معاركٌ وحرب مع الجلوتين…مجاعةٌ وسط المجاعة

فرح الكولك – مصدر الإخبارية

تحمل ما يتوفر لديها من دقيقِ خالي من الجلوتين في كل مرةٍ تنزح فيها، وحتى لو كلف الأمر استغنائها عن بعض مستلزماتها الشخصية، هذه هي عادة ليلى زوجة حاتم وادي، المصاب بحساسية الجلوتين أو ما يعرف بمرض السيلياك منذ أكثر من 15 عاماً، فيمنع عنه منعاً باتاً تناول أي شيء يحتوي على الجلوتين.

الداء البطني أو ما يعرف بالسيلياك يصيب الجهاز الهضمي ويضر بالأمعاء الدقيقة والذي يسبب استجابة الجهاز المناعي بشكل غير طبيعي لبروتين الجلوتين، (بروتين موجود في القمح ومشتقاته) ما يؤدي الى تلف بطانة الأمعاء الدقيقة، ما يسبب صعوبة امتصاص العناصر الغذائية، وغير معروف حتى الان سبب الإصابة به ولكن يرجح أن العامل الوراثي يلعب دور كبير في الإصابة به، كما أن التهابات الأمعاء والطفيليات وبعض العمليات الجراحية تزيد من نسبة الإصابة بالمرض، ولا يوجد علاج له ولكن يمكن التعايش معه من خلال حميات غذائية.

أثناء تجول ليلى في أحد الأسواق في المحافظات الجنوبية، وعندما كانت تقرأ ما طبع على المواد الغذائية المتواجدة في السوق، وتبحث عن جملة (خالي من الجلوتين) وجدت أخيرا القليل من دقيق الأرز، فتمسكت به وكأنها حصلت على كنز بعد فترة بحث استمرت أيام، في المرة التالية وجدت أخيرا  الدقيق المخصص لزوجها يباع في الأسواق ويتعامل معه التجار أنه (خليط كيك) وهو في الأساس مساعدات دخلت لمرضى الحساسية ولكن تمت سرقتها، منذ معرفة التجار بالأمر أصبح سعر الكيلو جرام الواحد منه أكثر من 150شيكل وإن توفر، بعد ما كان سعره لا يتجاوز 10 شيكل، فأصبحت عادتها اليومية التجول في الأسواق والبحث عن طعام لزوجها ولكن دائما تبوء محاولاتها بالفشل،

وفي الوضع الذي تعيشه غزة ليس بالضروري النجاح في الحصول على سلع خالية من الجلوتين نهاية المشكلة، بل ربما تكون بداية لمشكلة جديدة، تتزايد فيها نوبات البكاء والغضب طلباً لمزيدٍ من الطعام، تماماً كمعاناة والدة فرح الحرازين ذات العشر أعوام التي تعاني من حساسية القمح من أربع سنوات، فعقلها الصغير لا يدرك معنى الجوع، ووالداتها بالكاد تستطيع توفير وجبة واحدة لها في ظل النقص الحاد محاولةً الحفاظ على حميتها الغذائية،

نقول والدة فرح الحرازين لشبكة مصدر الإخبارية: “لقد نفذ مخزون الدقيق الخاص ب ابنتي منذ أكثر من شهر، فكانت اخر مرة حصلت فيها على 2 كيلوجرام من الدقيق من جمعية ارض الانسان كانت قبل شهرين، وتعاني فرح كثيراً حيث لا يمكنها تناول الخبز المصنوع من القمح وحتى شم رائحته يسبب لها الصداع، وإن تناولته يسبب لها مضاعفات مؤقتة أو مضاعفات مستقبلية مثل السرطان، فاضطر يومياً ان أوفر لها القليل من الارز وأقوم بطبخه مع نوع من الخضار كالكوسا إن استطعت توفيره”.

وتكمل:” لكن هذا الطعام لا يسمن ولا يغني من جوع، لأن الكمية التي بمقدرتي توفيرها لها لا تشبعها ولا تكفي وجبة واحدة بسبب غلاء الأسعار ومن جوعها تصيبها نوبة بكاء، أحاول أحيانا ً تسكيت جوعها بنوع من الخضار او التمر لكن هذا يحدث نادرا فمعظم الأيام تنتظر لليوم التالي حتى تأكل ولا يمكنني كسر الحمية لأن المضاعفات التي ستحدث لا يقوى عليها جسدها الصغير”.

وأضافت والدة الحرازين: “قبل السابع من أكتوبر كانت صغيرتي متعايشة مع المرض، كنت اوفر لها كل شيء من دقيق ومعكرونة وخضار وحتى المسليات، ولم اشعرها بالنقص يوماً “.

ولكن سرعان ما انقلب الأمر رأساً على عقب فمنذ قيدت اسرائيل دخول المواد الغذائية تعاني هذه الفئة معاناة مضاعفة، وإذا سمحت بدخول المواد الغذائية لا تراعي احتياجاتهم الى أصناف خاصة، وتؤكد الحرازين انهم فئة مهمشة ولا يوجد اهتمام بهم ولم تشملهم المساعدات الإنسانية ولا أحد يراعي اختلافهم “.

بعد التزام أكثر من عام ونصف خلال الحرب على غزة كسرت نبيلة الهباش الحمية الغذائية على الرغم من التزامها الشديد في اول عام من الحرب، تقول: ” كانت البدائل متوفرة بعض الشيء وفي المتناول، لكن الان لا دقيق خالي من الجلوتين ولا خضروات وغلاء سعر الأرز والعدس، وكوني أماً أفضل دائماً توفير احتياجات أطفالي، فكان الحل أن أكسر الحمية وأتناول الأطعمة التي تحتوي على الجلوتين ولكن سرعان ما أصاب بأعراض تشبه التسمم (استفراغ واسهال وهزال وصداع) واحياناً احتاج النقل إلى المستشفى من شدة الألم”.

وأردفت الهباش: “فقدت أكثر من 25 كيلو جرام من وزني وأصبت بنقص في الكالسيوم وضعف الدم وألم دائم في المفاصل استنفذت كل الخيارات، ولم أعد احتمل الاستمرار في هذا الوضع أكثر، المعاناة تشد كل يوم ويزداد الامر صعوبة”.

وتشير الهباش أنها غير قادرة على متابعة حالتها الصحية بسبب غلاء أسعار التحاليل الطبية وعدم توفرها لدى الجمعية وتطالب المؤسسات بالنظر الى هذه الفئة وتوفير احتياجاتهم.

يقول الدكتور ماهر أبو عبد الله، المدير الطبي لجمعية ارض الانسان المختصة بمتابعة مرضى حساسية القمح، “إن عدد المصابين بهذا المرض يقدر ب 1200 حالة أكثر من 400 حالة منهم تم تشخيصها خلال الحرب على غزة، جميعهم يعيشون معاناة مضاعفة بسبب عدم توفر الأطعمة الخالية من القمح لهم ولا يوجد متابعة من الجهات الحكومية”.

وأضاف: “جمعية أرض الإنسان هي الجمعية الوحيدة المخولة برعاية مرضى السيلياك، وكنا نوفر لهم الدقيق والمعجنات ونعلمهم كيف يصنعون طعامهم ونعقد دورات تدريبية ومحاضرات توعوية عن المرض وكيفية التعامل معه، لكن الحصار والحرب إثر على تقديم الخدمات لهم، حاولت الجمعية توزيع الدقيق الخاص بهم مما توفر لنا، ونحاول قدر الإمكان ان لا ننقطع عن خدمتهم”.