ضابط إسرائيلي سابق أشرف سرًا خلال خدمته على إقامة بؤر استيطانية رعوية في الأغوار

قائد المنطقة الوسطى السابق في جيش الاحتلال بادر أثناء خدمته إلى إقامة بؤر رعوية استيطانية بالتعاون مع مستوطنين، بدعوى إبعاد "شبيبة التلال" عن العنف. لكن المشروع تحوّل إلى رافعة لتوسّع استيطاني ضخم استهدف أراضي الفلسطينيين ودفع مجتمعات إلى التهجير.

القدس المحتلة – مصدر الإخبارية

أشرف قائد المنطقة الوسطى الأسبق في جيش الاحتلال الإسرائيلي، روني نوما، خلال خدمته العسكرية، على إقامة بؤر استيطانية رعوية غير قانونية في منطقة الأغوار، بالتعاون مع مستوطنين ومن دون علم رئيس الأركان آنذاك، غادي آيزنكوت، وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس، اليوم السبت.

وبحسب التقرير، فإن إحدى هذه البؤر، المعروفة بـ”مزرعة أوري”، “أُنشئت قبل نحو تسع سنوات، ونُقلت من مكانها على الأقل مرة واحدة، باعتبارها بؤرة غير قانونية”؛ ووفق التقرير، فإن المبادرة شملت أيضًا “مزرعة تسورئيل”، إضافة إلى خطط لإقامة بؤر مماثلة في جنوب جبل الخليل.

وذكر مصدران للصحيفة أن “الغاية المعلنة كانت إبعاد ‘شبيبة التلال‘ عن الأنشطة العنيفة عبر إدماجهم في عمل يُعطى طابعًا أيديولوجيًا”. كما أشارت “هآرتس” إلى أن المشروع انطلق عام 2016، بعد جريمة حرق عائلة دوابشة في دوما في هجوم إرهابي للمستوطنين، وأن اختيار الأغوار جاء لكونها “أقل كثافة سكانية فلسطينية”.

وقالت الصحيفة إن هذه الخطة “أسفرت عن طفرة استيطانية”، إذ كان في الأغوار بؤرتا رعويتان فقط عند انطلاق المشروع، “لكن اليوم يتجاوز العدد 30، فضلًا عن عشرات أخرى بمناطق متفرقة من الضفة”. ولفتت إلى أن هذه البؤر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي نفسه، “لكنها تحظى في السنوات الأخيرة بدعم علني من الحكومة وقادة عسكريين”.

ونقلت “هآرتس” عن مصدر عمل آنذاك في الإدارة المدنية أنه “كانت هناك محاولات لإصدار أوامر إخلاء، لكن الجيش عارض ذلك ومنع تنفيذه”. وأضاف المصدر: “مقاتلو الجيش انجرفوا وراء فكرة التعامل مع شبيبة التلال، معتبرين أنهم يساعدون في ضبطهم وإبعادهم عن نشاطات ’تدفيع الثمن‘”، مشددا على أن البؤر الاستيطانية الرعوية “تلقت معاملة ودّية من الجيش”.

وأشار التقرير إلى أن إحدى البؤر “ارتبطت عام 2017 بشبكة المياه التابعة لقاعدة تدريب عسكرية قريبة من دون ترخيص”، وأن الجيش أعلن حينها أن الأمر “قيد التحقيق”. ورغم ذلك، “لم يتم تفكيك البؤرة، بل نُقلت إلى موقع آخر قريب”. كما كشفت الصحيفة أن محامين وحقوقيين وجّهوا رسائل مباشرة إلى نوما يحذّرونه من البناء غير القانوني واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، “لكن شيئًا لم يتغير على الأرض”.

وذكرت الصحيفة أن تسجيلاً صوتيًا لرئيس مجلس الاستيطاني في منطقة الأغوار، دافيد إلحياني، سُرّب عام 2017، قال فيه إن “نوما أعطى موافقته على إقامة البؤر”، ما دفع محامين للمطالبة بالتحقيق معه. وردّت الأجهزة الأمنية حينها بالقول إن “إجراءات رقابية بدأت ضد البناء غير القانوني”، لكن بعد ثمانية أعوام “لا تزال البؤر قائمة وتوسع نفوذها على حساب الفلسطينيين”.

ونقلت الصحيفة عن أحد سكان خربة سمرة في الأغوار الشمالية قوله إن “مزرعة أوري أخذت كل أرضنا ولم يبق لنا شيء”، مضيفًا أن الأراضي التي كانت تُستخدم للرعي والزراعة “استولى عليها المستوطنون بدعم الجيش”.

وأشار التقرير إلى أن ثلاثة مستوطنين خدموا تحت قيادة نوما لعبوا دور “الوسطاء” في المشروع الذي بادر إليه، وهم: عومر عتيديا، وإيتامار كوهين ويتسحاق سكالي. وذكرت أن الأخير يملك أقدم بؤرة رعوية في الضفة، أقيمت عام 1998 شرق مدينة نابلس، فيما أسس عتيديا بؤرة في منطقة العوجا شمالي أريحا عام 2004. وذكرت أن عتيديا ضابط احتياط في وحدة النقل العملياتي، وأن تقريرًا بثّته قناة “كان 11” أفاد بأنه استضاف في مزرعته الاستيطانية جنودًا من الوحدة.

وأضافت الصحيفة أن بؤرة عتيديا تُشغّل شبانًا، بعضهم من خلفيات اجتماعية صعبة، للعمل في مهام مختلفة داخل الحظيرة، مشيرة إلى أن هذا النمط من استغلال الأيدي العاملة الشابة “يميز عموم البؤر الرعوية”.

وفي حادثة أخرى موثقة عام 2023، ظهر مستوطن من القائمين على البؤر، إيتمار كوهين، وهو يرتدي زيًا عسكريًا ويحمل سلاحًا قائلاً لفلسطينيين: “هذا المكان من القاعدة إلى القاعدة هو أرضي، ولن تدخلوا بأغنامكم”، في إشارة إلى طرده رعاة فلسطينيين من أراضٍ رعوا فيها منذ أكثر من 20 عامًا.

وأفادت بأن كوهين، الذي يملك بؤرة رعوية غير قانونية أقيمت قبل 12 عامًا في منطقة يصنفها جيش الاحتلال على أنها منطقة تدريبات عسكرية مغلقة، علاقات وثيقة مع ضباط في وحدة الإنفاذ التابعة للإدارة المدنية. ونقلت الصحيفة عن مصدر خدم سابقًا في الإدارة أن نقاشات داخلية طُرحت فيها إمكانية “استثناء البؤرة من منطقة إطلاق النار”، رغم وضعها غير القانوني.

و”إذا كان في الماضي ثمة حاجة إلى إخفاء” علاقة الجيش بالبؤر الاستيطانية الرعوية، فإن هذه العلاقة باتت اليوم علنية، بحسب التقرير؛ علما بأن تقريرًا نشر مؤخرًا كشف أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، زار إحدى هذه البؤر برفقة قائد المنطقة الوسطى الحالي، آفي بلوت.

ووفقًا لمعطيات التي أوردتها الصحيفة، بلغ عدد البؤر الرعوية في الضفة الغربية حتى نهاية عام 2015 نحو 21 بؤرة فقط. وأوضحت أن المشروع توسع ليشمل “إقامة اتحاد يضم نحو 70 بؤرة رعوية”، بعض أعضائه على صلة مباشرة بالجيش.

ونقلت عن باحث من منظمة “كرِم نابوت” المختصة بمراقبة وبحث سياسات الأراضي التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية في الضفة، قوله إن عدد البؤر بلغ “أكثر من 70 وربما يصل إلى 190، نصفها أُنشئ منذ 2024”. وأوضح أن عددًا من هذه البؤر يحظى بحماية حركة “أمانا” الاستيطانية التي يقودها زئيف حافير، المقرّب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

وأضافت الصحيفة أن “الجيش بات ينظر إلى هذه البؤر كأصول أمنية، ويخصص لها جنودًا للحماية، كما يطالب بتزويدها بكاميرات وأسوار وطرق وصول”، في حين موّلت وزارة الاستيطان معدات وأدوات حماية بالملايين. واختتمت بالإشارة إلى أن “الجيش يبرر هذه الخطوات باعتبار البؤر تساهم في تعزيز الأمن”، رغم أنها “غير قانونية وتؤدي إلى طرد وتهجير جماعات فلسطينية من أراضيها”.