الياسر.. قائدٌ ببدلة إنسان حبُه لا تهزُه ريحٌ في قلوب الكثيرين

سعاد صائب سكيك – مصدر الإخبارية

لا يزال المشهد الأخير في وداع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات “أبو عمار” القريب من الجماهير الفلسطينية في الأذهان وإن مر مئات السنين في ذكراه، ويبدو أنه لم يتوقف عند مجرد مشهد، إنما اخترق القلوب ليحفر فيها حبه وشعبيته في قلوب الكثيرين الذين يعتبرونه الأب الروحي.

وبلا أي شعارات ولا حتى بتوصيات، لم يستعن القائد الفلسطيني أبو عمار بأي عمل يرفع من رصيده لشعبه، ولم يحتاج لمن يزكيه فبمجرد ما تذكر اسمه يترحم عليه الملايين.

من قبلاته للجرحى، إلى لمساته الحانية للأطفال، وشدته الرحيمة مع مقاتليه، وعباراته الخالدة من “يا جبل ما يهزك ريح، واللي مش عاجبه يشرب من بحر غزة، إلى شهيداً شهيداً، شهيداً”.

وسط كل ذلك، تبدو شعبيته جلية وواضحة من خلال ما ظهر من آراء الناس والذين أجمع أغلبهم على “يا ريت ترجع أيامك يا أبو عمار”.

“من بعد أبو عمار تاه الشعب”

بدأ أبو العز قوله: “من بعد أبو عمار تاه الشعب الفلسطيني وخصوصاً في غزة”، ولم تكن مجرد جملة قالها، إنما بدا بصوته حسرة تختصر الوضع الحالي للفلسطينيين في غزة ظهرت من بين الأحرف والجمل التي عبر بها.

ووصف أبو العز أبو عمار بأنه “أيقونة الثورة الفلسطينية، وصانع جيشه”، ويرى بأنه قائد بمعنى الكلمة متمنياً لو عادت أيامه.

فيما زوجته وهي تستمع تدخلت بالحديث، واستطرت قائلة بحق الياسر كلمات أفادت بأنه قائد وطني لا يخاف ولا يهاب، وأضافت: “أبو عمار صنع جيشاً من الفدائيين بدلاً من جيش من اللاجئين”، وأوضحت أنه لم يترك بيتاً إلا ودخله أو كان له ذكرى معه.

وأيدت أم العز زوجها ورأت أن أبو عمار لن يتكرر، وأنه إن كان موجوداً لن يكون الواقع الحالي بهذا الشكل خاصة في غزة.

أبو عمار الجامع للكل

من بين اللقاءات لمعرفة مدى شعبية أبو عمار، صادفنا الحاج أبو أحمد صاحب شركة خاصة وبدا عليه معاصراً للثورة التي قادها أبو عمار وكان أول حديثه: “أبو عمار رمزٌ لن يتكرر”، ويرى أنه مؤسس للثورة، وقائدٌ كبير يهابه الجميع سواء داخلياً أو عربياً أو خارجياً.

وأوضح بأن الجوار العربي كان يعتد برأيه، حيث كان ذا شأن، وصاحب كلمة صارمة لا يتراجع، وقال: “الكل عاملّه حساب من اليهود للعرب للأمريكان، ولهذا السبب قتله الإسرائيليون”.

وزاد على حديثه، كان الياسر صاحب إرادة وعزيمة ولم يكن مستسلماً أبداً، وكان الأب الكبير الذي يجمع الكل الفلسطيني، وحتى الكل العربي حوله.

وأضاف “مات مش ناهب الشعب، ومات وهو ببدلته الممزقة الشاهدة على كفاحه، زاهداً بلا أي مال”، حيث لم يكن صاحب مال كباقي الرؤساء بسدة الحكم، ولم يتعرض لقضايا مالية في حياته، كان بسيطاً كفاية.

وقال في ختام حديثه: “يكفي أنه أعلن دولة فلسطين رغم أنف الاحتلال، إلا أن المحتل غدر به، ولم يبتلع مواقفه أبداً فقتله وتمت تصفيته”، وأكمل: “لو ما كان متعبهم ومخالف لسياستهم ما كان قتلوه”.

أبو عمار الأب والأخ والقائد

وتنهد محمد إبراهيم الذي عمل في قوات الأمن الوطني الفلسطيني ويعمل اليوم سائقاً، وكادت دموعه أن تسقط أثناء حديثه مع شبكة مصدر الإخبارية.

صمت إبراهيم برهة وهَمّ بالحديث ثم صمت مجدداً وقال “مش عارف ايش أقلك”، وواصل حديثه واصفاً أبو عمار بأنه “كان أخاً وإنساناً ومواطناً فلسطينياً مثله مثل أبناء شعبه قبل أن يكون رئيساً، ولم يكن يرضى السوء لحالهم”.

وأشار إلى أن شعبية أبو عمار تعدت الحدود فلم تقتصر فقط على الفلسطينيين، إلا أنه ركز على التفاف الكثير من الفلسطينيين حوله لأنه كان بسيطاً، ومقرباً من الجميع، وعفوياً وكأنه لم يكن رئيساً.

“آمن بالوحدة والتعددية” كانت أول كلمات إيمان أحمد التي أكدت على أن أبو عمار كان الجامع والحاضن لكل الأطياف الفلسطينية، كما كان اليد الماسكة على فتح الثورة والقائم على وحدة صفوفها وفكرتها حد قولها.

وتابعت إيمان: “كان رجلاً شعبياً، يشارك الناس أفراحها وجراحها، وكان موجوداً في كل مكان”، وفاجئتنا بموقف إنساني قدمه لزوجها.

حيث كان من متواجداً في المستشفى للعلاج إثر تعرضه لطلقات نارية من الاحتلال الإسرائيلي تزامناً مع زيارة ميدانية لأبو عمار للمصابين من الاحتلال، ولما علم بحالته الحرجة كتب له تحويلة طارئة إلى الخارج لينقذ بها قدمه التي كانت مهددة بالبتر.

وبعادته، كان أبو عمار يُقبل جرح المصابين ولا يتحرج من مكانه حتى وإن كان في أقدامهم، وينحني أمام وجع أبناء شعبه.

وأكملت إيمان وعيونها تلمع ناظرة بطرفها إلى اليمين “قدم لنا معروفاً يؤكد أنه قائدٌ عظيم، لولاه لما عاد زوجي يمشي إلا بقدم واحدة”.

وأكدت شيرين طلعت إحدى المواطنات التي شهدت دخول عرفات وجماعته عام 1996 إلى غزة بمشهد مهيب، على أن أبو عمار موجود في كل مكان من أول لحظة دخل فيها غزة حتى يومنا هذا وسيبقى، واختصرت كل كلامها بقولها “لن يتكرر”.

فيما يُعبّر حسن العامل على إحدى “البسطات” في شارع الجندي وسط مدينة غزة بجملة مختصرة جداً ومعبرة تماماً “من بعد أبو عمار تاه الشعب الفلسطيني خصوصاً الغزي”، ويرى أن شعبيته فاقت شعبية الرئيس محمود عباس “أبو مازن”.

محبته حاضرة رغم التخفظات

الحاجة يسرى التي كانت تمشي مع حفيدتها وكانت موضوعية تماماً، قالت لنا قبل أن توجه الحديث لحفيدتها “أبو عمار اااه، كان أباً ورئيساً رغم بعض المؤاخذات في مفاوضاته مع الاحتلال”.

ونظرت إلى حفيدتها ذات الـ 5 سنوات وهمست لها قائلة “أبو عمار يا تيتا”، فرفعت الصغيرة يدها اليمنى بعلامة النصر وقالت “حتى النصر، حتى النصر، حتى النصر”.

ووافقتها في الرأي علا حسين التي بدأت حديثها متحفظة: “مع تحفظي على بعض آرائه السياسية، إلا أن أبو عمار يبقى رمزاً للنضال والوطن والأرض”، وتابعت “من أول ما وعيت على الدنيا كنت اسمع اسمه كمناضل و مجاهد في قضيتنا”.

وأكدت على أن مواقفه الثائرة في الكفاح علمتنا التضحية، والتمسك بحقنا في أرضنا الفلسطينية.

فيما رأت سماح سليم أن الرئيس الراحل عمل جاهداً على بناء دولة للشعب الفلسطيني، ووقع اتفاقيات ربما من ناحية سياسية ودبلوماسية يرى فيها حنكة لا نراها نحن كشعب، ولم يلتزم بها الاحتلال، وتعتقد أنه لطالما كان من وجهة نظر المحتل “الرجل الصعب” لرفضه التنازل ولمواقفه الغاضبة والتي لم يهاب فيها رئيسَ دولة ولا جيش، ولهذا السبب سمّمه الاحتلال وأعوانه وقتلوه.

أبو عمار المفاوض المراوغ

أما صديقتها ربا المزّين قالت “نحن واثقون أنه لو موجوداً بيننا الآن لأوقف كافة أشكال الاتفاقيات على أرض الواقع”، وترى فيه محباً للجميع، وأكدت على أنه رجل عسكري أصيل يشهد له التاريخ بصولاته وجولاته في المقاومة وطريق التحرير قبل أن يكون رئيساً وبعده ولهذا اليوم.

وبدأت شيماء محمد حديثها معبرة عن جماهيرية أبو عمار بقولها: “تفوق الحدود”، وترى أنه كان رئيساً شجاعاً صاحب كلمة قوية حمل بيدٍ عرق زيتون، وفي الأخرى سلاح، وهذا ما يؤكد حنكته كسياسي وقائد لشعب ووطن.

وتجد أنه كان مفاوضاً مراوغاً، ورغم ذلك لم يسمح لأحد بأن يُسقِط سلاحه من يده لآخر لحظة في اغتياله، ورأت شيماء أن اغتياله جاء لرفضه المزيد من التنازلات، ولأنه واجه الاحتلال مباشرة وقال في وجهه “لا”.

وختمت حديثها “أبو عمار لن يكرره التاريخ أبداً”.

وعشوائياً قابلنا بعض الناس في الشارع، وكانت كلماتهم مؤثرة في الذكرى 18، إلا أنهم أجمعوا على شيء واحد هو “أبو عمار لم يكن رئيساً بل كان أباً”.

اقرأ أيضاً: في ذكرى اغتيال أبو عمار: لماذا يتم التستر على القاتل؟