العنف الإلكتروني.. جريمة خلف الشاشات تفتح الباب للتمادي

سعاد صائب سكيك – مصدر الإخبارية

يتبادر للذهن حين التحدث عن العنف التصرفات ذات العلاقة بالضرب والإهانة، ولكن ماذا إذا كان العنف إلكتروني، فكيف يكون الأمر؟، وما أشكاله وأنواعه؟ وكيف يمكن حماية أنفسنا منه؟

تخيل عزيزي القارئ أن الكثير منا يتعرض للعنف الإلكتروني دون أن يدرك من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، التي لم تحدد بشروط ولا تحدها حدود، ولا يراقبها إلا مؤسسوها الذين لهم تقييدات ليس لها علاقة إلا بسياساتهم الخاصة.

وكي نكون أكثر وعياً، فإن العنف الإلكتروني هو أي سلوك أو تصرف من خلال الانترنت يهدف إلى الأذى للناس، من خلال إما السب أو الشتم أو التهديد، وصولاً إلى انتهاك الخصوصية والابتزاز.

وصنَف الباحث في أمن المعلومات محمود أبو غوش العنف الإلكتروني القائم إلى تهديد مباشر وتهديد غير مباشر لخصوصية الأشخاص، والذي أكد أنه يشمل الجرائم الإلكترونية التي تهدف إلى تحقيق أذي للأشخاص.

أنواع العنف الإلكتروني

وللعنف الإلكتروني أنواع كثيرة، أخبرنا بها أبو غوش مثل التحرش الإلكتروني والمتمثل بالمضايقات من المتطفلين، والتلفظ بكلمات غير لائقة، وإرسال رسائل إلكترونية تتضمن تعبيرات خارجة عن نطاق الأدب، وربما تصل إلى حد الوصف الجنسي.

والابتزاز الإلكتروني والذي أكد أنه من أكثر الأنواع المعروفة والمنتشرة ويتحقق من خلال نشر معلومات حساسة، أو انتهاك خصوصية الضحية، مصاحباً لفضائح تمس بالشخص يعرفها عنه المعنِف، بهدف مقابل مادي أو الانتقام أو الاستمتاع.

ويدخل التشهير كما أوضح الباحث في أمن المعلومات ضمن العنف الإلكتروني من خلال نشر معلومات مغلوطة أو كاذبة عن شخص ما، أو انتهال شخصيته وتشويه سمعته بكتابة منشورات غير أخلاقية لا تعبر عنه وربما لا يعرف بها صاحبها.

ويتضمن العنف الإلكتروني حسب أبو غوش، الاختراق والتتبع ومحاصرة الضحية من أجل الاستسلام للمجرم الإلكتروني الممارس للعنف بشتى أشكاله، وربما يحتاج هذا النوع إلى التدخل الخارجي من قبل مختصين رقميين لتوفير سبل الحماية.

وربما بتفاجئ البعض بأن التنمر الذي يمارسه أغلب الناس يندرج تحت العنف الإلكتروني، وقال أبو غوش إن “التنمر نوع من أنواع العنف الإلكتروني، ويتعرض له أغلب الناس والمشاهير من خلال الذم والنقد بطريقة غير مشروعة وغير مؤدبة لا تعطي لحد مبرر التطاول مهما كانت سلبيات الشخص”.

من هي الفئة الأكثر ضرراً؟

وفي محاولة لمعرفة الفئة الأكثر تعرضاً للعنف إلكترونياً، أكد أبو غوش أن الأطفال يتعرضون للعنف الإلكتروني بشكل أكبر، خاصة بعد عهد كورونا ولجوئهم إلى التكنولوجيا واستعمالهم منصات التواصل الإجتماعي بلا تخصص.

ولأن الأطفال لا يعرفون التعامل مع ممارسات العنف الإلكتروني فإن الأمر بيشكل خطراً عليهم من خلال عدم فهمهم للتنمر عليهم، وحالات الاختراق وأفعال المخترقين، وعدم إمكان كشفهم.

وأفاد أبو غوش أن الأمر متساوي بين الذكور والإناث، لافتاً إلى أنه في فترة سابقة وتحديداً قبل 3 سنوات كانت الفتيات الأكثر تعرضاً للعنف من خلال الانترنت، إلا أنه لم يعد مقتصراً عليهن في الفترة الأخيرة المتمثلة في العامين الأخيرين.

أساليب الحماية من العنف الإلكتروني

وما يخيف أكثر بالعنف الإلكتروني هو أن المجرم يعتبر نفسه آمناً بغطاء أمني من الانترنت، حيث الاختباء خلف الشاشات والبعد الجغرافي يجعله يعتقد أنه آمن، بعكس العنف المتعارف عليه، مما يزيد من فرص ممارسة هذا النوع من العنف.

إلا أن الباحث في أمن المعلومات نبّه الجميع بأهمية القيام بعدة خطوات لحماية أنفسهم عند التعرض للعنف أو الحماة منه قبل وقوعه، ولفت إلى عدم استخدام كلمة سر واحدة لكل الحسابات المستخدمة، إضافة إلى تفعيل خاصية التحقق من خلال الإيميل أو رقم الهاتف.

أما بالنسبة لمن يتعرض للعنف الإلكتروني، فأوصى أبو غوش بضرورة الاحتفاظ برسائل التهديد والتحرش لتثبيت الجرم، وتسهيل ملاحقة المجرم، وضمان حق الضحية، إضافة إلى طلب المساعدة من شخص موثوق وإبلاغ أحد الأصدقاء أو العائلة خاصة عند التعرض للابتزاز، مشدداً على عدم اتخاذ قرار فردي في هذه الحالات.

ونصح بضرورة الحفاظ على الهدوء النفسي والتعامل مع الموضوع بشكل إيجابي يقلل من النتائج السلبية المحتمَلة.

وأشار إلى أن بعض أنواع العنف قد تستدعي تدخل جهات مختصة للتعامل مع الأمور غير الأخلاقية، وربما يضطر البعض اللجوء إلى المباحث لمواجهة التهديد الذي يصل حد القتل.

أمثلة حقيقية

ويرى بعض المتابعين أن العنف الإلكتروني يمثل نسبة كبيرة في مجتمعنا الفلسطيني، إلا أن رواد التواصل الإجتماعي يجهلون ذلك، وأوضحت روان السيد المُولعة بـ”السوشيال ميديا” أن التنمر أحد أنواع العنف التي لا يعرفها الناس.

وأشارت إلى أنها تعرضت لكثير من التنمر والانتقاد سابقاً بسبب موادها العفوية التي يراها البعض لا تعبر إلا عن حياتها، ولا تهمهم بشكل كبير.

من جهته، أبلغنا محمد المدلل أحد أولياء الأمور بأن ابنه صغير السن تعرض للاختراق، وقال: “وصلته رسائل تضمنت كلاماً غير أخلاقياً وصل حد الجنس”، وأوضح أنه تضمن تهديداً مقابل المال لطفل لا يعرف في التكنولوجيا سوى درسه ومعلمته وأصدقاءه وفديوهات الأطفال وألعاب الفيديو.

وتشير حالات العنف الإلكتروني إلى أن الأمر يستدعي أن يكون مجتمع التواصل الإجتماعي على دراية عالية بأساليب العنف وأشكال التعرض له عبر الانترنت، إضافة إلى ضرورة المتابعة من خلال جهات خاصة تضمن حماية الأشخاص إلكترونياً.

اقرأ أيضاً: في مسح عالمي.. العنف والتحرش ظاهرة منتشرة في أماكن العمل