مصطفى إبراهيم - مصدر الإخبارية
مع دخول المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن وقف الحرب ضد غزة حيّز التنفيذ، تواجه الخطة تحديات سياسية وأمنية معقّدة تهدد إمكانية استمرارها وتحقيق أهدافها المعلنة، خاصة في ظل الرفض الإسرائيلي العلني لفكرة إقامة دولة فلسطينية، والانقسام الداخلي بين الجهات الإسرائيلية حول كيفية التعامل مع حركة حماس.
ففي الوقت الذي اعتُبر فيه الإفراج عن 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء، وتسليم جثامين أربعة آخرين، مقابل إطلاق سراح 1968 أسيراً فلسطينياً، إنجازاً أولياً، تصاعدت الانتقادات في إسرائيل بسبب عدم إعادة جثث 24 أسيراً آخرين. واعتبر مسؤولون في الحكومة والمعارضة ذلك تقويضاً لبنود الاتفاق، ما أطلق موجة تحريض ضد استكمال أي تسوية مع حماس أو الفلسطينيين عمومًا.
ورغم تنفيذ الجزء الأول من الاتفاق، لا تزال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منقسمة بشأن كيفية الرد على عدم استكمال حماس لتسليم الجثامين. ففي حين دعا قادة في الجيش إلى تنفيذ ردود "فورية وفتاكة" تجاه أي تهديدات محتملة، دعت جهات أخرى إلى التعامل مع كل حادثة على حدة، واتخاذ القرارات وفقاً لتقييم شامل يُعرض على وزير الأمن، يسرائيل كاتس.
في الوقت ذاته، أشارت تحليلات إسرائيلية إلى أن حماس قد تواجه صعوبات حقيقية في العثور على بعض الجثث، بينما تستخدم الأخرى كورقة ضغط في إطار "حرب نفسية". ورجّحت هذه التحليلات أن تبقى بعض الحالات غامضة لفترات طويلة، ما يعقد المشهد التفاوضي ويؤجج الغضب داخل إسرائيل.
على الصعيد الأميركي، يرى ترامب أن الحرب قد انتهت وأن إسرائيل خرجت منها منتصرة. وهو يركّز حالياً على "جني الثمار"، من خلال توسيع اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، وفتح المجال أمام مشاريع اقتصادية ضخمة. لكنه يدرك في الوقت نفسه أن تثبيت السلام وترسيخ واقع سياسي جديد يتطلب ضغطاً مباشراً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تحديات سياسية داخلية مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية العام المقبل.
ورغم أن خطة ترامب، المكوّنة من 20 بنداً، تحظى بدعم دولي نسبي، إلا أن الغموض المتعمد في تفاصيلها يعتبر نقطة ضعف رئيسية. فعدم تحديد آليات التنفيذ بدقة ساعد في إقناع الطرفين بالموافقة، لكنه يجعل المرحلة التالية أكثر تعقيداً. لا سيما في ظل عدم حسم قضايا أساسية مثل نزع سلاح حماس أو طبيعة الإدارة المستقبلية في غزة.
ورغم موافقة حماس على الخطة بشكل عام، فإنها لم تُعلن التزامها الصريح ببنود مثل التخلي عن السلاح أو عدم المشاركة في إدارة غزة. بل على العكس، عبّر قادة في الحركة عن رؤيتهم لدور سياسي لها بعد انتهاء الحرب، ما يفتح الباب أمام خلافات جديدة.
وفي هذا السياق، ترك الاتفاق عدداً غير مسبوق من القضايا ليُبت فيها لاحقاً، مما يضع عبئاً دبلوماسياً هائلاً على الأطراف المعنية، خاصة الولايات المتحدة.
ويمتلك ترامب ورقة ضغط قوية على نتنياهو، مستمدة من دعمه اللامحدود لإسرائيل خلال ولايته الأولى، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وضم الجولان المحتل. هذا الدعم جعله شخصية ذات تأثير داخل إسرائيل، تفوق في بعض الأوقات شعبية نتنياهو نفسه. وقد ظهر ذلك جلياً خلال خطابه الأخير في الكنيست، حين خاطب نتنياهو مازحاً: "يمكنك أن تكون ألطف قليلاً الآن، لأنك لم تعد في حالة حرب".
مع ذلك، فإن الحسابات السياسية الداخلية في إسرائيل قد تُفشل الخطة. فالتوجهات اليمينية المتشددة التي يمثلها إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش قد تدفع نتنياهو إلى التراجع عن التزاماته، خشية تفكك ائتلافه الحاكم. وقد عبرت أصوات من هذه التيارات عن رفضها لأي اتفاق لا يؤدي إلى استسلام كامل لحماس.
أما البند الأكثر إثارة للجدل في الخطة – والمتعلق باحتمالية قيام دولة فلسطينية – فقد أثار سخطاً واسعاً في الأوساط السياسية الإسرائيلية، خاصة بعد هجوم 7 أكتوبر، ما قد يدفع الحكومة والمعارضة معاً إلى رفضه تماماً. وهو ما يُضعف الحماسة العربية للاستمرار في دعم الخطة، وفق ما أكده السفير الأميركي السابق في إسرائيل دان شابيرو، الذي شدد على أن هذا البند كان شرطاً عربياً أساسياً للانخراط في جهود إعادة إعمار غزة ودعم التسوية السياسية.
وعلى الرغم من أن خطة ترامب تحققت جزئياً في مرحلتها الأولى، فإن مستقبلها لا يزال معلقاً بين التجاذبات السياسية في إسرائيل، والغموض في موقف حماس، والتقلبات الإقليمية والدولية. والسؤال المطروح اليوم: هل سينجح ترامب في فرض مساره على أطراف لم تحسم خياراتها بعد؟