عن جدوى لجان التحقيق

بقلم- مصطفى ابراهيم:

موقف السلطة الوطنية الفلسطينية رفض الطلب الإسرائيلي بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة، في قتل الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة، وتمسكها بموقفها الرافض خطوة مهمة في الطريق لتحميل دولة الاحتلال المسؤولية. وأتمنى أن تبقى السلطة صامدة وعدم الرضوخ للضغط الأمريكي الذي من المتوقع أن تمارسه على السلطة، أو الوثوق بالوعود والابتزاز الإسرائيلي.

الموافقة تعني ضمناً أن هناك شبهة ما ضد الفلسطينيين، وقد تحرف دولة الاحتلال الهدف من هذا التحقيق وتملصها من المسؤولية، وان هناك طرفين يتحملان المسؤولية.

جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان له قال: إنه ليس مستبعدا أن يكون مقتل مراسلة قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، في مخيم جنين، سببه إطلاق جندي إسرائيلي النار من بندقية عليها منظار تليسكوبي.

وفي هذا السياق قال الوزير الصهيوني نجمان شاي: إن “الجثة لديهم، والرصاصة لديهم والمستمسكات لديهم، ولذلك من الصعب جدا إجراء تحقيق في الهواء إذا لم تكن تريد رؤية الجثة نفسها”.

تمارس دولة الاحتلال الضغط على السلطة، ومطالبتها بتسليمها الرصاصة التي اغتالت أبو عاقلة، التي استخرجها معهد الطب العدلي في جامعة النجاح في نابلس من رأس الشهيدة. يعني أنها تطالب بالحصول على الدليل التي ارتكبت من خلاله جريمتها.

وهي مستمرة في وقاحتها بالترويج لدعايتها من خلال ما تسمى “هيئة الإعلام القومي”، وجهت رسالة الي الوزراء والهيئات الإعلامية الإسرائيلية، من أجل ترويجها إلى دول العالم والصحافة الدولية، مضمونها أن “إسرائيل توجهت بطلب لإجراء فحص مشترك، لكن الفلسطينيين يرفضون ذلك حتى الآن. ومن ليس لديه شيء يخفيه، لا يرفض التعاون”.

التحقيق ليست مهمة الفلسطينيين، الذي ينحصر موقفهم في التوثيق وجمع المعلومات والأدلة والشهود التي تساعد في التحقيق في عملية القتل، وتقديم ملف مكتمل الأركان لجهات التحقيق الدولية.

من خلال تقديم ملف للمحكمة الجنائية الدولية، أو من خلال تشكيل لجان تقصي الحقائق أو لجان التحقيق الذي يشكلها وشكلها مجلس حقوق الانسان الأممي، او المقررين الخواص التابعين للأمم المتحدة، كما جرت العادة التحقيق في جرائم الاحتلال والانتهاكات اليومية ضد الفلسطينيين خلال السنوات الماضية.

والامثلة عديدة ولم يكن أخرها اللجنة التي شكلها مجلس حقوق الانسان، العام الماضي في شهر مايو/ آيار، على إثر الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال هبة الكرامة، والعدوان على غزة (سيف القدس)، للتحقيق في جرائم الاحتلال في جميع الأراضي المحتلة وليس في القطاع فقط، بل في الضفة الغربية والقدس ومناطق الـ ٤٨.

ومع ذلك تجربة الفلسطينيين مع لجان التحقيق الدولية، والتي جرمت دولة الاحتلال، وأكدت تلك اللجان على ارتكاب دولة الاحتلال جرائم قد ترقى الى جرائم حرب، ولم تنفذ أي من توصيات تلك اللجان، فالأليات التعاقدية في الأمم المتحدة عقيمة وإجراءات التنفيذ تخضع لموازين القوى والتي تتحكم فيها الولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية.

والسؤال المطروح من الشعب الفلسطيني ما هي حدوى التحقيق؟ وكيف سيكون ذلك مع اللجان التي تشكلها دولة الاحتلال؟ ولم يحاسب أي من المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم التي ارتكبتها في سياق احتلالها للأراضي المحتلة، منذ النكبة والتهجير والاقتلاع والطرد والجرائم الجماعية والمستمرة حتى يومنا هذا.

دولة الاحتلال تشكل لجان تحقيق للتحقيق مع نفسها، وعليه فإن شعبنا يتهم الاحتلال ودولته، وكيف يقبل بأن يحقق المجرم مع نفسه؟ لذا يرفض الشعب الفلسطيني هذه اللجان، فهم لا يثقون بكل المنظومة القضائية الإسرائيلية الاحتلالية التي هي شريك بل هي جزء أصيل من النظام الإسرائيلي الذي يمارس ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين.

وفي هذا السياق وما يكرره الاعلام الفلسطيني، وقد يبدو أنه ترويج للدعاية الإسرائيلية وخطابها، وكأنه هناك طرفين في حكومة الاحتلال، بين اشرار وأخيار، والتركيز على تصريح الوزير الصهيوني نجمان شاي، وهو تصريح تضليلي الهدف منه اظهار دولة القتل, وكأنها دولة قانون تحترم حقوق الانسان. وبالتدقيق في تصريحه يظهر خطورته ودفاعه عن دولة الاحتلال وسمعتها، وتبييض وجه جيش الاحتلال.

شاي قال: ربما هناك حاجة إلى أخصائي أميركي، يكون بإمكانه منح البُعد الدولي، ويضيف مصداقية لهذا التحقيق، فمصداقية إسرائيل ليست أعلى ما يكون في حدث كهذا.
وأضاف أن “الجنود الإسرائيليين لن يمثلوا أمام أي تحقيق دولي. والتحقيق في الموضوع العملياتي ينفذه الجيش الإسرائيلي، وإذا كانت هناك حاجة إلى دعم قانوني للتحقيق، فسيتم دعمه. ولن نفتح تحقيقا خارجيا.

والأمر الأساسي الذي أريد معرفته، ويجب أن نعرفه، هو هل إطلاق النار كان من جانب قواتنا أم من الفلسطينيين الذين تواجدوا هناك. واتهم شاي الفلسطينيين بالكذب.

هذا يدلل على حقيقة دولة الاحتلال ومواقف ما يسمى اليسار الصهيوني هي موقف اليمين والوسط وان اختلفت التصريحات، وغيرهم من “المعتدلين”.

فكيف سيكون الموقف الأمريكي والغربي والذي يطالب بتحقيق مستقل ونزيه وعادل، وهو لم يوافق على اصدار بيان من خلال مجلس الأمن الدولي لإدانة الجريمة وممارسة ضغط حقيقي لمساءلة دولة الاحتلال وعدم افلاتها من العقاب، ولا تزال مستمرة بفرض عقوبات جامعية وقتل الفلسطينيين بكافة الوسائل.

جريمة قتل شرين أبو عاقلة، وحدت الكل الفلسطيني، ورأينا ذلك في جنازة تشييع شيرين، والمشهد المهيب في توديعها، كما رأينا الدناءة والقذارة والوحشية التي مارستها دولة الاحتلال بمهاجمة جثمان شيرين، ومحاولتها مصادرة الحزن والألم والغضب الفلسطيني.

خلال عام وفي شهر مايو/ آيار ايضاً توحد الفلسطينيين مرتين، المرة الأولى في هبة الكرامة، والمرة الثانية في الغضب والحزن على قتل شيرين.

فهي فرصة أخرى للشعب الفلسطيني، والاستمرار في النضال من أجل الحفاظ على كرامته وحريته، وتكريم شيرين بالدفاع عن حقها بالإنصاف والعدالة، ودفاعاً عن عدالة قضيته وحريته.

الفرصة قائمة والمشوار طويل مع دولة الاحتلال، ومع الولايات المتحدة والغرب شركاء الاحتلال في جرائمه وسياسة الكيل بمكيالين، وما نشاهده من عنصرية الغرب والانتصار للرجل الأبيض في أوكرانيا.

حتى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يعمل في هذا السياق، مع أن واجبه التحرك فوراً في فتح تحقيق في جريمة اغتيال شيرين.

من الضروري الاستمرار في السعي والضغط على القيادة الفلسطينية والرقابة على سلوكها، ومساندتها في موقفها الرافض لتحقيق مشترك، وضمان عدم المساومة، واتخاذ مواقف اكثر صرامة والضغط على دول الاتحاد الأوروبي بالتحديد، والمطالبة باتخاذ مواقف حقيقية والتوقف عن ممارسة اصدار بيانات الإدانة والاستنكار فقط.

دولة الاحتلال لن تتوقف عن سلوكها الاجرامي، وما جرى في جنين أمس الجمعة يؤكد استمرارها في التصعيد العسكري الدموي، وممارسة سياستها في الفصل بين الساحات الفلسطينية، وعدم ارتباطها وتواصلها، وابتزاز السلطة وحكومة غزة بتقديم تسهيلات اقتصادية.

وذلك للخروج من أزمتها وتخبطها، وممارسة عملية الاحتيال والتضليل من خلال تشكيل لجنة تحقيق للمماطلة والهروب من المسئولية.

في الذكرى الـ ٧٤ للنكبة تعميق أزمة دولة الاحتلال وفشلها الأمني، واجب وطني، وافشال أهدافها الاستراتيجية في عدوانها والاستفراد بكل منطقة للانقضاض عليها بسهولة، ولمواجهة هذه السياسة يتطلب ذلك عمل وجهد وطني حثيث وحقيقي، من أجل دم شيرين ودماء الشهداء اللذين عبدوا الطريق للحربة والاستقلال.