الأبرتهايد الإسرائيلي وتمزيق العائلات الفلسطينية
بقلم: جمال زحالقة
أقر الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين 7.2.2022، قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية بالقراءة الأولى، بأغلبية 44 صوتا من الائتلاف الحكومي ومعارضة خمسة نوّاب من القائمة المشتركة، ولم يشارك في التصويت نواب حزبي ميرتس والموحّدة الشريكين في تحالف حكومة بينيت.
ويعد هذا القانون عنصريّا بامتياز وترجمته في الواقع هي حرمان عائلات فلسطينية مكوّنة من أزواج على طرفي الخط الأخضر من الحصول على إقامة مشتركة في أراضي 1948. وتدّعي إسرائيل أن هذا القانون جاء لأسباب أمنية لمنع أعمال “إرهابية”، قد يقوم بها أحد أفراد هذه العائلات، ولكن ذلك لم يمنع سياسيين إسرائيليين من التصريح بأن السبب الحقيقي هو ما يسمّى التطبيق الزاحف لحق العودة، وضرورة المحافظة على التوازن الديمغرافي، وعلى أغلبية يهودية كبيرة.
في لقاء، بعيد التصويت على القانون، مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، الأربعاء 9.2.2022، صرحت وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييليت شاكيد، بأن رئيس الشاباك رونين بار، أتصل بها وحثّها على الاستعجال في تمرير القانون، وأضافت: “القانون يحافظ أساسا على الأمن وعلى الطابع اليهودي للدولة.. لا حاجة لغسيل الكلام، لهذا القانون أسباب ديمغرافية أيضا وهو يأتي ليمنع تنفيذا زاحفا لحق العودة”.
تنفرد إسرائيل في العالم بكونها الدولة الوحيدة، التي ترتكز قانونيا على مبدأ التراتبية بين المواطنين، وعلى نوعين من المواطنة، واحدة لليهود والثانية للفلسطينيين أصحاب الأرض.
وحين سئلت عن أن القانون يمس حقوق الإنسان أجابت: “صحيح لكن هذا المسّ لا يزيد عن الحد المعقول”. لقد استطاعت شاكيد تمرير القانون، رغم الخلافات الشديدة بين الائتلاف والمعارضة لأنه يقع في لب الإجماع القومي الصهيوني الإقصائي العنصري، ولأن كلمتي أمن وديموغرافيا لهما فعل السحر في الخطاب السياسي الإسرائيلي.
منذ إقراره في المرّة الأولى عام 2003، يجري كل عام تجديد سريان مفعول هذا القانون، وهو حتى الآن بحكم قانون مؤقّت ولم يتحوّل رسميّا إلى قانون دائم. وتعاني عشرات آلاف العائلات الفلسطينية من هذا القانون، وهي إما تضطر إلى العيش بشكل منفصل، أو بشكل مخالف للقانون الإسرائيلي. وتعيش هذه الأسر مأساة مستمرة وهي محرومة من أبسط حقوق الإنسان: الحق في إقامة العائلة.
ماذا يعني القانون
يعني هذا القانون تمزيق عائلات فلسطينية لأزواج من طرفي الخط الأخضر، وهو يفرض قيودا صارمة على الحصول على تصريح إقامة مؤقّته أو دائمة مع العائلة في أراضي 48، لفلسطيني او فلسطينية من الضفة الغربية أو قطاع غزّة. ويجب على الذين حصلوا على الإقامة المؤقتة سابقا، أن يجددوها على نحو دوري، ويمنعون من الحصول على رخصة سياقة وعلى خدمات صحّية. وتنسحب هذه التقييدات على الزوج والزوجة، والأب والأم والابن والبنت، ولا يجري الاعتراف بحق الإقامة المشتركة مع العائلة في أراضي 48، لمن هم من الضفة والقطاع، وجرى تعديل القانون عام 2007 وأضيف إليه من هم من مواطني سوريا ولبنان والعراق وإيران ويطلبون لم الشمل.
يكاد يكون من المستحيل على أزواج شابة فلسطينية من طرفي الخط الأخضر أن يحظوا بإذن إقامة في أراضي 48، ويؤدّي هذا الأمر إلى تعطيل مشاريع زواج وإقامة أسرة، والقانون الإسرائيلي بالمرصاد لأي مشروع حب من هذا النوع. وقد وصل الأمر ببعض القيادات الإسرائيلية، أن ادعت أن الشباب الفلسطيني يتعمّد الزواج من طرفي الخط الأخضر كمؤامرة على الدولة اليهودية، ولتطبيق زاحف لحق العودة، وزادت بعض هذه القيادات بأن قسما كبيرا منها زيجات صورية ومفبركة، وهدفها هو العيش داخل “إسرائيل” وتغيير واقعها الديمغرافي.
المحكمة العليا تقر القانون العنصري
قُدّمت عدّة التماسات ضد القانون إلى المحكمة العليا الإسرائيلية بطلب إلغائه، لأنّه غير دستوري ويناقض قوانين الأساس، ويشكل خرقا فاضحا لحقوق الإنسان الأساسية والطبيعية، وفي مقدمتها الحق في المساواة، فالقانون فيه تمييز واضح ويسري مفعوله على المواطنين العرب الفلسطينيين وليس على اليهود، الذين يطبّق عليهم قانون العودة بكل ما يتعلّق بالمواطنة والحق في الإقامة. كما أن القانون يقوّض الحق في إقامة العائلة، وهو حق إنساني أساسي في كل زمان ومكان. وطرح الملتمسون كذلك مسألة الحق في الحرية والاستقلال الشخصي وغيرها.
لقد رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الالتماسات بأغلبية ستة مقابل خمسة قضاة، وكان التبرير، أن الدوافع هي أمنية تخص “سلامة الجمهور” وليست ديمغرافية وتحمل طابعا عنصريا، كما ادعى القضاة بأن القانون لا يمنع الحق في الزواج وإقامة العائلة، فهذا الحق لا يعني، برأيهم، أن يجري تطبيقه في إسرائيل بالذات، ومجرد وجود إمكانية لتنفيذه خارج حدودها، تعني أن هذا الحق لم ينتهك، والتقييد ليس على الحق ذاته، بل على المكان، ما يعني أن المحكمة تقول لمواطن أو لمواطنة أنّه يمكن إقامة حياة عائلية ولكن خارج حدود الدولة.
من المثير أن المحكمة العليا في جنوب افريقيا في عهد الأبرتهايد تعاملت مع قضية لم شمل مماثلة لعائلة سوداء، وقررت أن الحق في إقامة عائلة هو حق مقدّس يتفوّق على كل قوانين الفصل، وأقرّت بأن هذا الحق ساري المفعول في مكان وجود أحد الزوجين، حتى لو كانت منطقة للبيض وحدهم.
عائلة الأبرتهايد
قائمة القوانين العنصرية في إسرائيل طويلة، وكلّها مشتقّة من المبدأ الناظم للكيان الإسرائيلي وهو مبدأ الدولة اليهودية ودولة اليهود، وهو يشكّل لب الفكرة الصهيونية، غير القابلة للتطبيق من دون إبرتهايد. والمواطنة المشتقة من مفهوم الدولة اليهودية هي مواطنة تراتبية، أي أن الدولة هي ملك لقسم من المواطنين هم المواطنون اليهود، وليس لهم وحدهم، بل هي ملك لليهود في كل أنحاء العالم، حتى لو لم تطأ قدمهم الأرض التي تقوم عليها. وقد أكّد قانون القومية الإسرائيلي، الذي سُنّ عام 2018 على أن أرض إسرائيل ودولة إسرائيل هما حق وملك للشعب اليهودي حيثما كان. وهكذا تنفرد إسرائيل في العالم بكونها الدولة الوحيدة، التي ترتكز قانونيا على مبدأ التراتبية بين المواطنين، وعلى نوعين من المواطنة، واحدة لليهود وتشمل امتيازات كثيرة والثانية للعرب الفلسطينيين، اهل البلاد الأصليين وهي في أحسن الأحوال مواطنة منقوصة. وتطرق المفكّر الفرنسي آلان تورين في كتابه “ما هي الديمقراطية” إلى هذه المسألة مشيرا إلى أن المساواة في الحقوق هي حجر الزاوية في الأنظمة السياسية الحديثة، وأكّد على أن “المجتمعات الحديثة تتجاوز النظام التراتبي (القديم) وتستبدل إنسان المراتب بإنسان المساواة (وتقوم) على اعتبار متساو للجميع من حيث الحقوق”. إسرائيل ما زالت تعتمد مبدأ التراتبية القانونية بالأخص بكل ما يتعلق بالمواطنة وملكية الدولة، فهي ليست دولة لجميع المواطنين على قدم المساواة، بل هي دولة يهودية وباقي المواطنين هم بمثابة “ضيوف”. سكان القدس الشرقية، مثلا، ليسوا مواطنين بل مقيمين وفق قانون “الدخول إلى إسرائيل”، ووفق هذا القانون هم “دخلوا” إسرائيل عام 1967، وليس إسرائيل هي التي احتلتهم. وهذا شكل ثالث للمكانة القانونية للواقعين تحت سلطة الدولة اليهودية.
هناك في ظل الحكم الإسرائيلي مجموعة مكانة درجة “أ”، هم المواطنون اليهود، ومكانة درجة “ب” لفلسطينيي 48، ومكانة درجة “ج” لأهالي القدس المحتلة. وبعدها تأتي مكانة القابعين تحت الاحتلال في الضفة الغربية بتصنيفات مناطق ألف وباء وج