أقلام – مصدر الإخبارية
محافظ نابلس يهزم رئيسة وزراء بريطانيا، بقلم الكاتب وائل قنديل، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:
رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس: أنا صهيونية كبيرة وداعمة لإسرائيل، والمملكة المتحدة ستدافع عنها.
الرئيس الأميركي جو بايدن: لا يشترط أن أكون يهوديا لأصبح صهيونيًا، وهذا أنا.
محافظ نابلس اللواء إبراهيم رمضان: هنالك أمهات شاذّات يرسلن أبناءهن إلى الانتحار، ويظهرن للآخرين أنهن مناضلات، هذه ليست أمّاً .. أجريت اتصالات مع المقاومين في المدينة من أجل الوصول إلى اتفاق لتسليم سلاحهم والحصول على عفو لهم من إسرائيل.
ضع التصريحات الثلاثة أمام بعضها وأجب عن السؤال: من الأكثر نفعًا للفكرة الصهيونية بين المتحدّثين الثلاثة؟ محافظ نابلس أم الرئيس الأميركي أم رئيسة وزراء بريطانيا؟ تصريحات محافظ نابلس ورئيسة الحكومة البريطانية جاءتا في توقيت واحد تقريبًا، فيما يعود كلام الرئيس الأميركي إلى سنوات مضت، لكنها تلازمه باعتبارها من مبادئه التي لا يحيد عنها.
في زعمي، كلام محافظ نابلس الذي يهين المقاومة والمقاومين، ويطعن في وطنية وإنسانية أمهات الأبطال، الشهداء منهم والأحياء، هو الكلام الأكثر ولاءً والأشد بسالةً في الكفاح من أجل الفكرة والمشروع الصهيونيين في فلسطين، بل أنه يتفوّق هنا على غلاة المعلقين الصهاينة، من نوعية المتحدّث باسم جيش الاحتلال، وفيلق المحللين الذين يضعون أقدامهم في وجه المشاهد العربي لقنوات التلفزة العربية التي تستضيفهم على الرحب والسعة.
يتفوّق الرجل، على رئيسة وزراء بريطانيا، فهي في النهاية وريثة وعد بلفور المشؤوم الذي انتزع أرض فلسطين من أصحابها الأصليين ومنحها لشراذم العصابات الصهيونية التي ضاقت بها القارّة العجوز، فقرّرت أن تبحث لها عن مكانٍ تتخلص منها فيه، ومن ثم ليس منتظرًا من رئيسة وزراء بلدٍ لا يملك سرق وطنًا من أهله وأعطاه لمن لا يستحقّ، لا ينتظر منها أن تكون حريصةً على الحق الفلسطيني ومدافعة عنه أكثر من هذا المحافظ.
يلفت الانتباه، في تصريحات الوزيرة الأولى البريطانية، أنها تأتي في توقيتٍ يبدو فيه عرب النفط وكأنهم يتحدّون أوروبا وأميركا، ويتحالفون مع روسيا بقرار تخفيض إنتاج النفط، والذي هو بمثابة إحكام الخناق على أوروبا المذعورة من فصل الشتاء المقبل.
لو أن هذه المسؤولة البريطانية كانت تستشعر تناقضًا بين النظام الرسمي العربي والاحتلال الصهيوني لحملت تصريحاتها نوعًا من الغزل، ولو من باب النفاق التجاري للنظام العربي، كأن تتحدّث مثلًا عن حق الفلسطينيين في دولةٍ على أرضهم، أو تتخذ بالحد الأدنى موقفًا محايدًا بين الاحتلال والواقعين تحت هذا الاحتلال. لكن رئيسة وزراء بريطانيا لم تفعل أيًا من ذلك، وبانت صريحة وقاطعة ومتطرّفة في إعلان صهيونيتها، وظنّي أنها تعلن ذلك واثقًة مطمئنًة إلى أن أحدًا من العرب الرسميين لن يغضب أو يحتجّ، مدفوعًة بيقين أن هناك بين العرب من هم أكثر منها صهيونية، ودفاعًا عن مصالح الاحتلال، وهل هناك أكثر خدمةً لمصلحة الاحتلال من أن يدين محافظ نابلس بوضوح أعمال المقاومة ضد الاحتلال، ويرى أن أفضل هديةٍ يمكن أن يقدّمها للفلسطيني المكافح من أجل استعادة وطنه هي تجريده من سلاحه وتسليمه للعدو، ثم محاولة الحصول على عفوٍ له من هذا العدو المحتل؟
الشاهد أن مسؤولًا صهيونيًا واحدًا، عسكريًا كان أم سياسيًا، لم يكن ليجرؤ على تقديم هذا العرض بهذا الوضوح، كما لم يكن ليتصوّر أن فلسطينيًا واحدًا، محترمًا، يمكن أن يستجيب لهذه الصفقة القذرة: إلقاء السلاح والتوبة عن المقاومة مقابل العفو الصهيوني.
يبقى مستغربًا هنا أن يطالب الغاضبون من تصريحات محافظ نابلس بإقالته بقرار من رئيسه محمود عبّاس، إذ تؤكّد كل الشواهد والأدلة أن هذه التصريحات مقتبسة من أرشيف عبّاس شخصيًا، فهو أكثر تطرّفًا في رفض مشروع المقاومة المسلحة، بوصفها ردًا مشروعًا على اعتداءات الاحتلال، من المسؤولين الصهاينة أنفسهم، ناهيك عن أن الرجل يمارس السلطة على مذهب التنسيق الأمني مع العدو، بوصفه ضرورة وجودية، ولا يخفي ذلك أبدًا، بل يفخر به، كما أعلن مطلع العام 2018 أن لقاءً شهريًا يجمعه برئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، معبرًا عن افتخاره بأن التنسيق الأمني بينه وبين جهاز الأمن العام للاحتلال ناجح بنسبة 99%.
عبّاس، ومحافظه في نابلس، أكثر التصاقًا بالمشروع الصهيوني من رئيس وزراء بريطانيا ومن الرئيس الأميركي.