تجد ماليزيا نفسها مجددًا في قلب جدل أمني حسّاس، بعد حادثة غامضة وقعت في مدينة مالاكا، أعادت إلى الواجهة النقاش حول احتمالات وجود تسلل أو نشاط إسرائيلي داخل البلاد، سواء عبر التجسس التقليدي أو الهجمات السيبرانية.
وبحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، بدأت القصة حين أوقفت الشرطة الماليزية مركبة رباعية الدفع تحمل ملصقًا مكتوبًا باللغة العبرية عليه عبارة: "ماليزيا وطننا".
وانتشرت الصور سريعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار سيلًا من التكهنات حول احتمال وجود رسالة مشفرة أو رمز مرتبط بإسرائيل.
لكن التحقيق الأوّلي كشف أن السائق مواطن ماليزي يبلغ من العمر 59 عامًا، قال إنه اشترى الملصق منذ نحو 13 عامًا وعدّل الكلمة الأصلية من "إسرائيل" إلى "ماليزيا" بدافع "اهتمامه باللغات الأجنبية".
ورغم هذا التوضيح، لم تُغلق السلطات الملف بعد، إذ أعلنت الشرطة أنها ستواصل التحقيق بمساعدة خبراء لغويين للتأكد من خلوّ النص من أي رموز أو إشارات استخباراتية.
حساسية أمنية متزايدة
وراء ما يبدو حادثة عابرة، تكمن حساسية أمنية متزايدة في ماليزيا تجاه أي نشاط مرتبط بإسرائيل.
فقد كشف رئيس الوزراء أنور بن إبراهيم في يونيو الماضي أن جهاز الموساد الإسرائيلي ينشط داخل البلاد عبر شبكات تهريب أسلحة ومخدرات، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين جُنّدوا للتجسس لصالح جهات أجنبية، وأن السلطات اعتقلت عددًا من المشتبه بهم.
وفي العام الماضي، أُوقف رجل يحمل الجنسية الإسرائيلية في فندق بالعاصمة كوالالمبور، وبحوزته أسلحة وذخائر. ورغم أن بعض التقارير ربطته بعصابات إسرائيلية، إلا أن أجهزة الأمن الماليزية رجّحت أنه يعمل كعميل ميداني تحت غطاء مدني.
هجمات سيبرانية وتهديدات رقمية
في الجانب الموازي، شهدت مؤسسات اقتصادية وتقنية ماليزية هجمات إلكترونية متكررة نُسبت إلى جهات إسرائيلية.
واستهدفت تلك الهجمات شركات مثل:
- Maxis للاتصالات
- Aminia المنتجة لزيت النخيل
- منصة التعليم YouTutor
- مركز تطوير شركة Dell في ماليزيا
وربط المركز الوطني للأمن السيبراني الماليزي بين هذه الهجمات وموقف ماليزيا السياسي الداعم للفلسطينيين والمعارض لإسرائيل.
أبعاد اجتماعية وسياسية داخلية
تواجه ماليزيا — ذات التعدد العرقي والديني — تحديًا في صياغة موقف موحد من إسرائيل.
فمن بين سكانها البالغ عددهم نحو 35 مليون نسمة، تشكل الأغلبية المسلمة المالاوية الكتلة الأشد تعاطفًا مع القضية الفلسطينية، بينما لا تبدي المكونات الصينية والهندية الاهتمام ذاته، ما يجعل أي تصعيد سياسي مرتبط بإسرائيل قابلًا لإحداث انقسامات داخلية.
كما يعيش في البلاد أكثر من 3 ملايين مهاجر ولاجئ من دول مختلفة، يعاني بعضهم من البطالة وضعف الخدمات، مما يجعلهم — بحسب مصادر أمنية — أهدافًا محتملة للتجنيد من قبل أجهزة استخبارات أجنبية.
بين التعتيم والحذر الإعلامي
بحسب تقارير محلية، تعتمد الحكومة الماليزية نهجًا حذرًا في التعامل مع القضايا الأمنية الحساسة؛ فهي تسعى إلى طمأنة الرأي العام دون إثارة الذعر، وغالبًا ما تُوجّه وسائل الإعلام إلى تغطية الأحداث بنبرة هادئة ومحدودة التفاصيل.
لكن هذا التكتّم الرسمي، وفقًا لمراقبين، يفتح الباب أمام الشائعات والمعلومات المضللة ويُضعف الثقة العامة في البيانات الحكومية.
أما الفلسطينيون والعرب المقيمون في ماليزيا، فيحرصون على تجنب لفت الأنظار إليهم، خشية أن تُترجم هذه التوترات إلى قيود على وجودهم أو أنشطتهم داخل البلاد.