كتب فتحي صبّاح: حكومة انقاذ وطني أم الهاوية؟

أقلام- مصدر الإخبارية
كتب رئيس تحرير شبكة مصدر فتحي صبّاح: من المرجح أن يلتئم اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية غداً الأحد في العاصمة المصرية القاهرة بحضور الرئيس محمود عباس.
الشارع الفلسطيني يبدو غير مكترث بالاجتماع، ولا يعول عليه شيئاً، فالفلسطينيون تعبوا كثيرا وهم يعدّون هذه الاجتماعات، التي لا طائل منها.
الشعب الفلسطيني سئم الاطلاع على الاتفاقات بين طرفي الانقسام وبيانات صادرة عن اجتماعات المصالحة غير المجدية، التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.
اليأس والإحباط وفقد الأمل والشك وعدم اليقين ضرب عميقاً في نفوس الفلسطينيين جميعاً، بخاصة في قطاع غزة مهد الانقسام، الذي ترك أثاره على جلودهم وحياتهم.
نحو 80 في المئة من سكان قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون مواطن أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، وخط الفقر المدقع.
حسب إحصاءات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فإن 1.2 مليون لاجئ من أصل 1.6 يعيشون في القطاع، يتلقون مساعدات غذائية منتظمة كل ثلاثة أشهر تُبقيهم نصف أحياء ونصف أموات.
عشرات الآلاف منهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع في بيوت آيلة للسقوط أو غير صالحة للاستخدام الأدمي، وتفتك بهم أمراض مزمنة وخطيرة.
إلى بلجيكا وحدها هاجر خلال السنوات الأخيرة أكثر من 70 ألف فلسطيني هرباً من جحيم قطاع غزة، جُلهم من الشباب اليائس المحبط الباحث عن حياة حرة كريمة.
وزارة التنمية الاجتماعية تقدم أيضا مساعدات منتظمة لنحو 86 ألف أسرة فقيرة غير لاجئة في قطاع غزة، وهناك نحو 40 ألف أسرة أخرى مُستحقِة على قائمة الانتظار.
126 ألف أسرة فقيرة تُعادل نحو 700 ألف فرد، فضلا عن وجود أكثر من 300 ألف خريج جامعي عاطل عن العمل.
هذه الأرقام المرعبة ناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي وسياساته تجاه قطاع غزة، بخاصة الحصار المفروض على القطاع منذ عشرات السنين، وتم تشديده أكثر بعد سيطرة حركة “حماس” على القطاع بالقوة وحكمه منفردة.
الانقسام أيضاً يلعب دوراً كبيراً في هذه النكبة المتجددة.
عواصم كثيرة، عربية وغير غربية، استضافت المنقسمين بحثاً عن طريق لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية، وحملت تواقيعهم اتفاقات لا تُعد ولا تُحصى، وحلفوا أغلظ الأيمان عند أستار الكعبة المشرفة، من دون طائل ولا جدوى.
لم يُعيروا الأرقام سابقة الذكر أي اهتمام، وانصب جل الاهتمام على تقاسم سلطة تحت الاحتلال لا تملك من أمرها شيئاً أمام جبروت الاحتلال وبطشه.
بحثوا عن حصص في السلطة والمنظمة وعدد المقاعد هنا وعدد السفراء هناك، وعن حصص في غاز غزة المعطل استخراجه من ربع قرن.
صمت العرب والأوروبيون والأميركيون عن ما يجري في فلسطين، بخاصة في قطاع غزة.
راقبوا بصمت القبور أثار الفقر واليأس والإحباط على وجوه الغزيين من دون اكتراث.
يعرفون جيداً أن عدد سكان قطاع غزة سيصبح ثلاثة ملايين إنسان في 2030، وخمسة ملايين في 2050، وفق النمو السكاني المتوقع.
وحده الاحتلال يرعبه انفجار القنبلة الديموغرافية في وجهه أكثر من العبوات الناسفة.
بدأ الاحتلال سياسة جديدة متحفظة وحذرة، جوهرها تخفيف الأوضاع المأساوية، لإبقاء حياة الغزي تتساوى فيها فرص الحياة والموت.
أصدرت سلطات الاحتلال 17 ألف تصريح عمل لعمال غزيين للعمل لدى مشغلين إسرائيليين، وسمحت بتصدير بعض السلع، وخففت قليلاً القيود على بعض الواردات، بخاصة مزدوجة الاستخدام المدني والعسكري.
الأوضاع في القدس والضفة ليست أحسن حالاً من القطاع مع وجود الجدار والتهام الأرض تدريجياً من قبل المستوطنين.
المطلوب الأن، أكثر من أي وقت مضى، من الرئيس عباس والأمناء العامين في اجتماع القاهرة غداً أن يتحملوا المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم.
عليهم تنفيذ اتفاقات المصالحة، وما أكثرها، وليس التوصل لاتفاق جديد، وتشكيل حكومة انقاذ وطني مؤلفة من شخصيات سياسية ووطنية وتكنوقراط، أو حكومة خدمات غير سياسية، لوقف التدهور المتسارع نحو الهاوية، والنهوض بالشعب الفلسطيني من جديد، ومنحة فسحة من أمل.
حكومة تأخذ على عاتقها توحيد المؤسسات الرسمية، ودمج الموظفين جميعا في غزة والضفة، وإعادة حقوق موظفي السلطة المحسومة خلال السنوات الماضي، ووضع خطط وبرامج للنهوض بالاقتصاد الوطني والانفكاك التدريجي عن التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.
مهمة الحكومة أيضا تهيئة الأجواء والتحضير لتنظيم انتخابات عامة، وفي البلديات والجامعات والاتحادات والنقابات، تُتوج بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.
مهمة لا تحتاج أكثر من ستة أشهر أو عام، للذهاب موحدين لمواجهة المجتمع الدولي وحكومة المستوطنين المتطرفين.
فهل يكون القادة الفلسطينيون غداً على قدر المسؤولية التاريخية، أم سيواصلون قيادتنا بسرعة أكبر نحو الهاوية؟.
اقرأ/ي أيضًا: لقد فشلت جهود المصالحة وقد يتصاعد الصراع في الضفة الغربية بسرعة