تقدير موقف: تصعيد لن يتوقف في ظل طموح المقاومة وتشدد اليمين

بقلم: معتز خليل
لا يزال التجاذب الاستراتيجي الحاصل بين حركة المقاومة من جهة وبين إسرائيل يتواصل، خاصة مع التصعيد العسكري الحاصل مساء أمس الخميس وإطلاق عناصر من المقاومة لعدد من الصواريخ صوب مدينة عسقلان ، وهو ما ردت عليه إسرائيل بضرب عدد من المواقع العسكرية والاستراتيجية التابعة لحماس في قلب غزة.
التصعيد الحاصل خلال الساعات الماضية يأتي عقب عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي في جنين و وهي العملية التي تأتي مع وصول معلومات دقيقة من مصادر سرية أن عناصر المقاومة ستقوم خلال الساعات المقبلة بعملية في قلب إسرائيل ، الأمر الذي دفع وحدات المستعربين وعنصر شاباك للاشتراك ودخول مخيم جنين لوقف هذه المحاولة.
غير أن عناصر المقاومة انتبهت لدخول العناصر الإسرائيلية ، وقامت بتفعيل صفّارات الإنذار، ونشر 30 حاجزاً، لتدور مواجهات عنيفة أطلق خلالها عناصر «كتيبة جنين» النار على العناصر الإسرائيلية التي شاركت في الهجوم.
تحليل مضمون بعض من منصات ومواقع التواصل الاجتماعي أشار بدورة إلى أن الإسرائيليين كانوا يرغبون في اعتقال أحد قادة حركة «الجهاد الإسلامي»، بالإضافة إلى المطارَد ماهر تركمان الذي كان قد نفّذ برفقة نجله وابن شقيقه عملية الأغوار في مطلع سبتمبر الماضي ، غير أن الفوضى التي اشتعلت مع الكشف عن هذه العناصر أدت إلى وقوع الكثير من الشهداء وحصول هذا التصعيد.
ما الذي يجري ؟
من الواضح أن فصائل المقاومة الفلسطينية في موقف دقيق لعدة أسباب أبرزها:
1- أن هذه هي أول جولة تصعيدية حقيقية في ظل الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية ، وترغب قيادات اليمين في هذه الحكومة بالتصعيد وإرسال رساله للإسرائيليين بأن الموقف الأمني والاستراتيجي تحت السيطرة التامة ، وسيتم معاقبة فصائل المقاومة حال التصعيد.
2- مطالبة الكثير من العناصر الشابة بحركة المقاومة بالرد على العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين والتي راح ضحيتها ١٠ من الفلسطينيين وجرح عدد آخر.
3- قيام عدد من عناصر المقاومة بضرب العمق الاستراتيجي للداخل الإسرائيلي متمثلا في مدينة عسقلان ، في خطوة تلتها ضربات قام بها سلاح الجو الإسرائيلي فجر اليوم ، وهو ما حذرت منه قيادات عسكرية في حركة حماس مع مبادرة بعض من العناصر بضرب عسقلان وما يعرف بمناطق غلاف غزة بالصواريخ.
4- هناك قرار استراتيجي من حركة المقاومة ، وهو القرار المتعلق بنقل وتركيز العمليات العسكرية في الضفة الغربية ، مع بقاء غزة هادئة دون تصعيد ، وهو القرار الذي تم الاتفاق عليه مع بعض من الوسطاء الإقليميين وعلى رأسهم مصر وقطر ، غير أن هذا التصعيد الأخير من غزه له بعض السمات التي تميزه ومنها:
أ- أنه يأتي عقب تصريحات أدلى بها صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس ، والذي تحدث لقناه الميادين المقربة من حزب الله ومعسكر المقاومة قائلا : أنه يثمن بيان قيادة فتح بكل فقراته وعلى وجه الخصوص وقف التنسيق الأمني ، وأضاف آن حماس جاهزة في كل خطوة تخدم أبناء الشعب الفلسطيني ، مشيرا إلى أن المعركة مع الاحتلال ليس عنوانها الثأر بل مقاومة شرعية محقة بكل المعايير وعلى كل المستويات وهي واجب ديني ووطني للدفاع عن أبناء شعبنا ومقدساتنا وهي قيمة عليا في منظومة القيم الإنسانية.
ب- إعلان السلطة الفلسطينية رسميا عن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل ، وهو الإعلان الذي تلته تصريحات إسرائيلية تقلل فيه صراحة من أهمية هذه النقطة وترى إنها خطوة إعلامية.
تداعيات استراتيجية
غير أن تحليل مضمون ما يجري يشير إلى عدد من الوقائع أبرزها:
1- إصرار حركة حماس على نقل المعركة من غزة إلى الضفة الغربية والتصعيد هناك ، وهو ما تمثل في الدعم الواضح لجماعة عرين الأسود أو كتيبة غزة.
2- قراءة إسرائيل للمشهد السياسي والاستراتيجي المتعلق بهذه النقطة جيدا ، وهو ما دفعها إلى الحذر من هذا التصعيد ومحاولة نقل رساله بصورة غير مباشرة لحماس تتمثل في أن التصعيد السياسي والاستراتيجي في الضفة سيقابل بالرد في أي موقع.
3- تتحدث بعض من منصات المقاومة الإقليمية عن أهمية التصعيد العسكري للمقاومة في الضفة ، وهو ما يخدم مصالح بعض من الدول ومنها إيران علي سبيل المثال التي تعلن قياداتها العسكرية دوما عن ضرورة استمرار النضال والتصعيد ضد إسرائيل في الضفة الغربية لتحقيق الأهداف الكاملة للمقاومة ، وتنتهج إيران دوما سياسة واضحة وهي أن التصعيد في بعض من مناطق الشرق الأوسط ونقل رسالة أمنية مفادها تحكمها في مفاصل هذا التصعيد سيخدم مصالحها السياسية في النهاية ، سواء برفع العقوبات عنها أو في تفاوضها مع المجتمع الدولي لعودتها من أجل استكمال برنامجها النووي.
4- تصريحات إيران تلتها تصريحات من حزب الله الذي عبر عن طريق أمينه العام حسن نصر الله لأهمية التصعيد في عموم الضفة الغربية خاصة وأنه يخدم أهداف المقاومة.
5- من الواضح أن الجولة التصعيدية الحالية تشهد حضورا لافتا من عناصر الجهاد الإسلامي الساعية إلى التهدئة وليس التصعيد، وهو ما كشفته بعض من المنصات الإخبارية التابعة للجهاد والتي قالت أن الحركة أجرت مباحثات مع الفصائل الفلسطينية كافّة، وخاصة حركة «حماس»، إضافة إلى مشاورات مع الوسطاء المصريين والأمميّين، وأضافت هذه المنصات إلى أنها نقلت إلى المعنيّين رسائل عاجلة، بعد عملية مخيم جنين الأخيرة ، مفادها «ضرورة إنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية، لأن استمرارها سيؤدّي إلى تفجُّر الأوضاع والدخول في مواجهة عسكرية جديدة».
6- قيادات الجهاد لوحت بدورها أيضا إلى أن ما يجري في مخيّم جنين، في حال استمرّ، فلن يبقى محصوراً في المخيّم، بل سيطاول كلّ نقطة في فلسطين، ودعت جميع المعنيّين بحالة الهدوء، إلى التدخّل لمنع تفاقُم الأوضاع وكبْح جماح الحكومة الإسرائيلية.
تقدير استراتيجي
من الواضح ان المنظومة الاستراتيجية للمقاومة القائمة على نقل العمليات العسكرية للضفة الغربية بعيدا عن القطاع ، بدأت تثير القلق في غزة ، خاصة وآن شباب المقاومة يرغبون في الرد وإرسال رسالة إلى زملائهم في الضفة بأنهم معهم في نفس المعركة ، الأمر الذي يزيد من حجم الضغوط على الوسطاء الإقليميين وعلى رأسهم مصر وقطر وبعض من الأطراف الأخرى الساعية للتهدئة.