مراكز التصدير في آسيا تشهد نشاطاً مفاجئاً رغم رسوم ترمب الجمركية

بيانات النشاط الصناعي تبيّن نمو سجلات الطلبيات وعوامل داخلية تحمي اقتصادات المنطقة من تأثير الرسوم

وكالات – مصدر الإخبارية

تظهر مراكز التصدير في آسيا نتائج اقتصادية قوية على نحو مفاجئ، بعد شهر من بدء سريان “” التي فرضتها الولايات المتحدة. ما هدّأ المخاوف التي دفعت الاقتصاديين إلى خفض توقعات النمو، ودعت البنوك المركزية الإقليمية إلى التحذير من مخاطر هبوطية.

أظهرت بيانات النشاط الصناعي هذا الأسبوع أن سجلات الطلبيات تنمو، بدءاً من تايلندا ووصولاً إلى فيتنام، وأن الطلب يدفع إلى السحب من المخزونات، وأن التفاؤل بين مالكي المصانع مستمر. صمدت صادرات كوريا الجنوبية، التي تُعد مؤشراً أولياً على التجارة الإقليمية، خلال أغسطس، في حين ارتفعت الشحنات المُصدرة من سريلانكا وتايلندا بأرقام تفوق 10% في يوليو.

رفع “بنك أوف أميركا” توقعاته لنمو الاقتصادات الناشئة في آسيا هذا العام بمقدار 30 نقطة أساس إلى 4%، بما فيها فيتنام التي طالما اعتُبرت الأكثر عرضة للخطر نتيجة الرسوم الجمركية. وأرجع اقتصاديو البنك ذلك إلى عوامل داعمة: مجموعة من الاتفاقات التجارية، والنمو المحلي، وصمود صادرات التكنولوجيا، وتطبيق متوسط نسبة رسوم أقل من المتوقع، ونمو الاقتصاد الصيني.

وقالوا في مذكرة بحثية إنه “مقارنةً بتوقعاتنا في منتصف العام التي صدرت في يونيو، يبدو أن الضبابية المحيطة بالاقتصاد الكلي انحسرت”.

تأثير الرسوم على اقتصادات آسيا أقل من المتوقع

يشير صمود الأداء إلى أن العوامل الداخلية تسهم في حماية الاقتصادات الآسيوية من الرسوم الجمركية الأميركية، بدءاً بخفض البنوك المركزية أسعار الفائدة ووصولاً إلى الطلب على الصادرات بين دول المنطقة والنمو المحلي. في الوقت نفسه، صمد الطلب على السلع في الولايات المتحدة إلى الآن، حتى بعد صيف عجّلت فيه الشركات وارداتها، ما يشير إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب قد تلحق بالمنطقة ضرراً أقل جسامة مما كان متوقعاً.

يبدو مستثمرو الأسهم متفائلين أيضاً، إذ تواصل الأسهم في آسيا، على غرار نظرائها العالميين، الارتفاع منذ تراجع ترمب عن الرسوم الجمركية في مطلع أبريل، فيما أسهمت الاتفاقات التجارية اللاحقة في تهدئة قلق المستثمرين. ويواصل مؤشر “إم إس سي آي” لأسهم منطقة آسيا والمحيط الهادئ، الذي يُعد معياراً لأسهم المنطقة، تفوّقه على أداء مؤشر “إس آند بي 500” هذا العام.

نما اقتصاد اليابان بوتيرة أسرع من التوقعات في الربع الثاني بفضل الطلب المحلي، وظل الإنفاق الرأسمالي، وإن كان لا يزال دون أعلى معدلاته، إيجابياً خلال يونيو.

تحسن النشاط الصناعي والصادرات في آسيا

ارتفع النشاط الصناعي على مستوى جنوب شرق آسيا بأسرع وتيرة منذ أكثر من عام، كما شهدت ثقة الشركات في أغسطس أكبر ارتفاع منذ خمسة شهور بعد انخفاضها إلى أدنى مستوى في خمسة أعوام في الشهر السابق، وفقاً لمؤشر مديري المشتريات الصادر عن “إس آند بي غلوبال”.

وعلى صعيد الاقتصادات المتقدمة في آسيا، ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية في أغسطس بنفس وتيرة الشهر السابق، عند تعديلها وفقاً لأيام العمل، مدعومة بالطلب على أشباه الموصلات. أما عن صادرات الدول النامية في يوليو، فقد ارتفعت في سريلانكا بوتيرة أسرع مقارنةً بيونيو، وتجاوزت التوقعات في الفلبين وإندونيسيا، وظلت أعلى من متوسطها خلال خمس سنوات في تايلندا.

يُرجح أن صادرات فيتنام ارتفعت بمعدل من أرقام ثنائية، وفقاً لما بيّنه مسح أجرته “بلومبرغ” قبيل صدور البيانات هذا الأسبوع.

الاتفاقات التجارية وخفض أسعار الفائدة يدعمان الطلب في آسيا

ما يدعم الطلب الخارجي واستمرار عمل المصانع بسلاسة ونشاط هو مجموعة الاتفاقات التجارية التي أبرمها ترمب مع قادة دول المنطقة في يوليو، ومن بينها كوريا الجنوبية واليابان وفيتنام وإندونيسيا.

شرعت البنوك المركزية في المنطقة في حملة لخفض أسعار الفائدة، ما يدعم الطلب أيضاً. ففي إندونيسيا، أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، خفّض المسؤولون سعر الفائدة الأساسي ثلاث مرات هذا العام، فيما خفضت ماليزيا أسعار الفائدة لأول مرة في خمسة أعوام في يوليو، ويعد سعر الفائدة الأساسي في بنك تايلندا المركزي البالغ  1.5% من بين أدنى أسعار الفائدة في العالم.

ترقب لرسوم ترمب على الرقائق والأدوية

رغم ذلك، تستمر الضبابية، إذ تترقب الشركات والأسواق صدور تفاصيل عن الرسوم الجمركية المحتملة على الرقائق والأدوية، التي تخضع للتحقيق حالياً بموجب المادة 232 (من قانون توسيع التجارة) المرتبطة بالأمن القومي. كما قد يتلقى الطلب على التكنولوجيا ضربةً بعدما ألغى ترمب إعفاءات لعدد من الشركات، تشمل “سامسونغ للإلكترونيات” و”تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ” (TSMC)، ما يجعل شحن معداتها الحيوية إلى وحداتها الصينية أكثر صعوبة.

الضبابية تحيط بالرسوم بعد حكم بعدم قانونيتها

أشار صندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة إلى أن رغم الصمود الذي أظهره الاقتصاد العالمي في مواجهة الرسوم الجمركية، لا يزال الصندوق يتوقع تباطؤه خلال الفترة المقبلة.

كما تُعد رسوم “يوم التحرير” التي فرضها ترمب موضوع دعوى تنظر فيها المحكمة حالياً، فبعدما أصدرت محكمة استئناف حكماً بعدم قانونيتها الشهر الماضي، طعنت الإدارة الأميركية على الحكم. وقد يوفر الحكم ضد الإدارة قدراً أكبر من التخفيف، إذ سيخفض معدل التعريفات الجمركية الأميركية الفعلي بنحو النصف، بحسب “بلومبرغ إيكونوميكس”.

إلا أن هذا قد يثير حالة ضبابية أكبر، إذ ألمح ترمب إلى أنه إذا لم يأتِ الحكم لصالحه، فإن الاتفاقات التجارية المبرمة بعد “يوم التحرير” قد تكون في خطر أيضاً، ما قد يفسح المجال أمام وسائل أخرى لاستهداف العجز التجاري الأميركي الذي يسعى البيت الأبيض إلى تقليصه.