تقول إحداهن “أعاني وجعاً لا يُحتمل في كل شهر، تتوقف معي كل نشاطاتي من الألم، اتهموني بالدلع”، وتعبّر أخرى: “أكون كالأشباح، وأزور المستشفى شهرياً، أشعر بدوخة ورغبة بالتقيؤ، وألم رهيب لا يزول، وأضطر لأخذ الإبر حتى أتحسن”.
بالتأكيد القراء الأعزاء يحاولون معرفة ما المقصود من هذا الكلام، وربما يتجه تفكيركم نحو شيء معين يتعلق بالدورة الشهرية لدى الفتيات، إلا أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فالحديث هنا عن مرض “إندومتريوزيس”.
ربما لم يسمع أحد سابقاً عن هذا المرض، إلا أنه معروف ومنتشر، وقبل التعريف به، لا بد من طمأنة كل من يقرأ هذا التقرير بأن الإندومتريوزيس ليس مخيفاً لهذه الدرجة، وكما وضع الله الداء أرسل معه الدواء.
باختصار، الإندومتريوزيس مرض يخص النساء وحدهن، وهو المصطلح العلمي لمرض بطانة الرحم المهاجرة، الذي انتشر الحديث عنه كثيراً في السنوات الأخيرة، في الأمور الخاصة بالإنجاب، على رغم أنه لا يمنع الإنجاب بدرجة أساسية، إلا أنه قد يكون سبباً في حال تأخر تشخيصه وزيادة الآلام على مدى العمر.
وبتفصيل أكثر، يظهر مرض بطانة الرحم المهاجرة خارج التجويف الرحمي، لذلك سُمي بالبطانة المهاجرة.
ويقول د. محمد الرقب اختصاصي أمراض النساء والتوليد في مجمع ناصر الطبي في قطاع غزة، الحاصل على البورد الفلسطيني، إن البطانة تصيب المبيضين، مسببة آلاماً حادة لمن تعاني منها، تتمثل في أوجاع في الظهر، والأقدام، وآلام الحوض، وإرهاق عام يؤثر على الحركة والإنتاجية.
وأضاف الرقب أن البطانة المهاجرة تؤثر على القولون مسببة آلاماً ترافق عملية الإخراج “التغوط”، وقد تؤثر أيضاً على جدار المثانة مسببة آلاماً عند دخول دورة المياه والشعور بحرقان البول.
ولفت الرقب إلى أن هذه الأوجاع تتطور مع الزمن، وقد تؤثر على الرحم على مدى العمر.
في المقابل ذكر بأن 10% من الفتيات قد لا تظهر لديهن أعراض ولا حتى أوجاع تشير إلى وجود بطانة مهاجرة، و50% من النساء يحملن ويُنجبن مع وجود المرض.
والسؤال الآن: ما هي أسباب الإندومتريوزيس؟
ويجيب الطبيب الرقب بأنه لا توجد أسباب واضحة، ومن خلال الدراسات حول الموضوع قد يكون الأمر وراثي، أو متأثراً باستخدامات الأدوية المتعلقة بالإستروجين.
وحسب الرقب، فإن الفتيات اللاتي بدأت لديهن الدورة الشهرية بعمر مبكر، أو اللاتي انقطعت عنهم في سن متأخرة، يكن الأكثر عرضة للمرض، إضافة إلى أن استمرار الدورة أكثر من 7 أيام، وحدوث الطمث مرتين إلى مرة ونصف في الشهر قد يكون عاملاً لمرض بطانة الرحم المهاجرة.
وتواجه كثيرات مشاكل لها علاقة بالإندومتريوزيس لوقت طويل من دون معرفة أنها مريضة به، ولا يمكن الكشف عن المرض أو تشخيصه غالباً إلا بعد الزواج، حيث لا تلجأ الفتيات إلى طبيب النساء إلا عند تأخر الإنجاب بعد الزواج، إضافة إلى أن الأطباء يضعون بطانة الرحم في آخر قائمة الأمراض المسببة لعدم الإنجاب.
ويتم تشخيص المرض حسب الرقب، إما بالكشف السريري أو منظار البطن.
ونوه إلى أن أساليب العلاج تختلف حسب وضع الحالة، ويكون إما باستخدام الأدوية التي تشمل مضادات الالتهابات غير الاسترودية أو مضادات الاكتئاب، وحبوب منع الحمل، وإما التدخل الجراحي في بعض الحالات.
ولفت إلى أنهم يلجأون للجراحة في بعض الحالات التي تصل إلى درجة صعبة من الوجع المسبب للآلام الجسدية والنفسية، ما يتطلب استئصال البطانة المهاجرة، أو استئصال الرحم بعد طلب المرأة أو موافقتها.
وفي السياق، أكد الرقب على أن الإندومتريوزيس لا يقتصر عادة على السيدات بين عمر 25 – 35، ولا يقتصر على عمر معين، فقد يبدأ المرض بالظهور لدى نساء تجاوزن سن الإنجاب، ولديهن أطفال كبار، والعكس تماماً مع فتاة لم تتزوج ولم تُنجب وتُعاني من بطانة الرحم المهاجرة.
وعلى المدى البعيد، يحذر الرقب من الإندومتريوزيس لما له من تأثير على نفسية المرأة، أو على تأخر الإنجاب.
ونظراً لأن معظم النساء ليس لديهن الجرأة للحديث عنه، تمكنت شبكة مصدر الإخبارية من معرفة رأي إحدى المريضات فقط، التي أكدت أنها تُعاني من آلام مزمنة أثرت على نشاطها، وعلى عملها في المنزل، وعلى عملية الإنجاب لديها.
وأوضحت أنها أجرت عملية منظار للرحم لمعرفة السبب، وبعد التشخيص ظهر أن لديها إندومتريوزيس، وهي الآن تتابع مع المختصين حالتها، وتتناول أدوية خاصة للتخلص من بطانة الرحم المهاجرة في محاولة للإنجاب.
فيما قالت أم أنس إحدى النساء اللاتي عشن تجربة مريرة مع المرض: “عانيت مدة طويلة من أوجاع كثيرة، أثرت على عملي واضطررت لطلب إجازات كثيرة حتى نفذ رصيد إجازاتي”.
وأضافت: “لم أكن أستطيع شرح الوضع لأرباب العمل، ولم يُعتدّ بهذا الوجع الخاص”.
وأوضحت أنها مع زيادة الآلام وزيارة عدة أطباء، تم تشخيص المرض وإثبات أن لديها إندومتريوزيس، وبدأت بالعلاج بعد أن أثر عليها في الإنجاب، وأفادت أنها أنجبنت ثلاثة أطفال بعد العلاج، وهي الآن لا تعاني من الأوجاع بعد الإنجاب والرضاعة.
وتذكر الإحصاءات أن أعداد النساء اللاتي لم يحملن بسبب الإندومتريوزيس وصلت خلال الأعوام الماضية 50%، وهناك ما يقرب من 176 مليون حالة في العالم، حسب اختصاصي أمراض النساء والتوليد أرجان باشتو الأستاذ في جامعة إسطنبول التركية.
وتتباين نسبة تعرض النساء بين أعمار 25 – 35 عاماً للمرض، وقد تكون نسبة احتمال تعرض النساء اللاتي في سن الإنجاب للمرض بين 5- 6 % فقط.
وتقول بعض تقارير الخبراء والأطباء إنه “يمكن التخفيف من حدة المرض عبر تناول الخضروات ذات الأوراق الأرجوانية (البنفسجية)، والابتعاد عن المشروبات التي تحتوي على الغازات والأطعمة الجاهزة، والمواد الحافظة”.
اقرأ أيضاً:دراسة: عظام الأم بعد الإنجاب قد لا تعود كما كانت