في لحظةٍ كان يُفترض أن تكون الأكثر بهجةً بعد سنين القيد والعذاب، خلطت دموع الفرح بحرقة الفقد، وارتفعت تكبيرات النصر على وقع حكاية دامية لا تُنسى.
في يوم الاثنين، 13 أكتوبر 2025، عانق منصور عاطف ريان، الأسير المحرر من نابلس والمبعد إلى غزة، حريته من جديد، لكن قلبه كان يئنّ بصمتٍ موجوع؛ فقد فُجِع بخبر استشهاد نجله الأكبر عبيدة قبل أسبوع فقط من الإفراج عنه، متأثرًا بجراحه جراء قصف إسرائيلي على غزة.
اعتقال مبكر ومسيرة طويلة من الألم
ريان، الذي ينحدر من بلدة قراوة بني حسان بمحافظة سلفيت، اعتُقل للمرة الأولى وهو في السابعة عشرة من عمره، بتاريخ 2 أبريل 1993، بعد أن نفذ عملية طعنٍ داخل مستوطنة "كريات نطافيم"، أسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة زوجته.
حُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، وقضى 19 عامًا داخل الأسر، قبل أن تُفرج عنه المقاومة ضمن صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، ليُبعد إلى قطاع غزة، حيث بدأ حياةً جديدة، تزوّج، وأنجب، وعمل في الجمعيات الخيرية.
اعتقال جديد ومعاناة مضاعفة
لكن الاحتلال لم يترك ريان ففي مارس 2024، أُعيد اعتقاله من مدينة غزة، وقضى عامين آخرين في السجون، وصفهما بأنهما "الأقسى" من بين كل سنوات سجنه.
يقول ريان: "تعرضنا لتعذيب لا يتوقف صعق بالكهرباء، ضرب مبرح، كلاب شرسة، ومنع للصلاة والأذان، حتى البطانيات لم تكن تُمنح لنا إلا أربع ساعات في اليوم، وكنا ننام بقية الوقت على الأرض".
ويضيف أن سلطات السجن كانت تتعمّد إذلال الأسرى: "أحيانًا كانوا يُرغمون الأسرى على ضرب أحد زملائهم بالأحذية، وإن رفضوا، تدخل وحدة القمع لضرب الجميع".
قبل الإفراج عنه بأيام، نُقل ريان وعدد من الأسرى إلى قسم جديد دون معرفة الأسباب لاحقًا، بدأت المقابلات الأمنية التي كشفت أن هناك صفقة تبادل تلوح في الأفق.
يتابع: "كنا نخشى أن تفشل في أي لحظة"، مشيرًا إلى أن الشكوك لم تفارقه حتى لحظة خروجه من بوابة السجن.
حرية بطعم الحزن
خرج منصور ريان إلى الحرية، لكن دون أن يجد عبيدة في انتظاره، فقد سبقه إلى السماء، شهيدًا.
يصف: "ما أصعب أن تعود حيًا من الموت، لتكتشف أن جزءًا من روحك قد مات قبلك".