الانسحاب الإسرائيلي من غزة.. خطة لتعزيز الانقسام أم إقرار بنجاعة المقاومة؟

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي

تُصادف اليوم الاثنين الثاني عشر من شهر أيلول/ سبتمبر للعام 2022 الذكرى السابعة عشر للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، تحت مسمى “خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية 2005” في خُطوة لتجميل صورة النصر التي صنعتها الفصائل الفلسطينية عبر الكفاح الشامل ضد الاحتلال.

ففي الخامس عشر من شهر آب/ أغسطس للعام 2005، بدأت (إسرائيل) إخلاء 21 مستوطنة كانت مُقامة على مساحة 35,910 دونمًا من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته نحو 360 كيلو مترًا مربعًا، وكان يقيم فيها نحو ثمانية آلاف مستوطن.

يرى محللون أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة كانت مقدمة للانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، بينما يرى آخرون أن “الاندحار” كان سببًا طبيعيًا لقوة ضربات المقاومة والخسائر التي تكبدتها (إسرائيل) بعد سَيل العمليات الفدائية.

بلورة استراتيجية مُقاوَمَة مُوحدة

يقول الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، “الاندحار الإسرائيلي من غزة أكد قُدرة شعبنا الفلسطيني على انتزاع ولو جزءًا من حقوقه المشروعة مِن الاحتلال نتيجة المقاومة الشاملة ضد الاحتلال”.

وأضاف في تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، أن “الشعب الفلسطيني يُثبت يومًا بعد يوم أنه حاضنة أصيلة للمقاومة وسيبقى قابضًا على الجمر لتحقيق الإنجازات رغم آلة الحرب الصهيونية”.

وأشار إلى أن “رغم امتلاك الاحتلال آلة البطش العسكرية، إلا أنه لم يستطع الوقوف بوجه المقاومة المتصاعدة فآثر الهروب من قطاع غزة، آملا الحصول على الأمن والهدوء”.

ودعا قاسم، إلى ضرورة بلورة استراتيجية مُقاوَمَة مُوحدة مِن قِبل جميع الفصائل والقوى الفلسطينية، تتبنى المقاومة كخَيار استراتيجي في مفهومها الشامل، لنقل نموذج الُمقاوَمَةْ إلى جميع أماكن تواجد الاحتلال لرفع كُلفة الاحتلال في الساحات كافة.

وشدد على أن “شعبنا الفلسطيني سيُواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حقه في إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، في ظل مساعي الاحتلال عبر الحصار المفروض على غزة تفريغ النصر “في إشارة للانسحاب الإسرائيلي”، من مضمونه مِن خِلال انتزاع مواقف سياسية وهو ما فشل في تحقيقه طِيلة 17 عامًا لأن شعبنا الفلسطيني متمسك بحقوقه ولا يُفرط ولا يُساوم”.

صورة تكتيكية وأهداف استراتيجية

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني العقاد، أن “الاحتلال لم ينسحب من غزة بل أعاد الانتشار حولها، وتم ذلك بصورة تكتيكية ولأهداف استراتيجية يُحاول تحقيقها في الوقت الحالي عبر الفصل ما بين قطاع غزة والضفة الغربية بهدف إخراج “غزة” من دائرة الصراع للاستفراد بالضفة الغربية والقدس على الوجه الذي يريد”.

وأضاف في تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، أن “الانسحاب لم يتم جُزافًا أو ضعفًا وانهزامًا رغم تلقي ضربات المقاومة الموجعة حيث عندما أدرك بأنه ليس بغزة ما يُمكن الرهان عليه أراد حَل العُقدة لصالحه عبر فصل قطاع غزة وانهاء الصراع مع الفلسطينيين داخل القطاع”.

ورجّح العقاد، تكرار ذات السيناريو مع مناطق آخرى داخل الضفة الغربية بهدف تشتيت الفلسطينيين والاستفراد بمُدن عن دونها للقضاء على جذوة النضال داخلها وهو ما يفشل به دائمًا نتيجة الايمان بخيار المقاومة الشاملة والتوحد خلف وصايا الشهداء.

وأشار إلى أن الانسحاب من قطاع غزة شكّل أمرين مُهمين هما أن “الانسحاب من قطاع غزة كان نتيجة المقاومة الشاملة من جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء فمِنْ شعبنا من قاوم بحجر، وبندقية، وبالقلم، والمقلاع”، والأمر الثاني يتمثل في ترك ساحة معينة تستقوي بها بعض الأحزاب السياسية التي تتبنى خيار المقاومة”.

وتابع، “عندما جلبت أحزاب المقاومة السلاح من الخارج كانت الحدود مع مصر مفتوحة ولم يُسيطر عليها الاحتلال بالكامل وفرض سيطرته على البحر ومنطقة “إيرز” والحدود الشرقية”.

وأكمل، “الاحتلال أراد إنشاء جماعات أيدلوجية في قطاع غزة، ما شكّل باكورة الانقسام على الأرض الذي تطور لاقتتال داخلي مازال مستمرًا حتى اليوم رغم اتخاذه شكلًا دبلوماسيًا وسياسيًا لكنه يُفتت القضية الفلسطينية والولايات المتحدة و”إسرائيل” تتصرف وفق هذا الأساس”.

رفع كُلفة الاحتلال

أما القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، أكد أن “الاحتلال الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة، ولولا ضربات المقاومة التي أوجعت الاحتلال الصهيوني وجعلت جيشه الإسرائيلي وفي مقدمته رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون “بلدوزر إسرائيل وملك ملوكها”، يشعر بتكلفة باهظة نتيجة احتلاله قطاع غزة نتيجة العمليات النوعية للمقاومة”. وفق قوله.

وأضاف في تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، “شارون كان يتغنى أمام العالم أن نتساريم كتل أبيب، إلا أنه وجد نفسه يخرج منها مذمومًا مدحورًا، لافتًا إلى أن وحدة ضربات المقاومة هي التي ضغطت على الاحتلال الصهيوني للاندحار من قطاع غزة”.

وتابع، “بذات الأسلوب والنهج والأدوات نستطيع جعل الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية والقدس يشعر بالتكلفة الباهظة نتيجة احتلاله وعدوانه مِن خِلال تعزيز حالة الاشتباك المستمرة واستنزافه قُدراته وجنوده على الأرض”.

وشدد، على أن “الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة أثبت أن المقاومة هي الخَيار الوحيد لدحر الاحتلال ونردع جرائم قطعان مستوطنيه عن أبناء شعبنا، وهو ما يُدلل على أن خيارات أوسلو كانت خَيارات زائفة لم تجلب إلا مزيدًا من الضياع للقضية الفلسطينية”.

الضفة الغربية على درب التحرر

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، إن “الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005 ربما يتكرر اليوم في الضفة الغربية بما يُؤكد تصاعد المقاومة وعدم توقفها عند حدود قطاع غزة وظهر ذلك واضحًا بازدياد العمليات المسلحة في العديد من المُدن “جنين، طولكرم، نابلس، الخليل” وصولًا إلى غور الأردن”.

وأضاف في تصريحات لشبكة مصدر الإخبارية، أن “المقاومة تشتد وتسعد لمرحلة أقسى مما كانت عليه سابقًا ما يُؤكد عدم بقاء أي مدينة فلسطينية في الضفة إلا وستنتفض بوجه الاحتلال”.

ورجّح الصواف، تأخر اندحار الاحتلال من مُدن الضفة الغربية أُسوة بقطاع غزة، بأنه “ناتج عن القبضة الأمنية والتنسيق الأمني الذي تتبعه السلطة الفلسطينية، وهو ما تسبب في زيادة التغول الاستيطاني وزيادة اعتداءاته بحق المواطنين العُزل في الضفة والقدس والداخل المحتل”.

وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية لم تعد قادرةً على حماية نفسها، في ظل محاولات الاحتلال ارهاب السلطة والغاء وجودها على الأرض، معتبرًا أن اشتداد المقاومة بالضفة الغربية سيُساعد السلطة على انهاء نفسها بذاتها، وسيكون العنوان الأبرز هو المقاومة وليس التعاون مع الاحتلال”.

جدير بالذكر أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، احتلت القطاع عام 1967، وظلت مسؤولة عن إدارته حتى قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994، فأسندته لها، فيما أبقت على قواتها في مجمعاتٍ ومستوطنات مركزية داخل القطاع، كان يسكنها أكثر من 6 آلاف مستوطن، فيما أٌقيمت أول مستوطنة في قطاع غزة باسم “نیتسر حازاني” عام 1976، فيما أنشأت آخر ثلاث مستوطنات صغيرة عام 2001 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.