المسيرات الإيرانية في سماء أوكرانيا .. سبب للقلق في إسرائيل

أقلام – مصدر الإخبارية

المسيرات الإيرانية في سماء أوكرانيا .. سبب للقلق في إسرائيل، بقلم رون بن يشاي، وفيما يلي نص المقال كاملًا

ترجمة: عبد الكريم أبو ربيع

المسيرات التي زوّدها الإيرانيون، وما يزالون يزودونها، لروسيا ما تزال لا تحسّن بشكل كبير إنجازات جيش فلاديمير بوتين في جبهات القتال المختلفة في أوكرانيا. الكاميرات المثبتة على المسيرات من طراز “مهاجر 6” تحسّن قدرات الجيش الروسي في جمع المعلومات الاستخبارية في ميدان المعركة، وتساعده بشكل أساس في تعقب بطاريات المدفعية ومضادات الطائرات، وحركة قوافل المدرعات الأوكرانية الكبيرة. باستخدام هذه المسيرة (التي تحمل أيضًا 2-3 صواريخ صغيرة) يستطيع الروس أن يُحيدوا تمامًا الدبابة والمدفع المتحرك ومقطورة الرادار الأوكرانية. لكن وفق المعلومات التي توفرها المخابرات الامريكية والبريطانية، وكذلك جمع المعلومات، وأيضًا التدمير المادي؛ كلها غير فاعلة وبالكم الذي من شأنه أن يؤدي إلى تحول لصالح الروس في واحد او اثنين من ميادين القتال.

المسيرات “الانتحارية” من طراز “شاهد 136” أكثر فاعلية وخطورة، سيما في مواجهة الأهداف المدنية الثابتة وغير المحصنة. إنها طائرة صغيرة وخفيفة، لكنها مثقلة بالوقود وبضع عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة المُدمرة بشكل خاص، إنها معدة للإقلاع إلى هدفها حتى مسافة 1000 كم وأكثر من خلال نظام GPS، ويُمكن شراؤها من المتاجر الالكترونية (ebay على سبيل المثال) من أجل تحقيق النتيجة المرجوة: قتلى وجرحى مدنيين، المهاجرين الذين ينزلون إلى محطات المترو ويرفضون الخروج منها انقطاع الكهرباء ونقص المياه.

لذلك، فمسيرات “شاهد 136” تمثل في الفترة الأخيرة مشكلة حقيقية للسلطات البلدية الأوكرانية والحكم المدني للرئيس فلاديمير زلنسكي. إنها لا تتسبب فقط بالقتل والدمار المادي، وإنما أيضًا تتسبب بأضرار معنوية ونفسية بسبب الشعور السائد في أوساط المدنيين بأن الروس لديهم القدرة، المتزايدة للوصول من خلال المسيرات بعيدة المدى هذه إلى أيّ مكان في أوكرانيا.

في ميدان المعركة، من المُمكن استخدام “شاهد 136” بطريقتين؛ الأولى: “مسيرة انتحارية” تحمل بضع عشرات من الكيلوغرامات من المتفجرات الحساسة والموجهة مسبقًا للتحليق والسقوط على هدف معروف موقعه. الثانية: “سلاح متجول”، ووفقه تُرسل “شاهد 136” لتحلق فوق منطقة القتال إلى ان تعثر بنفسها (دون توجيه عن بعد) من خلال المجس أو الكاميرا المثبتيْن عليها الهدف المُعد مسبقًا للعثور عليه وتدميره. عندما تشخّص المسيرات هذا الهدف (على سبيل المثال: شعاع رادار بطارية صواريخ مضادة للطائرات)، تغير المسيرة عليها إلى ان تضربها وتنفجر عليها.

تجدر الاشارة إلى أن المسيرة “الانتحارية” الواحدة ليس لها، ولا يُمكن أن يكون لها، مفعول “مغير للعبة” في ميدان المعركة. من بين الكثير من الأشياء، لأنهم في الجيش الأوكراني استوعبوا العبرة في ميدان المعركة، في الوقت الحالي ممنوع التواجد في مكان واحد أكثر من بضع ساعات. حتى وإن كنت متخفيًا جيدًا تحت النباتات ولا تطلق النار أو تثير الغبار، سيتم اكتشافك عاجلًا ام آجلًا؛ وحينها تضرب. لذلك، المدفعية وبطاريات الصواريخ الأوكرانية تطلق النار وتنطوي وتتحرك صوب موقع جديد، وكذلك تفعل الدبابات. كما يستخدم الأوكرانيون التشويش الالكتروني، ويطلقون النار أيضًا على المسيرات البطيئة، وهكذا في الكثير من الحالات يُسقطونها.

لكن يُمكن ان نتوقع أن يبدأ الروس في استخدام المسيرات المهاجمة الرخيصة نسبيًا، والتي زودهم بها الإيرانيون بكميات كبيرة. في ظروف اليوم، لم تعد هذه مشكلة تقنية معقدة أن تستخدم “شاهد 136” بأسراب كبيرة بعشرات المسيرات بدلًا من إطلاقها، كما يفعلون اليوم أزواجًا ورباعيات. إذا فعل الروس ذلك سيكون الأوكرانيون في مشاكل، سيما في فصل الشتاء القريب، الذي تكون فيه حركة قوافل المدرعات والمدفعية وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات ودوريات التمويل في شرق أوكرانيا المتجمدة محدودة على محاور التنقل المعبدة وغير الموحلة. ستكون هذه مكشوفة – تمامًا مثل الروس في بداية الحرب في الشتاء الأخير – لضربات أسراب المسيرات والحوامات الإيرانية.

عمومًا، في الشتاء ستتحول الحرب في أوكرانيا إلى تكسير متبادل ثابت، فيها المسيرات وصواريخ أرض – أرض الإيرانية نصف الدقيقة تقدم ميزة كمية ونوعية للروس، ليس فقط في ميدان المعركة، وإنما أيضًا في حرب الاستنزاف الوحشية وغير الإنسانية التي سيجريها الروس ضد السكان المدنيين في أوكرانيا. إليك مثلًا، ضرب مسيرة من إنتاج إيران لمحطة طاقة لمدينة متوسطة في أوكرانيا ستخلف آلاف النساء والأطفال والشيوخ يرتعدون من البرد في الظلام أو دون مأوى في الشتاء المتجمد.

لم يصدر بعد مصادقة رسمية أمريكية أو غير أمريكية للخبر الذي انتشر أمس في “واشنطن بوست” والقائل بأن إيران ستبيع روسيا صواريخ أرض – أرض من طراز “فتح 110″ (مداه 300 كم) و”ذو الفقار” (مداه 700 كم)، ولكن يُعقل تمامًا أن نقدر بأن الخبر صحيح رغم أن روسيا وإيران تنفيانه بتاتًا. هذه الصواريخ تشكل تهديدًا، سيما للسكان المدنيين. وهذا السبب الذي من أجله يريدها بوتين، رغم أن جدواها في مواجهة الجيش الروسي مع الجيش الأوكراني تعتبر هامشية.

الاستنتاج هو أن الولايات المتحدة والناتو يجب أن يطوروا سريعًا أساليب فاعلة، سواء كانت ناعمة أو خشنة، لمواجهة الأسراب الكبيرة من المسيرات والزخات الكبيرة من الصواريخ البالستية القصيرة والمتوسطة المدى وتحييدها قبل أن تصيب أهدافها. الأوكرانيون شخصوا قبل الروس بكثير الإمكانية العسكرية الكامنة في المسيرات والحوامات، وتعلموا تشغيلها بفاعلية كبيرة لتحسين المعلومات وتدقيقها وتحسين النيران التي استخدموها على الروس، بأدواتهم التي كانت قليلة نسبيًا في بداية الحرب. لذلك، فمن المحتمل إلى حد كبير أن يقودوا هم التطوير الغربي لأدوات تحييد التهديد الذي تشكله المسيرات. إسرائيل يجب أن تنضم إلى هذا المجهود، رغم أن المُراد هو أن يتم الأمر بعيدًا عن الأنظار، ومن دون تصريحات من قِبل السياسيين على الإطلاق.

الجانب الأقل ودًا من العملية هو الفائدة التي سيجنيها الإيرانيون من استخدام منظومات سلاحهم في ميدان المعركة في أوكرانيا. ليس فقط أن العلماء والخبراء الإيرانيون يستطيعون أن يحسنوا دقة مسيراتهم وصواريخهم وقدرتها التدميرية وفق الخبرة التي سيحصلها الروس في أوكرانيا؛ وإنما سيتعلمون أيضًا كيف يحولون مسيراتهم وصواريخهم لتصبح محصنة في وجه الأدوات المضادة التي سيطورونها في الغرب (ربما بمساعدة إسرائيل)، وسيتعلمون تطوير أساليب استخدام تشغيلية تتجاوز الأدوات الدفاعية. ميادين القتال على الإطلاق، وفي أوكرانيا بالذات، المعامل التجريبية النهائية التي تحدث فيها مسابقات التعلم.

التقنية التشغيلية بين الأطراف، والتي ينتصر فيها عمومًا المنتصر في الحرب أيضًا. الإيرانيون من خلال الروس (كالمعتاد من خلال “الوكلاء” – المبعوثين) ينافسون الآن في الدوري العالمي لمطوري ومنتجي الأنظمة القتالية الذكية ويجمعون الخبرة. لا شك بأن العلماء والمهندسين الروس سيساعدونهم ويستخلصون معهم العلم الذي حصلوه في أوكرانيا في استخدام الأنظمة الإيرانية وغيرها، هذه ليست بشرى إيجابية من منظور إسرائيل.

وإلى من نسي، إسرائيل اضطرت ونجحت في مواجهة المسيرات والصواريخ الإيرانية التي تستخدمها روسيا، والتي على ما يبدو سوف تستخدمها فيما بعد في أوكرانيا. لذلك، أغلب الاحتمالات أن نكون نحن – عاجلًا أم آجلا – من يجب أن يواجهوا القدرات الإيرانية المحسنة والمدمرة. إسرائيل لها مصلحة ولديها المادة الاستخباراتية والمعرفة التقنية التي من شأنها أن تسهم في مجهود التطوير الغربي الذي سيدافع عن المدن الأوكرانية في وجه المسيرات والصواريخ الإيرانية. في جميع الأحوال، من المُفترض أن تحصل إسرائيل فائدة أمنية كبيرة من المعلومات التي سيجمعها الغرب نتيجة مواجهة المسيرات والصواريخ الإيرانية في أوكرانيا. إنه سبب آخر يحتم علينا القول بأن من واجبنا عمليًا وأخلاقيا أن ننزل عن الجدار، وأن نجد سبلًا للمساعدة في المجهود الحربي الدفاعي الأوكراني، لكن دون ان نقحم أصابعنا في عين الروس.

الروس متنبهون لهذه الاحتمالية ويخشون منها، الدليل على ذلك هو التهديد الذي أسمعه الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف (الذي يشغل اليوم منصب نائب رئيس المجلس الروسي للأمن القومي) في الرد على أقوال الوزير نحمان شاي الذي طلب أن نساعد أوكرانيا علانية. مدفيديف حذر إسرائيل من أن إرسال العتاد الإسرائيلي إلى أوكرانيا سيكون “خطوة متهورة للغاية”، واضحٌ جدًا أنه كان تهديدًا، والقصد أنه إذا ما ساعدت إسرائيل بشكل فاعل في المجهود الحربي الأوكراني، فإن القوات الروسية المتواجدة في سوريا من شأنها ان ترد بأن تقيد حرية عمل الجيش الإسرائيلي في الإحباط، في إطار معركة ما بين الحروب، والتمركز الإيراني ومصانع تدقيق الصواريخ الإيرانية – اللبنانية في سوريا. روسيا لديها في سوريا بطاريات صواريخ أرض – جو في أجواء سوريا ولبنان، لكن وضع الجيش الروسي غير المقلق لا يسمح اليوم لقوة البعثة الروسية في سوريا بالعمل للدفاع عن مصالحها حتى تحت التهديد الروسي لكن ليس من المرغوب فيه على الإطلاق التورط في مواجهة مع قوة عظمى عالمية، سيما أنه في وضع يشبه وضع حيوان مصاب ولا نعرف كيف سيكون رد فعلها.

من الجانب الفكري والدبلوماسي، حكومة إسرائيل ومواطنيها عليهم بادي الرأي ان يربتوا على أكتاف أنفسهم بسبب حقيقة أنه يتحقق الآن وأمام ناظرهم جزء كبير من التحذيرات التي أطلقها وما يزال يطلقها قادتنا على مسامع قادة الغرب. كما توقعوا في إسرائيل، إيران بقادة الملالي عملت إثر الحرب في أوكرانيا لصالح “محور الشر”، أي لمعسكر الدول التي فيها نظام قمعي ويسيطر فيها طغاة “ديكتاتوريون” كما في الصين وبيلاروسيا وكوريا الشمالية. هذا المعسكر يعتبر الدول الديمقراطية الليبرالية عدوًا ثقافيًا، سياسيًا وماديًا، يجب أن يقضى عليه لأنه يشكل خطرًا وجوديًا.

من الواضح الآن أيضًا أن إيران وصناعتها العسكرية التقليدية تشكل تهديدًا ماديًا حقيقيًا على السلام والاستقرار في العالم عمومًا، وعلى أوروبا على وجه الخصوص. سهل ومهم – لا سمح الله – أن ينجح الإيرانيون في تطوير وإنتاج سلاح نووي لأنفسهم. انضمام الملل المتحمس تقريبا للمعسكر المساعد لبوتين وداعمه، يقولون في إسرائيل أنه يوجب على الغرب التعامل مع إيران على أنها عدو وليس شريكًا محتملًا. لذلك، لا يجب أيضًا ان يتوصلوا معها إلى حل بشأن الاتفاق النووي المتجدد. مثل هذا الحل، يقولون في إسرائيل، سيؤجل لعدة سنوات لا أكثر تحقق التهديد النووي الإيراني، وفي ذات الوقت سيزيد التهديد التقليدي المنعكس من طهران من خلال المليارات التي ستتدفق إلى صندوق الملالي والحرس الثوري عندما ترقع العقوبات.

لكن وحسب جميع الدلائل، في واشنطن وفي مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لا يوجد أتباع ومؤيدين كثر للرؤية الإسرائيلية. وزير خارجية الاتحاد الأوروبي البلجيكي جوزيف بورال كان قد ألمح إلى أنه لا يزال غير مقتنع بأن إيران زودت روسيا بمسيرات هجومية، وطلب أن يعرضوا عليه أدلة واضحة تقنعه بأن هذا قد حدث فعلًا، رغم كثرة الحقائق المصورة. أمريكا في المقابل ترفض الربط بين المساعدات الإيرانية واجتياح روسيا لأوكرانيا وبين تجدد الاتفاق النووي. لذلك، من المُمكن حقًا الافتراض بأن الإيرانيين، الأوروبيين والأمريكيين سيسارعون إلى التوقيع على الاتفاق النووي المتجدد، بحجة أنهم بذلك يكسبون على الاقل الوقت للتفكير في حل مُجدٍ ومستقر أكثر يمنع حصول إيران على السلاح النووي. يحتمل إلى حد كبير ألا يعلقوا آمالًا كبيرة في إسرائيل بحقيقة أن إيران عمقت مؤخرًا صورتها كـ “دولة منبوذة” في العالم الغربي. اتفاق النووي المتجدد بين إيران والقوى العظمى ما يزال مطروحًا، وسيعودن لمناقشته بعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة في الشهر المقبل.

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في الدراسة تعبّر عن صاحبها فقط، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة مصدر الإخبارية.

أقرأ أيضًا: الاحتلال قلق من استخدام روسيا المسيرات الإيرانية