميعًا”.

ذهب سعيد إلى مدرسة القدس بعد يومين من النوم في الشوارع، وفق ما قاله لمراسلتنا، نظرًا لارتفاع أسعار إيجار الشقق المنزلية وعدم توفر الخيام بشكل فوري، واستقر داخل إحدى الصفوف التي تتواجد به عائلة أخرى مُسبقًا.

ويردف أنّه بعد شهر هدد جيش الاحتلال بدخول رفح بعد نهاية عمليته العسكرية بخان يونس، أصبح لدينا هوس السؤال: “وين بدنا نروح بعد رفح”.

“وين بدي أروح مع عيلتي، أنا جسدي أنهكه التعب والبرد لأني غير مستقرة في مكان، لا يوجد مكان آمن بنموت في اليوم ألف مرة بسبب أوضاعنا الصعبة” بهذه الكلمات عبرت خولة قاسم بعد أن هدد الاحتلال دخول رفح ونزوح المواطنين مرة أخرى.

تقول خولة 32 عامًا لـ”شبكة مصدر الإخبارية” التي نزحت من الشجاعية شرق قطاع غزة، إلى مدينة إنّها أُرغمت على النزوج مع زوجها وأشقائه ووالدته وأولادها الأربعة بعد دخول الجيش إلى منطقتهم وطلب منهم الخروج من منزلهم دون أخذ ملابسهم وأوراقهم الثبوتية.

نفقد أدنى مقومات الحياة

بصوت خافت ورجفة اليدين، تتساءل الثلاثينية: “وين بدنا نروح خايفة أروح دير البلح يهددوا بالدخول إليها، كانت رفح هي النقطة الأخيرة لنا بالنزوح إلا أنه تبين لالنا مشوارنا طويل في هذه الحرب”.

وتتابع أنّ هذه الحرب كانت الأشرس على غزة ولم نعشها لم قبل، غير أننا فقدنا القدرة على استكمال هذه الأيام الثقيلة ورؤية الدمار والشهداء وسماع صوت قصف بين الفينة والأخرى.

وتُكمل قولها إننا نريد وقف الحرب بأسرع وقت ممكن، لأننا نفقد أدنى مقومات الحياة بالإضافة إلى أننا خسرنا أعمالنا وبتنا ننتظر المساعدات الإنسانية لنا لإطعام أطفالنا على الأقل.

وتُؤكّد أنّ مدينة رفح مكتظة بالمواطنين أصبح عدد سكانها مليون ونصف، يعانون من الأمراض وبيئة غير صالحة بالإضافة إلى معاناتهم داخل الخيام خاصة في المنخفضات الجوية.

وتضيف أننا لا نعلم إلى متى سوف يستمر تهجيرنا القسري، وسط عدم اكتراث العالم عما يحدث بحقنا وبحق أطفالنا في غزة، مردفًة: نحن نعيش أصعب فترة في الحرب بسبب تهديد الاحتلال بدخول رفح وما مصيرنا بعد ذلك.

أعاد نزوح ما يقرب من مليوني شخص في غزة إلى الأذهان ذكريات النكبة، أو الكارثة، عام 1948 عندما تم تهجير 750 ألف فلسطيني قسرًا من منازلهم على يد الميليشيات الصهيونية لإفساح المجال أمام دولة “إسرائيل” المنشأة حديثًا.

ويعيش الفلسطينيون في غزة اليوم ما عاشه أجدادهم قبل أكثر من 70 عامًا، والخوف من عدم القدرة على العودة أبدًا هو جوهر اهتمامهم.

ودعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إلى حماية أهالي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة الأكثر اكتظاظا بالسكان على وجه الأرض. وشددت، على “ضرورة حماية أهالي رفح الذين نزح العديد منهم عدة مرات بسبب الحرب، وليس لديهم مكان آمن للذهاب إليه”.

وتشهد مدينة رفح اكتظاظًا كبيرًا حيث يتواجد فيها ما لا يقل عن 1.4 مليون فلسطيني، بينهم أكثر من مليون نازح لجأوا إليها جراء عمليات الجيش الإسرائيلي شمال ووسط القطاع بزعم أنها “منطقة آمنة”.

وتتصاعد التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ عملية برية في رفح الملاصقة للحدود مع مصر، رغم تحذيرات إقليمية ودولية متصاعدة من تداعيات كارثية محتملة.

ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تتواصل الحرب على قطاع غزة بلا هوادة، مخلفةً 29692 شهيدًا غالبيتهم من الأطفال والنساء، وعشرات الإصابات، إلى جانب كوارث إنسانية وبيئية هائلة، ودمارًا يوازي قنابل نووية، وفق تقارير أممية وحقوقية.