ينتظر الصحافيون الفلسطينيون منذ 11 عامًا مضت، تنظيم انتخابات جديدة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين لاختيار جسم نقابي يتحلى بالمسؤولية والنزاهة والقوة لاستيعاب جميع الصحافيين وحمايتهم، والدفاع عن حقوقهم.
وفي شهر نيسان (أبريل) الماضي، أعلنت نقابة الصحافيين جدولًا زمنيًا ولوائح خاصة بتنظيم الانتخابات تستند إلى تعديلات أجرتها على النظام الداخلي للنقابة خلال “مؤتمر استثنائي” عقدته في 29 كانون الثاني (يناير).
ويعتبر صحافيون وممثلون عن الأطر والكتل الصحافية أن انتخابات نقابة الصحافيين المزمع تنظيمها غدًا وبعد غدٍ في رام الله وقطاع غزة تحرم آلاف الصحافيين من المشاركة والتصويت، ولا ترتقي بمستوى المهنة، مطالبين بوقف إجراءات عقدها إلى حين التوافق عليها.
وترى أطر وكتل صحافية أن الانتخابات “تم تفصيلها وتقييفها” على مقاس الأطر المشاركة في قائمة واحدة ستفوز حتما بالتزكية، نظرًا لعدم إفساح المجال لقوائم منافسة، بعد استبعاد مئات الأعضاء من الجمعية العمومية للنقابة.
وسعت كتل وأطر وشخصيات نقابية، منذ سنوات طويلة، إلى رأب الصدع بين التيارات المختلفة، من خلال تقديم مبادرات وأفكار ومقترحات للنهوض بالنقابة من دون جدوى.
وباءت بالفشل كل المحاولات لجسر الهوة، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وتشاركية، نظرًا لتعنت بعض الأطراف ورفضها كل المبادرات الهادفة إلى توحيد الجسم الصحافي.
وتعتبر الكتل والأطر الصحافية “المعارضة”، بما فيها حراك الصحافيين في الضفة وغزة، أن القائمين على النقابة يسعون ويعملون كل جهدهم من أجل إبقاء سيطرتهم عليها، وعدم إشراك أخرين استنادًا إلى التمييز بين الصحافيين على أساس الانتماء السياسي.
مبادرة الشعبية
ومساء أمس، فاجأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الكل الصحافي الفلسطيني بإصدار بيان تضمن “مبادرة” لحل أزمة النقابة.
ورحبت الكتل والأطر المعارضة غير المشاركة في الانتخابات بالمبادرة، التي دعت إلى فتح حوار جدي من أجل التوافق حول النقابة وانتخاباتها.
إلا أن القائمين على النقابة لم يلتفوا للمبادرة، وأعلنوا المضي قُدما في تنظيم الانتخابات غداً.
ودعت كتلة الصحافي الفلسطيني الذراع الصحافي لحركة “حماس” نائب الأمين العام لـ”الشعبية” جميل مزهر لقيادة الحوار الهادف للتوصل إلى توافق الجميع حول انتخابات النقابة.
وقالت الشعبية في بيانها إنها طرحت مبادرتها “إثر التباينات القائمة في شأن عقد مؤتمر نقابة الصحافيين الفلسطينيين المزمع عقده خلال اليومين القادمين (غدًا وبعد غدٍ)، ومناقشة الأمر (أمس) في اجتماع لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية”.
ودعت في مبادرتها إلى البدء في “حوار مسؤول بين الأجسام الصحافية كافة، لبحث التباينات القائمة، وبما يقود لاتفاق على عقد مؤتمر خلال فترة يُتفق عليها دون إقصاء أحد، ويعزز من مكانة ودور النقابة”.
وأكدت على “حرصها على وحدة النقابات والاتحادات الشعبية، وعلى أن تعكس عضويتها تمثيلًا حقيقيًا وشاملًا للفئات التي تمثلها، ودون أي إجحاف نتيجةً للانتماء السياسي” في إشارة إلى أن الانتخابات تجري على أسس فئوية وتمييز سياسي.
وشددت الشعبية على أهمية “تعزيز ديمقراطية النقابات والاتحادات من خلال عقد مؤتمراتها الدورية، وانتخاب قياداتها على مختلف المستويات”، معبرًة عن “رفضها أي محاولات لتعميم الانقسام البغيض على النقابات والاتحادات الشعبية، والعمل على أن تكون ميداناً نقيضاً له، وعامل إسناد لجهود إنهائه”.
ورحب كل من حراك الصحافيين الفلسطينيين، وتجمع الصحافيين المستقلين، والحراك الصحافي النقابي، والتجمع الإعلامي الفلسطيني، والمكتب الحركي للصحافيين- ساحة غزة، وكتلة الصحافي الفلسطيني بالمبادرة.
انتخابات نقابة الصحافيين مرفوضة
قال عضو الأمانة العامة في نقابة الصحافيين شريف النيرب: “نحن من النقابة، وجزء منها، وحقنا أصيل فيها، وندافع عن الأصل الحقيقي، الذي لابد أن يُتبع وهو النظام والقانون”.
ودعا النيرب خلال حديثه لـ”شبكة مصدر الإخبارية” الأعضاء في الأمانة العامة إلى الارتقاء بمستوى المهنة، والانصياع إلى الضوابط التي تنظم المهنة، لخلق بيئة حقيقية تؤمّن للصحافي الفلسطيني رعاية حقيقية ومؤسسة تدافع عن حقوقه”.
ووجه النيرب رسالة لنقابة الصحافيين، قائلًا: “كل الإجراءات التي ترتبت على إعلان الانتخابات بالنسبة لنا مرفوضة قولًا وفعلًا”.
فيما شددت رئيس تجمع الصحافيات الفلسطينيات وسام الغلبان على أنه “يجب تفعيل لجنة مهنية لفحص العضويات في النقابة، وضمان حق الصحافيات في الانضمام إلى النقابة وفق أسس مهنية عادلة”.
وأكدت الغلبان لـ”مصدر الإخبارية” على “رفض انتخابات النقابة التي لم تأتِ بإجماع الصحافيين، وتم استثناء عدد كبير من الزملاء الصحافيين والصحفيات العاملين في مؤسسات إعلامية لها وزنها، وأنه لا بديل عن نقابة تمثلنا جميعًا”.
وأشارت الغلبان إلى أنه “في ظل الاستهداف الكبير الذي يعاني منه الصحافيون والصحفيات والواقع الفلسطيني، واعتداءات الاحتلال المتواصلة في الضفة والقدس والداخل المحتل وقطاع غزة، يجب أن تكون هذه النقابة قوية يشارك فيها المجموع الصحافي، وتدافع عن حقوق وآمال كل الصحافيين”.
وطالبت الغلبان “بوقف إجراءات تنظيم الانتخابات المقررة غدا إلى حين التوافق عليها”، داعيًة إلى “إصلاح النقابة، وملف العضوية، وتنظيم انتخابات مهنية”.
وحثت على بدء حوار شامل يشارك فيه جميع الأطراف والمؤسسات الصحفية، للاتفاق على آليات إصلاح نقابة الصحفيين وتمهيد الطريق لانتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة.
نريد نقابة مهنية
الصحافيين لهم كلمتهم
اعتبر رئيس منتدى الإعلاميين الفلسطينيين ياسر أبو هين أن “ما يجري الآن من إعداد لانتخابات نقابة الصحافيين تعبير عن رغبة من يسيطر عليها بمصادرة صوت آلاف الصحافيين الذين حُرموا من العضوية في النقابة، لأنهم ليسوا من أصحاب الحزب الذي يسيطر عليها”.
وقال أبو هين لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إنه “من الواضح أن الجهة المسيطرة على نقابة الصحافيين لا تستمع لكل الأصوات العقلانية والمجموع الصحافي الممثل في مئات الصحافيين والكتل والأطر والمؤسسات التي ترغب بوجود نقابة مهنية قوية”.
وأضاف أن “الجهة المسيطرة على النقابة مستمرة في إقصاء وعدم الاستجابة لأي من المبادرات التي أُطلقت في السابق لإصلاح نقابة الصحافيين والوصول إلى نقابة مهنية تمثل كل الأطياف”.
وأكد أبو هين أن “حراك الصحافيين والأطر والمؤسسات مستمر، ولن نتوقف، حتى نصل إلى نقابة تمثل الجميع وسيكون للصحافيين كلمتهم”.
وبيّن أن “هناك حالة تجاوب وترحيب وقبول بالدعوة التي أطلقتها أمس الجبهة الشعبية باتجاه تأجيل الانتخابات وإعطاء فرصة للحوار والوصول إلى حل”.
نقابة الصحافيين ترد
وعلى رغم كل الأصوات المطالبة بتأجيلها، إلا أن نائب نقيب الصحافيين د. تحسين الأسطل أكد أن “انتخابات نقابة الصحافيين ستجرى في موعدها غدا، بمشاركة اتحاد الصحافيين العرب، والاتحاد الدولي للصحافيين، ووفود شعبية ورسمية”.
ووصف الأسطل لـ”شبكة مصدر الإخبارية” الانتخابات بأنها “عرس صحافي وتوافق وطني”، مشيرًا إلى أن “كتلة الصحافي والتجمع الإعلامي الفلسطيني طالبتا خلال المؤتمر الاستثنائي بعقد الانتخابات، وبضمانات لإجرائها حتى لو كانت حالة حرب”.
وشدد الأسطل على أن “النقابة مع الكل الصحافي، والعضوية فيها اختيارية وليست إجبارية”، مضيفًا أنه “لا مجال لتأجيلها ونحن أصحاب القرار”.
يُشار إلى أن آخر انتخابات نظمتها نقابة الصحافيين الفلسطينيين كانت عام 2012، فيما جرت سابقتها عام 2010، وسابقتها عام 1999، والتي قبلها عام 1993.
وينص النظام الداخلي للنقابة لعام 2011 على تنظيم الانتخابات كل ثلاث سنوات، إلا أن أعضاء النقابة المشاركين في “المؤتمر الاستثنائي” عدلوا هذا النظام لتصبح كل أربع سنوات.
وتشارك في الانتخابات التي ستُنظم غدًا أطر وتجمعات صحافية تتبع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، من دون مشاركة كتل وأطر للمستقلين، أو تابعة لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، الذين تم اقصاؤهم عن المشاركة.