القدس المحتلة – مصدر الإخبارية
أكد ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، أن “الهجوم الأمريكي على محكمة الجنايات الدولية ليس سوى إعلان صريح بأن العدالة في النظام العالمي المعاصر تخضع للابتزاز السياسي، لا للمبادئ القانونية. فإذا كانت هذه المحكمة الدولية تُعاقَب لمجرد ممارستها صلاحياتها ضد مجرمي الحرب المحميين بالتحالفات السياسية، فإن ذلك يشكّل اعترافًا دامغًا بانهيار النظام القائم على القانون لصالح نظام تحكمه القوة الطاغية والمصالح السياسية الضيقة.”
تُجسّد العقوبات التي فرضها البيت الأبيض على محكمة الجنايات الدولية نموذجًا فاضحًا لازدواجية المعايير في تطبيق العدالة الدولية، حيث يتم الترويج للمحكمة كحجر زاوية في النظام القانوني العالمي، لكنها تصبح هدفًا للانتقام السياسي متى اصطدم عملها بالمصالح الجيوسياسية للقوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذه الخطوة القسرية لا تقوّض استقلال المحكمة وتسهم في تعزيز منطق الإفلات من العقاب، ما يتيح لمجرمي الحرب، وعلى رأسهم قادة دولة الاحتلال، التحصّن خلف دروع سياسية توفرها واشنطن.
وفي هذا السياق، شدّد دلياني على أن “إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير حربه السابق يشكل لحظة فارقة في مسار العدالة الدولية، إذ يؤكد أن لا أحد فوق القانون، مهما بلغ نفوذه السياسي أو علو شأنه العسكري. جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والفصل العنصري التي تمارسها دولة الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني، بما في ذلك الاستهداف الممنهج للمدنيين، واستخدام الحصار والتجويع كسلاح حرب، ومواصلة سياسة التهجير القسري، تفرض مسؤولية قانونية وأخلاقية على المجتمع الدولي للالتزام بمبادئ العدالة الدولية.”
وأشار دلياني إلى أن “بدلًا من احترام المسار القانوني للمحكمة والتفاعل معها ضمن الأطر الشرعية، لجأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية في محاولة لإرهاب مسؤولي المحكمة، مشهد يعكس بوضوح التاريخ الأمريكي الطويل في حماية هذا الكيان العنصري الإبادي – دولة الاحتلال – من أي مساءلة قانونية دولية.”
ورغم العقبات السياسية والتحديات التنفيذية التي واجهتها محكمة الجنايات الدولية منذ إنشائها، فإن شرعيتها تستند أساسا إلى استقلالها عن القوى الكبرى. وفي هذا الإطار، أوضح دلياني أن “محاولة شل المحكمة عبر الابتزاز السياسي والاقتصادي لا تُفسَّر إلا كإقرار صريح بأن القانون الدولي يدين جرائم الاحتلال، وهو ما يدفع واشنطن إلى محاولة تقويض العدالة بدلًا من مواجهة الحقيقة.”
وذكّر المتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح بأن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الولايات المتحدة إلى استخدام العقوبات كأداة ضغط على المحكمة الجنائية الدولية، فقد سبق أن فرضت إدارة ترامب في عام 2020 عقوبات على المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا بسبب تحقيقاتها في جرائم حرب ارتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان. كما أن الولايات المتحدة، إلى جانب الصين وروسيا ودولة الاحتلال، ليست طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة، في موقف يكشف رفضها المبدئي لفكرة الخضوع للمساءلة الدولية.
ولفت القيادي الفتحاوي إلى أنه في مواجهة هذه الضغوط الأمريكية، أعادت 79 دولة التأكيد على دعمها للمحكمة الجنائية الدولية في بيان مشترك صدر يوم أمس، شددت فيه على أهمية المحكمة كركيزة أساسية للنظام القانوني العالمي في محاسبة مرتكبي أفظع الجرائم الدولية. ومن بين الدول الموقّعة على البيان فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في رسالة سياسية واضحة تعكس التوافق الدولي على ضرورة احترام استقلال القضاء الدولي.
وأمام هذه التطورات، يواجه المجتمع الدولي اختبارًا حاسمًا: إما أن يثبت التزامه بالعدالة الدولية ويدافع عن المحكمة الجنائية كمنظومة مستقلة لا تخضع للابتزاز السياسي، أو أن يستسلم لمنطق القوة الذي يحوّل العدالة إلى امتياز انتقائي لا يُطبق إلا على الضعفاء، بينما يُمنح الإفلات من العقاب لأولئك الذين تحميهم المصالح الجيوسياسية للقوى الكبرى.