الفسيخ”.. من الفراعنة إلى غزة عادات العيد المُتوارثة

رؤى قنن _ مصدر الاخبارية
في أول يوم من أيام عيد الفطر المبارك صباحاً، اعتاد الفلسطينيون في قطاع غزة على تناول السمك المملح أو ما يُعرف محلياً بالفسيخ، وتعد من أشهر الأكلات ذات الطقوس الاجتماعية الشائعة والموروثة من القدم في القطاع.
ومع قُرب حلول عيد الفطر لهذا العام تنتشر في شوارع غزة أنواع متعددة من السمك المملح ” فسيخ”، لتغزو رائحته القوية والنفاذة أزقة وشوارع الأسواق الفلسطينية.
وعادة ما تُقدم هذه الوجبة المالحة على وجبة الإفطار برفقة طبق من البندورة المقلية مع الكثير من الفلفل الأخضر، لتشكل أفضل وجبة طعام في صباح العيد بالنسبة للغزيين.
لاستعادة الصحة
ويعتقد العديد من أهل غزة أن هناك فوائد كبيرة لوجبة “الفسيخ” وأهمها تعويضهم عن الأملاح التي فقدوها في الجسم خلال الصيام ، كما أنه يقي الجسم من الإرهاق والتعب ويساعد المعدة على استرداد عافيتها.
الحاج ابو محمد يبلغ من العمر ما يفوق الستين، يعاني من ضغط مزمن ولديه من أمراض القلب ما لا يوصف، قال في حديثه لشبكة مصدر الإخبارية” عشت طفلا مع أبي وأجدادي كانوا يفطرون كل صباح عيد على الفسيخ، وحتى اليوم أنا وأبنائي وأحفادي لم نتنازل عن هذه العادة الجميلة”.
وحول سلبيات تناول وجبة الفسيخ على أمراضه من ضغط وقلب وغيرها، قال:” الطبع غلب التطبع، وما تربينا عليه من الطفولة لن تمنعنا عنه الأمراض”.
صناعة الفسيخ
أم أحمد من مخيم دير البلح، لا تثق بالفسيخ المستورد كما تقول لمصدر، فهي تقوم بتجهيز الفسيخ لديها في المنزل قبل حلول العيد بفترة قد تصل لأسبوعين متواصلين.
وتشرح مفصلة حول كيفية صناعته في المنزل:” أشترى السمك من السوق ومن ثم اعمل على دفنه في الملح، واضعه في علبة محكمة الاغلاق في مكان بارد وجاف حتى حلول العيد، موضحة أن وجبة الفسيخ هي الوجبة المفضلة لها ولعائلتها في عيد الفطر.
الحاجة أم يزن تشارك نفس التقاليد والعادات كما تفعل أم أحمد في صناعة الفسيخ منزليا، فهي الأخرى تعد وجبة الفسيخ أول أيام العيد منزليا ولا تشتري المستورد، أو حتى المحلي منه، باعتباره الوجبة المعروفة والتي تم توارثها عن العائلة، ويفضل أبناؤها جميعاً تناولها.
وتعد طريقة طهي وجبة الفسيخ المملح سهلة للغاية ولا تحتاج ربة البيت لساعات طويلة وأدوات عديدة لتحضيرها، وهو الأمر الذي يجعل من الوجبة سريعة التحضير.
وتشكل أسماك البوري والجرع والسريدين أشهر الأسماك المحولة إلى الفسيخ، وذلك لانخفاض اسعارها وجودة لحومها وخصائصها التي تحافظ على اكبر قدر من اللحوم فيها.
استهلاك كبير
ويؤكد أبو حسين صاحب سوبر ماركت كبير في وسط مخيم دير البلح بغزة، أنه يقوم بصناعة وبيع الفسيخ بنفسه كل عيد، مبينا أن سمك البوري يحتاج إلى ثلاثة شهور كي يتم تمليحه وتحضيره للعيد، أما سمك الجرع فيحتاج أربعين يوما فقط من أجل التجهيز .
ويستهلك أهالي غزة ما يقارب من 30 ألف طن من السمك المملح “الفسيخ” خلال أيام العيد المبارك.
ويوضح أبو حسين لمصدر الاخبارية قائلا:” إن أنواع معينة من الأسماك هي المفضلة للفسيخ كالبوري والجَرِع وهي تباع طوال العام، لكن موسمها الرئيسي في عيد الفطر، مشيرا إلى أن الاستهلاك من قبل المواطنين يكون بكميات كبيرة وكبيرة جدا مع كل عيد من كل عام.
تاريخ قديم
ويعود أصله وصناعته كونه أكلة مصرية من عهد الفراعنة نظرًا لما قيل عنهم أنهم كانوا يمتنعون عن أكل السمك في الشتاء، فكانوا يحفظونه بطريقة التمليح لقتل الميكروبات الموجودة فيه، ثم يخزن بين طبقات من الملح.
وأظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ، إذ كان الأمر يعني لهم الخير والرزق، والوقاية الصحية.