أهالي ضحايا حرب غزة بانتظار أن “يشيل” أحدهم مستحقاتهم
مصدر الإخبارية – مقال رأي – مصطفى إبراهيم
تحاول آيات موسى الاختباء من حرارة الشمس ببقايا ظل شجرة، كانت آيات، تجلس شاردة ووحيدة على رصيف الشارع في حي الرمال وسط مدينة غزة، الذي استهدفته الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال العدوان الأخير في شهر أيار/مايو الماضي.
كانت تجلس بالقرب منها مجموعة من النساء الأرامل الصغيرات في السن وشقيقاها اللذان لم يبلغا العاشرة بعد. نُصبت خيمتان أمام مكتب “مؤسسة الشهداء والجرحى” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد توقف الاعتصام خلال اشتداد جائحة “كورونا”، خيمة للنساء وأخرى للرجال الذين أعلنوا الإضراب عن الطعام إلى جانب الاستمرار في الاعتصام، مطالبين بمستحقات نحو 1450 ممن سقطوا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014.
تقول آيات إن والدها قتل في العدوان الإسرائيلي على غزة 2014، حين كانت في السابعة، “خرج لإحضار أغراض إلى البيت وقصفت الطائرات الإسرائيلية المنطقة التي نسكن فيها في حي الزيتون، وأصيب وخسرناه إلى الأبد. ومنذ ذلك الوقت أعيش مع جدي وجدتي وهما يهتمان بي وبشقيقي”.
“لا أتذكر أمي، إذ انفصلت عن والدي وأنا في الثالثة، ولم أرها إلا مرة واحدة لأنها تزوجت، كما أن زوجة والدي بعد رحيله تركت بيتنا وتعيش في بيت أهلها”.
تواصل الفتاة صاحبة الـ15 ربيعاً روايتها ووشاحها البني يظهر ملامح وجهها الحزينة وشرود عينيها، “جدتي وجدي مسنّان، ولا يعملان، والدي كان يعيل أسرتنا، ولا أعمام لي لمساعدة جدي الذي يعاني من مرض السكر وضغط الدم. منذ بداية وعيي، وأنا أشارك مع جدي وجدتي في الاعتصامات والتظاهرات للمطالبة بمستحقات الشهداء ومن بينهم مستحقات والدي”.
من منتصف حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت “اللجنة الوطنية لأهالي الشهداء في قطاع غزة”، بدء العودة للاعتصامات وخوض الإضراب المفتوح عن الطعام، الذي يأتي في سياق عدم استجابة السلطة الوطنية ورئيسها محمود عباس لمطالبهم المشروعة والعادلة، في صرف مخصصاتهم المالية.
منذ سنوات ينظّم المئات من الأهالي فعاليات احتجاجية بشكل يومي أمام مكتب “مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى” للمطالبة بصرف رواتبهم، ومواجهة ظروفهم المعيشية القاسية التي أرهقتهم في غياب المعيل وظروف الحصار والعقوبات الجماعية التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة، منذ عقد ونصف العقد من الزمن.
تضيف آيات، “أطالب الرئيس محمود عباس بإنصافنا”، وفي داخلها تشعر بأن الأمل شبه مفقود بصرف مستحقات والدها، “كبرت وما زلنا نطالب بصرف المستحقات، أسوة بأهالي شهداء منظمة التحرير والشهداء الآخرين، نحن نعيش في ظروف معيشية سيئة وبيتنا تبلغ مساحته 90 متراً مربعاً، ومكون من ثلاث غرف ومطبخ وحمام، ويسكن فيه 7 أفراد هم أنا وشقيقاي واثنتان من عماتي وجدي وجدتي، والبيت مغطى بألواح الصفيح زينقو”.
في الجهة المقابلة للرصيف الثاني حيث الخيمتان، يستلقي رجال خمسينين مضربون عن الطعام وفي الخيمة الأخرى تستلقي أربع نساء من أمهات الضحايا، مضربات عن الطعام، وهن يعانين من السكري والضغط وواحدة منهن تعاني من السرطان.
ما زالت السلطة الوطنية الفلسطينية وحكوماتها المتعاقبة ترفض صرف المخصصات المالية لأهالي ضحايا العدوان على قطاع غزة عام 2014، وتمارس الصمت على منحهم حقوقهم بذريعة عدم توفر موازنة مالية لهم، في حين صرفت راتباً شهرياً لكل شخص سقط في الضفة الغربية خلال هبة القدس 2015- 2016.
أم علي القايض فقدت أولادها الثلاثة، وهي من اللواتي يقدن الفعاليات منذ سنوات ولم تغب عن الاعتصامات إلا خلال فترة جائحة “كورونا”، ولا تزال تعيش على أمل منحها المخصصات الشهرية لأولادها.
تقول أم علي التي أعلنت الاضراب إنها تعاني جراء عدم صرف المخصصات المالية لأبنائها، وتشعر بالألم والحزن والظلم والقهر والحسرة على فقدانها فلذات كبدها، وتتذكر أيام الحرب والتشرد من منزلها، فيما لم يشعر أي من المسؤولين الفلسطينيين بالامها، ولا تجد من يقدم لها العون والمساندة.
أم علي تشارك في الإضراب عن الطعام، تقول “نحن مستمرون حتى آخر نفس فينا للحصول على حقوق شهدائنا، يكفي 8 سنوات من العقاب، لماذا يعاقبنا (في إشارة للرئيس عباس)، انا واحدة من الذين هربوا من بيوتهم، وزوجي مريض قلب وسرطان”.
ام محمد ابو عودة، تقول “نحن معتصمون منذ أسابيع ومضربون عن الطعام. أنا فقدت ابني وأيضاً اثنان من أبنائي الآخرين هما من الجرحى. لكننا لم نحصل على أي مستحقات”.
وتضيف: “هل ابني غير فلسطيني، ولا احنا مش فلسطينية؟ منظمة التحرير قررت، كل شهيد من يوم استشهاده يتلقى راتب. حرام عليهم 25 إمراة نائمات على الأرض منهن مريضات سكر وضغط وسرطان، وما نسمعه فقط، شعارات يتغنى بها جميع المسؤولين وأن الشهداء أكرم منا جميعاً!”.
حال أم علي كحال منى قاسم زوجة إسماعيل قاسم، مصرية الجنسية، وتعاني هي وعائلتها أوضاع حيايتة صعبة وحالها يشبه حال غالبية من الفلسطينيين في غزة، بعدما فقدت زوجها بسبب القصف، تقول: “الشهداء هم من نالوا حظهم في الحصول على أماكن تأويهم، وذوهم لم يجدوا من يحضنهم ويحفظ كرامتهم”.
في ظل احتدام الخلاف والجدل الدائر بين السلطة الفلسطينية، وحركة “حماس” حول من يتولى مهمة إعمار غزة، تستمر معاناة الغزيين، بوضع الشروط بعدم البدء في الإعمار إلا من الطريق السلطة الفلسطينية ومطالبات بإتمام المصالحة الفلسطينية البعيدة من التحقق، وحال أسر ضحايا 2014 كحال أهل غزة من الحصار والانقسام والمعاناة.
وفي لقاء مع علاء البراوي، المتحدث باسم “اللجنة الوطنية لأهالي الشهداء والجرحى”، قال: “إن عقوبات السلطة الفلسطينية المفروضة على أهالي الشهداء في قطاع غزة، لا تزال مستمرة، ولم تتوقف، الرواتب مقطوعة عنهم ولم يتلقوا مخصصاتهم المالية منذ سنوات، يواصلون إضرابهم المفتوح، حتى تحقيق مطالبهم العادلة”.
وقال البراوي: “من عدوان 2014 إلى هذه اللحظة مضى 7 سنوات على الأهالي، وهم يعتصمون يوميّاً أمام مؤسسة الشهداء والجرحى”.
وفقاً لمعطيات اللجنة الوطنية للأهالي، الأسر المتضررة قررت بدء حملة فعاليات لتسليط الضوء على معاناة أسر 1450 ضحية و1300 جريح يمثلون نحو 1900 شخص انقطعت رواتبهم من دون مبرر. إضافة إلى أهالي ضحايا عدوان 2014، هناك من سقطوا في عدوان 2008-2009، وعدوان 2012، المقطوعة رواتبهم عن عائلاتهم وبلغ عددهم نحو 2700 أسرة، أوقفت مخصصاتهم في كانون الثاني/ يناير 2019، وهناك 1943 أسرة لم تتلق مخصصاً مالياً من 7 سنوات.
تتكرر المأساة منذ سنوات الانقسام والحصار المفروض على قطاع غزة، إلى عشرات آلاف الموظفين المقطوعة رواتبهم والمحالين للتقاعد القسري. اللجنة مستمرة في إضرابها المفتوح أمام “مؤسسة الشهداء والجرحى” في انتظار أن “تشيل” حركة حماس مستحقات الضحايا كما قال الرئيس عباس في أكثر من لقاء خاص، انهم “شهداء حماس تشيلهم حماس”.