سوق الغاز العالمية على موعد مع تخمة إمدادات بعد سنوات من الشح

وكالة الطاقة الدولية تتوقع أكبر زيادة بإنتاج الغاز العام المقبل منذ 2019.. و"بلومبرغ إن إي إف" ترى قفزة بـ42% في 2030

وكالات – مصدر الإخبارية

تشهد سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية تخمة في المعروض تمتد لعدة سنوات بدءاً من عام 2026، ما قد يدفع أسعار هذا الوقود الحيوي إلى أدنى مستوياتها منذ اندلاع أزمة الطاقة التي أعقبت الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.

بعد أربع سنوات من شح الإمدادات، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أكبر زيادة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال العام المقبل منذ 2019. تشهد صادرات الولايات المتحدة بالفعل طفرة مع تسارع تشغيل مصنع “فنتشر غلوبال” (Venture Global Plc) الجديد في بلاكيمينز بولاية لويزيانا بشكل أسرع من المتوقع، فيما تستعد مشاريع ضخمة أخرى لدخول الخدمة.

في غضون ذلك، تتراجع الواردات الصينية من الغاز الطبيعي المسال رغم أنها كانت من المفترض أن تكون السوق الرئيسية للنمو. زاد الإنتاج المحلي من الغاز في الصين، فيما يُتوقع أن يؤدي اتفاق أنابيب ضخم مع روسيا إلى تقليص مشتريات البلاد من الغاز الطبيعي المسال بشكل أكبر.

قدرات إنتاج غاز ضخمة

رغم أن هناك توقعات سابقة بحدوث تخمة في سوق الغاز الطبيعي المسال ولم تتحقق، إلا أن الوضع هذه المرة يبدو مختلفاً مع اقتراب اكتمال قدرات إنتاجية جديدة ضخمة. سيبحث مسؤولو القطاع المجتمعون هذا الأسبوع في مدينة ميلانو خلال مؤتمر “غازتك” اتجاهات قد تجلب طاقة أرخص، وتخفض تكاليف التدفئة للمستهلكين حول العالم، إلى جانب تسريع التحول بعيداً عن أنواع الوقود الأكثر تلوثاً مثل الفحم والنفط.

قال ألدو سبانغر، رئيس استراتيجية الطاقة في “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas SA): “مع دخول المزيد من قدرات الغاز الطبيعي المسال الخدمة في 2026، يُتوقع أن تشهد السوق تقارباً بين العرض والطلب بعد الربع الأول”. وأضاف: “سوف نشهد وفرة في المعروض خلال النصف الثاني من 2026 وحتى 2027”.

قال مارتين راتس، كبير استراتيجيي السلع العالمية ورئيس أبحاث الطاقة الأوروبية في “مورغان ستانلي”، إن المستهلكين لا يجب أن يتوقعوا تراجعاً سريعاً في الأسعار، خاصة في أوروبا التي ستدخل موسم الشتاء بمخزونات أقل من المعتاد.

وأشار إلى أن هامش الأمان في الإمدادات سيظل ضئيلاً خلال الأشهر الستة المقبلة، مع استمرار تنافس المنطقة مع آسيا على شحنات الغاز الطبيعي المسال، ما قد يرفع الأسعار خلال فترات البرد القارس. وأضاف: “مع خروجنا من موسم الشتاء، سيبدأ فائض طفيف في الظهور  بالنصف الثاني من العام، وسيتحول إلى فائض كبير في 2027 مع زيادة الإنتاج”.

طفرة إمدادات الغاز

تُظهر بيانات “بلومبرغ إن إي إف” أن أكثر من 174 مليون طن متري سنوياً من طاقات تسييل الغاز قيد الإنشاء حالياً، ما سيرفع إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية إلى 594 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، بزيادة قدرها 42% عن العام الماضي.

رغم ذلك، قد لا تدخل جميع هذه القدرات الخدمة في الوقت المحدد؛ إذ إن جزءاً كبيراً من الإمدادات الجديدة لعام 2026 سيأتي من مشروع “غولدن باس” في تكساس، الذي تطوره “إكسون موبيل” (.Exxon Mobil Corp) و”قطر للطاقة”، والذي تأخر بالفعل حوالي 12 شهراً بسبب مشكلات العمالة والمقاولين والبناء. تؤكد “إكسون” أنها في طريقها لتسليم أول شحنة غاز بحلول نهاية هذا العام، أو أوائل 2026.

لكن مظعم توسعات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة تمضي قدماً؛ إذ ارتفع الإنتاج بنحو 19% في النصف الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. إضافة إلى زيادة الشحنات من بلاكيمينز، سيضيف التوسع في المرحلة الثالثة من مصنع “شينير إنرجي” (.Cheniere Energy Inc) في “كوربوس كريستي” بولاية تكساس 10 ملايين طن من الطاقة الإنتاجية السنوية بحلول نهاية العام.

التصدير من حقل غاز الشمال الشرقي في قطر

في وقت لاحق من عام 2026، من المقرر أن يبدأ مشروع توسعة حقل الشمال الشرقي التابع لـ”قطر للطاقة” في التصدير، ليشكل بداية أكبر توسع للدولة منذ تسليم أول شحنة من الوقود فائق التبريد في عام 1997.

يراهن مطورو المشاريع على أن الطلب على الغاز الطبيعي المسال سيشهد طفرة خلال العقدين المقبلين، مع حاجة أوروبا إلى بدائل لإمدادات خطوط الأنابيب الروسية، وتحول الصين بشكل متزايد عن الفحم في محطاتها الكهربائية. توقعت شركة “شل” (Shell Plc)، أكبر شركة تجارة للغاز الطبيعي المسال في العالم، أن يقفز الطلب العالمي بنسبة 60% بحلول عام 2040.

مع ذلك، تراجعت مشتريات الصين، أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال، هذا العام، ولا تلوح في الأفق أي مؤشرات على تعافٍ كبير. يرتفع إنتاج البلاد المحلي من الغاز، كما ستزيد وارداتها من روسيا بشكل كبير بعد صفقات حديثة لتعزيز الإمدادات والمضي قدماً في تنفيذ مشروع خط أنابيب “قوة سيبيريا 2”. قال محللون في “غولدمان ساكس” في مذكرة: “إن السعة الكبيرة لخط الأنابيب قد تؤدي إلى إزاحة كبيرة لواردات الصين من الغاز الطبيعي المسال بما يعادل نحو 10% من الإمدادات العالمية الحالية”.

تراجع أسعار الغاز

لا تزال هناك بعض الشكوك، خاصة بشأن تأثير القيود الغربية على صادرات روسيا.

تفترض توقعات “بلومبرغ إن إي إف” في السيناريو الأساسي أن يظل مصنع “آركتيك إل إن جي 2” (Arctic LNG 2) الروسي متوقفاً بسبب العقوبات، لكن المشروع تمكن مؤخراً من الالتفاف على هذه القيود وتصدير شحنة إلى الصين. وتشير تقديرات “بلومبرغ إن إي إف” إلى أن إنتاج روسيا من الغاز الطبيعي المسال قد يزيد بنسبة 50% عن المتوقع إذا عمل المصنع بشكل طبيعي، بينما قد تنخفض الشحنات بنسبة 39% عن التقديرات في حال فُرضت عقوبات على المزيد من محطات التسييل الروسية.

من جانب آخر، قد لا يبلغ بعض المصدّرين التقليديين الآخرين أهدافهم، إذ يبدو أن مصر لن تتمكن من تحقيق طموحاتها لإحياء صادرات الغاز الطبيعي المسال في ظل تراجع الإنتاج المحلي، فيما بدأت إندونيسيا، التي كانت أحد أكبر المورّدين في آسيا، استيراد كميات أكبر من الوقود لتلبية الطلب المتزايد وسط نضوب الإنتاج.

تتوقع “بلومبرغ إن إي إف” أن يتجاوز المعروض من الغاز الطبيعي المسال الطلب بشكل مستمر بين عامي 2027 و2030. وبحلول الربع الرابع من عام 2026، يُرجح أن تنخفض أسعار الغاز في أوروبا وآسيا إلى أقل من 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وفقاً لتقديرات راتس من “مورغان ستانلي”، مقارنة بمتوسط بلغ 14 دولاراً في شتاء العام الماضي. وتشير توقعات “بي إن بي باريبا” إلى أن الأسعار قد تنخفض إلى 8 دولارات في 2027.

التراجع يحفز الاستهلاك في آسيا

ترى “بلومبرغ إن إي إف” أن الأسعار عند هذا المستوى قد تحفّز زيادة الطلب من خلال تشجيع محطات توليد الكهرباء في آسيا على استهلاك المزيد من الغاز الطبيعي المسال، والتحول بعيداً عن النفط. كما أن انخفاض أسعار الشحنات قد يفتح أسواقاً جديدة في جنوب آسيا وأفريقيا، حيث تمتلك عدة دول محطات استيراد لكنها عزفت عن الشراء بسبب الأسعار المرتفعة.

مع ذلك، ستحتاج بعض هذه الدول إلى تطوير بنى تحتية جديدة، ما يحد من قدرتها على الاستفادة سريعاً من انخفاض الأسعار بزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، وفقاً لـ”بلومبرغ إن إي إف”. بينما يمكن لأوروبا، بفضل امتلاكها عدداً كبيراً من محطات الاستيراد، استيعاب مزيد من الفائض.

جاء في توقعات شركة “آي سي آي إس” (ICIS): “سيستجيب الطلب الجديد في السوق لانخفاض الأسعار بين عامي 2028 و2030، لكن الإمدادات الجديدة ستفوق نمو الطلب بشكل كبير”.