شادية الغول: حماس بين ورقة الأسرى ومعركة البقاء .. قراءة نقدية في مأزق الاستراتيجية

د. شادية الغول – مصدر الإخبارية

منذ بداية الحرب الأخيرة على قطاع غزة، أصرّت حركة حماس على أن ورقة الأسرى الإسرائيليين في قبضتها هي الورقة الأهم وربما الوحيدة القادرة على تغيير مسار الصراع أو الضغط على الحكومة الإسرائيلية. ورغم كل ما تكشّف خلال الأشهر الماضية من مواقف ووقائع، لا تزال الحركة تتمسك بهذه الورقة بوصفها الرابحة، متجاهلة التحولات في البيئة السياسية والعسكرية، ومصرّة على المضي في نهج لم يعد يحقق مكاسب ملموسة.

لقد أثبتت إدارة نتنياهو للحرب أن الدولة العبرية لم تعد تتعامل مع ملف الأسرى باعتباره قضية مصيرية، بل كأداة ضمن معركة أوسع تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين وإعادة تشكيل المشهد السياسي في غزة. تجاهل الحكومة الإسرائيلية لمطالب المعارضة الداخلية، وتحديها للمجتمع الدولي، وتضحيتها بسلامة أسراها، يرسخ قناعة بأن ورقة الأسرى لم تعد ذات الوزن الذي كانت تحمله في حروب سابقة أو في عمليات تفاوضية مثل “وفاء الأحرار”.

من الناحية التفاوضية، لم تغيّر حماس تكتيكاتها. فهي تراهن على أن إسرائيل ستضطر في نهاية المطاف إلى تقديم تنازلات تحت ضغط الداخل أو الخارج، بينما الوقائع تشير إلى العكس: استمرار الحرب، دعم أمريكي غير محدود، وتواطؤ دولي يتجاهل الكلفة الإنسانية. هذا الجمود في التفكير الاستراتيجي يجعل الحركة في مواجهة مأزق حقيقي؛ إذ تحوّلت الورقة التي راهنت عليها إلى عبء، فيما يزداد الضغط على المدنيين الذين يدفعون ثمنًا باهظًا في حياتهم اليومية.

من يدفع ثمن هذه المعادلة هم سكان قطاع غزة، الذين يعيشون كارثة إنسانية بكل المقاييس: نزوح جماعي، انعدام الأمن الغذائي، انهيار البنية الصحية، وفقدان الأمان الشخصي. حماس تتعامل مع معاناة الناس كأداة تفاوضية ضمن صراع مفتوح، لكنها بذلك تضع نفسها في مواجهة أخلاقية وسياسية خطيرة؛ فالتاريخ لا يرحم القوى التي تقامر بحياة شعوبها كما لا يرحم المجتمع الدولي العاجز عن وقف المجازر.

إن استمرار الحركة في هذا النهج قد يؤدي إلى نتائج مدمرة ليس فقط على صعيد الصراع مع إسرائيل، بل أيضًا على مكانة حماس في المشهد الفلسطيني. فالمعادلة التي صنعت حضورها خلال العقود الماضية كانت قائمة على “المقاومة والمكاسب السياسية”، غير أن الحرب الأخيرة تقوّض هذه المعادلة. حين تتحول المقاومة إلى نزيف مفتوح بلا أفق سياسي، فإنها تفقد معناها الاستراتيجي وتتحول إلى مقامرة عبثية.

المرحلة الراهنة تتطلب من حماس إعادة تقييم جذرية لخياراتها. فالتشبث بورقة الأسرى لم يعد كافيًا، واستمرار الحرب بالوتيرة نفسها يعني مزيدًا من التآكل الشعبي والسياسي. المطلوب اليوم هو التفكير في بدائل سياسية وواقعية تعيد تعريف دور الحركة، وتحمي ما تبقى من المجتمع الفلسطيني من الانهيار الكامل.

التاريخ يُسجّل الآن، والعالم العاجز أمام المذبحة في غزة قد يلقى اللوم، لكن المسؤولية الكبرى تقع على من يقامر في معركة خاسرة بحياة شعبه. وإذا لم تدرك حماس أن استراتيجيتها الحالية وصلت إلى نهايتها، فإنها تخاطر ليس فقط بخسارة الحرب، بل بخسارة مكانتها ودورها في المستقبل الفلسطيني.