تعتبر الاغتيالات الإسرائيلية جزءًا من الاستراتيجية الصهيونية التي قامت على تصفية المقاومين داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها في خطوة تهدف لتحقيق حالة الردع.
وبحسب مختصين تُعرّف الاغتيالات بمصطلح “القتل المستهدف” أو “الإحباط الموضعي”، وقد (برعت) دولة الاحتلال في استخدامها منذ احتلالها أرض فلسطين عام 1948 بذريعة منع هجوم وشيك.
ولُوحظ خلال الفترة الأخيرة عودة إسرائيل إلى استخدام أسلوب التصفية الجسدية ضد كوادر المقاومة بمدن الضفة المحتلة ومخيماتها من دون إعطاء الضحية فرصة الدفاع عن النفس، مثلما حدث في قصف طائرة استطلاع مجموعة مقاومين في مدينة جنين مساء اليوم.
وبحسب المعلومات الواردة بالخصوص فقد قصفت طائرة استطلاع إسرائيلية مجموعةً من المقاومين داخل مركبتهم بزعم تنفيذ عملية إطلاق نار استهدفت حواجز الاحتلال العسكرية.
يقول الكاتب في الشؤون السياسية والعسكرية أحمد عبد الرحمن: إن “إسرائيل صاحبة تاريخ طويل في هذا الجانب الدموي وهي تتذرع باستمرار بأن هذا النوع من العمليات يأتي لمنع هجمات مرتقبة، وعندما لا يكون خيار الاعتقال أو إفشال هذه الهجمات بطرق أخرى قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع”.
وأضاف خلال تصريحاتٍ خاصة لشبكة مصدر الإخبارية، أن “الاغتيالات تعد سلوكًا أساسيًا في الفكر الصهيوني تتقدم في كثير من الأحيان على أدوات أخرى تحت مبرر أنها لا غنى عنها خاصة في هذه الأوقات بعد الهزيمة النكراء التي تلقتها في جنين على أيدي المقاومين”.
وأشار إلى أن “الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية تمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال، وهذا ما أوجد لديها وفرة في الخيارات والأساليب ومرونة وسهولة في الحركة مكّنتها من تنفيذ عملياتها بنسب نجاح كبيرة طيلة السنوات الماضية”.
ولفت إلى أنه في “إسرائيل يُصنّفون عمليات الاغتيال ضمن العمليات شديدة الخصوصية، لأنها لا تتم إلا تحت غطاء من السرية والكتمان اللذان يُحقّقان بدورهما عامل مفاجأة للهدف المستهدف”.
وأوضح عبد الرحمن، أن “قرارات الاغتيال المُصادق عليها منذ تأسيس كيان الاحتلال تخضع إلى معايير ثابتة وضوابط صارمة، من أبرزها عاملا المكان والجغرافيا، ومدى قدرة فِرق الاغتيال على الوصول إلى الهدف في التوقيت المناسب دون التعرض للمخاطر أو الأضرار”.
وتابع: “كما تخضع لمعيار مدى أهمية الهدف ومكانته التنظيمية ومدى تأثير غيابه في تماسك مجموعته أو فصيله العسكرية، إضافة إلى الهدف من اغتياله، سواء بدافع الانتقام أو لتحقيق الردع بين رفاق دربه في تنظيمه أو فصيله المسلح”.
ونوه إلى أنه “إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى أمر وزير الأمن الإسرائيلي في حينه، إسحق رابين، بتشكيل فرق الموت وأوكل إليها مهمة تنفيذ عمليات الاغتيال، وقد نفذت أكثر من 460 عملية اغتيال خلال السنوات الـ20 الأخيرة”.
واستذكر أبرز عمليات الاغتيال التي نفذتها فرقة الموت خلال الأشهر الماضية ومنها اغتيال المقاوم تامر كيلاني من خلال تفخيخ دراجة نارية، إلى جانب اغتيال الشهيد جميل العموري وفاروق سلامة مستغلةً تجهيزه لزفافه، وليس انتهاءً باغتيال قائد مجموعة عرين الأسود وليد الحوح.
فيما يُرجع مختصون عودة إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات بأنها محاولة لصناعة نصر وهمي إبان الهزائم النكراء التي لحقت بها خاصةً بعدما تلقى جيش الاحتلال صفعةً مدوية في جنين الاثنين الماضي، وتلاها مقتل أربعة جنود إسرائيليين بعملية إطلاق نار في رام الله نفذها المقاومان مهند شحادة وخالد صبّاح.
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب: إن “ما يجري حاليًا هو صراع إرادات وصل إلى مرحلة عض الأصابع، وكل يوم يمر يُسبّب مزيداً من تأكل الردع في دولة الاحتلال، خاصةً بعد الضربات القاسية التي تلقاها الاحتلال في جنين ونابلس وغيرها من مدن الضفة الغربية”.
وأشار خلال تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية إلى أن “الاحتلال يُولي أهمية كبيرة تجاه الحفاظ على معادلات الردع التي فرضتها المقاومة خلال الآونة الأخيرة، خاصةً في ظل تصاعد قدرات المقاومة والذي ظهر جليًا في عمليات التصدي لاقتحامات الاحتلال لمدن الضفة الغربية المحتلة ما يُؤكد على أنها باقية وتتمدد”.
وبيّن أن “إخفاق دولة الاحتلال الأمني في وقف عمليات المقاومة، وعجزها عن وضع حد لها، ووحدة الساحات التي تجسدت قولاً وفعلاً أخيراً، جعل الأوساط الإسرائيلية تفكر في الهروب إلى الأمام بالدعوة إلى استئناف سياسة الاغتيالات ضد قادة المقاومة”.
ووفقًا للكاتب الزعيم فإن “مسلسل الاغتيالات على مدار تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يُحقّق الردع لدولة الاحتلال ولم يُسهم في تخفيف حِدة الفعل المقاوم أو تراجعه بل على العكس تمامًا”.
وختم: “تُثبت التجربة العملية أن سياسة الاغتيالات قادت إلى توسيع دائرة المقاومة ونطاقها، في الوقت الذي يُقر فيه قادة الاحتلال بصعوبة معرفة النتائج المترتبة على اغتيال هذا الشخص أو ذاك على المدى البعيد، لأن معظم الأهداف تصفهم إسرائيل بأنهم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة”.